جرائم العنف ضد النساء

جرائم العنف ضد النساء


أدانت هيئة محكمة الجنايات الأولى بدمشق, برئاسة القاضي هشام ظاظا, عددا من المتهمين, بجرائم العنف الأسري ضد النساء, التي تمثلت في اعتداء سافر ومهين على حياة وكرامة المرأة في المجتمع, بدءا من الضرب, والاغتصاب, وتشويه الأعضاء, والاكراه على ممارسة الدعارة, وانتهاء بالقتل المادي والمعنوي لأنبل ما في المرأة, من مشاعر وأحاسيس. ‏ وفي متابعة لسير محاكمة هؤلاء المتهمين, اخترنا لهذا الملف تلك الحالات:‏ ‏

مدير إدارة التشريع: المشرّع شدد في عقوبات الجرائم التي تعرض المرأة كأنثى للأذى النفسي والجسدي‏ ‏نائبة رئيسة الاتحاد النسائي: زواج المجرم من ضحيته يعطل تطبيق المواد التي تمنحها الحماية القانونية‏ ‏المحامي بشير عز الدين: دافع (الشرف) حجة لتمرير ممارسات العنف ضد النساء .‏

قتلها على مرأى من بناتها والأشهاد!!‏ ‏

قتل المتهم عبد الرزاق زوجته سميرة التي سبق أن تزوجها بلا رغبة وموافقة أهلها, قبل سبع سنوات, من تاريخ وقوع هذه الحادثة, وقد أنجبت منه ثلاث بنات, حضرن مشاهد قتل أمهن المروعة, إضافة إلى ابن شقيق المتهم (الذي اتخذ شاهدا رئيسيا في هذه القضية ) إذ حضر يوم وقوع الحادثة من محافظة حمص إلى دمشق, ليبلغ عمه رسالة من والده, بأن أهل زوجته ينتظرون حضوره من أجل إتمام عملية المصالحة, وعلى إثر ذلك, حصلت ملاسنة بين المتهم وزوجته, فطردها من المنزل, ثم عاد وأحضرها إليه ثانية, عندما شاهدها تقف مع بعض فتيات الحي, حيث راح يضربها بوحشية متناهية, بحضور ابن شقيقه الذي وصف بالتفصيل المشاهد اللاإنسانية للعنف الذي تعرضت له المغدورة- قبيل موتها- على يد زوجها الذي ترك بصمات يديه ورجليه واضحة على مختلف أنحاء جسمها المثخن بالرضوض والكدمات والكسور يقول: دخل عمي وزوجته إلى المنزل, فأمسكت به وحاولت منعه من ضربها أمام البنات, إلا أنه لم يستجب لرجائي, وجرها من شعرها إلى الداخل, وأخذ يضرب رأسها بالجدار لمرتين أو ثلاث حاولت منعه بشدة عنها نحو الخلف, فأخذ يكفر ويصرخ مزمجرا في وجهي, وما لبث أن اندفع نحوها ليضربها من جديد, حيث بدأت تصرخ مستغيثة بالناس, قائلة: .. تعالوا خلصوني من هذا المجنون.. فاشتدت عُصبة عمي الذي ارتمى بكامل ثقله فوق صدرها, ووضع كلتا يديه حول عنقها, فرحت أحول بينهما وأنا أقول له: كرامة لله والنبي ياعمي.. اتركها, فارتد عنها ليدفع بي إلى إحدى الكنبات) فتمكنت زوجة عمي- أثناءها- من الإفلات, لتتكوم منهكة في زاوية الغرفة.‏ ‏

وعندئذ تناول عمي إحدى الطربيزات ورماها بها, فأصابت بطنها وصدرها, فاتجهت نحوها لأسعفها, بعدما شاهدتها تتلوى ألما, وهي تضع يدها على بطنها, إلا أن عمي دفعني عنها, وهجم عليها مرة أخرى ليحملها من شعرها, ويلقي بها على إحدى الكنبات حيث راح يضربها (بالبوكس) على بطنها وصدرها بقوة, حتى أغمي عليها, وغابت تماما عن الوعي, فتناول عمي ( شحاطة) راح يصفع وجهها بها إلى أن أفاقت, فلم أعد أحتمل البقاء وطلبت من عمي أن يخرجني من البيت لأعود أدراجي إلى حمص ولكنه لم يستجب لي, وقد رأيت زوجة عمي تمد يدها مستغيثة بي وقالت لي بوهن: دخيلك, خذني معك.. فازداد غضب عمي الذي عاد ليضربها إلى أن أغمي عليها ثانية وعندئذ طلبت من ابنة عمي أن تفتح لي باب المنزل المقفل, ففعلت, وغادرت .‏

وفاة بسبب كتم الأنفاس‏ ‏

كان هذا ما ورد في إفادة ابن شقيق المتهم أمام السيد قاضي التحقيق, وكذلك في شهادته أمام هيئة المحكمة وتشير وقائع هذه القضية, أن عم هذا الشاهد ما توقف عن ضرب زوجته أبدا حتى بعيد مغادرته المنزل إلى أن لفظت أنفاسها بين يديه, تأكد ذلك في محضر الكشف على جثة المغدورة, وكذلك في تقرير الخبرة الطبية الثلاثية الجارية عليها فيما بعد, إذ تبين إصابتها برضوض وكدمات على كامل الجسم والرأس مع وجود كسور في أضلاع الصدر, كما بينت الصور- الفوتوغرافية- المأخوذة للمغدورة من قبل قسم الأدلة الجنائية, الكدمات الظاهرة بوضوح على وجه المغدورة والمفاجأة أن تظهر نتيجة التشريح أن المغدورة كانت حاملا في أسبوعها التاسع, وأن سبب الوفاة يعود إلى وذمة رئوية قد تكون ناجمة عن عملية كتم الأنفاس.‏ ‏

طمس معالم الجريمة‏ ‏

الجدير بالذكر أن المتهم تظاهر بداية, وإخفاء لجريمته بإسعاف زوجته أمام الجوار إلى مشفى البشير, حيث قامت إحدى الطبيبات بفحصها وطلبت منه نقلها إلى مشفى آخر, وقد تبين لطبيب المشفى الآخر أن زوجة المتهم- متوفية- منذ أكثر من نصف ساعة.‏ ‏

فحاول المتهم طمس معالم جريمته بدفن جثة المغدورة في وقت متأخر من تلك الليلة بمساعدة أحد معارفه.‏

‏غير أن جارة المغدورة كشفت النقاب عن هذه الجريمة النكراء, بإخبار قسم شرطة التضامن بأن جارهم قد ضرب زوجته في تلك الليلة ضربا مبرحا, ورجحت احتمال وفاتها بين يديه..‏ ‏

اعترافات .. ومماحكات!!‏ ‏

اعترف المتهم بالضبط الفوري أمام الشرطة, بما نسب إليه من جرم إلا أنه عاد وأنكر أمام القضاء تلك الاعترافات التي زعم بأنها قد أخذت منه بالجبر والشدة, وقال: إنه لم يضرب زوجته في تلك الليلة سوى- كفين- ليؤدبها, فانهارت وراحت تقوم بشد شعرها, وضرب رأسها بالجدار والأرض وهي تندب حظها..‏ ‏غير أن شهادة الجوار, دحضت هذا الإدعاء إذ أكدوا أن المتهم كان يضرب زوجته باستمرار ضربا مبرحا..‏

‏حكم العدالة‏ ‏

قاضي الإحالة بدمشق أصدر بناء عليه قرارا تضمن اتهام المدعى عليه في هذه القضية بجناية القتل لأكثر من شخص أو محاكمته من أجل ذلك, أمام محكمة الجنايات بدمشق..‏ ‏وفي المحكمة المذكورة, طلب ممثل النيابة العامة السيد محمد سعيد البيطار, إدانة المتهم وفق قرار الاتهام الصادر عن السيد قاضي الإحالة في حين طلب محامي الدفاع المسخر عن المتهم, إعلان براءة موكله من الجرم المسند إليه, وأضاف قائلا:‏ ‏

- إن إقدام موكلي, على ضرب زوجته المغدورة, كان بنية المحافظة عليها, وبقصد تأديبها فقط, وقد أباح الله ضرب الزوجات في مثل تلك الحالات, إلا أن النتيجة, جاءت عكس ما أراد, إذ وقعت مشيئة الله وقدره..‏ ‏

غير أن هيئة المحكمة, ردت هذا القول, إذ رأت في اسلوب المتهم بضرب زوجته المغدورة -( على النحو الذي ورد في شهادة ابن أخيه)- نية في القتل , بل وإصراراً عليه, وبناء عليه..

قررت هيئة المحكمة فيما بينها بالاتفاق:‏ إدانة المتهم عبد الرزاق, بجناية القتل القصد, الواقع على شخصين هما (زوجته المغدورة وجنينها), والحكم عليه من أجل ذلك بسجن الأشغال الشاقة المؤبدة..‏ ‏

باع لحمها رخيصا في سوق النخاسين‏ ‏

تجسد هذه القضية, أبشع أنواع استغلال المرأة, تحت وطأة العنف الجسدي والمعنوي, الذي مارسه بحقها, زوج أخذ يتاجر بجسدها خارج البلاد, تجارة الرقيق الأبيض في سوق النخاسين..‏ ‏- كيف حدث ذلك?.. إليكم التفاصيل:‏ ‏تزوج عادل (45) عاماً من القاصر شجن (17) عاماً, وسكنت معه في دمشق لفترة وجيزة, ثم ما لبث أن سافر بها الى لبنان, فالأردن, فمصر, ليستقرا في شقة مفروشة, استأجرها بمساعدة صديق.‏ ‏وتصف شجن أمام هيئة المحكمة, بداية رحلة ضياعها والعذاب بالقول:‏ ‏-- .. في لبنان, أخذ يلعب القمار, الى أن خسر أمواله كلها, كما رهن ساعة يده, وقد اضطرني لبيع محبسي والمصاغ, لنسافر الى الأردن, فمصر, حيث استأجر لي شقة مفروشة في القاهرة.‏ ‏ثم ما لبث قليلاً بعد أن استقر بنا الحال, حتى أخذ يحضر الزبائن الى تلك الشقة, ويكرهني على معاشرتهم, بلا أدنى حرج, من وجود ابنته من زوجته الأخرى معنا..‏ ‏وتتابع شجن, إفادتها حول أساليب زوجها, في إكراهها على الاحتراف, قائلة:‏ ‏

--..لما رفضت في البداية, الامتثال لأوامره, والرضوخ لرغبات زبائنه, جعل صدري مطفأة لأعقاب سجائره, كما طعنني في كتفي وصدري بسكين..‏ ‏وتذكر شجن, أمام هيئة المحكمة, أنه رغم أنها (لم تشتغل عمرها في هذه الشغلة) على حد قولها فقد كان زوجها يصر على -احترافها- لها إذ كان يقدمها الى الزبائن في الشقة المفروشة نهاراً, وفي الليل يصطحبها للسهر في الفنادق, كي يقدمها الى نخبة من زبائنها, وأشارت شجن كذلك الى أن زوجها كان قد اصطحبها مرة للإقامة في فندق بشرم الشيخ, بحجة السياحة والاستجمام, وقد كان في حقيقة الأمر -يتاجر بجسدها- بين ا لسياح من مختلف الجنسيات.‏ ‏ولما سألها القاضي: ..لماذا لم تشتك عليه للسلطات هناك?‏ ‏

أجابت: (لأنه كان يسجنني في غرفتي وقد أوصد علي الأبواب بالمفتاح), غير أن الأسوأ من كل ذلك, أن تكشف شجن النقاب في المحكمة, عن صفقة وضيعة قام بها زوجها, بمحاولة بيعها في نهاية المطاف, الى أحد الأثرياء من الدول العربية المجاورة).‏

تقول:..أيقظني زوجي في السادسة صباحاً وكان برفقته رجل غريب وقال لي بلا مقدمات: (ضبي ثيابك, فقد بعتك لهذا الرجل, ولم تعد لي علاقة بك) وتشير شجن, الى أنها قد تحدثت بهذا الشأن, مع أحد أصدقاء زوجها على الهاتف, فأرشدها الى السفارة السورية في القاهرة, ونصحها بطلب المساعدة منها.‏ ‏

العودة إلى السرب‏ ‏

وهكذا..تمكنت شجن قبيل إتمام عملية الاستلام والتسليم, من الهرب من الشقة, بعد أن سرقت جواز سفرها من زوجها, ولاذت فعلاً بالسفارة السورية في القاهرة, وحدثت القنصل هناك بتفاصيل مشكلتها مع زوجها, فقدمت لها السفارة, كافة التسهيلات اللازمة لمغادرتها القاهرة الى دمشق, حيث تقدمت شجن مع وليها الجبري (والدها) باعتبار أنها لا تزال قاصراً بادعاء ضد زوجها, الذي توارى عن الأنظار, الى أن تمكن قسم حماية الآداب والأحداث, في فرع الأمن الجنائي بدمشق, من إلقاء القبض عليه, وبالتحقيق معه أنكر بداية ما اسند إليه من جرم, وزعم في رواية أخرى: أن زوجته, قد هربت من مسكنها الشرعي في القاهرة, , بعد أن استولت على جواز سفرها, وسرقت منه مبلغ /850/ ألف دولار, وبعض المصاغ الذهبي..وأضاف القول:‏ ‏..إنه كان قد طلقها, بعدما اتصلت به والدته من دمشق, لتعلمه بوجود دعوى وإشكالات على زوجته, التي تبين أنها قد سبق وتعرضت لحادثة اغتصاب, قبيل زواجها منه.‏ ‏

الجدير بالذكر أن زوجة المدعى عليه في تلك القضية, لم تنكر تلك الحادثة, وأفادت أمام هيئة المحكمة:‏ ‏

أنه قد سبق أن اغتصبها ثلاثة أشخاص, وقد تمكنت من الهرب منهم, لتلوذ بمنزل عائلة, أعلمت الشرطة بالحادثة, وبعد التحقيق, وملاحقة المغتصبين قضائياً, تم عقد قرانها على المدعو أمجد, طلباً للستر ودرءاً للفضيحة, وطلقت منه, لتعود الى منزل أهلها, حيث تقدم المدعو وائل لخطبتها بعد مرور ستة أشهر على الحادثة, وتزوج منها عن طريق وسطاء من أقاربه, ومعارف من قريتها..وأكدت شجن, أن زوجها هذا قد عقد قرانه عليها, وهو على علم بقصتها, ويعرف تماماً بأنها ليست فتاةً بكراً..‏ ‏وسطاء أم سماسرة?!‏ ‏

أهم ما في القضية, أن يكشف والد الفتاة في إفادته أمام السيد قاضي التحقيق, وشهادته أمام هيئة المحكمة, عن دور وسطاء أخذوا صفة -السماسرة- في عقد صفقات زواج مشبوهة الى الخارج, لقاء المنفعة المادية.‏ ‏

إذ ورد في إفادته قوله - عفوياً-:‏ ‏

--..بعد انتهاء مشكلة ابنتي, بحوالي ستة أشهر, حضر إلي المدعو (ط, ع) , وعرفني على شخص يدعى وائل, الذي تقدم لخطبة ابنتي وتزوج منها, وبعد أسبوع غادرا القرية لتقيم ابنتي مع زوجها في شقة مفروشة, بمحلة ركن الدين, وكانت حياتها في البداية سعيدة , الى ان غادرت البلد برفقة زوجها, لتستقر في مصر, ثم انقطعت عني أخبارها كليا. وبعد شهرين ونصف , أعلمني المدعو(ط/ع) (اي الوسيط في هذا الزواج) - بأن ابنتي قد ضاعت , وقد علم ذلك من خلال صهري الذي اتصل به ليسأل عنها..‏ ‏

وبعد يومين , اتصل بي القنصل السوري في القاهرة , ليعلمني بأن ابنتي موجودة عندهم في السفارة, وان زوجها سيئ, وطلب مني استقبالها في المطار.. ولما التقيت مع ابنتي حدثتني بما حصل معها بالتفصيل, وارتني اثار التعذيب على جسدها ..فتقدمت بادعاء ضد زوج ابنتي , وقريبه (ط/ع) الذي مارس (دور الوسيط في هذا الزواج) لقاء مبلغ 40 الف ل.س, دفعهم له زوج ابنتي( كسمسرة )كما وعده بمبلغ اكبر عند اتمام صفقة بيعها في الخارج.‏ وتشير هيئة المحكمة في قرارها الذي اتخذته حيال هذه القضية بالاتفاق, الى انه قد سبق ملاحقة هؤلاء جميعا, بنفس الجرم (اي: الحض على الفجور) امام محكمة بداية الجزاء .كما ادانت محكمة الجنايات في ذات القرار المتهم وائل, بجناية التدخل بأفعال اغتصاب الزبائن لزوجته , نظرا لاقدامه- (بما يمتلك من سلطة شرعية, وقانونية عليها) - على تسهيل معاشرة الزبائن لزوجته, بالاكراه والعنف الثابتين ( بالحرق والطعن والتهديد), والذين لولا مساعدته لهم على هذا النحو , لما تمكنوا من ممارسة هذا الفعل مع زوجته, وتضيف هيئة المحكمة في متن قرارها القول:‏ ‏

بما ان المشرع انطلق في عقاب جرائم الاغتصاب, من ميدان الرضا والقبول, وقد ثبت بتقرير الطبيب الشرعي, وجود اكراه مادي ومعنوي على جسد المدعية, اذا اشار بشكل واضح وصريح الى وجود ندبتين حديثتي العهد في لوح كتف وصدر المغدورة , ناجمتين عن الطعن بسكين, وقد حدد هذا التقرير عمر هاتين الندبتين بأسبوعين, ولدى العودة الى جواز سفر المدعية, وبطاقة مغادرتها القاهرة إلى دمشق تبين أن هاتين الإصابتين قد تعرض لهما جسد المدعية , قبيل مغادرتها القاهرة .‏

الامر الذي افقدها الشعور والاختيار في ممارسة مالا تحب ولا ترضى .‏

وبناء عليه , قررت هيئة المحكمة أخيرا, معاقبة المتهم من اجل ذلك والحكم عليه بالسجن مع الاشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة, مع إلزامه بدفع تعويض مقداره مائة الف ل.س للمدعية لقاء ما اصابها من ضرر مادي ومعنوي .‏

طعنها في صميم امومتها‏ ‏

تمثل هذه القضية, ابشع أنواع العنف المعنوي, الذي مورس ضد امرأة على الاطلاق, إذ أقدم طليقها على طعنها في صميم أمومتها, بقتل ابنتها -كيدا بها-بعد أن ربحت دعوى بحضانتها, ولم يكتف بذلك بل انصرف لاغتيال أمها بنار الحقد الرصاص, وإليكم التفاصيل:‏ ‏

تتلخص وقائع هذه الدعوى بأن المتهم (جميل)كان متزوجا من السيدة لجينة, وقد أنجب منها طفلين( بنت وصبي), ونتيجة خلافات زوجية نشبت بينهما, وقع الطلاق وبقي الطفلان في عهدة والدهما, الى أن تقدمت والدتهما بدعوى حضانة, صدر بموجبها قرار قضائي بحضانتها لابنتها, مما أثار حفيظة الأب, الذي أطلق النار على ابنته غضبا, وهي نائمة بأمان في سريرها, كما صمم على قتل أمها أيضا, فخرج من منزله, وهو مسلح بذات المسدس غير المرخص, الذي قتل به ابنته للتو, واتصل بأعصاب باردة, بطليقته من هاتف بجوار منزلها, وطلب منها بلهجة هادئة أن تنزل الى الشارع العام, لاستلام ابنتها التي أحضرها بنفسه اليها, غير أن المذكورة رفضت, وأجابته:أنها لن تستلمها الا عن طريق المحكمة, فنجت بذلك من موت محتم.ولولا تدخل عناصر الشرطة, بإلقاء القبض على قاتل ابنته-في الوقت المناسب -إثر قيام شقيقه بإعلامهم عن فاجعة قتل ابنة أخيه..لكانت لجينة في عداد الأموات, فتنضم الى قبر طفلتها المغدورة, في ليلة واحدة..‏ ‏‏ ولكن من قال, أن هذه الأم قد نجت من الموت حقا, فهي إن لم تمت حقيقة, فقد ماتت معنويا, في جريمة قتل بالنيابة, ولكم أن تتخيلوا سعير الجحيم, الذي ستعيش فيه هذه الأم الثكلى بفلذة كبدها, إذ نكأ المجرم في سويداء قلبها, جرحا لا يندمل على مديد السنوات, والأيام.‏ ‏

محاولات لتبرئة المتهم‏ ‏

الجدير بالذكر, أن المدعى عليه في هذه القضية, اعترف فورياً بالجرم المسند إليه, فأصدر السيد قاضي الإحالة قراراً تضمن:‏ ‏

اتهامه بالقتل القصد لابنته, والشروع بالقتل العمد لأمها, ولزوم محاكمته أمام محكمة الجنايات ولدى مثول المتهم أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق طلب ممثل النيابة العامة: إدانة المتهم وفق قرار السيد قاضي الإحالة, بينما تقدم الوكيل القانوني للمتهم, بلائحة دفاع إلى هيئة المحكمة, ذكر فيها: ان زوجة موكله كانت تعامله معاملة سيئة جداً, وتتلاعب بأعصابه, وتهدده باستمرار, مما أدى إلى إصابته بمرض عقلي ونفسي, وطلب إجراء خبرة طبية نفسية على موكله, لإثبات أنه غير مسؤول عن تصرفاته.‏ ‏

فاستجابت المحكمة لطلب محامي الدفاع, غير أن نتيجة الخبرة الطبية, بينت بإجماع ثلاثة أطباء (حنا الخوري, ومازن خليل, وفخر الدين قاطرجي), عدم إصابة المتهم, بأي مرض عقلي ونفسي , كما انتهت هذه الخبرة, إلى أن المتهم مسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفاته ولا توجد أية علاقة رابطة بين ارتكابه للجرم المسند إليه, والأمراض النفسية أو العقلية.‏

‏فطلب وكيل المتهم في مذكرة أخرى لاحقة, إعادة الخبرة من جهة, ودعوة الشهود الذين ذكر اسمائهم في مذكرته لإثبات سوء معاملة الزوجة المدعية لزوجها من جهة أخرى.‏ ‏غير أن هيئة المحكمة لم تستجب لطلب محامي الدفاع هذه المرة لأنها لم تر موجباً لإعادة الخبرة, من جهة أخرى, ردت هيئة المحكمة طلب محامي الدفاع الثاني, أي : دعوة الشهود, لإثبات أن المدعية كانت تعامل زوجها معاملة سيئة نظراً لعدم جدواه في إثبات الوقائع, المراد إثباتها بأقوال الشهود, فهي بالمحصلة غير منتجة, وليست فعالة في هذه القضية, فأياً كانت تصرفات المدعية مع المتهم (على حد قول السيد رئيس المحكمة) فهذا لا يبرر قتل المتهم للطفلة المسكينة, التي ظلمها ظلماً كبيراً إذ قتلها دونما ذنب يذكر, فتشابه وضعها ومصيرها مع الابنة الموؤدة في زمن الجاهلية, والتي ضرب الله بها مثلاً في كتابه العزيز, إذ قال: (وإذا الموؤدة سئلت.. بأي ذنب قتلت) وبناء عليه.. قررت هيئة المحكمة بالاتفاق, إدانة المتهم جميل, بجناية قتل ابنته قصداً والشروع بقتل مطلقته عمدا, والحكم عليه بالإعدام لجهة قتل الابنة, والسجن مع الأشغال الشاقة المؤبدة لجهة الشروع بقتل الأم, مع دغم العقوبتين معاً, وتنفيذ الأشد منهما, أي: الإعدام...‏

المرأة وقانون العقوبات بين المشرع والواقع‏ ‏

لقد جسدت الحالات الثلاث المختارة من بين ملفات محكمة الجنايات الأولى بدمشق, التي صدر بها حكم قضائي وجاهي وعلني لعام , 2004 جسدت بلا شك, نماذج تصلح كعينة , لتسليط الضوء, على فظاعة جرائم العنف الأسري, الواقعة ضد النساء, سواء الجسدي منها, أو المعنوي والسؤال المطروح الآن:‏ ‏

- ما الحماية القانونية, التي يوفرها المشرع والمجتمع, للمرأة في حال تعرضها لمثل هذا الأذى والإهانة والاعتداء? وهل حقاً أن جميع النساء اللواتي يتعرضن لجرائم العنف الأسري, يلجأن إلى القضاء?‏ ‏

الأخت رغداء الأحمد, نائبة رئيسة الاتحاد العام النسائي, ورئيسة مكتبه القانوني سابقاً, أجابت عن هذا السؤال, بالقول:‏ ‏

-- حدد قانون العقوبات العام بمجمله, جرائم الاعتداء الواقعة على الأشخاص- ذكراً كان أم أنثى- بدءاً من الذم, والقدح, والتحقير, مروراً بالضرب, والاعتداء البدني, وتشويه الأعضاء, وانتهاء بالقتل القصد أو العمد.. حيث نص بشكل واضح وصريح, على عقوبات متفاوتة -حسب طبيعة الجرم- إزاء الجنح والجنايات التي تقع على الإنسان, بلا تمييز بين المرأة والرجل.‏ ‏

أي بمعنى: أن النساء اللواتي يتعرضن, للاعتداء المعنوي أو البدني يستطعن اللجوء إلى المحاكم, والتقدم بشكوى - قضائياً- لإلحاق العقوبة بكل من ألحق بهن الضرر أو الأذى..‏ ‏

هذا من الناحية التشريعية, والقانونية, وأما من الناحية العملية, فقد أثبت الواقع الملموس, ندرة لجوء النساء للشكوى, ضد أب, أو أخ, أو زوج, أو ابن, أو حتى رجل غريب, لأسباب تتعلق بأواصر القربى, والخوف من الفضيحة...‏

وبشكل عام لا احد يستطيع ان ينكر ان قانون العقوبات قد خص المرأة في المجتمع السوري بحماية قانونية لابأس بها فيما يتعلق بالجرائم الواقعة عليها بصفتها- انثى- ونشير في هذا الاطار على سبيل المثال وليس الحصر الى قانون مكافحة الدعارة الذي أوجده المشرع السوري لمكافحة جميع اشكال الاتجار بالنساء او استغلالهن بممارسة الدعارة.‏ ‏ومع ذلك ورغم الحماية التي منحها قانون العقوبات للمرأة في حال الاعتداء عليها فهو لا يخلو من بعض الهنات الهينات التي لابد من العمل على تعديلها حتى تصبح المرأة والرجل امام القانون على حد سواء مثال: المادة (508) من قانون العقوبات فيما يخص الاعتداء على المرأة بالعنف جنسيا اذ توقف بموجب هذه المادة الملاحقة وتنفيذ العقوبة بمرتكبي جرائم : الاغتصاب, الفحشاء, الإغواء, التهتك اذا تزوج المجرم من ضحيته بمعنى ان المجرم يسعى بغية الافلات من العقاب الى الزواج من ضحيته بمباركة اهلها الذين يقبلون بهذا الزواج بل يطالبون قضائيا به درءا للفضيحة وطلبا للسترة مما يؤدي في النتيجة الى تعطيل تطبيق المواد التي اعطى المشرع فيها للمرأة الحماية القانونية ضد جرائم العنف الجنسي والجسدي الواقعة عليها مع تجاهل ان الضحية في مثل هذه الجرائم بحاجة الى علاج نفسي وصحي للخروج من تأثير حادثة الاغتصاب عليها وليس وضعها امام مغتصبها ليعتدي عليها يوميا جنسيا وجسديا كيفما شاء ومتى اراد يحميه في ذلك عقد زواج هو في الحقيقة - باطل- لانه مشوب بالاكراه ولم يتحقق فيه عنصر الرضا الذي هو من اهم اركان الزواج, ومن الواجب تعديل هذه المادة من اجل معاقبة مرتكبي هذه الجرائم وفقا للقانون وفي مثال اخر - تتابع الاخت

رغداء القول:‏ ‏

نجد في نص المادة (489) مايلي: (من اكره غير زوجه بالعنف او بالتهديد على الجماع عوقب بالاشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الاقل) ويبدو من هذا النص ان اكراه الزوجة امر مسموح به لذلك لابد من اقتراح تعديلها لتصبح (من اكره امرأة بالعنف) هذا مع ملاحظة ان في كثير من قضايا جرائم العنف الاسري الواقع ضد النساء يحظى الرجل بالاعذار المحلة والمخففة من العقاب كما يمنح الاسباب المخففة التقديرية, والسؤال المطروح ازاء ما ذكرته الاخت نائبة رئيسة الاتحاد النسائي هو : متى تكون الاعذار المحلة والمخففة من العقاب قانونية ومتى تتحول الى حجة او ذريعة قانونية لتمرير جرائم العنف الاسري الواقعة على النساء?.‏ ‏

العنف تحت ذرائع مختلفة‏ ‏

المحامي بشير عز الدين , خبير ومشاور حقوقي في الفريق الوطني المكلف بدراسة التشريعات والقوانين الخاصة بالمرأة بهدف تعديلها, قال في اجابة عن السؤال المطروح اعلاه:‏ ‏

جاءت المادة (548) من قانون العقوبات بفقرتها الاولى لتعطي عذرا محلا للرجل بمعنى انها تعفيه من العقاب في حال قتله او ايذائه لزوجته او احد اصوله او فروعه او اخته عند مفاجئتهم بجرم زنا مشهود او صلات جنسية فحشاء مع رجل, وهذا عذر خاص بالرجل ولايشمل المرأة حيث يبرر العذر هنا ان الرجل قد ارتكب جريمته تحت ضغط وانفعال شديدين دون سبق اصرار وترصد, وارى هنا ان التفرقة لا مبرر لها فالإهانة التي تلحق بالرجل والمرأة واحدة وإن تأثر وتأثير المرأة نفسيا لا يقل في مثل هذه الحالة عن تأثر وتأثير الرجل ومن الواجب تعديل هذه المادة والغاء العذر المحل كليا واعطاء عذر مخفف لكل من الرجل والمرأة بنفس الدرجة.‏ ‏

وينتقل الاستاذ عز الدين إلى الحالة المريبة الواردة في الفقرة الثانية من المادة(548) والتي تعطي مرتكب جريمة القتل عذراً آخر, فيقول: إن هذه العبارة -(الحالة المريبة)- عبارة فضفاضة, ولا معيار لها, ويصعب تحديدها, كما تفتح الباب واسعاً للانتقام من المرأة, والتخلُّص منها تحت ذرائع مختلفة, حيث جاء النص مطلقاً وعاماً, ولم يحدد ماهية الحالة المريبة, وهي حالة نسبية, تختلف في الواقع من شخصٍ لآخر, وأرى أن منح العذر المخفف للرجل في الحالة المريبة, لا مبرر له, ولا بد من إلغاء كلمة -الحالة المريبة- من هذه المادة, ومنح العذر المخفف للمرأة والرجل على حد سواء, وإلغاء العذر المحل كلِّياً.‏ ‏

وكذلك يصح هذا القول في عبارة ( الدافع الشريف ) الواردة في المادة(192) من قانون العقوبات, والتي لم تحدد ماهية هذا الدافع, وتعطي الرجل عذراً مخففاً, إذا ارتكب جريمته بهذا الدافع, مما يؤدي في النتيجة إلى منح الرجل الحق في ممارسة العنف ضدَّ نساء العائلة (زوجة أو اخت أو ابنة أو حتى أم) فيمعن فيهن قتلاً وإيذاء, بحجة هذا الدافع الشريف..‏ ‏ولابد من تعديل هذه المادة, واستبعاد عبارة ( المرتكبة ضدَّ المرأة داخل الأسرة ) منها كلياً.‏ ‏

وضمن هذا السياق, يعرِّج المحامي بشير عز الدين في ختام حديثه على عبارة (الاستفزاز ) الواردة في المادة (242) من قانون العقوبات , والتي تعطي الرجل عذراً مخففاً, في الجريمة التي يقدم عليها في ثورة غضب شديد, بحيث تتحول هذه الجريمة من جناية إلى جنحة, وتخفَّض فيها العقوبة إلى حدٍّ كبير.‏ ‏يقول المحامي بشير : العلَّة في التخفيف هنا, هي أن مرتكب الجريمة, أقدم عليها, بدون التحكم بإرادته بسبب عمل غير محق, أتى به المجني عليه, وتستخدم هذه المادة عادةً للتخفيف من العقوبات في الجرائم التي ترتكب بحجة وبدواعي الدفاع عن العرض والشرف التي لا بد من تعديلها, واستبعاد تطبيقها على مثل هذه الجرائم للتخفيف من العنف الأسري ضدَّ النساء, ومكافحة الجرائم التي تنجم عنه.‏ ‏

تبدل الأحكام بتبديل الأزمان‏ ‏

من جهته علَّق أخيرا السيد جودت نابوتي مدير إدارة التشريع في وزارة العدل على ما ورد في هذا الملف, من قضايا وأحكام وآراء ومقترحات, قائلاً: يساوي قانون العقوبات بين الرجل والمرأة في القواعد العامة للتجريم والمسؤوليات الجزائية وأصول المحاكمات وقواعد الإثبات كما أنَّ المشرع السوري نصَّ في العديد من الأحكام التي وردت في القوانين والتشريعات النافذة على بعض الجرائم الواقعة على المرأة والتي تعرضها للأذى النفسي والجسدي كأنثى وشدد في العقوبات عليها, مثال: جريمة لاغتصاب التي يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة (18) سنة مع الاشغال, وقد تصل هذه العقوبة إلى (20) مع الأشغال إذا كانت المرأة دون سن الخامسة عشر, حسب نص المادة (489) من قانون العقوبات.‏ ‏

وكذلك تصل عقوبة الفعل المنافي للحشمة إذا وقع عليها بالعنف المادي أو المعنوي, إلى السجن (18) سنة مع الأشغال حسب نص المادة (493) من قانون العقوبات العام.. وفي ختام هذا الملف يجيب الاستاذ جودت على سؤالنا عن بعض المواد, التي تتطلب التعديل في القوانين والتشريعات النافذة لترسيخ مبدأ: معاملة المرأة والرجل على حدِّ سواء .قائلاً:‏ ‏

لقد شهدت الجمهورية العربية السورية نهضة تشريعية خلال السنوات الماضية, وبتضافر جهود سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وأيضاً بمشاركة التنظيمات الشعبية, وعلى رأسها الاتحاد العام النسائي, وذلك بهدف إزالة الرواسب وتطوير بعض التقاليد والعادات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتحديث القوانين بما يواكب التحولات الاجتماعية وباقي الصعد الأخرى. والتحديث يعني في مضمونه هنا: التعديل والإضافة والإلغاء وفقاً لحاجات ومستلزمات الحاضر, والتقدم العلمي وبما لا

يخالف جوهر الشريعة الإسلامية, ولا سيما القاعدة الفقهية المعروفة: لا ينكر تبدُّل الأحكام, بتبديل الأزمان.‏ ‏

2004
موقع القانون السوري

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon