قناعاً اسمه الحب!!..

قناعاً اسمه الحب!!..

" نعم يضربني بقسوة لكن لا أنكر أنه يحبني.." تصف فايزة البالغة من العمر 35 عاما زوجها المحب وهما لا يزالا في السنوات الأولى من زواجهما, وتتابع بخجل: " تزوجنا بعد قصة حب دامت سنتين عرفت يوسف خلالها رجلا عطوفا وحنونا, ثم بعد العرس بمدة قصيرة انقلبت حاله ,أصبح عصبيا وعنيفا جدا. لا أذكر أول مرة ضربني فيها,لا أذكر عدد المرات, كثيرا ما يطرحني أرضا ويدوس بقدميه على بطني وظهري حتى ابنتنا الصغيرة تنال نصيبها أيضاً.راتبه من عمله كناطور بناء لا يكفي معيشتنا وقد أجبرني على العمل في خدمة المنازل بعد أن باع كل صيغتي, لم أتذمر بالعكس اعتدت على ذلك خاصة وأنه يبعدني بعض الوقت عن عنف زوجي, أتمنى أن أبقى في العمل ولا أعود إلى البيت أبداً ".

عقدت حاجبيها السوداوين فانكمشت آثار الكدمات الزرقاء على جبينها ووجنتيها, نظرت إلى الأرض, ابتلعت دمعتها وأضافت : " لا أريد أن أظلمه, أعلم أنه يحبني ولا يستطيع العيش دوني, يقول لي ذلك دائما وخاصة حين يعتذر بعد كل مرة يضربني فيها, أنا لن أترك بيتي ما لم يطلب هو مني ذلك..".

.....حب عنيف...

تقول أم محمود ضحية أخرى من ضحايا الحب العنيف والتي تعمل طاهية لمأوى عجزة في إحدى ضواحي مدينة دمشق : "زوجي فلسطيني الجنسية وقد كان أسيرا في السجون الإسرائيلية قبل نزوحنا إلى الشام , مضى على زواجنا 25 سنة ذقت خلالها الأمرين . عندما أنظر إليه وهو يضربني أشعر أني أمام وحش مجنون ينهشني ليس فقط بيديه بل بأي شيء حاد يجده في طريقه, يكفي أن لا يعجبه الطعام حتى يقلب الطاولة ويقلب حياتي رأسا على عقب, لقد اضطر في إحدى المرات لنقلي إلى المستوصف بحجة أنني وقعت من أعلى السلم ".

عندما سألت أم محمود عن الحب تحولت عيناها طفلة بريئة تحبو وأجابت :" نعم طبعا أنا وأبو محمود أحببنا بعضا كثيرا لكن المسألة الآن لم تعد مسألة حب بل عشرة عمر. أدرك أن كل ما يفعله ناجم عن التعذيب القاسي الذي عاناه على يد الاسرائليين في المعتقل , هو يخبرني دوما بمرارة ما ذاقه، وأنا بدوري أغفر له ,هذا واجبي و أقل ما تفعله أي زوجة أصيلة في مكاني " .

كمثال آخر على معاناة المرأة " الأصيلة " حدثتني السيدة مريم وهي ممرضة في إحدى مشافي دمشق عن "بهارات الحب" فقالت: " زوجي شاعر ومثقف من الطراز الأوليعتبر نفسه مسؤولا عنترجمة أحاسيس الناس وهمومهم , عندما أخبره أن من العيب على شخص بمكانته أن يضرب زوجته ويتصرف كأي رجل أمَي متخلف،يخبرني أن دوافعه تختلف فهو يضربني لأنه يحبني وليبعد الروتين عن حياتنا الزوجية فلا أحلى بنظره من" الصلحة بعد العلقة " أو ما يطلق عليه اسم " بهارات الحب " . استنجدت بأهلي وطلبت منهم التدخل، لكن رفضوا وأخبروني أن وضعهم لا يحتمل إعالتي وأولادي وأن علي شكر ربي مئة مرة لأني وجدت من يتزوجني ويسترني".

الحب يلتقي بنقيضه إذا ليأخذ طابعا مختلفا تماما عن ذاك الذي كبرنا ونحن نحلم به مع أغاني فيروز وعبد الحليم حافظ ، فكيف اتسع البعد الفلسفي للحب وبرر أفعالا من صميم الكره والقسوة والألم ؟؟ ومنذ متى تحولت صورة الملهمة الشعرية من عشيقة حورية جميلة إلى امرأة معنفة ؟؟

اختلطت المفاهيم وتشوهت الأسماء، وقفت حائرة أتعرف على "الحب" الغريب عن الصور الجميلة التي في ذهني، هل تصدق فايزة فعلا أن زوجها يحبها أم ترتدي بدورها قناعا تحارب به رواسب الزمن الذكوري وعقلية مجتمع يعتبر الرجل منزها عن الخطأ بينما المرأة هي المحرض والدافع لكل الإساءات التي يرتكبها؟ هل تشعر أم محمود بالرضا لأنها تقوم بواجبها الزوجي على أكمل وجه؟؟ أم أنها اعتادت على لعب دور الضحية التي تتحمل وبصمت مسؤولية كل شيء، التعذيب في السجون والمعتقلات وربما الحروب ,المجاعات ,سوء الوضع الاقتصادي والسياسي, أثار تردي وضع المجتمعات النامية , احتلال فلسطين وربما لاحقا الإرهاب؟؟ أمن السذاجة أن تسكت المرأة عن العنف المرتكب ضدها أم هو التبصر أن تعض على الجرح وتحتمي بزوج عدواني من مجتمع مختل لا يرحم؟؟؟ ماذا ستفعل مريم وأين الملجئ بعيدا عن الأهل وبدون وجود قانون منصف ومؤسسات اجتماعية مختصة بانتشال المرأة من براثن العنف والحصار الاجتماعي؟؟

نحلم بحياة بسيطة دون عنف وألم , وربما في إطلاق منظمة العفو الدولية حملتها لوقف العنف ضد المرأة مؤخرا من العاصمة الأردنية عمان، ما يبعث الحلم و ينعش الأمل بغد قريب يعيد للمرأة كرامتها وللحب الحب ....

9/10/2004
جريدة الحياة

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon