للعشق أشكال وألوان، واحد منها فقط ذلك الذي يحبه "الشعراء" فيكتبون فيه القصائد، ويرسمه التشكيليون بألوان مختلفة، ويعجز الباحثون عن "الاستقرار" على تعريف بسيط واضح ومانع له.
واحد من هذه الأشكال عشقٌ خلّقته النساء السوريات عبر سنوات الحرب المستمرة، بكلمات وصور عاطفية تفوقت أحيانا على "عيون" الغزل الجنسي، أو العشق ما بين رجل وامرأة لا يكون، أبدا، إلا جنسيا.
فحتى "العذري" منه هو تعبير بسيط عن "الحرمان" من التواصل الجسدي بين العاشق والمعشوق، وليس عن "انفصال" عنه.
عشق استغل فسحة لم تكن مجرد فسحة زرقاء، بل كانت أيضا "مولدا" فعّالا لإمكانيات عشرات آلاف السوريين والسوريات الذين اكتشفوا إمكانياتهم التعبيرية، بل وطوروها، عبر تفاعلهم مع "فيسبوك" الذي حرموا منه حتى أواسط 2011، بسبب قرار "جهبذي" من المسؤولين عن كمّ أفواه وصمّ آذان وإعماء عيون السوريين، فحجبوه لسنوات وسنوات.
"عبير شورى"، الدمشقية الأصيلة، امرأة تفتحت كلماتها شيئا فشيئا في علاقتها مع وطن ينزف، صاغت عشقها مضطربا كما هي الحياة هنا، مرة في أقصى الحلم، ومرة في قاع اليأس، وبينهما ما يسمى "حياة".
"في الخذلان، لا شيء يشبه هذه البلاد"، كتبت عبير على جدارها الفيسبوكي قبل أيام، "هنا يتأبط القلبُ ذراع الوهمي، يطوف حافيا بساقين من دهشةٍ ولا يصل.. الأرض كلها لا تكاد تتسع لحلم واحد.. وهذا العدم شاسع كما لا يليق ببشر".
عبير لا تخفي اضطراب دقات قلبها عشقا لجيش حمى وطنها، حمى أسرتها، حماها هي المواطنة التواقة للفرح، "في الحرب لا شيء جميل على الإطلاق.. لا شيء يثير الدهشة.. لا شيء يستحضر الله أو يعانق الروح.. سوى ربما ذاك البريق الخاطف في عيون الجنود.. تلك اللمعة المصقولة بالتعب.. هي فردوسنا المستعاد..." تتغزل عبير بوجوه الجنود التي لا تيأس.
لا تدعي عبير أنها قُدَّت من "صوّان"، فالصوان ميت، وهي حيّة تتعب وتتألم كما ترقص وتفرح.. في لحظات من التعب الشديد تصرخ: "كُنتُ أصَلِّي: يا إلَهي.. نحن فُقَراء و بائِسون.. نحن فُقَراء و رائِعون.. نحن فُقَراء و ظَمآى إلى ما وَراء هذا الغَيم.. كأنَّ ثمَّة سَماءً ثامِنة تَحجُبُنا عنك.. أفلا تُرينا و لَو نَفَقاً صغيراً وَسَط هذا الخَوف لنتسَلَّل إليكَ و نَنجو؟!..".
أسأل عبير: يزعم الشعراء أنّ "المرأة" هي وطنهم! وأنت، ماذا تزعمين وأنت تتغزلين بدمشق ليل نهار؟
فتجيب بسرعة وبلا تردد: "يحدث أن أكون بلا وطن فأبتكر دمشق وأقول ولد الحب دمشقياً!" لعلها محقة، فالجواب يحتمل التأويل بقدر ما يحتمل "اليقين".
مرام زيدان، ابنة جبلة الساحلية، استخدمت اسما مستعارا لوقت طويل.. لكنها قررت أن "كفى"، فكلماتها تستحق أن تحمل اسمها.
"أحمل جنيني في أحشائي، وأتسول له تمام الخلق!.. ممن؟ من قامات شاهقة عزلاء لا شيء مما يحتاجه في جعبتها!" كتبت مرام تحت عنوان، جنين حرب، "يا سيد كلِّ بدء عصي على الاكتمال.. يا طفل أمنياتنا المتعبة على كف الخذلان.. قل لهم إنّ التراب مهد البداية وأول الأشياء"..
مرام تشعر، ككل سوري وسورية، بالتمزق أمام لحظات يصعب على "عاقل" أن لا يشعر فيها باضطراب كل المعايير "الثابتة".. كتبت مرام على جداره الفيسبوكي "جيش من المؤمنين بالتراب صار أقلية الأقليات، أذينه في طرف وبطينه في آخر.. يموت ويموت، ولا تشبع المؤتمرات من الدم واللحم"..
في مساء آخر تبوح مرام: "أمي كانت تخبئ كل السكاكر و الأطباق الشهية لهم.. أمي كانت تفضل أخواني الذكور، و تقول أنهم عمدان البيت.. أمي، أكلت عمدانها الحرب و العصابات.. وبقينا حطب ذاكرتها"..
يتقطر الحزن من كلمات مرام وهي تتحدث عن صورة جندي استشهد، يجلس فيها على كرسي متداع، ابتسامته على طرف شفتيه، إلى جانبه موقد خشبي وإبريق شاي مسودّ، وبيده لقمة خبز: "وشهيد.. وخبز.. ولآلئ.. لآلئ.. لا يحتمل روحها هذا الهواء... تتساقط حبة حبة..".
لا تشك مرام أن كلماتها كانت ستبقى حبيسة الدفاتر، لولا هذا الأزرق الفسيح، بل أيضا: "كانت ستنمو أبطأ" مما حدث، إذا، لمن تكتب مرام؟ تقول: "أكتب لأشارك الناس أفكاري وخيالاتي.. لأسمع الصدى.. الصدى الذي هو صوت الألم في رأس الآخر، صوت قبول الفكرة أو رفضها".. لدى مرام تعبير مميز في هذا الجانب: "أحب أن ألامس ندوبي في ملامح الناس، وأتلمس ندوبهم الخاصة".
روعة الكنج، الحمصية الفخورة، رمت الـ"غرين كارد" الأمريكية في حقيبتها، وحملت أطفالها وعادت إلى دمشق، ربما لم يبق أحد ممن يعرفها لم ينعتها بـ"المجنونة"، خاصة أولئك الذين ملأوا السماء ضجيجا بـ"صمودهم" فيما هم ينظرون فرصة للفرار!
قبل أن تعود إلى أرضها، نثرت روعة الكثير من روعاتها: "في دمشق، تجلب النساءُ الملائكة من رقابها، تسترد منها خطاياها ثم تدعوها للرقص لتحصدها من جديد".. "دمشق، قوله تعالى واهدنا الصراط المستقيم.. دمشق قوله تعالى، أيضا، حيّ وحرّ وحيّ وحرّ وحرّ و..".
وبعد أن عادت، كتبت: "سماء دمشق مشغولة هذا الصباح بالاحتفال بأمهات البلاد الصابرات.. مشغولة بأن تعطيَ الطفولة، تعطي السلام". وببساطة تصيغ لحظة عاشتها مما يعيشه كل يوم من كان هنا منذ بداية الحرب: "يتكاثف الجنود و سيارات الإسعاف والمطر في هذه اللحظة في الربوة، تتكاثف رغبتي بأن أحدق بعيني على وسعهما، لأشهد على دمك، لأشهد على ماءك، وأشهد على خلاصك".
واثقا أنني سأحظى بجواب مميز، سألتها: هل وجدت دمشق تستحق ما كتبتيه من أجلها، بعد سنوات من الحرب؟
فاجأتني بردها: "طبعا".. وأضافت: "لا تنس أن تضع النقطة بعد الكلمة".!
ريم الحسين، الحمصية الدمشقية، والتي كتبت في جنود الجيش السوري ما لم يكتبه أحد، ابتكرت صورها دون أن تأبه: "لن ترى إلّا في نيسان شفاهاً للسماء.. /حديث ماء/: المجد للشهداء".. وتتنقل بين نشرها أخبار المعارك العسكرية، بكل "جفاف" ما تقتضيه من كلمات، وتحليق بأجنحة من البوح: "يادمشق.. ليس وليدا... الحزن عتيق"..
دمشق! هل يكفي أنها كتبت: "كذبوا عليك عندما أخبروك أنّ تبغك وخمرك رفاق سوء.. لاينقصك إلّا حبرٌ وليلٌ دمشقيٌ لتتجلى إلهاً ومنبع ضوء"؟
ريم تضحك، وإن كانت عاجزة عن إخفاء الحزن العميق في عينيها، وترد على غمزي، ألم يكن الأجدى أن تكتب غزلا في رجل بدلا من مدينة ووطن: "لا يوجد رجل يستحق، وإن وجد فأعطيه صفة دمشق، ويخذلني".
يشبه صوتها صوت جارتها، ناعورة حماة، تميل راما تركاوي إلى العامية أكثر.. "كنت دايما عم دوّر عإحساس أنو سوريا لساها إلي، وغصب عن هالحرب، لسا إلي حصة بكل شجرة وكل بيت وكل شارع فيها".. تقول راما بثقة "مطرح ما هالجيش موجود بكون وما بخاف".
لكن الخوف والثقة ليسا قلق راما الوحيد.. فالحرب ليست نزهة ولا لعبة: "حفاة.. متعبون.. مسلوبون.. باقون.. نغمض عيوننا دون ظلمة الحرب، ونبحث عن فضاءات عوالمنا الصغيرة".. لكنها أيضا ليست يأسا: "لا تنس وعدك لي، سنكون معا يوما ما، وسننجب لهذي الأرض أطفالا يطهرونها".
"كلي إيمان" تختم راما يقينها: "سورية باقية، وكلهن رايحين.. رح يجي يوم وأقدر ضمك من شمالك لجنوبك ومن شرقك لغربك بلا ماخاف يصير قلبي ألف شقفة وشقفة.. ياجيش العز، وحدك حقيقة وكلهن كذابين".
راما لا يعتريها الشك: "لولا الفيسبوك ما كنت فكرت بالكتابة أصلا". طبعا، كالكثيرين، راما كتبت في فترة من عمرها.. لكن فيسبوك هو الذي منحها "المنصة" لتعبّر..
"أريد أن أخرج راما من داخلي، بكل أوجهها.. الاجتماعية والسياسية والعاطفية".. سبب بسيط لا يحتاج إلى تبرير.. تماما كما الحاجة إلى الهواء لا تحتاج إلى تبرير.
يجب أن أختم بكلمات مثل: أوجه مختلفة للمرأة السورية في ظل الحرب! أو هكذا عبرت السوريات عن وجودهن في الحرب! أو..
لكن الخاتمة ستكون كالعنوان:
إنه عشق السوريات، وحين يعشقن، يطاوعهن الكون كله، ولغته أيضا.
بسام القاضي
2017/4/4
واحد من هذه الأشكال عشقٌ خلّقته النساء السوريات عبر سنوات الحرب المستمرة، بكلمات وصور عاطفية تفوقت أحيانا على "عيون" الغزل الجنسي، أو العشق ما بين رجل وامرأة لا يكون، أبدا، إلا جنسيا.
فحتى "العذري" منه هو تعبير بسيط عن "الحرمان" من التواصل الجسدي بين العاشق والمعشوق، وليس عن "انفصال" عنه.
عشق استغل فسحة لم تكن مجرد فسحة زرقاء، بل كانت أيضا "مولدا" فعّالا لإمكانيات عشرات آلاف السوريين والسوريات الذين اكتشفوا إمكانياتهم التعبيرية، بل وطوروها، عبر تفاعلهم مع "فيسبوك" الذي حرموا منه حتى أواسط 2011، بسبب قرار "جهبذي" من المسؤولين عن كمّ أفواه وصمّ آذان وإعماء عيون السوريين، فحجبوه لسنوات وسنوات.
"عبير شورى"، الدمشقية الأصيلة، امرأة تفتحت كلماتها شيئا فشيئا في علاقتها مع وطن ينزف، صاغت عشقها مضطربا كما هي الحياة هنا، مرة في أقصى الحلم، ومرة في قاع اليأس، وبينهما ما يسمى "حياة".
"في الخذلان، لا شيء يشبه هذه البلاد"، كتبت عبير على جدارها الفيسبوكي قبل أيام، "هنا يتأبط القلبُ ذراع الوهمي، يطوف حافيا بساقين من دهشةٍ ولا يصل.. الأرض كلها لا تكاد تتسع لحلم واحد.. وهذا العدم شاسع كما لا يليق ببشر".
عبير لا تخفي اضطراب دقات قلبها عشقا لجيش حمى وطنها، حمى أسرتها، حماها هي المواطنة التواقة للفرح، "في الحرب لا شيء جميل على الإطلاق.. لا شيء يثير الدهشة.. لا شيء يستحضر الله أو يعانق الروح.. سوى ربما ذاك البريق الخاطف في عيون الجنود.. تلك اللمعة المصقولة بالتعب.. هي فردوسنا المستعاد..." تتغزل عبير بوجوه الجنود التي لا تيأس.
لا تدعي عبير أنها قُدَّت من "صوّان"، فالصوان ميت، وهي حيّة تتعب وتتألم كما ترقص وتفرح.. في لحظات من التعب الشديد تصرخ: "كُنتُ أصَلِّي: يا إلَهي.. نحن فُقَراء و بائِسون.. نحن فُقَراء و رائِعون.. نحن فُقَراء و ظَمآى إلى ما وَراء هذا الغَيم.. كأنَّ ثمَّة سَماءً ثامِنة تَحجُبُنا عنك.. أفلا تُرينا و لَو نَفَقاً صغيراً وَسَط هذا الخَوف لنتسَلَّل إليكَ و نَنجو؟!..".
أسأل عبير: يزعم الشعراء أنّ "المرأة" هي وطنهم! وأنت، ماذا تزعمين وأنت تتغزلين بدمشق ليل نهار؟
فتجيب بسرعة وبلا تردد: "يحدث أن أكون بلا وطن فأبتكر دمشق وأقول ولد الحب دمشقياً!" لعلها محقة، فالجواب يحتمل التأويل بقدر ما يحتمل "اليقين".
مرام زيدان، ابنة جبلة الساحلية، استخدمت اسما مستعارا لوقت طويل.. لكنها قررت أن "كفى"، فكلماتها تستحق أن تحمل اسمها.
"أحمل جنيني في أحشائي، وأتسول له تمام الخلق!.. ممن؟ من قامات شاهقة عزلاء لا شيء مما يحتاجه في جعبتها!" كتبت مرام تحت عنوان، جنين حرب، "يا سيد كلِّ بدء عصي على الاكتمال.. يا طفل أمنياتنا المتعبة على كف الخذلان.. قل لهم إنّ التراب مهد البداية وأول الأشياء"..
مرام تشعر، ككل سوري وسورية، بالتمزق أمام لحظات يصعب على "عاقل" أن لا يشعر فيها باضطراب كل المعايير "الثابتة".. كتبت مرام على جداره الفيسبوكي "جيش من المؤمنين بالتراب صار أقلية الأقليات، أذينه في طرف وبطينه في آخر.. يموت ويموت، ولا تشبع المؤتمرات من الدم واللحم"..
في مساء آخر تبوح مرام: "أمي كانت تخبئ كل السكاكر و الأطباق الشهية لهم.. أمي كانت تفضل أخواني الذكور، و تقول أنهم عمدان البيت.. أمي، أكلت عمدانها الحرب و العصابات.. وبقينا حطب ذاكرتها"..
يتقطر الحزن من كلمات مرام وهي تتحدث عن صورة جندي استشهد، يجلس فيها على كرسي متداع، ابتسامته على طرف شفتيه، إلى جانبه موقد خشبي وإبريق شاي مسودّ، وبيده لقمة خبز: "وشهيد.. وخبز.. ولآلئ.. لآلئ.. لا يحتمل روحها هذا الهواء... تتساقط حبة حبة..".
لا تشك مرام أن كلماتها كانت ستبقى حبيسة الدفاتر، لولا هذا الأزرق الفسيح، بل أيضا: "كانت ستنمو أبطأ" مما حدث، إذا، لمن تكتب مرام؟ تقول: "أكتب لأشارك الناس أفكاري وخيالاتي.. لأسمع الصدى.. الصدى الذي هو صوت الألم في رأس الآخر، صوت قبول الفكرة أو رفضها".. لدى مرام تعبير مميز في هذا الجانب: "أحب أن ألامس ندوبي في ملامح الناس، وأتلمس ندوبهم الخاصة".
روعة الكنج، الحمصية الفخورة، رمت الـ"غرين كارد" الأمريكية في حقيبتها، وحملت أطفالها وعادت إلى دمشق، ربما لم يبق أحد ممن يعرفها لم ينعتها بـ"المجنونة"، خاصة أولئك الذين ملأوا السماء ضجيجا بـ"صمودهم" فيما هم ينظرون فرصة للفرار!
قبل أن تعود إلى أرضها، نثرت روعة الكثير من روعاتها: "في دمشق، تجلب النساءُ الملائكة من رقابها، تسترد منها خطاياها ثم تدعوها للرقص لتحصدها من جديد".. "دمشق، قوله تعالى واهدنا الصراط المستقيم.. دمشق قوله تعالى، أيضا، حيّ وحرّ وحيّ وحرّ وحرّ و..".
وبعد أن عادت، كتبت: "سماء دمشق مشغولة هذا الصباح بالاحتفال بأمهات البلاد الصابرات.. مشغولة بأن تعطيَ الطفولة، تعطي السلام". وببساطة تصيغ لحظة عاشتها مما يعيشه كل يوم من كان هنا منذ بداية الحرب: "يتكاثف الجنود و سيارات الإسعاف والمطر في هذه اللحظة في الربوة، تتكاثف رغبتي بأن أحدق بعيني على وسعهما، لأشهد على دمك، لأشهد على ماءك، وأشهد على خلاصك".
واثقا أنني سأحظى بجواب مميز، سألتها: هل وجدت دمشق تستحق ما كتبتيه من أجلها، بعد سنوات من الحرب؟
فاجأتني بردها: "طبعا".. وأضافت: "لا تنس أن تضع النقطة بعد الكلمة".!
ريم الحسين، الحمصية الدمشقية، والتي كتبت في جنود الجيش السوري ما لم يكتبه أحد، ابتكرت صورها دون أن تأبه: "لن ترى إلّا في نيسان شفاهاً للسماء.. /حديث ماء/: المجد للشهداء".. وتتنقل بين نشرها أخبار المعارك العسكرية، بكل "جفاف" ما تقتضيه من كلمات، وتحليق بأجنحة من البوح: "يادمشق.. ليس وليدا... الحزن عتيق"..
دمشق! هل يكفي أنها كتبت: "كذبوا عليك عندما أخبروك أنّ تبغك وخمرك رفاق سوء.. لاينقصك إلّا حبرٌ وليلٌ دمشقيٌ لتتجلى إلهاً ومنبع ضوء"؟
ريم تضحك، وإن كانت عاجزة عن إخفاء الحزن العميق في عينيها، وترد على غمزي، ألم يكن الأجدى أن تكتب غزلا في رجل بدلا من مدينة ووطن: "لا يوجد رجل يستحق، وإن وجد فأعطيه صفة دمشق، ويخذلني".
يشبه صوتها صوت جارتها، ناعورة حماة، تميل راما تركاوي إلى العامية أكثر.. "كنت دايما عم دوّر عإحساس أنو سوريا لساها إلي، وغصب عن هالحرب، لسا إلي حصة بكل شجرة وكل بيت وكل شارع فيها".. تقول راما بثقة "مطرح ما هالجيش موجود بكون وما بخاف".
لكن الخوف والثقة ليسا قلق راما الوحيد.. فالحرب ليست نزهة ولا لعبة: "حفاة.. متعبون.. مسلوبون.. باقون.. نغمض عيوننا دون ظلمة الحرب، ونبحث عن فضاءات عوالمنا الصغيرة".. لكنها أيضا ليست يأسا: "لا تنس وعدك لي، سنكون معا يوما ما، وسننجب لهذي الأرض أطفالا يطهرونها".
"كلي إيمان" تختم راما يقينها: "سورية باقية، وكلهن رايحين.. رح يجي يوم وأقدر ضمك من شمالك لجنوبك ومن شرقك لغربك بلا ماخاف يصير قلبي ألف شقفة وشقفة.. ياجيش العز، وحدك حقيقة وكلهن كذابين".
راما لا يعتريها الشك: "لولا الفيسبوك ما كنت فكرت بالكتابة أصلا". طبعا، كالكثيرين، راما كتبت في فترة من عمرها.. لكن فيسبوك هو الذي منحها "المنصة" لتعبّر..
"أريد أن أخرج راما من داخلي، بكل أوجهها.. الاجتماعية والسياسية والعاطفية".. سبب بسيط لا يحتاج إلى تبرير.. تماما كما الحاجة إلى الهواء لا تحتاج إلى تبرير.
يجب أن أختم بكلمات مثل: أوجه مختلفة للمرأة السورية في ظل الحرب! أو هكذا عبرت السوريات عن وجودهن في الحرب! أو..
لكن الخاتمة ستكون كالعنوان:
إنه عشق السوريات، وحين يعشقن، يطاوعهن الكون كله، ولغته أيضا.
بسام القاضي
2017/4/4
1 التعليقات:
Write التعليقاتمحظوظ من يستطيع ان يعبر عن الشقاء الذي في داخله
Replyوالصراع بين مشاعره واحاسيسه وألمه، بداخل كلٌ منا بركان ممكن أن ينفجر في أية لحظة
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon