في الألفية الثالثة.. قتل المرأة بدافع الشرف مشكلة قانونية أم أخلاقية؟


قبل أيام مضت اجتمعت نخبة الفكر الديني والعلمي والاجتماعي والقانوني..
اجل..  كانوا جميعهم على طاولة واحدة, وفي الألفية الثالثة أيضا..
 ولكن ليس لمناقشة مساواة المرأة بالرجل عن طريق إعادة تأهيل اتفاقية السيداو, وتفعيلها بشكل عملي على ارض الواقع, للنهوض بوضع المرأة السورية وتحسين ظروفها الاجتماعية باتجاه الأفضل ورفع الظلم عن أغلب النساء التي سحقتهن ظروفهن العائلية القاسية,  وليس لأجل الدعوة إلى رفع التحفظات عن بنود اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة, وليس أيضا للوصول إلى سبل معينة لتمكين المرأة السورية على كل الصعد!!
بل لأجل النظر في قتل المرأة,  وبدم بارد على مدى عصور طويلة وبدون وازع أو رادع,  وتحت بند الشرف!!
هذا الشرف الذي بات شماعة لكل من أصبحت تسول له  "الذكورة"  وليست الرجولة أن يتصرف بقوة الذراع, وفق قانون الغاب..
هذا الشرف الذي أصبح موروثا من احد أهم مواريث أعرافنا وتقاليدنا الذي بتنا نجعلها تسطو فوق عقولنا وتفكيرنا مهما ارتفعت بنا ثقافتنا, ومهما حاولنا أن ندعي أننا نستند في محاكمتنا العقلية إلى مفاهيم العدل والحوار وتقبل الرأي الأخر مهما كنا على نقيض الرأي معه
وهذا الشرف الذي رسخ ودعم في عقول الجميع بدعم وتأكيد من المادتين (548) و (192) ومرا دفيهم من المواد الأخرى, واللتين نصتا على :
المادة 548:
1 ـ يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2 ـ يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
ومرادفتها المادة  240والتي نصت على:
1 ـ إن العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب.
2 ـ على أنه يمكن أن تنزل به عند الاقتضاء تدابير الإصلاح وتدابير الاحتراز ما خلا العزلة.
والمادة 241:
1 ـ عندما ينص القانون على عذر مخفف:
- إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل.
- وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
- وإذا كان الفعل جنحة فلا تتجاوز العقوبة ستة أشهر ويمكن تحويلها إلى عقوبة تكديرية.
- وإذا كان الفعل مخالفة أمكن القاضي تخفيف العقوبة إلى نصف الغرامة التكديرية.
2 ـ يمكن أن تنزل بالمستفيد من العذر المخفف ما كان يتعرض له من تدابير الاحتراز ما خلا العزلة لو كان قضي عليه بالعقوبة التي نص عليها القانون.
المادة 241
1 ـ عندما ينص القانون على عذر مخفف:
إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل.
وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
وإذا كان الفعل جنحة فلا تتجاوز العقوبة ستة أشهر ويمكن تحويلها إلى عقوبة تكديرية.
وإذا كان الفعل مخالفة أمكن القاضي تخفيف العقوبة إلى نصف الغرامة التكديرية.
2 ـ يمكن أن تنزل بالمستفيد من العذر المخفف ما كان يتعرض له من تدابير الاحتراز ما خلا العزلة لو كان قضي عليه بالعقوبة التي نص عليها القانون.
المادة 242
يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه.
المادة 243
1 ـ إذا وجدت في قضية أسباب مخففة قضت المحكمة:
بدلاً من الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو بالأشغال الشاقة المؤقتة، من اثنتي عشرة سنة إلى عشرين سنة.
وبدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة بالأشغال الشاقة المؤقتة لا أقل من عشر سنين.
وبدلاً من الاعتقال المؤبد بالاعتقال المؤقت لا أقل من عشر سنين.
ولها أن تخفض إلى النصف كل عقوبة جنائية أخرى.
ولها أيضاً فيما خلا حالة التكرار أن تبدل بقرار معلل الحبس سنة على الأقل من أية عقوبة لا يجاوز حدها الأدنى الثلاث سنوات.
 ومن ثم.. المادة 192
إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً قضى بالعقوبات التالية:
ـ الاعتقال المؤبد أو الخمس عشرة سنة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة.
ـ الاعتقال المؤقت بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة.
ـ الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل.
وللقاضي فضلاً عن ذلك أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين كعقوبة.
فلا يكفي إلغاء وتعديل المادتين (548- 192) لان ذلك لن يتعدى أن يكون الاعملا يتم نسبه إلى أعمال أنصاف الحلول وهذا مالا نريد أن نصل إليه بعد كل هذا الانتظار المديد,  بل لابد أن ننظر بشكل شامل إلى كل المواد المرادفة لها في قانون العقوبات السوري, ففي حال تم الإلغاء او التعديل فان وجود مرادفات لهذه المواد سيجعل من السهل إيجاد ثغرات قانونية للالتفاف من جديد على العقوبة.

وعندما يكون القانون هو الداعم الأول لفرضية قتل النساء عبر هذه المواد فإننا ندعم هذه الأعراف والعادات عن طريق توثيقها بالقوانين التي تدعو إلى القتل بدافع الشرف, عندما تحل الفعل الجرمي, او تضفي عليه العذر المخفف.
لعل البعض قد يخالفنا الرأي, ويرى أن شرف العائلة لايمكن المساومة عليه وهو الشيء الوحيد الذي إذا ذهب لن يعود..
لكن هناك فرق شاسع بين من يفكر بأنه يقدم على القتل ببساطة وهو يعلم تمام اليقين بأنه قد يستفيد من عذر محل او مخفف وبقوة القانون, وماهي إلا اشهرا عدة يمضيها في السجن ليخرج بعدها بطلا أسطوريا في عيون أسرته وقريته او حارته..
بعكس من يقدم على القتل في ظل قانون لا يعترف بجريمة تحت مسمى "الشرف"  بل يعتبره القانون قتلا عمدا..
عندها سيفكر هذا الشخص ألف مرة قبل أن يقدم على جريمته غسلا - لما أورثته له عاداته -  "للعار" وعندها فقط سيعلم إن شرفه قد يكلفه أن يمضي سنوات طويلة مما تبقى له من  حياته في السجن.
عدا إن المادتين المذكورتين مخالفتين للدستور وخاصة المادة الخامسة والعشرون منه والتي نصت على :
" الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم" .
كذلك وحسب الدستور فان كل مادة تخالف الدستور تعتبر غير نافذة وهذا ما أكدت عليه المادة (153) من الدستور والتي نصت على :
" تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه".
وباعتبار أن قوانيننا تستند إلى قواعد وأصول الشريعة الإسلامية, فان هذه الأخيرة   بريئة من وجود أي مستند ديني لهذه القوانين في شريعتها .وهذا ما أكد عليه اغلب رجال الدين في الملتقى حيث أكدوا بأن الرزيلة  لن تنتهي بترك المادة القانونية موجودة, لان وجودها هو مخالفة للشرائع السماوية كافة, عندما نسمح للأفراد مخالفة الأحكام بتقرير إنهاء حياة إنسان والتي هي حق لله وحده, فكيف إذا كان هذا الإنسان هو المرأة التي هي أساس ووجود الحياة الإنسانية, بل وأكدوا جميعهم أن الحل هو بنشر التوعية في المجتمع, والوصول إلى أن الخطأ لايمكن تصحيحه عبر خطأ اشد فداحة منه.


ربا الحمود، (في الألفية الثالثة.. قتل المرأة بدافع الشرف مشكلة قانونية أم أخلاقية؟)

جريدة البناء، (12/2008)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon