الثقافة الجنسية.. روح لغتنا الكونية

لا يكاد يشك إنسان فيما هو المقصود بكلمة جنس، ولكن من المؤكد أن أول ما يتبادر للذهن من معان هو معنى العيب الذي لابد أن يذكر عن الثقافة الجنسية. فالجنس كلمة متهمة أو ربما مُجرّم الحديث عنها، مستفزة للعقليات المحافظة.. ولكن إذا حاولنا أن ننسى أن الجنس أساس حياتنا، فهل نستطيع أن ننسى أو ننكر أنه سر الولادة، سر تجدد الحياة.. سر الهوى.. سر الحب؟


SWOأعطى مجموعة من المفكرين التنويريين مفهوم الجنس أبعاداً إنسانية وفلسفية (إذ إن الجنس هو جوهر استمرارية الحياة ونواتها). ويتحمل الجهل بالجنس أو ما أسميه (الأمية الجنسية) مسؤولة عن مجموعة من الانحرافات المجتمعية التي نشاهدها اليوم. فمثلاً الثقافة الجنسية تمكننا من التخلص من هذا التقليد الذي يسمى ليلة الدخلة وطقوسه التي تؤسس لتعثر الحياة الزوجية وفشلها من اليوم الأول، حينما يتحول الزوج إلى الوحش الذي يدخل سباق القفز ليظفر بميدالية غشاء البكارة ليثبت عفتها متناسياً عفته هو؟! والثقافة الجنسية تجعلنا نتعرف أكثر على الصحة الإنجابية ومدى المحافظة على الصحة الإنجابية.
ولكن هل يمكن الافتراض بأن عدم إثارة أو مناقشة مواضيع الجنس يؤمن لنا حياة خالية من المشاكل، أو إذا أبعدنا عن المعرفة أطفالنا الذين هم أكثر الأشخاص اهتماماً بأسرار الحياة و لم نسمح لهم بالأسئلة (أغلقناها)  أو (حددناها). هل يمكن لنا أن نحافظ عليهم وعلى عقلهم وروحهم البريئة من التلوث بمعلومات نعتقد أنها محرمات؟ إننا بذلك نغلق الميل إلى الأسئلة اعتقاداً منا أننا نصونهم! لا إننا بذلك نصون أنفسنا من أنفسنا فحسب. إننا نوقع على عجزنا الداخلي وننغلق تجاه أطفالنا، وبذلك نجعل أسئلتهم تدور في الخفاء. إننا نرفض بأنفسنا ونقطع الروابط الحية معهم وتمنعنا عن مراقبتهم وتوجيه تطورهم أو نموهم الروحي. والمشكلة الأكبر تتشكل عندما يتوجه الطفل إلى المصدرين الأكثر توفراً في المجتمع، وهما المدرسة والأسرة اللتان تعودنا تلقي الإجابة عن طريقهما عن الأسئلة الحياتية التي تواجهنا. لكن هذه الإجابة غالباً ما تكون خاطئة نظراً للإحراج الذي يلقاه الآباء والأمهات حين يجيبان على مثل هذه الأسئلة وخوفهم من كسر التابوهات والوقوع في المعلومات المحظورة. وهذا ما يجعل الطفل يسأل عن الإجابة من صديقه الذي حصل هو أيضاً على هذه المعلومات من مصادر غير موثوق بها، أو من تجربة له مع صديقة. وفي كلتا الطريقتين يكون الطفل تعلم أشياء خاطئة يمكن أن تحول بينه وبين التكيف السليم مع شريك حياته مستقبلاً.
هل نحن متنورون لما يريده أطفالنا؟
أرجو الموافقة على أمر واحد هام جداً.. إن اهتمام الطفل من أي عمر كان بمسائل الجنس أمر طبيعي وحتمي وضروري، وهذا الاهتمام له صفة الطهارة.. إنه الاهتمام بسر الحياة بأقدس أقداس الحياة. يبحث الطفل هنا عن الحقيقة كما هي في أي شيء آخرـ يبحث لكي يطلع على السر. إنها ليست سذاجة بسيطة أو تخلفاً في تطور الأحاسيس، وإنما دفاع ذاتي داخلي يبحث الطفل في كل شيء وينجذب نحو كل شيء، فالإنسان لا يوجد عنده تلك الغريزة التي لاتمتلك نقيضها.. ومن هنا تأتي ضرورة التربية الجنسية مطلباً ملحاً، باعتبارها ضرورة ما انفكت الأصوات الحية تنادي بها منذ مدة طويلة. فالتربية الجنسية ليست دعوة للإباحية كما يظن البعض، بل تهدف إلى تنمية المواقف والاتجاهات الإيجابية لكلا الجنسين.
فلماذا نحتقر الجنس إذاً؟ هل لأنه جزء هام من بين مجموع الأجزاء التي تتفاعل لاستمرار البشرية على وجه البسيطة؟ أم لأنه أساس وجودنا على هذه الأرض؟ لنكون أكثر واقعية، وكفانا من التابوهات التي لاتسمن ولا تغني، ولنتفكر بعمق وروية قبل إصدار الأحكام، وبخاصة أمام التنامي المستمر للتيار الديني المتطرف الذي يرفض الحياة، ويدعو للتزمت الذي يسبب الكبت والانحلال.


رغدة العزيزي، (الثقافة الجنسية.. روح لغتنا الكونية)

تنشر بالتعاون مع جريدة النور، (3/9/2008)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon