بطلة "بارالمبيك" رشا الشيخ: على المعوقين الخروج من عزلتهم

بإزميل من ذهب سطرت "رشا الشيخ" اسمها في تاريخ الرياضة السورية، مؤكدة أن الإعاقة هي إعاقة المجتمع الذي يجبر المعوق على أن يستسلم لمشكلته، بينما هو قادر، إذا توفرت الظروف المناسبة، على أن يكون إنسانا مثل غيره، ويحقق التقدم والنجاح والتفوق أيضا.

وهذا ما فعلته رشا التي حصلت مؤخرا على برونزية المحفل الأولمبي في بكين "بارالمبيك" الذي رقصت على منصته حاملة العلم السوري، وداخلة في سجل الفائزين الأولمبيين إلى جانب جوزيف عطية وغادة شعاع وناصر الشامي..

رشا الشيخرشا الشيخ بدت سعيدة جدا في لقائنا معها، وأكدت لـ"نساء سورية" أن سعادتها لم تكن توصف بالمشاركة في "بارالمبيك" بحد ذاتها، فكيف بالحصول على البرونزية!

ن، س: تبدين سعيدة جدا..؟
رشا: بالتأكيد، فهو شعور رائع وحلم لأي رياضي أن يصل إلى هذه المرحلة.  لقد كنت سعيدة بمشاركتي في بارالمبيك بكين الذي تأهلت إليه من خلال بطولة العالم التي جرت عام 2006 في كوريا الجنوبية وحصلت فيها على ميدالية برونزية نتيجة رفع 120كغ على وزن 67.5 .


ن، س: هل كنت واثقة في الوصول للبرونزية في بارالمبيك بكين؟ وهل كنت قريبة من الميدالية الفضية أو حتى الظفر بالذهب؟
رشا: لعبة الأثقال لعبة أرقام. كنت قريبة من الفضية، ولكن معاناتي من إصابة تمزق في كتفي كانت سببا في تأخري! وكنت ألعب مع المصرية وتفوقت عليها، عندها حصلت على البرونزية.
 

ن، س: هل كانت مرحلة الإعداد التي سبقت مشاركتك في المحفل الاولمبي متناسبة مع المرتبة التي حصلت عليها؟ أم كان ذلك نتيجة جهد شخصي منك؟
رشا: لعبة رفع الأثقال يجب أن تتوافر فيها الاستمرارية في التمرين. وفترة المعسكر الإعدادي كانت غير كافية، حيث أن بقية اللاعبات المشاركات (سواء من مصر أو الصين) حصلن على مرحلة إعداد قاربت العامين! أما معسكرنا فقد كان محدود الإمكانيات بدمشق، ولمدة قصيرة.


ن، س: يبدو أن أحدا لم يلتفت إلى إنجازك حين وصولك سورية؟
رشا: الاستقبال كان مخجلا فعلا. "هم" اتصلوا بي حين كنت في بكين، ووعدوني باستقبال يليق بالأبطال! يبدو أن وجود عضو واحد من المكتب التنفيذي للاتحاد بانتظار في المطار هو "استقبال الأبطال" بالنسبة لهم! وطبعا الحجة جاهزة: موعد وصول الطائرة متأخر (الرابعة فجرا)..


ن، س: كيف ترين واقع الرياضات الخاصة في سورية؟
رشا: الرياضات الخاصة يلزمها الاهتمام من قبل الشركات الراعية. لدينا إمكانيات واعدة وخامات رياضية جيدة. لكننا نفتقد الرعاية والاهتمام.
في مصر مثلا، هناك دعم مميز لذوي الاحتياجات الخاصة، وبرامج رعاية لنشاطاتهم. فلم لا تلتفت الشركات المعلنة في سورية لهذا الجانب؟ إذا حصل هذا فستكون نتائجه ممتازة على الرياضة الخاصة والرياضيين المعوقين.


ن، س: ما هي إنجازات رشا الشيخ الرياضية؟
رشا: إنجازاتي كثيرة، وأخرها بطولة الشرق الأوسط الإفريقية في الأردن عام2003 التي حصلت فيها على الميدالية الذهبية.
بطولة شرم الشيخ 2005 حصلت فيها أيضا على الذهب.
بطولة العالم كوريا الجنوبية 2006 حصلت فيها على برونزية.
وأخيرا بطولة بارالمبيك بكين 2008 والتي حصلت فيها على الميدالية البرونزية برفعة 117,5 كغ.
أما عن أفضل رفعة لي فقد كانت 120كيلو في وزن 67.5 في بطولة العالم بكوريا الجنوبية.


ن، س: هل هناك استحقاقات قادمة لرشا الشيخ؟ وما هي الرسالة التي توجهيها للمعنيين؟
رشا: نعم، هنك بطولات تأهيلية في فرنسا في العام 2010، وأولمبياد لندن في 2012. وأطمح للمشاركة والفوز فيهما. ولكنني أتمنى أولا (قالتها بتنهيدة عميقة) أن نتلقى الدعم هنا، وأن نلقى العناية التي تمكننا من التدرب كما يجب.


ن، س: هل لمست في بكين اهتمام من قبلهم لذوي الاحتياجات الخاصة؟ وهل تتوقعين أن نجد مثل هكذا اهتمام في بلدنا قريبا؟
رشا: نعم، بكل تأكيد. تجهيز القرية الأولمبية ببكين كان ملفتا، فهي مصممة بشكل مريح وملائم تماما. جميع المرافق والصالات والملاعب في وضع ممتاز، وسيارات كهربائية مجهزة بكل التقنيات الحديثة تحت تصرف المعوقين..
لكنني لا أعتقد أننا سنواكب ذلك قريبا.. بل حتى أن نواكب ما وصلت إليه دول مجاورة.. فنحن نحتاج أولا إلى اهتمام من المعنيين، اهتمام لا يبدو أنه موجود! وأول ما أرغب به في هذا المجال هو رسالة إلى المسؤولين عن التخطيط أن يدرجوا في مخططاتهم الوطنية الإلزام الحقيقي (وليس على الورق فقط) بأن يراعي كل مبنى، منذ إنشائه، أن يتلاءم مع احتياجات المعوقين..


ن، س: هل واجهتك صعوبة في ممارسة رياضة تعد في بلدنا رياضة ذكورية؟ (رفع الأثقال)..
رشا: في البداية لم يتقبل الناس الذين يحيطون بي أن أمارس هذه الرياضة. بالنسبة لهم الامر متعلق بـ"العادات والتقاليد".. لكن الواقع أنهم هم أنفسهم عادوا وشجعوني حين بدأت ممارستها وتبين أنني أعمل بجد، وأن لدي القدرة والموهبة لفعل ذلك..

ن، س: هل انتسبت إلى جمعية تعنى بشؤؤن المعوقين؟
رشا: لا، في الحقيقة لم أنتسب إلى أية جمعية بسبب انشغالي بالرياضة، خاصة أنها تحتاج لوقت كبير. وأنا في الحقيقة أتمنى أن انتسب إلى هكذا جمعيات. 

ن، س: حين يحقق شخص عادي أنجاز يسمى "بطلا" وحين يحقق معوق انجازاً يسمى "خارقا"! مار أيك بذلك ألا يتضمن بذلك تمييزا؟
رشا: الإرادة والتصميم والأمل، إن كانت موجودة عند الشخص، بغض النظر عن كونه معوق، فبالتأكيد سيصنف في خانة الأبطال. لقد رأيت في بكين أرقاما لمعوقين في بطولة الجري عجز الأصحاء عن تحقيقها أو ملامستها.

ن، س: هل يتحمل المعوقين أنفسهم مسؤولية في النظرة الاجتماعية السيئة لهم؟
رشا: بالتأكيد، نظرة المجتمع الخاطئة هي التي ساهمت بتراجعنا خطوات للوراء. ولكن يتحملها المعوقون أنسهم أيضا بسبب خجلهم، وعدم خروجهم من قمقم البيت. يجب على المعوق أن ينفتح أكثر على مجتمعه ويتحرك فيه، أن يتفاعل مع جمعيات ونشاطات وأندية حتى يجد ما يحبه، وهذا سيساعده على تجاوز حالته النفسية التي تسوء بسب انعزاله. وإذا فعل المعقون ذلك بأنفسهم، فسوف يجبرون المجتمع على تغيير نظرته إليهم. فنظرة المجتمع السيئة تلك مبنية على أن المعوق لا يقدم أية خدمة مفيدة له.

ن، س: كيف تقييمن البيئة المحيطة بك (شوارع أرصفة إشارات مرور وأبنية) بالنسبة لك كمعوقة؟ هل تخدمك جيدا أم تتجاهل احتياجاتك؟
رشا: لا توجد مرافق ولا خدمات عامة تلائم احتياجات المعوقين. وأتمنى من المعنيين الاهتمام بذلك بشكل جدي.


شكرا لرشا الشيخ، وتحية لها، لجهدها ومثابرتها، ولروحها المكافحة التي رفضت أن تخضع للصور النمطية السائدة عن المعوقين، والتي تعتبرهم عاجزين.. وإذا ما حققوا إنجازا تعدهم "خارقين"! رشا الشيخ أكدت في الواقع أن المعوقين هم بشر مثل غيرهم تماما، وأن إعاقتهم الجسدية ليست هي من يمنعهم عن المشاركة في مجتمعهم، بل المجتمع الذي يحاصرهم ويهملهم ويتجاهلهم هو من يفعل ذلك..


نورا قريعة، عضوة فريق عمل نساء سورية، (بطلة "بارالمبيك" رشا الشيخ: على المعوقين الخروج من عزلتهم)، nourasadah@yahoo.com

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon