إننا نحيا عصر الاتصالات ونعيش في مجتمعات المعرفة، وهذه هي الحقيقة الكبرى التي تحكم حياتنا، والتي نتجت وتنتج عن ثورات علمية وتقانية واتصالية متواصلة، ويطرح هذا الواقع تساؤلاً جدياً هل قدمت تكنولوجيا الاتصال والمعلومات للشباب العربي أدوات ديموقراطية حقيقية؟!.
في نظرة سريعة على الواقع العربي، نجد أننا مؤطرون كدول ضمن تبعية تكنولوجية مترسخة للعالم المتقدم، وفي حين أن دولاً عدة كالهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا وكوبا وحتى الفلبين استطاعت أن تحقق انجازات تكنولوجية هائلة، لم ينتبه أصحاب القرار السياسي في المنطقة العربية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلا مع مطلع الألفية الجديدة، لتتركز الجهود على إرساء البنى التحتية في إقامة شبكات الاتصالات، وتوفير الحواسيب، وإتاحة النفاذ إلى الانترنيت، ولا توجد حتى الآن أي استراتيجيات عربية لإسهام تكنولوجي على صعيد العتاد (hardware)، ومن ناحية البرمجيات (software) فاعتمادنا الأساسي على حزم البرامج الجاهزة التي تمدنا بها شركات البرمجيات العالمية. (1)
أما كأفراد فوفقاً للكثيرين، يفرض الواقع الإعلامي العربي علينا مضموناً محدداً وخيارات محدودة، تترواح بمعظمها بين المضامين الترفيهية السطحية والمضامين الدينية السلفية، وحتى المواقع الالكترونية على شبكة الانترنيت، هي مقيدة بسلطة الرقيب -وفقاً لطبيعة كل بلد عربي-، حيث نجد مئات المواقع المحجوبة والممنوعة.
ولكن أيعني هذا أن دورنا ينحصر بالـالتلقّي السلبي لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات الغربية، أعتقد أن هذا أمر بعيدٌ جداً عن الصحة، فتكونولوجيا الاتصال أهدت وبالأخص شريحة الشباب، أدواتٍ ديموقراطيةً مكنتهم من الإفلات من قبضة الرقيب، فجميع شرائح المجتمع حتى أكثرها فقراً غدت تمتلك هاتفاً نقالاً وعبره يستطيع الفرد أن يتصل بشبكة الانترنيت وأن يمتلك امكانية الوصول إلى أي معلومة يريدها، وأن يرسل رسالة قصيرة (sms) بالمضمون الذي يريد لأبعد شخص عنه جغرافياً.
ويلعب الكومبيوتر سواء الشخصي أو المحمول نفس أدوار الهاتف المحمول في عصر الاندماج والتقارب التكنولوجي الذي نشهده (2)، وأصبح بإمكان الشاب الطالب أو العامل، أن يفتح بريده الالكتروني أو حسابه على مواقع كالفيس بوك والتويتر، ليجد مخزن معلوماته الكاملة وليكمل أعماله الدراسية أو التجارية بغض النظر عن قيود المكان أو الزمان.
وأثبتت سياسة حجب المواقع الالكترونية عدم جدواها، فبرامج كسر الحجب تنتشر في أوساط الشباب ومتابعي المواقع الالكترونية بسرعة انتشار النار في الهشيم، أي أنك عندما تريد الحصول على معلومة فهناك آلاف الطرق السهلة والرخيصة للوصول إليها.
ويتيح جهاز التحكم الالكتروني (ريموت كونترول) الخاص بالتلفزيون أو الراديو أمامك جميع القنوات التلفزيونية والإذاعية العالمية لتختار وأنت جالس على أريكتك ما تود وترغب مشاهدته أو سماعه، أي أن المقولة المتعلقة بكوننا مجبرين على مشاهدة قنوات الترفيه السطحية أو قنوات الدين السلفية هي وهم لا حقيقة.
وهكذا أصبحنا نمتلك الأدوات التي تمكننا من اختيار تلقي ما نود ونشاء ومانحتاج، وليس هذا فقط!، فهذه الأدوات الديموقرطية التفاعلية التي أتاحتها لنا تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تمكننا من إرسال مانود ونشاء أيضاً، فيمكننا نشر آرائنا حول أهم مقال في أهم صحيفة عالمية عبر الموقع الالكتروني لهذه الجريدة، ويمكننا انتقاد أشهر البرامج التلفزيونية سواء على الشريط التفاعلي الذي يظهر أسفل الشاشة، أو على الموقع الالكتروني لهذا البرنامج، وبإمكاننا الدخول إلى المواقع الشخصية لكبار ساسة ومشاهير العالم ومتابعة أخبارهم وإبداء رأينا حولها، وطرح مانريد من تساؤلات وأسئلة، فالتفاعلية صبغت جميع المنتجات الفكرية والمادية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
هناك وجهة نظر تقف ضد ديموقرطية الاتصال، حيت تقول أن الوضع الحالي تحول لنوع من الرقابة الديمقراطية ، وهذه، لا تقوم كالرقابة الأوتوقراطية على الحذف أو القص، وعلى الاجتزاء أو حجب المعطيات، بل إنها تقوم على تراكمية ووفرة وغزارة الأخبار والمعلومات، بشكل يزيد عن حد الكفاية ويبلغ درجة عالية من الإسراف والإشباع وحتى الشطط (3).
ولكن وإن كان في هذا الرأي شيءٌ من الصحة، من حيث أننا بتنا نغرق في بحور من المعلومات، إلا أنني أعتقد أن الأدوات التي وفرتها تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بيد المتلقي بشكل عام مكنته وبشكل حقيقي من المساهمة في عملية النقد وفضح التجاوزات وكشف المظالم والانتهاكات، لقد أصبح بمقدور أي متلقي أن يقوم بدور الصحفي، فمعظم وسائل الإعلام باتت تفرد باباً خاصة تسميه صحافة المواطن، وأصبحت حرية التعبير حقيقة تتضح في حياة الجميع يوماً بعد يوم، فأنت تستطيع نشر أي معلومة تشاء سواء باسمك الحقيقي أو باسم مستعار تنتقيه، وستجد من يقرأها ويقتنع بها، ولكن تبقى المشكلة الرئيسية في العالم العربي أمام تفعيل هذه الأدوات الديمقراطية بشكل كامل هي نشر الوعي والمعرفة -على أوسع نطاق- بالإمكانيات الحقيقية لهذه الوسائل بما يصب في صالح تحسين حياة الإنسان، خاصة أن السنوات القادمة ستشهد تزايداً وتجسيداً أوسع وأعرض وأوضح لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات كأدوات ديمقراطية، بما أن هذا الشكل من الديمقراطية يتلقى الدعم ولأول مرة في تاريخ البشرية من كبرى القوى الاقتصادية في العالم، التي تجد في ديموقراطية الاتصال سوقاً مثالياً للربح، يكفي لتدخل فيه كفرد أن توفر لك دولتك البنى التحتية الأساسية من إقامة شبكات الاتصالات، وتوفير الحواسيب، وإتاحة النفاذ إلى الانترنيت.
الهوامش (1) د.نبيل علي، العقل العربي ومجتمع المعرفة، عالم المعرفة العدد 369، نوفمبر 2009، ص ص 20-21، بتصرف. (2) يُعرف التقارب التكنولوجي بأنه التقاء تكنولوجيات مختلفة معاً، أو انصهار تكنولوجيتين أو أكثر لتكونا شيئاً جديداً ومختلفاً يحمل صفات كل منهما على حدة، إلا أنه يكون متفرداً تماماً في صفاته، ويبدو ذلك واضحاً في التقارب بين التكنولوجيتين الأعظم قوة والأكثر انتشاراً- المعلوماتية Information و الوسائط الإعلامية Media. ولمزيد من المعلومات يمكن مراجعة ثورة الإنفوميديا، عالم المعرفة، العدد 253،كانون الثاني 2000. (3) إيناسيو رامونه، الصورة وطغيان الاتصال، ترجمة نبيــل الـدبـس،منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب،وزارة الثقافة، دمشق، 2009، ص21.
كاتي الحايك، (تكنولوجيا الاتصال والمعلومات أداةٌ ديموقراطية بيد الشباب)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon