التدخين من قبل سائقي سيارات الأجرة.. "التكسي والسرفيس"

ننعم حالياً بعدد كبيرجداً من سيارات الأجرة (التكسي) ذات لون أصفر، صغيرة الحجم، متشابهة مع بعضها إلى حد ما بالشكل والحجم واللون والفانوس المعلق على سقفها،ويقودها سائقون هم ليسوا بمالكيها غالباً، ناهيك عن عدد السرافيس وسيارات الميكرو العاملة على خطوط شتى.
والسمة المشتركة لأغلب سائقي سيارات الأجرة (أقول أغلب حتى لا أعمم) هي التدخين، نعم التدخين
وما أدراك بأنواع الدخان الرخيص والمؤذي الذي يدخنه السائقين، فالسائق خلال عمله اليومي، يحرق مادتين اثنتين معاً: البنزين أولاً، والدخان ثانياً، فهو يحرق وقته وأعصابه المشدودة بحرقه لدخان سجائره، غير واعٍ لمضار التدخين، غير مدركٍ إلى حجم المكان الصغير الذي يقال له "كابين السيارة" مما يضاعف آثار التدخين عن الأحوال العادية كالمكان الفسيح والغرف المفتوحة والأجواء المكشوفة، خاصة في ظل هذا الشتاء البارد التي غالباً ما تكون نوافذ السيارات خلاله مغلقة تماماً.
علماً أن التدخين في السيارات العمومية ممنوع والغرامة المفروضة كبيرة نوعاً ما، لكنها لا تطبق حالياً ربما لانشغال شرطة المرور في تسيير حركة المرور في أغلب طرق ومفاصل المدينة، وهذا ما يستحقوا عليه كل الشكر والثناء والتقدير
أما لماذا يدخن اغلب السائقين؟
سؤال توجهت به لعدد من سائقين التاكسي /بحدود الخمسين سائقاً / فكان الجواب الواحد المشترك:
الكل أجاب بأنه ينوي ترك التدخين لأنه يضر الصحة ويكسر الميزانية، ولكن لا يعرف كيف يحقق هذه الأمنية.
الكل أجاب بأنه يدخن لأنه دائم التفكير والقلق والخوف من عدم تحصيل حصة صاحب السيارة من الأجرة اليومية المتفق عليها سلفاً وهذا ما يدفعه إلى محاولة الحصول على الركاب بشتى الوسائل والإمكانيات المتاحة لديه: من سرعة أو توقف مفاجئ، عدم أخذ اليمين للوقوف أو عدم استخدام الإشارات الضوئية، تجاوز الإشارات المرورية أو الرعونة في التجاوز، إدمان استخدام الزمور بشكل مقلق ومزعج............الخ من وسائل.
الكل أفاد بأنه يدخن لأن لا أحد يخالفه أو يحاسبه.
تقودنا هذه المحاولات إلى موضوع شهادة القيادة العمومية وفوائد الحصول عليها، فالمسلم به أن عدد كبير من السائقين يعملون بدون رخصة قيادة عمومية وهذا ليس بخافٍ على أحد، حيث بتنا نرى شباباَ في العشرينيات من العمر يقودون سيارات الأجرة بكل ما تعنيه هذه الفئة العمرية من العنفوان الزائد والاندفاع والحماسة الزائدة أو الطيش والكبرياء أحياناً، واليأس من الأوضاع الاقتصادية الصعبة وهموم المستقبل أو غموضه نسبة لأعمارهم وخبراتهم القليلة، فبسبب هذه الأعمار من السائقين بتنا مجبورين على الاستماع لأغاني صاخبة متنوعة الأطياف والمناطق، سريعة وبصوت عالٍ، تقلق سامعها وتدفعه للغضب السريع.
أما عن عدم معرفة سائقي هذه الأيام بأماكن رئيسية ومعروفة، فهذا أصبح عادياً في هذه الأيام. فالسائق القادم إلى المدينة من خارجها يسألك مباشرة طالباً أن تدله على طريقه للوصول.
الجدير ذكره أيضاً: أن هناك فئة من الركاب المدخنين، يصرون على التدخين بداخل سيارات الأجرة، غير متفهمين لطلب بعض السائقين بالامتناع عن التدخين أثناء الركوب، فلو أن هناك إلزام ومخالفة للراكب أيضاً، ألن يمتنع الراكب عن التدخين ويؤجل دخانه لحين النزول مثلاً، الجواب حتماً بالتأجيل والامتناع عن التدخين داخل السيارات العامة.
ختاماً، نحن أمام موضوع التدخين في سيارات الأجرة أو السرفيس لا فرق، من قبل السائقين والركاب، لا شك أنه موضوع بحاجة للمعالجة والاهتمام به وبذل الجهود أكثر مما بُذلَ سابقاً، ولنقر أن كل العقوبات والقوانين لم تفلح في القضاء على هذه الظاهرة وهنا اقترح ما يلي (كاقتراح لا أكثر):
التشدد في تطبيق القانون الواضح والصريح في مثل هذه المخالفات، أولاً.
توعية سائقي سيارات الأجرة والسرافيس بإلزامهم حضور دورات توعية من عدة جلسات ساعية، تشرح لهم مضار التدخين وآداب قيادة سيارات الأجرة وكيفية التعامل مع الركاب، وشرح أماكن الاختناق وساعات الازدحام المروري
لبعض شوارع المدينة، ولفت نظرهم لأخطائهم المتكررة، وشرح قانون المرور وطبيعة المخالفات، تكون
هذه الدورات موزعة صباحاً ومساءً مراعاة لأوقات عمل السائقين وأوقات وردياتهم.
منح السائقين بطاقات حضور هذه الدورات، إثباتا للحضور الكامل، والزام كل أصحاب سيارات الأجرة أيضاً بهذه الدورات، كذلك إلزامهم بعدم السماح لأي سائق بقيادة سياراتهم ما لم يكن يحمل بطاقة اتباعه للدورة المذكورة.
نشر إعلانات في شوارع المدن تحث المواطنين على عدم ركوب سيارات الأجرة أثناء تدخين سائقيها، وأيضاً حثهم على عدم التدخين في السيارات العمومية.
عندما يرغب السائق تدخين سيجارة، فينبغي عليه أن يوقف سيارته إلى جانب الطريق، ويدخن بالهواء الطلق لا داخل السيارة (حينئذٍ، أظن أن أغلب السائقين سيتركون التدخين،لأن لا أحد يقبل بأن يوقف السيارة ويخسر الركاب، وهذه فائدة للوطن والمواطن أيضاً).
تسجيل مخالفة التدخين في سجل رخصة السائق لدى المرور، وأخذها بعين الإعتبار عند التجديد كذلك باقي المخالفات وعددها حين طلب التجديد، أو تبديل الرخصة.
أتمنى أن يلتزم السائقين بعدم التدخين، فأضرار التدخين ليست بخافية على أحد، حتى أن مصنعوا السجائر مجبرين على طباعة أهم الأمراض التي يسببها التدخين على علبة السجائر، ألا يعتبر هذا تنبيهاً خطيراً، فإن لم ندرك أضراره فعلى الأقل نمتنع عن إضرار غيرنا، من خلال إجباره على استنشاق دخان سجائرنا، وضمه إلى قائمة المدخنين السلبيين كما يحصل الآن معنا يومياً
أما عن التدخين في المؤسسات العامة، ودوائر الدولة، والمرافق العامة، فسحب الدخان وروائحها في كل مكان، هناك يتسابق الناس على إشعال سجائرهم دون تقدير لغير المدخين، فلها قصة أخرى.

لا للتدخيــن في الأماكن العامة
تنص أغلب تشريعات الدول على مكافحة التدخين مع إبراز آثاره الضارة على الصحة العامة التي لا مجال للشك بأضراره أبداً،
وتحث الدول مواطنيها على الإقلاع عن التدخين من خلال قوانين وتشريعات متنوعة،
مؤخراً، دخلت الاتفاقية الدولية بحظر التدخين حيز التنفيذ، بعد أن صاغتها منظمة الصحة العالمية ووقعت عليها سبع وخمس دولة، وتنص بنودها على فرض حظر على الاعلانات على السجائر، ووضع علامات تحذير بارزة على علب السجائر من مخاطر التدخين، وحماية غير المدخنين من المدخنين، ورفع أسعار التبغ، وزيادة العقوبات على تهريب السجائر مجهولة المصدر ورخيصة الثمن. وتقول منظمة الصحة العالمية: انها أول اتفاقية دولية للصحة العامة قد تنقذ أرواح الملايين من خلال وضع تحذيرات قوية على علب السجائر وفرض حظر على اعلانات شركات التبغ أو رعايتها للمسابقات.
وطبقا لأرقام منظمة الصحة: يودي التدخين بحياة نحو 5 ملايين شخص كل عام، ومن المتوقع أن يصل عدد الضحايا في عام 2020 إلى 10 ملايين شخص كل عام، منها 60 ألف حالة في فرنسا، أي ما يعادل 1% من إجمالي عدد السكان الذين يبلغون 61 مليون نسمة، و120 ألف حالة وفاة ناتجة عن أمراض التدخين في ألمانيا، إضافة إلى الخسارة المادية التي تقدر بحوالي 25 بليون دولار.
وقد قامت الحكومات في القارة الأوربية برفع أسعار السجائر وأيضا حظر التدخين في الأماكن العامة مثل المطاعم والمقاهي، ليرتفع الضغط داخل المجتمع الأوربي على المدخنين, نظرا لتفاقم الخطر الصحي الذي يمثله على الأفراد والمجتمعات ككل.
فقد قامت الحكومة الألمانية بمطالبة الاتحاد الوطني للفنادق والمطاعم بتحديد نسبة 40% من الأماكن لتكون خالية من التدخين.
ففي إيطاليا يواجه أصحاب تلك العادة (التدخين) عقوبات صارمة إذا ما أصروا على التدخين في المقاهي أو الحانات.
أما عن أسكتلندا فإنه مع حلول عام 2006، سيكون هناك حظر تام للتدخين في أماكن العمل.
وفي أسبانيا التي تمنع بالفعل التدخين داخل السيارات والمطاعم والمقاهي، قامت الحكومة أيضا بإعداد مشروع حظر شامل للتدخين داخل أماكن العمل. ذلك، وقد أصدرت هيئة السكك الحديدية الاسبانية قاعدة تنص على منع التدخين أثناء الرحلات التي تستغرق أقل من 5 ساعات والتي تبلغ نسبتها 98% من إجمالي الرحلات.
وهناك بعض الحكومات التي تلجأ إلى الطرق غير المباشرة لمحاربة التدخين , حيث إن ارتفاع السعر كان الدافع الأساسي وراء إقلاع معظم المدخنين عن التدخين، وخاصة من السيدات.
وبالتأكيد قامت وسائل الإعلام بدور بارز في التوعية ضد التدخين عن طريق حملات للتعريف بأضرار التدخين على المدى الطويل. وقد أبرزت تلك الحملات أعداد الوفيات التي تحدث سنويا نتيجة التدخين، ويذكر أن منظمة الصحة العالمية تنظم يوم "عدم التدخين العالمي" في الحادي والثلاثين من أيار.
أما لو تحدثنا عن واقع التدخين في بلدنا، الذي يندر أن نجد فيه مكاناً لا يلوثه دخان السجائر، وخاصة في الأماكن العامة المغلقة، المطاعم والمقاهي ووسائل المواصلات والسفر، ومراكز التجمعات والبنوك ودوائر الدولة كالوزارات والسجل المدني والمحاكم والمالية التي تحتاج إلى مراجعة مستمرة كبيرة من قبل المواطنين بشكل يومي.
فالبرغم من وجود اعلانات تمنع التدخين واضحة وظاهرة، يمتنع الكثيرين عن الالتزام بها، فيستمرون بتلويث الهواء، غير عابئين بمن يستنشق دخان سجائرهم، من أطفال رضع أبرياء بحاجة لهواء نقي، أو مرضى من كبار السن، أو مرضى الجهاز التنفسي، أو حتى أناس أصحاء لكنهم لا يرضون استنشاق هواء فاسد يقوم به أناس آخرون في أماكن ضيقة غير مهوية.
وخاصة في ظل معدلات التلوث الكبيرة التي لا تخفى على أحد نتيجة عوادم السيارات المنتشرة بسبب عدم صيانة محركاتها، والمصانع والورشات التي تنتشر ضمن المناطق السكنية، التي تجعل العثور على مكان خال ونظيف أشبه بالمستحيل ضمن مدننا الواسعة المتنامية الأطراف (أحد المغتربين قال بما معناه: إنني في بلدي الأوروبي أسير يومياً مسافات طويلة جدا ولا أتعب، ولكنني هنا في بلدي أجد نفسي متعباً ويصيبني الإرهاق عندما أسير كيلومتراً واحداً بسبب نقص الأوكسجين في هوائها الملوث.... ببساطة شديدة).
برأي أن المشكلة الكبيرة هي: أن المدخن ليس لديه أدنى علم أو وعي، ولا أدنى شعور بأنه يؤذي الجميع عندما يندس بينهم واقفاً في طابور أو تجمع لمراجعة موظف أو مسؤول أو عندما يصعد في مصعد عمارة لا تتجاوز مساحته أمتار مربعة قليلة تاركاً الهواء الملوث كذكرى له بعد مغادرته أو تركه المكان.

السؤال الكبير عرفنا ما طبقته دول أوروبا لأجل مكافحة التدخين وحماية غير المدخنين من أضرار المدخين، فهل نحن عاجزين عن مواكبتهم؟؟ إنه سؤال كبير أطرحه على المعنيين وأصحاب القرار

26/3/2005

كلنا شركاء

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon