من خلال قراءتي ملفات الدكتورة "رويدة دوماني" (اقرأ: مرصد العنف..) يزداد ألمي وحزني وأشعر بأنني عاجزة أما م عالم مرعب ومخيف، لا فائدة فيه للقيم والأخلاق والمبادئ حتى الأدب والفكر يضمحل أمام هذه الأحداث والوقائع وكأن الإنسان هذا الكائن المرعب الذي لا يمكن حتى وصفه بإنسان يتجرأ ويعتدي على الأطفال الأبرياء. من الصعب أن نتخيل ما يصل إليه هذا الإنسان المعتدي من الوحشية وإلى أي درجة من الانحطاط والتي لن اسميها "الحيوانية ". أن عالم الحيوان يحكمه قيم وأخلاق لا يتحلى بها الإنسان وغريزة الأمومة تملكها جميع إناث الطبيعة ولكن ألام هي أكثر مخلوقات الله حنانا ورأفة بأولادها، لذلك كانت عليها المسؤولية مضاعفة.
ملفات الدكتورة رويدة دوماني أعادتني إلى ذكري أليمة لأصدقاء أعرفهم في سورية، كان ضحيتها الأولاد بسبب مشاكل بين الأب ألام وكما يقول الأمثل الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.
أذكر في أحد الأيام زارتني صديقة على خلاف مع زوجها، جاءت لتشكي وتندب حظها مما تعاني من زوجها وكان الثمن لهذا الخلاف الدائم، طفلة بريئة لم تتجاوز السابعة من عمرها يغرر بها أحد عمال البنايات المهجورة في مخيم فلسطين وكنت حقيقة لا اصدق مثل هذه الحكايات عندما أقرأها كوني أخاف حتى من فكرة تصديقها، وتأتي الطفلة الصغيرة لتقول لي أمام أمها التي تسرد الحكاية "شوفي يا خالتو شو عامل في أسنانه"!
طبعا الحديث له شجون وجروح لا تندمل، وشكرت الأم الله أن الاعتداءات كانت خارجية.
المشكلة هنا في الأم المتعلمة والأب الذي كان يترأس مركزا مهماَ في إحدى الوكالات الدولية إذ يقوم على خدمة الآخرين بينما تتعرض عائلته بمن فيها إلى انتهاكات جسدية وأخلاقية.
وبالمقابل أمهات لا تقرأ ولا تكتب، وبمعنى أخر هي أمية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنها تجيد تربية أطفالها بتوجيههم نحو الصواب والخطأ وتوضح لهم كل شيء ممكن أن يتعرضوا له في حياتهم من أخطار في العمر المناسب والوقت المناسب.
المشكلة الأساسية: في مثل هذه الحالات تقع مسوؤليتها أخلاقيا وإنسانيا بالدرجة الأولى على الأهل اللذين لا يقدموا لأولادهم ما يكفي من التوعية والتوجيه في علاقاتهم بالآخرين،أن الطفل مع المراقبة التي يحتاجها على مدى تطور عمره الزمني وبدافع فطري يشعر بالخوف من الغرباء،و النصيحة من الأهل وخاصة من ألام، تكون من أهم ما ُيقدم له مع المراقبة، كونها هي التي يجب أن تكون واعية تماما لأولادها.
إن الحروب العائلية، كحروب الدول، الأولى يدفع الأبناء فيها الثمن والثانية تدفع فيها الشعوب الثمن، مما تلقاه من قتل ودمار وخراب، ولكن المشكلة في الفارق الفظيع بين خراب يمكن إصلاحه بالعمار والبناء، وخراب لا يمكن إصلاحه أبدا وهو ما يترسب في أعماق الطفل خلال مراحل حياته.
حملات توعية: إن المقالات والمحاضرات والندوات التي تعقد لن تصل إلى نتيحه مفيدة كون من يقع عليه الفعل أو المعتدي عليه "الضحية" في مكان ناءٍ عن هذه الندوات وما ذكرته. وبالمقابل الفاعل، وهو المجرم الحقيقي، ينال حظه من إسقاط العقوبات أو السكوت عن أفعاله خوفا من الفضيحة! وهذا هو ما يحدث على الأغلب!
إن المسؤولية يجب أن تتجاوز الندوات بين المحٌاضر والمحاضر بهم لتصل إلى عتبات البيوت المغلقة لندق الأبواب ونرفع الصوت. الجريمة لا يمكن منعها، ويمكن أن تحدث في كل زمان ومكان، وفي كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة فيها، لان مثل هذه الجرائم تقع تحت عوامل الغريزة، وكبح هذه الجرائم يجب أن يكون بأشد الأحكام القاطعة والتي لا تخضع لأي عامل من العوامل المخففة للجريمة.
ومن هنا يبدأ دور الأهل الذين يتعرض أطفالهم لمثل هذه الاعتداءات،الأهل الذين أخذتهم الحياة وغرقوا بمشاكلهم اليومية وضجيجهم، ليتركوا وراءهم أطفالا أبرياء لا حول ولا قوة لهم في فهم ومواجهة ما يتعرضون له من مشاكل واعتداء يومي سواء على الصعيد النفسي والجسدي وكل إسقاط لمثل هذه الحقوق يعتبر اعتداء آخر على هذا الطفل وكلما تم الإشهار عن مثل هذه الجرائم وتشدد القضاء في مثل هذه العقوبات كلما كانت رادعاَ لمثل هذه الجرائم أو على الأقل تخفف منها.
الاتحاد النسائي يجب أن يقوم بدور أبعد في التوعية: ميزانية تصرف على الاحتفالات والزينة والرحلات ولكن هذه عليها أن تقوم بحركة حقيقة وحية في زيارة البيوت والقيام بحملات التوعية والملاحظات في الأحياء التي تكثر فيها أمثال هذه القصص.
إن سرد القصص وفتح الملفات لن يساعد في إيجاد الحلول إذا لم تتحرك جهات إنسانية وثقافية وتربوية في دورات توعية تقدم للأمهات وللأطفال من خلال المدارس والصحف والإذاعة والتلفزيون.
ما أود ذكره هنا: في أحد الأيام زارتنا مجموعة من النساء وعرفت بنفسها أنها لجنة دولية منظمة لحماية الأطفال من الاعتداءات التي يتعرضون لها والذين أعمارهم تحت 16 سنة. وطلبوا مني مقابلة ابنتي "رهام" على انفراد. وقامت اللجنة بطرح الأسئلة التي تستطيع طفلة في الثانية عشرة من عمرها أن تجيب عليها. وسُئلت فيما إذا كانت تتعرض للضرب أو التعنيف من قبلنا. وكل ما يتعلق بها وبمدرستها. وفيما إذا كانت تتعرض للتمييز العنصري كونها من بلاد أخرى.
قد يقول البعض: هذا تدخل في شؤون الآخرين وفي حياتهم! ولكن لو فكرنا مليا بالموضوع لوجدنا أن هذه المنظمات عملها إنساني قياسا بما يتعرض له أطفالنا، وخوفهم الشديد من مصارحة الأهل في كل ما يتعرضون له.
ولهذه المنظمات خط حي ومباشر، يتعرف عليه الطفل من خلال المدرسة، للشكوى وطلب النجدة في حال تعرضه لأي خطر محدق به.
ويخصص يوم من كل عام، طبعة خاصة من أهم وأولى صحف نيوزلندة وهي The New Zealand Herald، للمواضيع التي تتعلق بالطفل والمرأة. خاصة المتعلقة بالاعتداءات الجنسية التي تقع على كل منهما. وتوزع هذه الصحيفة مجاناً على البيوت. بالإضافة إلى النشرات الدورية التي يتم توزيعها. مع ملاحظة أنه من العيب والخطأ ملاعبة الأطفال، إذ يعتبر هذا من التصرفات الغير اللائقة، باستثناء الأهل.
ومع هذا ليس هناك ما يمنع من وقوع مثل هذه الجرائم. ولكن حملات التوعية تلعب دورا كبيرا في التخفيف منها.
الحياة مليئة بالمشاكل، وصانعها هذا الإنسان الوحش الضال الذي لا يفرق بين طفل وطفلة، ولا نسب ولا قيم! وكل إسقاط لحق طفل أو عائلة معتدى عليها هو أيضا اعتداء آخر على هذا الطفل الذي يترسب في أعماقه وفي عقله الباطن ما يتعرض له خلال مراحل حياته، والذي لا تغسله أي عقوبات رادعة تلحق بالمجرم مرتكب هذه الأعمال الشنيعة.
الموضوع شائك ولا ينتهي بنصيحة أو مقالة أو ندوة. هناك كثير.. كثير من القضايا المخيفة التي يتعرض لها الأطفال، ولكن حياء الأهل وخجلهم وخوفهم على سمعتهم يقف حائلا أمامهم بالادعاء ضد من يعتدي على أطفالهم سواء من الأقارب أو المعارف أو الغرباء.
علينا جميعا أن نساهم في حماية هذا الطفل الذي لا ذنب له سوى أنه زهرة الحياة وأريجها الفوًاح.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon