قانون الأحوال الشخصية وتطبيقاته.. بين الماضي والحاضر والمستقبل

 خاص: "نساء سورية" 

قانون الأحوال الشخصية وتطبيقاته.. بين الماضي والحاضر والمستقبل/ تقديم (1-5)

الأسرة هي الركن الأساسي والخلية التي تبنى من خلالها المجتمعات برمتها.
وحيث أن الدولة تكفلت بحمايتها بنص الدستور وفقا لقوانين صدرت بما يتلاءم معها.
وبما أن قانون الأحوال الشخصية هو القانون المعني بالإنسان بشكل خاص لأنه يتصل بشخص المرء وبكيان الأسرة, أما القوانين الأخرى كالقانون المدني .. التجاري.. العقوبات.. فهي قوانين عامة.
وبما أن مصدر القانون هو الشريعة الإسلامية التي تبقى منبعا لا ينضب ويصلح لكل زمان ومكان لذلك فإنه عند وضع أي قانون أو تشريع أو صدور اجتهاد معين في مسألة ما في أي عصر نجده يتناسب وروح العصر الذي ولد فيه و وضع من أجله آخذا بعين الاعتبار الحالات الموجودة على أرض الواقع والتي يبحث لها عن حل ليأتي النص حكما لها حيث الخلاف بين الناس, ويصبح مرجعا قانونيا يستند إليه عند الحكم في مثل هذه الحالات.
لكن ومع تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتعدد وتشعب مجالاتها العملية, إضافة إلى ازدياد الاختلاط بين الناس, نجد أن ما وضع في زمن سابق ولو كان ليس ببعيد يصبح قاصرا بل و أحيانا عاجزا عن مجاراة حالات جديدة لم يتطرق إليها النص الذي وجد فيه هذا القانون وأصبح مرجعا للجميع.
ومن هنا نشأ الخلاف و توسع بين المتقاضين من جهة, وبين المتقاضين والمحاكم من جهة أخرى, وهنا برزت الحاجة الملحة للاجتهاد كونه أحد مصادر التشريع ليرافق الحالات الجديدة والمطروحة على أرض الواقع آخذا بعين الاعتبار زمان ومكان وظرف كل حالة على حدة.
وهنا لا بد من تقديم الشكر الجزيل والعرفان بالجميل لمن قام بإغناء القضاء السوري بمثل هذه الاجتهادات المشار إليها والقيمة لتكون مرجعا لمن أراد عند الحاجة إليها.
لذلك وبمواكبة تطور حياة المواطنين فإننا سنتناول من خلال دراسة على حلقات, مقارنة تحليلية تطبيقية لبحث وتدقيق قانون الأحوال الشخصية رقم 34 الصادر بتاريخ 31/5/1975 والمعدّل لقانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 17/9/1953 مادة تلو الأخرى مبينين فيها سلبياتها وإيجابياتها وكيفية تطبيقها على أرض الواقع وذلك من خلال الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الشرعية في القطر العربي السوري, مع تمنياتنا بما هو أفضل ليتلاءم مع روح العصر الحالي حيث كثرت الحاجة للتجديد يوما بعد يوم تبعا لتغيرات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي غزت وللأسف نفوس البشر من داخلهم مما زاد في لجوئهم إلى المحاكم وفي تذمرهم في أكثر الأحيان بأن القضاء لم ينصفهم حتى ولو كان هذا التذمر مجرد إحساس لديهم فقط.
أبدأ من المادة الثانية من القانون رقم (34) لعام 1975 والتي نصت على ما يلي:
" تعدل المادة 17 وتصبح كما يلي:
مادة 17: للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان الزوج قادرا على نفقتهما"
بالعودة إلى الواقع العملي لتطبيق هذه المادة من خلال المحاكم الشرعية عموما, نجد بأن القاضي الشرعي يكتفي بسؤال الزوج إن كان بإمكانه أو لديه القدرة على الإنفاق على امرأتين وفي مطلق الأحوال فإن الزوج يجيب بنعم.
ولكننا وللأسف لم نسمع عن أية مبادرة بتكليف الزوج بإثبات هذه القدرة على الإنفاق إن كان لجهة المصدر أم لجهة السكن المستقل الذي يفترض وجوده قانونا.
لذلك وبرأيي إن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الزوجة الأولى التي ستأتيها شريكة لها بكل شيء فهي الأقدر على تحديد مستوى المعيشة التي يستطيع زوجها تأمينها للأخرى.
طبعا أنا أعلم علم اليقين بأن الاحتجاج على مثل هذا الطرح سيكون شديدا كون المرأة لن تكون بطبيعتها منصفة بهذا الخصوص لأن الأمر يتعلق بزوجها وبزواجه من أخرى غيرها وإن هذا الاحتجاج مقبول بطبيعته. لذلك فإن اللجوء لحل هذا الإشكال يكون عن طريق تطبيق قواعد الإثبات المقبولة قانونا للوصول إلى الحقيقة ولضمان حسن سير واستمرار واستقرار الحياة الزوجية لكلا الزوجتين.
أما مسألة المسوغ الشرعي فقد طلت حبرا على ورق باستثناء حالات نادرة جدا إذا صح التعبير وذلك عندما تكون الزوجة الأولى مصابة بمرض عضال يمنعها من متابعة حياتها الزوجية الشرعية.
إلا أن المحاكم اكتفت في تطبيق هذه المادة بشكل عملي حين عقد قران أو تثبيت زواج بتدوين عبارة "العلم بوجود الضرة" في حقل الشروط الخاصة المدونة في نموذج صك الزواج.
وبرأينا الشخصي لا بد من الحصول على موافقة صريحة من الزوجة الأولى, إما بوثيقة خطية صادرة عنها أو بحضورها أو من يمثلها شخصيا أمام القاضي الشرعي أو ينوب عنها لتبدي موافقتها على إدخال شريك جديد إلى أسرتها.
لكن بكل أسف وأسى نقول, إن هذه الافتراضات لم ولن تتم وذلك بسبب عوامل عدة لا يتسع المجال لذكرها, لكننا نستطيع أن نذكر أهمها وهي غيرة المرأة الشديدة على زوجها التي تمنعها من التلميح أو التصريح بموافقتها على زواجه من أخرى غيرها ولو كانت تعلم علم اليقين بأن زواجه الثاني له ما يبرره وإن الله غز وجل أحل له ما يريد.
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع, فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم وذلك أدنى ألا تعولوا" سورة النساء – الآية (3).
والعدالة التي نبحث عنها غير متحققة في كل الأحوال, والمتضرر الوحيد المرأة نفسها سواء أكانت الزوجة الأولى أم الثانية, والمستفيد الأول والأخير هو الرجل حتى لو لحقه بعض الضرر المعنوي في حال حدوث خلافات أسرية بينه وبين إحدى الزوجتين, لكنه وبحسب طبيعته يستطيع تجاوزها دون أن تترك أثرا حتى في نفسه لأنه وعلى الأغلب يرمي بالآثار السلبية التي يقتنع بأن مصدرها امرأة, على المرأة نفسها التي كانت سببا في ذلك مقنعا نفسه بأنها العقوبة التي تستحقها وهي السبيل لردعها وضمان عدم تكرار أفعالها مستقبلا.
وللحقيقة نقول:
إن هذا الموضوع يسوده ظلم اجتماعي يقع على المرأة غالبا.
والظاهر للعيان أن الحقد الذي يتولد بين امرأتين بسبب اشتراكهما بالزواج من رجل واحد هو في الحقيقة القاسم المشترك الأعظم بينهما الذي دفعهما باتجاهه, لأن إطلاق كلمة"الضرة " على كلا الزوجتين- بصرف النظر عن الترتيب من حيث القدم- جاءت من كلمة الضرر أي الضرر لكلتيهما.
حبذا لو أن الرجل يفكر قليلا من وجهة نظر اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وبادئ ذي بدء إنسانية قبل أن يفكر من وجهة نظر دينية لإرضاء رغباته, ليتساءل هل هو منصف؟ .... طبعا لن نقول هل هو عادل......لأن العدل من صفات الله عز وجل والعدل الحقيقي من الصعب أن نراه متحققا بمدلوله الكامل على يد بشر, فما بالك على يد رجل متزوج من اثنتين ولا يعرف كيف السبيل لموازنة كفتي ميزانه. لكننا مع هذا لا بد أن نلتمس له بعض العذر في أكثر الأحيان.
ولا يخفى على أحد الآثار الناجمة عن الإنجاب من زوجتين والمعضلات الناشئة بين الأخوة غير الأشقاء والخلافات المستقبلية التي تتولد مخلفة وراءها آثارا لا تحمد عقباها في الأغلب.
وهنا لا بد لكي نكون قريبين من الواقع ومن العدل والإنصاف لا بد من الإشارة أن المرأة التي تسعى في أغلب الأحيان لتكون زوجة ثانية ضاربة بعرض الحائط وجود زوجة أولى وأولاد منها هي التي توقظ فكرة الزواج الثاني في ذهن الرجل مخلفة وراءها كوارث اجتماعية وأسرية نتائجها غير محمودة العواقب.
وهناك شكل أو حالة أخرى تظهر أثناء التطبيق العملي لنص المادة التي نبحث فيها تتمثل في امتناع القاضي الشرعي عن توثيق الزواج الثاني بصك رسمي. وهنا تظهر وللأسف الشديد طرق التحايل على القانون وبالقانون نفسه.
حيث تلجأ الغالبية العظمى في مثل هذه الحالات إلى تقديم دعوى تثبيت زواج وأحيانا تثبيت زواج ونسب بحجة أن الزواج تم خارج المحكمة الشرعية والزوجة الثانية حامل والشهود جاهزون للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة الشرعية واضعين يدهم على كتاب الله عز وجل بأن ما كتب في استدعاء الدعوى صحيح ملتمسين لضمائرهم عذرا ولأرواحهم المغفرة من الله عز وجل كونهم ستروا عرضا..
أضف إلى ذلك لإقرار الزوج أمام المحاكم الشرعية بأن ما ادعت به الزوجة الثانية صحيحا ولا غبار عليه وهنا لا يستطيع القاضي الشرعي إلا إصدار قراره بتثبيت مثل هذا الزواج لأن الإقرار سيد الأدلة.وفي معظم هذه الحالات يكون هذا الزواج سريا ولا علم للزوجة الأولى به..
وبكل أسف لا بد هنا من وقفة أخيرة اجتماعية و إنسانية حول ما يحدث في السنوات الأخيرة حيث درجت العادة بين شباب وشابات هذا اليوم بإجراء الزواج الأول سريا وبشروط لا يعلمها إلا الله وحده. ولو فكرنا بواقعية وتمعنا بالظروف التي دفعتهم لما أقدموا عليه, هل نستطيع التماس بعض العذر نظرا للظروف الاقتصادية الضاغطة التي تحكمهم وتمنعهم من تأمين أعباء الزواج بالشكل العلني والمتعارف عليه تقليديا واجتماعيا. والواضح هنا أننا حملنا أعباء ومسؤولية الزواج المادية لكلا الطرفين تطبيقا لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل هذه المساواة التي حلمت بها المرأة طويلا بالرغم من أن المشرع أكد على مسؤولية الرجل وحده في تأمين ما يستلزمه الزواج بالكامل بالغا ما بلغ تطبيقا لقوله تعالى "والرجال قوامون على النساء".
نعود لنأسف ونختم ما أسفنا عليه ونقول لم يعد بالإمكان تطبيق ما ذكرناه تبعا لمتغيرات العصر والتطورات التي حدثت في بلدنا الحبيب خاصة ذاك التطور الذي دخل حياة أغلبية النساء فكان لا بد من دفع تلك الضريبة ولو كانت قيمتها باهظة..

******

(2-5)

قانون الأحوال الشخصية وتطبيقاته بين الماضي والحاضر والمستقبل- المهر

إن دراسة الحقوق التي تتمتع بها المرأة من كافة جوانبها المدنية والشرعية ومعالجة النواقص فيها واستكمالها يؤدي بدوره إلى إعطاء مجتمع سليم أبناؤه أصحاء من تلك النظرة المعقدة إلى المرأة عبر العصور القديمة و المتراكمة توارثا حتى في يومنا هذا في بعض العقول التي لا زالت تعتبر المرأة أداة ضعيفة, وكذلك يكون أبناؤه قادرون على فهم ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تجاه أسرهم وصولا إلى المجتمع والوطن الذي ينتمون إليه.
قال الشاعر أحمد شوقي:
قم ابن الأمهات على أساس ولا تبن الحصون ولا القلاعا
والإسلام كان من أهم مهامه معالجة وضع المرأة, ابنة وشقيقة وزوجا وأما, فمنحها من الحقوق ما يجب وأسقط عنها ما كان يرهقها قبل مجيئه وذلك استنادا إلى تعاليم الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم (القرآن الكريم).
وفي عصرنا هذا اختلفت النظرة جذريا إلى المرأة,حيث تبوأت في بلادنا أعلى المناصب باهتمام وتوجيه الرئيس الراحل الخالد في قلوبنا حافظ الأسد حيث يحضرني هنا مثال على ما قاله في المرأة: "المرأة هي الأم, والمرأة هي الزوج, والمرأة هي الأخت, والمرأة هي الابنة, المرأة هي كل أولئك,
إذا كنا نريد لبلادنا أن تنمو وتزدهر, ولشعبنا أن يحقق التقدم والنصر, فلا بد وأن تأخذ المرأة دورها كاملا....... وأن تتهيأ لها كل العوامل التي تمكنها من أخذ هذا الدور, وما لم تأخذ المرأة مكانها الطبيعي في مجتمعنا, فإن ثغرة واسعة ستظل في كياننا تشكل منفذا لكل عدو يريد أن يتسلل إلى قلب الوطن والشعب......" .
وقد اتبع سيادته هذا النهج منذ بداية عهده وما زال في مزيد من التطور قدما إلى الأمام بفضل رعاية واهتمام السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد.
وبما أننا ومن خلال دراستنا لقانون الأحوال الشخصية قديمه والمعدل منه, ورؤيتنا لتلك المواد التي لا زال البعض منها يشكل عائقا في سبيل تقدم المرأة التي تشكل نصف المجتمع. لذلك سنستعرض من خلال هذه الحلقة المواد المتعلقة بالمهر لجهة المعدل منها فقط.
بادئ ذي بدء لا بد من تعريف المهر بشكل موجز:
فالمهر في الجاهلية اعتبر من متممات الزواج وهو فريضة تقدم إلى المرأة نقودا أو غيره وهو ملك خاص لها تقوم من خلاله بتجهيز نفسها للزواج.
وجاء الإسلام فأبقى على المهر لكنه نهى عن الغلو فيه, فقد جاء في سورة النساء:" وآتو النساء صدقتهم نحلة" الآية (40). والمهر في الإسلام كما عرفه الشرع هو كل ما صح التزامه شرعا صلح أن يكون مهرا ولا حد لأقله أو أكثره. ويجب المهر للزوجة بمجرد العقد الصحيح سواء سمي عند العقد أم لم يسمّ أو نفي أصلا.
والمهر نوعان:
1-المهر المعجل:وهذا هو المهر الذي لا يتم الزواج الصحيح بدونه وهو حق للمرأة ويقد إليها من قبل الزوج لتجهيز نفسها, وأحيانا يكون غير مقبوض وفي هذه الحال يشار إلى ذلك في صك الزواج.
2- المهر المؤجل: وهو غير مستحق الأداء إلا بالطلاق أو الوفاة وذلك بعد انقضاء العدة وفق ما يقرره القاضي في الوثيقة .
إن قانون الأحوال الشخصية رقم 34 لعام 1975 والمعدّل لقانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 17/9/1953 تضمن في مواده ما يلي:
- تضاف على المادة 54 ثلاث فقرات برقم 3 و4 و 5 وفقا لما يلي:
3- يعتبر مهر المرأة دينا ممتازا يأتي في الترتيب بعد دين النفقة المستحقة المشار إليه في المادة 1120 من القانون المدني.
4-لمن يدعي التواطؤ أو الصورية في المهر المسمى إثبات ذلك أصولا ثبت أحدها حدد القاضي مهر المثل ما لم يثبت المهر المسمى الحقيقي.
5- يعتبر كل دين يرد في وثائق الزواج أو الطلاق من الديون الثابتة بالكتابة ومشمولا بالفقرة الأولى من المادة 468 من قانون أصول المحاكمات المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي 84 لعام 1952. ولا يعتبر المهر المؤجل مستحق الأداء إلا بانقضاء العدة وفق ما يقرره القاضي في الوثيقة.
المادة الخامسة من القانون نفسه:
تعدل المادة (57) وتصبح كما يلي:
المادة (57): لا يعتد بأي زيادة أو إنقاص من المهر أو إبراء مكنه إذا وقعت أثناء قيام الزوجية أو في عدة الطلاق, وتعتبر باطلة ما لم تجر أمام القاضي, ويلتحق أي من هذه التصرفات الجارية أمام القاضي بأصل العقد إذا قبل به الزوج الآخر.
المادة السادسة من القانون نفسه:
تعدل المادة (60) وتصبح كما يلي:
المادة 60: 1- المهر حق للزوجة ولا تبرأ ذمة الزوج منه إلا بدفعه إليها بالذات إن كانت كاملة الأهلية ما لم توكل في وثيقة العقد وكيلا خاصا بقبضه.
2- لا تسري على المهر المعجل أحكام التقادم ولو حرر به سند ما دامت الزوجية قائمة.
وهنا نقول: إن التعديل الذي أحدثه المشرع السوري على قانون الأحوال الشخصية الصادر في عام 1953 بالقانون رقم /34/ الصادر في عام 1975, تضمن الاتجاهات التالية:
أولا – أعطى مهر المرأة مرتبة تأتي بعد دين النفقة .
ثانيا – اعتمد مهر المثل في حال ثبوت الصورية أو التواطؤ في المهر ولم يثبت المهر المسمى الحقيقي.
ثالثا – اعتبر الديون الواردة في وثيقة الزواج أو الطلاق ديون ثابتة في الأصل بوثيقة خطية لذلك أجاز المشرع بالتعديل تحصيلها وفقا للديون الثابتة بالكتابة.
كما لاحظ المشرع أن المهر المؤجل لا يكون مستحق الأداء إلا بثبوت انقضاء العدة وفق ما يقرره القاضي في الوثيقة بهذا الشأن.
رابعا – وفي سبيل الحد من ضروب الإكراه أدبيا أو غيره والتي قد يتعرض لها أحد الزوجين من الآخر أثناء قيام الزوجية وتدفعه للموافقة على زيادة المهر أو إنقاصه أو الإبراء منه اشترط المشرع أن يجر التعبير عن إرادة الزوجين أمام القاضي لدرء شبهة الإكراه.
خامسا – وحيث أن التعامل جرى قديما على أن بعض أهل الزوجة كاملة الأهلية يقبضون مهرها بداعي أنهم وكلاء عنها فقد أخضع المشرع ذلك لتوثيق خاص لمن تريد تفويض غيرها بالقبض.
سادسا – ولوجود المانع الأدبي الذي يمنع الزوجة من مطالبة زوجها بالمهر فقد نص المشرع على عدم سريان التقادم بشأنه أثناء قيام الزوجية.
ولا بد هنا من وقفة شكر وامتنان لكل العاملين في مجال التشريع للجهود التي يبذلونها لتقديم الأفضل سعيا لتحقيق غاية الوصول إلى مجتمع سليم.
وبعد هذا الاستعراض للمواد المعدلة لقانون الأحوال الشخصية والأسباب الموجبة لذلك بشكل سريع وموجز, لا بد لنا من السعي الحثيث لرؤية أن ما كان مناسبا في زمن ما لم يعد كافيا في عصرنا هذا, عصر التكنولوجيا والتقدم السريع في كافة مجالات الحياة, وما له من أثر بالغ الأهمية على واقع المرأة في ظل قانون الأحوال الشخصية الحالي الذي ما زال بحاجة ماسة لمزيد من التحديث شاكرين من أغنوا باجتهاداتهم القيمة القضاء السوري توصلا ما أمكن لتحقيق العدالة ومواكبة التطور.
وبدراسة تحليلية تطبيقية لتلك المواد التي استعرضناها لا بد من إيضاح سلبياتها وإيجابياتها وكيفية تطبيقها من خلال الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الشرعية في القطر العربي السوري, مع أملنا وطموحنا بما هو أفضل وأكثر ملاءمة للعصر الذي نعيش فيه, والذي كثرت فيه الحاجة الملحة للتجديد يوما بعد يوم تبعا للتغيرات الطارئة في كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
أولا – إن المشرعأعطى مهر المرأة مرتبة تأتي بعد دين النفقة وذلك منعا لمزاحمة الدائنين عليه وفقا للمادة 1120 من القانون المدني.
أي أن لمهر المرأة حق امتياز كدين لكنه بالترتيب يأتي بعد دين النفقة وهي في ذلك تأتي في مرتبة الامتياز الرابعة أي تستوفى بعد أن يأخذ من ورد ذكرهم في هذه المادة وهم (أجور الخدم والكتبة والعمال وما تم توريده للمدين ومن يعوله من مأكل وملبس والنفقة).
وعلى الرغم من أن هذه المبالغ وحسب ما جاء في القانون المدني تستوفى عن الستة أشهر الأخيرة وقد أعطاها المشرع حق امتياز لاعتبارات إنسانية حيث أن هذه الفئة من الناس تعيش في الغالب من أجورها وغالبا ما تكون مبالغ صغيرة لا تؤثر في أولويتها على حقوق دائني رب العمل.
ويا حبذا لو اعتبر المشرع السوري مهر المرأة في مرتبته متقدما على سواه بالترتيب من تلك الواردة في القانون المذكور واعتبره كالمبالغ المستحقة للخزانة العامة حيث تستوفى هذه المبالغ مباشرة بعد المصروفات القضائية ومنعا لتزاحم الدائنين وذلك ضمانا لحقوق المرأة وحرصا عليها من الضياع الذي ينتظرها لأنه على الأغلب يكون المهر المستحق للمرأة المصدر الوحيد الذي ستعتمد عليه في حال طلاقها أو وفاة زوجها لتعيل نفسها أو أسرتها.
ثانيا – أما بالنسبة للمهر فيؤخذ به كما ورد في وثيقة صك الزواج بشقيه المعجل والمؤجل وهنا لا بد من التنويه بأن المهر المؤجل لا يكون مستحق الأداء إلا بعد ثبوت انقضاء العدة وذلك وفقا لما يقرره القاضي الشرعي في الوثيقة المتعلقة بهذا الشأن سواء أكانت طلاق أو وفاة.
أما المهر المعجل والذي جرت العادة على تسميته وفي أغلب الأحيان بشكل صوري وتكتب هذه الأرقام في الحقل المخصص لها وتبقى عبارة عن مبالغ نقدية مهما انخفضت أو علت فهي مجرد أرقام ومن الغريب أنها في الغالب ترد على أنها قبضت إما نقدا أو أشياء جهازية أو مصاغ أو ما شابه ذلك.
وفي التطبيق العملي وعند الخلاف حول هذه المسألة بين طرفي النزاع أي الزوج والزوجة فإننا نلاحظ وبكل أسف أن المرأة هي التي تسعى لإثبات ذلك أمام المحاكم وحيث أن عقد الزواج اعتبر وثيقة خطية فلا يجوز إثبات عكس ما ورد فيه إلا بدليل كتابي.
فإذا ورد على سبيل المثال بأن معجل المهر مقبوض نقدا فلا حق للزوجة فيه لأن غالبية النساء أو النسبة العظمى منهن لا يقبضن هذا المهر المسمى.
وإذا ورد بأنه قيمة أشياء جهازية فإن تلك الأشياء ليست من حقها ما لم يتم إثبات ذلك من قبلها بموجب فواتير يفيد مضمونها وفحواها على قيمة الأشياء الجهازية الموجودة في منزل الزوجية والعائدة ملكيتها لها ويجب أن تكون هذه الفواتير موثقة وموقعة أصولا, وكذلك الأمر بالنسبة للمصاغ أي الحلي الذهبي الذي يقدم عادة للزوجة بقيمة المهر المعجل الوارد في وثيقة الزواج لأنه حين تحرير هذه الوثيقة يغفل الأهل عن كتابة الأشياء الجهازية أو المصاغ في حقل الشروط الخاصة الموجودة في صك الزواج بشكل واضح ومبين فيه كل واحدة على حدى وذلك في الغالب لعدم معرفتهم ودرايتهم بالقانون.
لذلك يا حبذا لو أن القاضي الشرعي أو المساعد الذي يقوم عادة بتسجيل عقد الزواج أن يقوم أيضا بلفت نظر الزوجة أو الأهل لهذه الناحية ضمانا لتلك الحقوق من الضياع في المستقبل ولأنها في الأصل حق من حقوق الزوجة يجب لها بمجرد إبرام العقد الصحيح.
إن المشرع بحث في التعديل في صورية المهر المسمى حين يفوق المهر المتفق عليه, ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد في حال كان أقل من المهر المتفق عليه.
وهذا الأمر يحدث في مجتمعنا وعلى الأغلب في المناطق التي لا زال الجهل يعم غالبية أفرادها, تلك التي تعتبر المرأة فيها عبئا على الأسرة فيسعون لتزويجها بشروط في الغالب تكون غير مناسبة , للتخلص منها غير آبهين بقيمة المهر ومقداره ومتجاهلين المصير الذي قد ينتظر ابنتهم في حال طلاقها من زوجها أو وفاته تاركا إياها لظروف لا يعلم بها إلا الله وحده.
أما بالنسبة لإثبات الصورية أو التواطؤ في المهر المسمى الذي يفوق المهر المتفق عليه واعتماد مهر المثل في حال ثبوته فهي مسألة لا تزال خاضعة للأخذ والرد ولقواعد عبء الإثبات والتي غالبا لا تنجح. حيث أن فرض مهر المثل في مثل هذه الحالة يعني فرض مهر يماثل مهر إحدى قريباتها من قوم أبيها كأختها وقت العقد, ويجب أن تكون من مثيلاتها سنا وجمالا ومعرفة وعقلا ودينا وبكارة أو ثيوبة وعفة وأدب وكمال ويعتبر حال الزوج أيضا في ذلك وهذه الأمور موضوعية وخاضعة لتقدير القاضي الشرعي وحده وهي قابلة للمد والجزر حيث أن إثبات مثل هذه المسائل يتم بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين, أي بالإخبار وليس بالخبرة. كأن تتزوج المرأة من رجل وهناك ما يمنع من تحديد المهر كإسلام الزوج فأحكام الشريعة الإسلامية هي التي تطبق ويجب تحديد مهر الزوجة في حال عدم الاتفاق .
أما مسألة إثبات الزيادة في المهر المدون في صك الزواج فلا يقبل فيها إلا البينة الشخصية أو طلب تحليف اليمين القانونية كما جاء في اجتهادات محكمة النقض في هذا المجال.
وحين وقوع الطلاق أو الفراق لموت واستحقاق المهر المؤجل فيحكم به وقت تحققه هذا إذا كان بالليرات السورية ووفقا لما جاء في العقد دون الأخذ بعين الاعتبار انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وقت الحكم عنها وقت العقد . فمن كان مهرها منذ خمسة عشر عاما على سبيل المثال عشرة آلاف ليرة سورية فإن هذه القيمة تدنت كثيرا في وقتنا الحالي والقيمة الشرائية لهذا المبلغ لا تعادل القيمة الشرائية له وقت العقد.
وعلى العكس من ذلك فإن الاجتهاد لحظ ذلك حينما يكون العقد قد جرى التعامل فيه بالليرات الذهبية فإن الحكم يكون بمعادلة قيمة هذه الليرات الذهبية وقت الحكم وليس وقت العقد وفي هذا تناقض وظلم اجتماعي لا بد من تلافيه مستقبلا إن أمكن تماشيا مع روح العصر والحالات المتواجدة على أرض الواقع.
ثالثا- حيت أن صك الزواج اعتبر دليل خطي واعتبرت جميع الديون الواردة فيه ديون ثابتة بالأصل بوثيقة خطية, لذلك أجاز المشرع بالتعديل الوارد تحصيلها وفقا للأصول المتبعة في تحصيل الديون الثابتة بالكتابة وفقا للفقرة الأولى من المادة 468 من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري.
ووفقا لذلك يتم تحصيل المهر بوضع صك الزواج في دائرة التنفيذ المدني ويعامل معاملة السند العادي, وهذا يشمل حالة واحدة فقط وهي حالة المهر المعجل غير المقبوض. وحتى في هذه الحالة لا يمكن تنفيذها وتطبيقها بشكل سريع كما قد يتصور البعض لأنه يكفي أن يحضر الزوج إلى دائرة التنفيذ أو يرسل من ينوب عنه وينكر استحقاق المهر المعجل ويدعي أن مقبوض من قبل الزوجة, وهنا يحيل رئيس دائرة التنفيذ النزاع إلى المحكمة المختصة, وفي حال ثبوت أن إنكاره في غير محله أمام المحكمة المختصة يترتب عليه غرامة الإنكار وهي عبارة عن 25% من المبلغ المدعى إنكاره هذا وقد جرت العادة في المحاكم بعدم الحكم بمثل هذه الغرامة.
كما أن الزوج يستطيع أيضا اللجوء إلى المحاكم المختصة مباشرة وهي غالبا المحكمة الشرعية ويستحصل على قرار بوقف التنفيذ بالنسبة للمهر ويتم ذلك ريثما يبت بالدعوى ناهيك عن إطالة أمد التقاضي الذي أصبح عبئا على المتقاضين ويشكل ظاهرة خطيرة تقف في وجه تطبيق القانون وتحقيق العدالة.
أما في حالة وجود المهر المعجل في صك الزواج مع التزامات أخرى فهنا لا يجوز تنفيذ الالتزامات الأخرى دون حكم قضائي من المحكمة المختصة.
لذلك ودرءا لهذه الإشكالات التي تقع, وحفاظا على حق المرأة في مهرها, يا حبذا لو اعتبر صك الزواج سندا تنفيذيا بالنسبة للمهر المعجل أما بالنسبة للمؤجل فيتم تنفيذه حين استحقاقه بطلاق أو موت وله قوة السند التنفيذي حيث يتم تحصيله مباشرة من قبل دائرة التنفيذ ودون الحاجة لمراجعة المحاكم المختصة.
رابعا- أما بالنسبة لدرء شبهة الإكراه وحيث أن معجل المهر شرعا هو حق من حقوق الزوجة وحدها يجب أن تقبضه بيدها في مجلس العقد أو عن طريق من يمثلها, فللأسف الشديد هذا المبدأ غير معمول به. والتعامل الجاري والمتعارف عليه بين الناس أن الأهل أو من يكون وكيلا عن الزوجة يقوم بقبض مهرها رغم أنها صاحبة الحق بذلك. وإننا نرى و بالرغم من التعديل الجاري لمواد القانون المتعلقة بهذا الشأن أن المحاكم ما زالت تغص بمثل هذه الحالات والوكيل وغالبا ما يكون الوالد يدعي أنه قبض مهرها, لذلك لا يكفي التعبير عن إرادة الزوجين أمام القاضي لأن المرأة ونظرا للخصوصية التي تملكها من طبيعة بشرية قد تمنعها من أن تنكر على والدها هذا الحق وأمام القاضي الشرعي تدعي بقبضها لمهرها, فمجرد السؤال تكتفي بالإجابة بنعم, علما أن القانون أعطاها الحق بمقاضاة أبيها عندما لا يسلمها المهر.
لذلك وللحد من هذه الإشكالات وعملا بالشريعة الإسلامية التي هي مصدر تلك القوانين والأحكام لا بد وأن تقبض المرأة مهرها في مجلس العقد وبحضور القاضي الشرعي ولا بد من اعتبار هذه الحقوق من الحقوق التي يجوز التنازل عنها.
خامسا-وأخيرا فغن وجود المانع الأدبي أي الرابطة الزوجية التي تحكم علاقة الشريكين في الحياة تمنع الزوجة من المطالبة بمهرها إذا كان غير مقبوض أثناء الحياة الزوجية حرصا منها على استمرارها.
أما النص على عدم سريان التقادم بشأن المهر فإننا نرى أنه لم يعد كافيا لأنه وفي حال استحالة العشرة الزوجية بين الزوجين فإنه يتم إكراه الزوجة بأي طريقة من الطرق للتنازل عن هذا المهر قبل المثول أمام القاضي الشرعي وإبراء الزوج من أي حق من حقوقها الزوجية. والتهديد يكون إما برفض فكرة الطلاق , وهنا أعلم بأن الكثيرين يستغربون إثارة مثل هذا الأمر خاصة و أن المشرع السوري أعطى المرأة حق إقامة دعوى بالتفريق للحصول على مثل هذا الحق لكننا نعود للقول بأنها حتى تحصل على هذا الحق فإنها قد تبقى لأعوام كثيرة بين رواح ومجيء إلى المحاكم وخضوع للتحكيم ومن ثم الحصول على قرار حكم كل ذلك بهدف الحصول على بعض هذه الحقوق وليس كاملها وذلك حسب نسبة الإساءة إن كانت من الزوج أو منها هي وفقا لقرار المحكمين.
لهذه الأسباب جميعا وسعيا منا لأن يصل كل ذي حق لحقه وخاصة المرأة وهذا ليس تحيزا وإنما المهر حق من حقوقها الشرعية والمشروعة بمجرد العقد الصحيح ودرءا للخطر الذي قد يداهم المجتمع إذا لم نحافظ على تلك الحقوق الواجبة لها لتستطيع بناء مجتمع صحيح خال من الأمراض والرواسب الاجتماعية المعقدة لا بد من إجراء تعديل على التعديل الوارد والذي نحن بصدد دراسته وإبداء الرأي رغبة منا في تحقيق ما هو أفضل للمجتمع.
******

(3-5)

قانون الأحوال الشخصية بين الماضي والحاضر../ النفقة الزوجية

من أهم حقوق الزوجة على زوجها بعد المهر... النفقة, وأساس ثبوتها على زوجها قوله تعالى"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها ولا تضار والدة بولدها ولا مولود بولده وعلى الوارث مثل ذلك....." سورة البقرة آية 233.
فالنفقة تجب على الزوج لزوجته من حين انعقاد العقد الصحيح لأن الإسلام جعل غاية الزواج هي التواد والتراحم بين الزوجين وذلك تصديقا لقوله تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" فأسمى مبادئ الزواج حسن المعاشرة التي توجب تحمل كل من الزوجين للآخر في السراء والضراء.
وقد عرفت المادة (71) من قانون الأحوال الشخصية ما المفصود من النفقة الزوجية حيث جاء فيها:
(النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم.
يلزم الزوج بدفع النفقة إلى زوجته إذا امتنع عن الإنفاق عليها أو ثبت تقصيره)
أي يجب أن تغطي النفقة المفروضة على الزوج والملتزم بها شرعا وقانونا تجاه زوجته كل ما تم ذكره في نص المادة بصورة كافية على ضوء واقع تكاليف المعيشة التي يعرفها الجميع مع الإشارة إلى أنها يجب أن تكون متناسبة مع الوضع المادي للزوج ودخله على أن لا تقل عن حد الكفاية أو بعبارة أصح الحد المعقول والمقبول لاستمرار الحياة اليومية وذلك عملا بالنص القرآني الكريم " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله سيجعل الله بعد عسر يسرا".
في هذه الحلقة سنتناول البحث كما اعتدنا بالمواد المتعلقة بموضوع هذه الحلقة في قانون الأحوال الشخصية رقم 34 الصادر بتاريخ 31/5/1975 والمعدّل لقانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 17/9/1953, مادة تلو الأخرى موضحين ما أمكن ما لها وما عليها وكيفية تطبيقها بشكل عملي, والسلطة التقديرية الممنوحة للقاضي الشرعي وفقا للقانون, وهل ما زالت هذه المواد ومن خلال التطبيق الواقعي لها تتناسب واحتياجات العصر الذي نحن في سباق فيه مع الزمن الذي إن لم نقطعه قطعنا كسيف مسلط فوق رؤوسنا؟ وهل الحالات المطروحة أمام المحاكم الشرعية وبشكل شبه يومي وطبقا لواقع الحياة العملية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتطور الحياة الاقتصادية بشكل عام, هل ما زلنا من خلال هذه المواد نحقق الغاية المرجوة من التشريع؟
لقد أصبحنا اليوم بحاجة إلى لمواد قانونية تشمل جميع اجتهادات المحاكم وتغطي حاجات العصر المتطورة يوما بعد يوم, بحاجة إلى تعديل النص المعدل والذي نحن بصدد بحثه تماشيا مع تكاليف المعيشة المعروفة من قبل الجميع والتي لم تعد كما كانت في السابق وخاصة بالنسبة لمدة زمنية تجاوزت النصف قرن أو الربع قرن سواء بالنسبة للقانون القديم أو للقانون الجديد المعدل لبعض مواد القانون القديم والذي ما زلنا نعمل به حتى الآن.
سنأتي الآن على ذكر المواد المعدلة وكما وردت بالترتيب:
المادة (7): تعدل المادة (73) وتصبح كما يلي:
م 73 – يسقط حق الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها.
المادة (8): تعدل المادة(76)وتصبح كما يلي:
م 76- تقدر نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج عسرا ويسرا مهما كانت حالة الزوجة على أن لا تقل عن حد الكفاية للمرأة.
المادة (9): تضاف إلى المادة(81) العبارة التالية:
" وللقاضي عند تقدير النفقة لأولاد الشهداء ومن في حكمهم أن يستأنس برأي مكتب شؤون الشهداء في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أو من يقوم مقامه, ويكون تحديد الشهداء ومن في حكمهم وفق قوانين وزارة الدفاع و أنظمتها".
وهنا نلاحظ بأن قانون الأحوال الشخصية القديم رقم 34 الصادر عام 1975 قد عدّل مادتين فقط, وهما:
المادة 73 قبل التعديل: الزوجة التي تعمل خارج البيت نهارا أو عند الزوج ليلا إذا منعها من الخروج وخرجت فلا نفقة لها.
المادة 76 قبل التعديل: تقدر النفقة للزوجة على زوجها حسب حال الزوج عسرا ويسرا مهما كانت حالة الزوجة على أن لا تقل عن الحد الأدنى لكفاية المرأة.
وعند إلقاء نظرة على التعديل بالنسبة للمادة الأولى نلاحظ انه اعتبر عمل المرأة خارج البيت دون إذن زوجها يسقط عنها النفقة, أي تم تضييق الخناق على تطور الحياة.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن والذي لا بد من طرحه: ما الغاية من النفقة؟؟؟ومن الذي يقرر تحقيق هذه الغاية لنستطيع إدراك إذا كانت المرأة بحاجة إلى ان تعمل أم لا ؟؟؟
الغاية من النفقة هي أن يكفي الزوج زوجته من الأمور الواردة في النص القانوني, فمن يقرر هل هي بحاجة لأن تعمل أم لا ؟؟؟
مع تطور الحياة ومشاركة المرأة للرجل بكل شيء أصبح عمل المرأة اليوم ضرورة, ليس فقط لتغطية احتياجاتها اليومية وإنما للمشاركة في المسؤولية وتحمل أعباء الحياة جنبا إلى جنب مع الرجل كونها عضو فعال لا يمكن الاستغناء عنه في المجتمع. والمهم لفت النظر إليه أن المرأة التي وصلت إلى المشاركة في صنع القرار السياسي هل من المعقول أن نعيدها رهينة منزلها؟؟
إن الله عز وجل في كتابه العزيز أراد تكريم المرأة وأوجب نفقتها على الرجل بمجرد العقد الصحيح وليس هناك تمييز إن كانت تعمل او لا تعمل.
فإذا تركنا القرار بيد الرجل وكان متعنتا في قراره أو مقصرا في منزله أو عاجزا في بعض الأحيان عن تقديم حتى الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة, ألم نترك أسرة بالكامل خاضعة لظروف قد تكون من القسوة بما لا يحتمل؟؟؟ أم علينا ترك القرار بيد القاضي الشرعي ذاته؟؟
وبناء على ذلك لا بد من أن تقوم الزوجة بتقديم الإثبات أن زوجها لا ينفق عليها أو انه مقصر في ذلك, وهذا الأمر من الأمور الموضوعية التي يعود أمر تقديرها للقاضي الشرعي, عدا عن أنها واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات ومنها البينة الشخصية أي شهادة الشهود.
والسؤال: هل يعقل أن تأت الزوجة بجيرانها على سبيل المثال لتثبت أن زوجها لا ينفق عليها, وهذا التصرف برأيي فيه كشف عن الخصوصية التي يجب أن تتمتع بها الأسرة وفيه تجاوز عما أوصى به الإسلام والشرع والأخلاق في الحرص على هذه الخلية. لذلك لا بد من اتفاق مسبق.
وعقد الزواج كغيره من العقود فهو شريعة متعاقدين, وبما أن الزوجين عاقلين بالغين. بالتالي يستطيعون أن يقدروا مثل هذه الأمور قبل الزواج, خاصة لجهة دخل الزوج إذا كان يكفي لبناء أسرة أم لا وهل الزوجة لا تريد أن تعمل ويسجل ذلك في حقل الشروط الخاصة الموجود في صك الزواج ويعتبر والحالة هذه الطرفان مسؤولان عن القرار الذي اتخذوه.
فعمل المرأة من الأمور الخاصة بها وهي التي تقدر وتستطيع أن تقدر إن كان بإمكانها العمل والمساعدة في تكوين أسرة أم لا وإن كانت ستتابع في عملها أم لا.
والمهم في الأمر أنه في حال الاتفاق لا يعود الأمر بيد الزوج يهددها متى يشاء بحرمانها من النفقة واعتبارها ناشزا في كثير من الأحيان بنظر القانون لمجرد أنها امرأة عاملة بغض النظر عن طبيعة العمل الذي تمارسه.
وإذا لم نأخذ هذا الأمر على محمل من الجدية فهذا يعني أننا نعود إلى الوراء, إلى عهود طواها الزمن, كيف يكون هذا ونحن في القرن الواحد والعشرين؟ عصر الكومبيوتر والإنترنت والفضائيات, عصر ازدهار العلم والعلماء من كافة الأجناس!!!
أما بالنسبة للتعديل الوارد في المادة الثانية فقد راعى فيه المشرع ألا تقل النفقة عن حد الكفاية للمرأة. ولكن السؤال ما المقصود بحد الكفاية؟ وهل هناك معيار لهذا الحد؟ وفي حال وجوده من يقرر هذا ؟؟
إن حد الكفاية مهما حاولنا الوقوف عند هذه العبارة لا نستطيع الخروج منها بشيء. وإن النفقة التي تفرض للزوجة علة زوجها ومن خلال الإطلاع على الحالات المعروضة أما المحاكم الشرعية فهي عمليا لا تتجاوز (1000) ليرة سورية شهريا مهما كان دخل الزوج وغالبا ما يحكم بها القاضي الشرعي على هذا النحو. وللأسف الشديد فهذا يعني أنها لا زالت دون الحد الأدنى للكفاية نظرا لغلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة.
فهل يكفي هذا المبلغ البسيط لتأمين السكن واللباس والتداوي والطعام.. الخ. هو حقيقة لا يكفي لشراء ربطة من الخبز بشكل يومي فما بالك بالأمور الأخرى!!!
والأهم في هذا الأمر أن القرار الصادر عن القاضي الشرعي بتقدير النفقة يعود تقديره له وحده ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض إلا إذا كانت النفقة المفروضة دون حد الكفاية بكثير لضمان سلامة التقدير.
إن الاجتهادات القضائية الصادرة عن محكمة النقض غطت حالات الزيادة و النقص وأجازتها بتبدل حال الزوج وأسعار البلد تماشيا مع النصوص القانونية. وفي حال تجاوز حد الكفاية يجب إثبات يسار الزوج.
إن هذه الأمور من الأمور الموضوعية التي تجعل حرية القاضي بتقدير النفقة برأيي مستقلة بعكس الاجتهادات التي اعتبرتها مقيدة بأن لا تقل عن حد الكفاية مهما كان الزوج فقيرا, لأننا كما سبق ونوهنا بعدم وجود معيار لحد الكفاية وعلى القاضي الاستئناس برأي أهل الخبرة توافقا مع نص المادة (81) من قانون الأحوال الشخصية لكن هذا النص معطل ولا يعمل به.
ولو أن القاضي الشرعي انطلق في تقدير النفقة من مصروفه اليومي لأدرك ما تحتاجه الزوجة من مستلزمات يومية لا يغطيها هذا المبلغ البسيط الذي يحكم به.
وهنا لا بد من إيراد الملاحظات التالية:
إن الحكم بالنفقة للزوجة يكون من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق الواجب عليها ولا يحكم بأكثر من أربعة أشهر سابقة لتاريخ الادعاء.
تجب النفقة للزوجة على الزوج ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت أهلها إلا إذا طالبها زوجها بالنقلة وامتنعت بغير حق.
ويعتبر امتناعها بحق حسب مص المادة (72) من هذا القانون ما دام الزوج لم يدفع معجل المهر أو لم يهيئ المسكن الشرعي.
ونخلص من ذلك إلى القول بأن النفقة الزوجية تستحق:
حال الامتناع عن الإنفاق أو التقصير وهذا ما تعرضنا له بداية.
إذا كان معجل مهرها غير مقبوض أو السكن الشرعي غير مؤمن, وهذا ما سنعرض له.
وإن محكمة النقض السورية مشكورة للاجتهادات التي أغنتنا بها حول هذه النقطة حيث اعتبرت ان انشغال ذمة الزوج بمعجل المهر أو جزء منه يجعل الزوجة مستحقة للنفقة سواء تمسكت به أو لم تتمسك لأنه حق مصدره القانون. وسواء ثبت الطرد أم لم يثبت لأن خروجها من المسكن الزوجي لا يعتبر نشوزا طالما هي لم تستوف معجل مهرها بالكامل ولها في مثل هذه الحالة وحسب الاجتهادات (حق الاحتباس عن زوجها ومغادرة منزله ولو كان شرعيا وتقاضي النفقة طالما لم تستوف معجل مهرها )فمجرد انشغال ذمة الزوج بشيء من معجل المهر يكفي لكي يحق للزوجة ترك بيت الزوجية وتقاضي النفقة منه.
وهنا لا بد من الوقوف مليا لمعرفة الغاية التي توخاها المشرع والتي أدت إلى التفريق بين من قبضت معجل مهرها ومن لم تقبضه, وذلك حرصا منه على أعطاء المرأة كافة حقوقها.
لكن هذه الغاية بالنسبة لمعجل المهر تختلف عن الغاية المرجوة من النفقة, وهي التواد والتراحم بين الطرفين وتكوين خلية أسرية صالحة لبناء مجتمع سليم. وهذه الغاية برأيي الشخصي تعتبر غير محققة في حال عدم الإنفاق سواء قبضت المرأة معجل مهرها أم لم تقبضه, ولا تعتبر كافية لاعتبارها ناشزا إذا غادرت المسكن الزوجي في حال عدم إنفاق زوجها عليها ولو كان معجل مهرها مقبوضا. إذ.. كيف تستمر الحياة الزوجية بين الطرفين دون أن تكون متطلبات هذه الحياة موجودة أساسا..؟ هل يمكن اعتبار هذا مسوغا لاعتبار من لم تقبض مهرها المعجل أحق أو صاحبة حق أكثر بالتفضيل قانونا بالحكم لها بالنفقة والمطالبة به عن طريق القضاء من تلك التي قبضت معجل مهرها؟ وهل هذا يخول الزوجة ترك دار الزوجية لحظة تشاء؟
إن هذا ليس حلا ولا مسوغا, لأننا والحالة هذه نفتح الباب على مصراعيه لتبرير خروج المرأة من دار الزوجية وتركها لزوجها وأولادها أحيانا لمجرد أن معجل مهرها أو جزء منه ما زالت ذمة الزوج مشغولة به.
لذلك لا بد من حل هذه المعضلة إن صح التعبير بشيء من التفصيل والتدقيق للمحافظة من جهة على حق المرأة الذي أعطاها إياه القانون, ومن جهة أخرى للمحافظة على كيان الأسرة بشكل مستقل وعدم تركه عرضة لأهواء أي من الطرفين.
ففي حال عمل المرأة تركنا الأمر في يد الرجل !!!
وفي حال عدم قبض معجل المهر تركنا الأمر بيد المرأة!!!
ونكون بذلك قد دخلنا في متاهات لا نستطيع الخروج منها لتأمين الغاية المرجوة من الشرع والذي نستمد تعاليمه من نصوص القرآن الكريم فالغاية من الزواج هو الاستقرار والمعاشرة الزوجية التي تخلو من تلك الإشكالات بالشكل العام.
لهذا لا بد من حسم هذا الأمر باعتبار كل معضلة لها حل يمكن الركون إليه ولأجل السعي دائما لتحقيق الغاية من التشريع, وأن نتعامل مع النص بما يضمن ما جاء لأجله وليس للحفاظ على حقوق أحد الطرفين وهدر حقوق الطرف الآخر.
وأريد أن أذكر على سبيل المثال وبكثير من الدهشة والاستغراب ما يلي:
إن إقامة دعوى التزاني على الزوجة لا يمنع من استحقاقها للنفقة وفي حال ثبوت الزنا فإن ذلك يؤثر في موضوع التفريق بين الزوجين وتحميل نسبة المسؤولية فقط. أما طلب النفقة للزوجة من زوجها فإن حقها فيه يبقى قائما حتى فصم عرى الزوجية أو إثبات النشوز الموجب لإسقاط النفقة ( وعلى هذا اجتهدت محكمة النقض)
فهل يعقل أن تبقى النفقة بوجود فعل الزنا, بينما عمل المرأة خارج المنزل يسقط عنها حقها بالنفقة إذا جاء هذا العمل دون إذن زوجها!!
هل يمكن مع ما وصلنا إليه من تطور وحضارة أن نظل نعتبر أن عمل المرأة خارج منزلها أشد وقعا وفظاظة من فعل الزنا على المجتمع وأن هذا يوجب إسقاط النفقة عنها
برأيي الشخصي أقول: إذا كانت المادتان المعدلتان وبعد التلطيف اشتملتا ما اشتملتا عليه فما بالنا بالنصوص القديمة التي ما زالت على حالها بالنسبة لهذا الموضوع وغيره والتي ما زال معمولا بها منذ عام 1953.
إن استمرار الحياة يفرض على كل فرد فينا وخاصة العاملين في مجال القانون إبداء الرأي وإسداء ما يمكن من العون للوصول إلى تحقيق الغاية المرجوة من التشريع بالسير والسعي نحو مجتمع أفضل.
أما بالنسبة للمادة (81) والمضاف إليها ما يتعلق بأبناء الشهداء ومن في حكمهم, فهنا لا بد من وقفة شكر وامتنان للرئيس الخالد حافظ الأسد لما كان له من فضل وسعي دؤوب في شؤون أبناء الشهداء حتى غدت مقولته الرائدة (الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر) قانونا إنسانيا, وزاد في تكريم الشهداء حين أطلق أسماءهم على المدارس والشوارع والمؤسسات ورعى أبناءهم حين أقام لهم مدارسا خاصة بهم.
لذلك كان لا بد من إضافة هذه المادة التي تلزم القاضي الشرعي بالاستعانة بمكتب الشهداء في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أو من يقوم مقامه لتقدير النفقة لأبناء الشهداء.
ولكن وللأسف الشديد فإن التطبيق غير النص وأن غالبية المحاكم الشرعية لا تراعي مثل هذه الأمور رغم أن تحديد عبارة الشهداء ومن في حكمهم لم يتركها النص مدار جدل لأن قوانين وزارة الدفاع وأنظمتها هي التي تحدد ذلك وما على القاضي الشرعي إلا العودة إلى تلك القوانين والأنظمة ليتمكن من تحديد النفقة على أساسها..
**********

(4-5)

قانون الأحوال الشخصية بين الماضي والحاضر والمستقبل/ النفقة الزوجية

الزواج هو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل (المادة 1 من قانون الأحوال الشخصية).
والطلاق وجد مع وجود الزواج كونه فصم لعرى الزوجية أي التفريق بين الرجل والمرأة في حال استحالة دوام العشرة بينهما.
ومحل الطلاق (المرأة من نكاح صحيح أو المعتدة من طلاق رجعي) – المادة (86) من نفس القانون.
والطلاق يتم من قبل الرجل أو من قبل المرأة أو بإرادة الطرفين وذلك باللجوء إلى المحاكم لإقامة دعاوى التفريق لأسباب محددة فقط وهي ( العلل – الغيبة – عدم الإنفاق – الشقاق) وذلك لإنهاء عقد الزواج.
لقد شرع الله الطلاق في الإسلام عند تعذر بقاء الحياة الزوجية على حال صالحة تحقق الغاية المرجوة منها. فأساسه في الشريعة الإسلامية محظور لكنه مباح عند الضرورة واستنفاذ طرق الإصلاح والحفاظ على الحياة الزوجية والأطفال, حتى إذا بلغ حالة لم يعد من مجال للاستمرار فيها وجب التقيد بالشروط التي وضعها المشرع للحفاظ على حقوق المرأة والتعامل معها على أسس إنسانية. إذ لا يمكن بأي حال اعتبار عقد الزواج أبدي لأن هذا قد يخرج عن قدرة البشر على التحمل لوجود الكثير من المسوغات التي تجعل الطلاق في بعض الأحيان ضرورة لا بد منها.
ولدقة هذا الأمر فإننا نجد أن النص القرآني أشار إلى مسائل الطلاق في أكثر من سورة نذكر منها على سبيل المثال:
" للذين يؤولون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فادوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم..................."
"الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان............"
" فإن طلقها لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره....."
"سورة البقرة"
إذا الأصل في الطلاق هو الحظر بما فرض عليه من قيود, ولما فيه من قطع لصلات الزواج وهي الصلات التي تعلقت بها المصالح الدينية والدنيوية. وقد جعل الله تعالى التوصية بالكره وصولا إلى حد التحريم باعتبار الطلاق ( أبغض الحلال إلى الله ) كما نسب للرسول الكريم ( ص ).
وحالة الاضطرار في الطلاق لا تسقط طلبا للأسباب القاهرة التي تؤدي إليه , وهذه الحالة هي تفسير للأمر بالرجعة. فالطلاق مرتان. أما الطلاق بالثلاث فهو تأكيد وإصرار على الفراق, لذلك جاءت أحكام هذا الطلاق أشد صرامة فلا تجوز الرجعة دون الزواج بآخر زواجا فعليا لا شبهة فيه وبعقد صحيح ويشترط فيه ممارسة علاقة زوجية كاملة وهذا الأمر يرتقي إلى حالة الاستحالة بالرجعة في حال الطلاق الثالث لأنه أمر لا تتقبله سوية عادية , والحكمة من هذا كله حتى لا يتم التلاعب بدائرة الحرام والحلال لأنها من حدود الله.
ولكن العدالة الإلهية نصت على عدم جواز إمساك المرأة المطلقة ومنعها من الزواج بعد انقضاء عدتها.
والملاحظ أن بعض المسلمين لم يتمسكوا بأحكام الطلاق في الإسلام, بل توسعوا فيه وخرجوا عن أصله, فوضع الفقهاء القواعد على ما جرى عليه الناس أخذا بالظاهر. فأوقعوا الطلاق المعلق مطلقا واليمين بالطلاق والطلاق الثالث بكلمة واحدة........ إلخ
فصارت المرأة مهددة بالطلاق على الدوام , لا تدري متى يقع الطلاق ومتى لا يقع وكذلك الرجل لا يدري متى يوقع الطلاق لأنه قد يحلف يمين الطلاق أو يذكره في ساعة غضب أو بيع سلعة أو دفع لتهمة أو توكيد لقول ولا يخطر في باله قط الرضا بالطلاق فتطلق امرأته منه وهو لا يريد طلاقها.
ومن الحكمة الشرعية أن يفتح للناس باب الرحمة من الشريعة نفسها. بالعودة إلى أصل حكم الطلاق ووضعه في الإسلام والأخذ منه ما يؤدي إلى جلب مصلحة عامة أو دفع ضرر عام , لذلك فقد نص المشرع على عدم وقوع طلاق المدهوش وعدم إيقاع الطلاق بغير المنجز إلا بالبينة وألغى الطلاق الذي لا يقصد منه إلا نجرد توثيق العزيمة على فعل مستقبل ونص على وقوع طلقة واحدة بالطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة , واعتبر كل طلاق رجعي إلا الطلاق على مال والمتمم للثلاث وأخذ بالتفريق بين الزوجين للأسباب التي ذكرناها سابقا كما أوجب التعويض عن الطلاق التعسفي للمرأة الفقيرة.
ورغم ذلك ما زلنا بحاجة إلى العديد من التعديلات للوصول إلى الغاية المرجوة من النص الذي وجد من أجل حالة معينة ليتناسب معها في كل زمان للخروج من دائرة العتمة إلى دائرة الضوء , لنسلط أعيننا على مواقع الخطأ محاولين بذل الجهد للسير في التصحيح قدما إلى الأمام فاتحين قلوبنا وعقولنا لاستيعاب جميع الحالات المعروضة أمامنا واضعين أنفسنا في خدمة الإنسان والارتقاء به بإبعاده عن تلك المعضلات التي باتت تشكل هاجسا للغالبية العظمى من المواطنين, وذلك بإعادة قراءة تلك النصوص قراءة جديدة تتناسب مع ما وصلنا إليه في عصرنا هذا.....
لقد جاء في المادة (10) من القانون (34) لعام 1975 ما يلي:
تدمج المادتان 87 و88 في مادة واحدة برقم 87 لتصبح كما يلي:
المادة 87:
1- يقع الطلاق باللفظ والكتابة ويقع من العاجز عنهما بإشارته المعلومة.
2- للزوج أن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
كما تمت إضافة مادة جديدة:
المادة 11 من القانون 34 لعام 1975:
يستعاض عن المادة 88 المدمجة بالمادة 87 بالنص التالي:
المادة88:1 – إذا قدمت للمحكمة معاملة طلاق أو معاملة مخالعة أجلها القاضي شهرا آملا بالصلح.
2- إذا أصر الزوج بعد انقضاء المهلة على الطلاق أو أصر الطرفان على المخالعة دعا القاضي الطرفين واستمع إلى خلافهما وسعى إلى إزالته ودوام الحياة الزوجية واستعان على ذلك بمن يراهم من أهل الزوجين وغيرهم ممن يقدرون على إزالة الخلاف.
3- وإذا لم تفلح هذه المساعي سمح القاضي بتسجيل الطلاق أو المخالعة واعتبر الطلاق نافذا من تاريخ إيقاعه.
4- تشطب المعاملة بمرور ثلاثة أشهر من تاريخ الطلب إذا لم يراجع بشأنها أي من الطرفين.
بالعودة إلى المادة 87 نلاحظ بأن القانون أعطى الزوج الحق بأن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
قبل كل شيء يجب أن نميز بين الوكالة والتفويض.
فالوكالة حسب نص المواد 665-667- 668 من القانون المدني هي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل والوكالة العامة لا تخول الوكيل صفة إلا في الأعمال الإدارية ولا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة.
فالوكالة للغير بالتطليق يجب أن تكون وكالة خاصة وهي تعبير عن إرادة الزوج في حدود ما رسمه له أي أن الوكيل يعمل برأي الزوج.
والمشرع حين أعطى الزوج هذا الحق... ذلك لحالة الضرورة التي تدعو إليها المصلحة. كأن يكون الزوج غائبا , أو في حالة إقامة دعوى تفريق من الزوجة على زوجها وهناك ما يعيقه من الحضور.
أما التفويض... فالمفوض إليه يعبر عن إرادته هو فإذا نقل الزوج هذا الحق إلى زوجته بتطليق نفسها فهي بذلك تستطيع أن تطلق نفسها متى شاءت.
ولكن لا بد هنا من التساؤل: هل الطلاق يقع بالتفويض رجعيا أم بائنا..؟ وما الغاية من التفويض...؟
حسب نص المادة 94 من قانون الأحوال الشخصية " كل طلاق يقع رجعيا إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على بدل وما نص على كونه بائنا في هذا القانون." وجميع الاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض تدل دلالة واضحة إلى أن تطليق المرأة لنفشها يعتبر طلاقا رجعيا.
نذكر على سبيل المثال الاجتهاد القضائي:
لئن كان من حق الزوج أن يفوض زوجته بأن تطلق نفسها متى شاءت ويكون من حقها في تلك الحالة إيقاع الطلاق الذي يعتبر بعد الدخول الشرعي طلاقا رجعيا يملك الزوج بعده أن يرجع زوجته إلى عصمته خلال العدة ويكون الشرط قد انحل والتفويض قد انتهى أثره إذ أن أداة الشرط (متى ) لا تقتضي تكرار الفعل وإن كانت تعمم الزمان..
وحيث أنه اعتبر طلاق المرأة لنفسها طلاقا رجعيا رغم أن النص لم يحدد ذلك......!! وبالتالي ما هي إذا الغاية من هذا النص؟؟
فإذا فوض الرجل زوجته بتطليق نفسها أو اشترطت هي أن تكون العصمة بيدها فهذا لا يكون إلا لأمر واحد وهو أن تملك حق مفارقة زوجها نهائيا وقت تشاء. وبما أن هذا الحق الذي اعتبر معطى للمرأة بموجب النص هو حق مسلوب سلفا لأن الزوج يستطيع مراجعة زوجته في العدة.
وإذا قلنا أن الغاية من المراجعة هو تمكين الزوجين من تصحيح الأخطاء ومعاودة الحياة الزوجية لأنهما ليسا ملائكة وإنما بشر تتحكم بهم أشياء كثير كالعواطف والميول والغضب التي تدفع بهما أو بأحدهما إلى مواقع الخطأ فأعطت الشريعة فرصة لهما بمراجعة حساباتهما وتصرفهما ولتصحيح ما أمكن ولمعاودة الحياة الزوجية المشتركة وهذا الحق ممنوح لهما ما دامت مدة العدة لم تنفذ.
والغاية من النص متحققة سواء طلق الزوج زوجته أو فوضها بتطليق نفسها, طالما أن الطلاق بالعدد مرتان يحق للزوج أما المرة الثالثة فلا بد من أن تتزوج المرأة من رجل غيره بعقد صحيح لا شبهة فيه للتريث في إيقاع مثل هذا الطلاق. فلماذا تم وضع النص أصلا؟؟ فهو لم يحقق الغاية المرجوة منه بل على العكس فإن التفويض يؤدي إلى إنقاص عدد الطلقات وحسب...
أما بالنسبة للمادة الجديدة رقم (11) من القانون 34 لعام 1975 والمعدّل لقانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 والمضافة برقم (88)فإننا نورد الملاحظات التالية:
إن الزوج أو الزوجة حين يتقدمان بمعاملة طلاق أو مخالعة إلى القاضي الشرعي فهذا يعني وصولهما إلى طريق مسدود نهايته اللجوء إلى المحاكم. لذلك فإني لا أرى ضرورة في تأجيل هذه المعاملة شهرا , ليس رغبة منا في تسهيل معاملة الطلاق أو المخالعة لا سمح الله كما قد يتبادر إلى ذهن البعض في القراءة الأولى, وإنما إعمالا للنص القانوني نفسه وللبعد عن دائرة الدخول فيما حرمه الله عز وجل علينا , لأنه لا يحق لنا التعدي على حدود الله طالما النص القرآني جاء واضحا هذا من جهة ومن جهة أخرى حرصا منا في الحفاظ على تلك الخصوصية التي تتمتع بها الأسرة وحمايتها من أن تكون عرضة للنشر في ردهات المحاكم أو على ألسنة المتسائلين التي تكتظ بهم أروقة القصر العدلي.
ولإعمال هذا النص لا بد من إضافة عبارة:
اشتراط ألا يكون واقعا ( أي الطلاق أو المخالعة )
أو إذا أنكر أحد الزوجين الواقعة أو ادعى عدم توفر شرائطها الشرعية والقانونية.
لأنه في حال كان الطلاق واقعا فتثبيته واجب لأنه من النظام العام ويتعلق به حق الله. وفي حال أجلنا المعاملة شهرا أي فرضنا عودة الزوجين إلى بعضهما وهنا دخلنا في دائرة الحلال والحرام التي أشرت إليها سابقا ولكي لا نعرض أنفسنا لذلك فإننا نعلم بأنه في حال الطلاق الرجعي فإن الزوج يستطيع أن يعيد زوجته إلى عصمته وبدون موافقتها قولا أو فعلا ما دام ذلك أثناء العدة.
وإن محكمة النقض مشكورة أغنتنا بالعديد من الاجتهادات حول هذا الموضوع نذكر منها على سبيل المثال:" الطلاق يتعلق به حق الله عز وجل ومتى وقع يجب تثبيته ولو من دون طلب وهو يثبت بالتصادق عليه من قبل الزوجين كما يثبت إسناده إلى الزمن السابق بعد الإخبارية.... ويثبت باليمين الحاسمة.. ." وكذلك الاجتهاد " قضايا الطلاق من النظام العام ويجب على القاضي تثبيته ولو من دون طلب".
أما بالنسبة للمخالعة: فهي عقد رضائي يتم بإرادة الطرفين وبتبادل ألفاظ المخالعة على بدل معين وفي مجلس واحد. فسواء وجد صك مخالعة أم لا فإن القاضي ملزم بتثبيت المخالعة طالما أصر الطرفان على وقوعها وفي هذه الحالة لا يجوز للزوج إعادة زوجته ولو ضمن فترة العدة إلا بعقد زواج جديد. فالقاضي إذن ملزم في كلا الحالين بتثبيت الطلاق أو المخالعة في حال وقوعهما.
إضافة إلى أنه جرت العادة في المحاكم الشرعية بوضع هذه المعاملات في الديوان دون السعي للصلح بل على العكس فإن تلمي أسباب الخلاف بين الزوجين يتم عادة أمام القاضي الشرعي وبشكل علني ضاربين بعرض الحائط تلك الخصوصية التي تتمتع بها العلاقة الزوجية.
أما المادة (12) من القانون 34 لعام 1975 جاء فيها:
تعدل الفقرة (1) من المادة (102) وتصبح كما يلي:
إذا اشترط في المخالعة إعفاء الزوج من أجرة إرضاع الولد أو اشترط إمساك أمه له.
أي أنه يتعين على المحكمة الرجوع إلى صك المخالعة لتحديد نفقة الولد وأجرة الحضانة. فالعقد شريعة المتعاقدين.
ومن الجدير بالذكر أن صك المخالعة يمكن أن يكون بعوض رمزي أو بعوض يعادله قيمة معجل المهر ومؤجله والأشياء الجهازية.
علما بأنه في حال أبرأت الزوجة ذمة زوجها من كافة حقوقها المترتبة لها عليه بموجب عقد الزواج بدون تحديد فهذا لا يشمل الأشياء الجهازية لأنها تعتبر من الحقوق المدنية التي يجوز لها بعد إجراء صك المخالعة اللجوء إلى المحاكم المدنية والمطالبة بها.........

 ********

(5-5)

قانون الأحوال الشخصية بين الماضي والحاضر والمستقبل/ التفريق لعلة الشقاق والضرر

كنت قد نوهت في أولى حلقات هذا البحث بأنني أتناول فقط دراسة القانون رقم (34) الصادر بتاريخ 30/12/1975 والمعدل لقانون الأحول الشخصية رقم (59) الصادر بتاريخ 17/9/1953 مادة تلو الأخرى, والتي يبلغ عددها ثلاثون مادة, موضحين سلبياتها وإيجابياتها وكيفية التعامل معها من قبل المحاكم الشرعية وهل ما زالت هذه المواد بعد التعديل تتناسب مع روح العصر ومع ما وصلنا إليه من تطور في شتى مجالات الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.......
وانطلاقا من هذا وسعيا منا وكل من خلال موقعه أن نبدأ بإنارة شعلة حق لعلها تشكل بصيص أمل وانطلاقة نور نحو الأفضل إذا تضافرت الجهود وتعاضدت الأيدي لنفض ما يثقل كاهلنا من غبار الماضي......
ولعلني ومن خلال قراءتي المتواضعة لتلك المواد ومن تجربتي العملية من خلال ممارستي لمهنة المحاماة على مدى اثنين وعشرين عاما أستطيع أن أقدم قراءة جديدة موضحة فيها العثرات التي تعترضنا وتضعنا في مفترق طرق بين الواقع بما نملكه والتطبيق العملي واحتياجات ومتطلبات هذا العصر بما يمليه علينا, خاصة وأن هذه المواد بقديمها وجديدها قد مضى عليها ما بين النصف والربع قرن. فهل ما زالت هذه المواد تستطيع الصمود لتتناسب مع ما وصلنا إليه من في زمن التطوير والتحديث؟؟؟ زمن نسابق فيه حتى أنفسنا والله الموفق لما نسعى إليه.
والآن سأتناول في هذه الحلقة المواد ( 13-14-15-16) من قانون الأحوال الشخصية رقم (34) لعام 1975.
إن هذه المواد تتعلق بقضايا التفريق بين الزوجين لعلة الشقاق, وهي إحدى طرق انحلال الزواج ( الطلاق ) ويحق لكل من الزوج والزوجة في حال استحالة دوام العشرة الزوجية فيما بينهما وللمتضرر من استمرارها اللجوء إلى المحاكم الشرعية وتقديم دعوى تفريق لعلة الشقاق, مع العلم بأن إقامة مثل هذه الدعاوى تستمر المحاكم الشرعية فيها ولو لم يثبت الصرر.
أما المادة 16 فهي تتعلق بطلاق التعسف الذي يتم بإرادة منفردة ومن الزوج فقط.
المادة (13):
تعدل الفقرة (3) من المادة 112 وتصبح كما يلي:
3- إذا لم يثبت الضرر يؤجل القاضي المحاكمة مدة لا تقل عن شهر أملا بالمصالحة فإن أصر المدعي على الشكوى ولم يتم الصلح عين القاضي حكمين من أهل الزوجين وإلا فمن يرى القاضي فيه القدرة على الإصلاح بينهما وحلّفهما يمينا على أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة.
المادة 112 قبل التعديل: "إذا لم يثبت الضرر وكان المدعي الزوج يؤجل القاضي...."
إن عبارة (أو كان المدعي الزوج ) لمتعد موجودة أي أن المشرع ساوى بين الزوج والزوجة في حال عدم ثبوت الضرر وفي حال تقديم الدعوى في أي من الطرفين لا فرق بينهما.
وبالرغم من ذلك ما زال هناك قول شائع بين الكثيرين بأن المرأة التي تتقدم بدعوى التفريق تحرم من كل حقوقها وفي هذا مغالطة للقانون وإجحاف للمرأة بحق نفسها لأن القانون ساوى بين الزوج والزوجة في هذه الحالة التي نحن بصدد دراستها.
إن التطبيق العملي لهذه المادة وبكل أسف يتم بعيدا عما رمى إليه المشرع من خلال فهمنا للنص والغاية المرجوة منه.حيث ساوى السادة القضاة في حال ثبوت الضرر وعد ثبوته في الكثير من الحالات المعروضة أمامهم من خلال الدعاوى المنظورة لهذا السبب حيث يتم وبشكل روتيني وبمجرد تقديم الدعوى وبعد تبليغ أطرافها وحضورهم الجلسة الأولى, تأجيل موعد المحاكمة شهرا للمصالحة قبل تكليف مدعي الضرر لإثباته. وبعد ذلك يتم اللجوء إلى التحكيم وغالبا من الأباعد حيث يكتب على محضر الجلسة ( ولعدم وجود محكمين من الأقارب تقرر تعيين فلان وفلان للتحكيم....)
والمحكمين عادة يتم اختيارهم من السادة المحامين المدرجة أسماؤهم في سجل خاص وهذا السجل توضع فيه أسماء المحكمين في القضايا الشرعية بناء على رغبتهم فقط.
وطالما أنه وحتى في حال عدم ثبوت الضرر كما نوهنا سابقا لا يتم رد الادعاء بل يتم السير بالدعوى ويمهل الطرفين شهرا للمصالحة.
فالمفروض إثبات الضرر أولا كما جاء بصريح المادة القانونية. والضرر واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة وسائل الإثبات ومنها البينة الشخصية كشهادات الشهود والقرائن, وبعد استنفاذ كافة طرق الإثبات وعدم نجاحها في الوصول إلى نتيجة يتم اللجوء إلى التحكيم تماشيا مع النص القانوني. لأنه في حال ثبوت الضرر لا حاجة للتحكيم.
لقد سارت محكمة النقض على نهج بأن تصريح طرفي الدعوى بعدم وجود من يصلح من الأهل للتحكيم هو مبرر للمحكمة بتعيين حكمين من الأباعد ( نقض سوري- غرفة شرعية – أساس 285 قرار 18 تاريخ 5/4/1983 ). كما اعتبرت ذات المحكمة السكوت على قرار المحكمة بتسمية حكمين من الأباعد يفيد عدم وجود من يصلح لهذه المهمة من الأهل.(نقض سوري – غرفة شرعية- أساس 525 قرار 791 تاريخ 12/12/1982).
وبرأيي الشخصي إن غاية المشرع من النص واضحة للعيان وإن اللجوء إلى التحكيم من الأهل أولا هو الحرص على هذه الخلية من نشر أسرارها وقدرة الأهل على معرفة وتقصي أسباب الخلاف أكثر من غيرهم لإصلاح ذات البين ورأب الصدع الحاصل في حياة الأسرة.
والتحكيم أساسه من النص القرآني الكريم:
"وإن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا" – النساء 35 –
فالأصل في التحكيم من الأهل ويجب عدم اعتبار السكوت إقرار بعدم وجود من يصلح من الأهل للقيام بهذه المهمة بل على المحكمة أن تكلف الطرفين وبشكل جدي بتسمية حكمين من الأهل أولا ثم في حال تعذر ذلك يتم اللجوء إلى التحكيم من الأباعد.
ألا يكفينا بأن بعض مواد القانون لم تعد تتماشى مع تطور الحياة وازدياد إشكالاتها وحاجة الناس المتزايدة لتحديثها, حتى نرى بأن المشرفين على تطبيقها غير ساعين لتطبيقها بحذافيرها وإنما على ما جرت العادة عليه وكأن العادة بدأت تحكم بين الناس بدلا من القانون.
وهنا لا بد من إثارة نقطة هامة جدا.... لأنه وحتى في حالة استجابة القاضي الشرعي لسماع البينة الشخصية فهي من الأمور الموضوعية التي تعود لقناعته وحده ولا رقابة لمحكمة النقض عليه. أي أن القاضي الشرعي يستطيع رغم ثبوت الضرر من الزوج أو الزوجة ومعرفة المسيء أن يهدر وسيلة الإثبات وكأن شيئا لم يكن ثم يعود ليمهل الطرفين شهرا للمصالحة ومن ثم اللجوء إلى التحكيم......
إن هذه الأمور ولو كانت من الأمور الموضوعية إلا أنها تتعلق بحياة أسر برمتها ولا بد من وجود رقابة ليكون المتقاضين في أمان... وإلا إن في ذلك إطالة لأمد التقاضي دون جدوى.
المادة 14: تعدل المادة 114 وتصبح كما يلي:
المادة 114:
يبذل الحكمين جهدهما في الإصلاح بين الزوجين فإذا عجزا عنه وكانت الإساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة.
وإن كانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما قررا التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو قسم منه يتناسب ومدى الإساءة.
للحكمين أن يقررا التفريق بين الزوجين مع عدم الإساءة من أحدهما على براءة ذمة الزوج من قسم من حقوق الزوجة إذا رضيت بذلك وكان قد ثبت لدى المحكمين استحكام الشقاق بينهما على وجه لم تعد إزالته.
إذا اختلف الحكمان حكّم القاضي غيرهما أو ضم إليهما حكا ثالثا مرجحا وحلفه اليمين.
المادة قبل التعديل:
2- وإن كانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة قررا التفريق بينهما على تمام المهر او قسم منه على أن يدفعه قبل حكم القاضي بالتفريق.
3- فإذا اختلف الحكمان..... أصبحت هذه الفقرة هي الرابعة في القانون الجديد رقم (34).
نلاحظ أن التعديل أضاف عبارة ( الإساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما) أي لم تعد محصورة بالزوجة فقط , لأنه قبل التعديل إذا كانت الإساءة من الزوجة فقط يقرر القاضي التفريق بينهما على تمام المهر أو قسم منه وتدفعه قبل حكم القاضي بالتفريق. إن في هذا إنصاف ومساواة بين الزوج والزوجة لأن الإساءة واحدة والضرر حاصل ناهيك إن كان من الزوج أو من الزوجة فلا فرق في ذلك.
وهنا لا بد من ذكر بعض النقاط التي هي أساس ارتكاز لا يمكن أن نتجاهلها:
إن تسمية الحكمين كما جرت العادة في المحاكم يتم غالبا من السادة المحامين المدرجة أسماؤهم في سجل خاص بذلك ولا يشترط في قبولهم للتحكيم أي شرط سوى رغبتهم في ذلك
وهنا لا بد من الإشارة....بأن التحكيم يجب أن يكون مؤسسة كاملة يخضع لقوانيني وأنظمة وأن تحدد شروط مسبقة لمن يرغب بأن يكون محكما في هذه المؤسسة, لأن القضايا الشرعية حساسة جدا وتمس أهم أركان المجتمع ألا وهي تلك الخلية الأسرية التي تشكل البنى التحتية لأي مجتمع , فلا بد من رعايتها والحفاظ على دعائمها كي لا تنهار.لذلك لا بد وأن يكون الحكمان من السادة المحامين إلا أن هناك منهم من يجب أن يكون على دراية بالغة الأهمية وخبرة في القضايا الشرعية إضافة إلى نزاهة الضمير ونظافة الكف وحسن السمعة و السلوك التي يجب أن يتحلى بها كل من ينتسب إلى هذه المهنة, فكيف وأن مصائر الأسر تغدو بين أيديهم. خاصة وأن ما يرد في تقرير الحكمين يعتبر صحيحا وواجب الاعتماد ولا يمكن إثبات خلافه إلا بالتزوير , أضف إلى ذلك بأن على الحكمين أن يرفعا تقريرهما على القاضي ولا يجب أن يكون معللا.
أما بالنسبة لما ورد في الفقرة الثانية من المادة 114 فيا حبذا لو جاء تعبير ( قررا التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو قسم منه يتناسب ومدى الإساءة ) واضحا أكثر فهل المقصود بتمام المهر ( المعجل أم المؤجل ) أم ماذا ؟؟؟؟ مع العلم بان الاجتهادات الصادرة عن محكمة النقض استقرت على: ( على الحكمين أن يبحثا بالمسؤولية عن الشقاق وما تتركه من أثر على المهر معجله فقط دون أن يتجاوزا ذلك ) – نقض – غرفة شرعية – أساس 388 قرار 188 تاريخ 14/3/1984.
المادة (15): تعدل المادة 115 وتصبح كما يلي:
مادة 115: على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى القاضي ولا يجب أن يكون معللا وللقاضي أن يحكم بمقتضاه أو يرفض التقرير ويعين في هذه الحالة وللمرة الأخيرة حكمين آخرين.
قبل التعديل: لم تكن صلاحيات القاضي رفض التقرير إذا كان موافقا لأحكام هذا الفصل.
إن قراءة هذه المادة تفيدنا بأن من صلاحيات القاضي رفض تقرير الحكمين وتعيين حكمين آخرين, وهنا لا بد من التساؤل: ما هو الأساس الذي يتم أخذه بعين الاعتبار لرفض أو قبول تقرير الحكمين من قبل القاضي الشرعي خاصة وأن هذا التقرير يكون غير معلل ؟؟؟
إن الغاية من التحكيم هو إصلاح ذات البين وأساسه أن يكون من الأهل وإلا يتم اللجوء إلى اختيار محكمين من الأباعد وفقا لما ذكرناه.
ودرءا لأي التباس وسعيا منا لما هو الأفضل والأنسب تماشيا مع مواكبة التطور والحفاظ على روح التشريع وغايته فإنني أرى أن يكون التقرير المقدم من الحكمين معللا تماشيا مع نص المادة 114 السابقة ولمعرفة من هو المسيء لأن في هذا أثر على الحقوق الزوجية وتحقيق للعدالة الاجتماعية.
كما أن رفض تقرير الحكمين من قبل القاضي الشرعي يجب أن يبنى على أسس سليمة تستند إلى وقائع يمكن تلمس أسبابها من خلال التقرير.
والآن سنبحث في طلاق التعسف وفقا لما جاء في المادة (16) من القانون (34) لعام 1975.
حيث تم استبدال عبارة (مبلغ نفقة سنة) الواردة في المادة 117 بعبارة ( مبلغ نفقة ثلاث سنوات )
وقبل البدء في بحث التعديل لا بد من التنويه عن هذا النوع من أنواع الطلاق.
إن هذا الطلاق يتم بإرادة الزوج المنفردة وقد عرفته المادة 117 من قانون الأحوال الشخصية بما يلي:" إذا طلق الرجل زوجنه وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حاله ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهريا بحسب مقتضى الحال"
وبالوقوف عند هذه المادة نلاحظ ما يلي:
لقد اشترط المشرع توافر أمرين متلازمين ليحكم القاضي بالتعويض , وهما:
الطلاق دون سبب معقول.
أن يلحق بالمرأة المطلقة البؤس والفاقة من جراء الطلاق.
أي إذا توافر الشرط الأول دون الثاني, فالمرأة لا تملك الحق بالمطالبة بالتعويض عن الطلاق التعسفي المذكور.
أي ترك الحرية للرجل بطلاق زوجته لأمر يخصه وحده دون محاسبته أو مطالبته بالتعويض لزوجته لما أصابها من هذا الطلاق إذا لم تثبت بأنه لحقها من جراء هذا الطلاق الفقر الشديد والحاجة والعوز.
أما بالنسبة لمبلغ التعويض المذكور فيجب الأخذ بعين الاعتبار حين الحكم به حالة الزوج من اليسار أو الإعسار ودرجة تعسفه ومهما بلغ ذلك فلا يستطيع القاضي زيادة المبلغ عن تعويض نفقة ثلاث سنوات أي تم تحديد الحد الأعلى لمقدار التعويض.
وإن الواقع العملي الذي نعيشه يبين لنا بأن هذا المبلغ حتى في حال الحكم به فإنه لا يكفي لسد الرمق خاصة وكما ذكرنا في الحلقات السابقة بأن مبلغ النفقة التي تحكم به محاكمنا لا يتجاوز الألف ليرة سورية أي أن هذا المبلغ الزهيد لا يتناسب مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الحياة بشكل فظيع, إضافة إلى أن هذا المبلغ لا يتناسب مع حجم الضرر الذي يلحق بالمطلقة وبأولادها خاصة وإن كانت بعد سنين من الحياة الزوجية استمرت طويلا.
وهنا لا بد من التساؤل؟؟ إذا طلقت امرأة بعد خمسة عشر عاما على سبيل المثال دون أن يكون لها معيل أو لديها مؤهل علمي يمكنها من الحصول على فرصة عمل مناسبة , وليس لديها مأوى تلجأ إليه.... فأي تعويض هذا الذي سيؤمن لها بعضا مما ذكرناه....
يا حبذا لو أن المشرع أخذ بعين الاعتبار جملة هذه المسائل المطروحة واكتفى فقط بأن مجرد إيقاع مثل هذا الطلاق من قبل الزوج دون سبب معقول كاف لإعطائها التعويض المذكور وفقا لنص المادة آخذين بعين الاعتبار النقاط السابقة التي أثرناها حول موضوع النفقة , من أجل الحفاظ على الأسرة من الضياع من جهة ولردع الزوج من إجراء الطلاق تبعا لمزاجه الخاص من جهة أخرى......
 
15/12/2004- 21/1/2005

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon