انطلاق العمل نحو مأسسة عمل “مرصد نساء سورية”

بعد سنوات ست من العمل المستمر في مرصد نساء سورية، حفلت بالكثير من الإشراقات والعديد من العثرات، ما زال المرصد يشكل حالة فريدة في المجتمع المدني السوري، لجهات عدة أهمها نجاحه في تحويل العمل من أجل قضايا مجتمعية هامة وحساسة (مثل قضايا المرأة، الطفولة، المعوقين)، إلى عمل حقيقي على أرض الواقع يضع نصب عينيه الواقع السوري، مستفيدا من كافة التجارب والإنجازات المحلية وغير المحلية، ومواجها كافة قوى العنف والتمييز، في تطور مستمر لم يتوقف خلال السنوات الست الماضية من عمره.

وكمحصلة لهذه التجربة الغنية بتفاصيلها، والغنية بتعلمها من أخطاء الآخرين وإخفاقاتهم (إضافة إلى تعلمها من أخطائها هي نفسها)، صار الوقت مناسبا لبدء التحول في عمل المرصد إلى آلية “مؤسساتية” تضمن استمرارية العمل من جهة، وتتمكن من تطويره والارتقاء بعمله من جهة أخرى.

وعمل المرصد حتى اليوم، لم يكن فرديا بالمعنى الاعتيادي للكلمة، ولكنه أيضا لم يكن مؤسساتيا. بل كان حالة خاصة تقوم على ما سميناه “المبادرة الفردية”، والتي اعتمدت بشكل شبه كلي على مبادرة الأفراد أنفسهم في وضع تصوراتهم/ن حول ما يرغبون بعمله، وإدارة عملهم، ضمن نطاق عام من الالتزامات. وهي الحالة التي تمكنت من أن تكون فعالة جدا بسبب من مرونتها، وحريتها، وقدرتها على أخذ كافة الخصائص الشخصية والمحلية في الحسبان... وهو ما لا يجب التخلي عنه ولا التضحية به، بل هو ما يجب تطويره ودمجه في مفهوم “المؤسسة” الذي بات حاجة ملحة لعمل المرصد.

وتنبع هذه الحاجة من المستوى الذي وصله المرصد، وقيمته الحالية في المجتمع السوري (في مجالات اختصاصه). إذ لم تعد “المبادرة الفردية” وحدها قادرة على حمل العبء الكبير هذا. كما أن وجود آلية خارجة على إرادة الأفراد، تنظم عملهم/ن، وتحقق أعلى قدر من التفاعل وتبادل الخبرات فيما بينهم/ن، هو ضمانة أساسية لاستمرار العمل، وللمزيد من العمل والتطوير، وكذلك لفتح الباب أمام عدد أكبر من الأشخاص الراغبين/ات بمساهمة جدية في عمل المرصد من داخله.

من هنا، بدأ المرصد بالعمل الجاد على “مأسسة” عمله. وهي المهمة التي ستستغرق عام 2011 بكامله. بحيث سيتمكن المرصد في نهاية هذه الفترة من بناء آليات صحيحة وديمقراطية لإدارة عمله بكافة أوجهه.

وتشكل العلنية والشفافية، وضمان الديمقراطية داخل هذه المؤسسة، عناصر أساسية في مأسسة هذا العمل. وهذه العلنية والشفافية (التي تشكل هذه المقالة جزءا منها، وسوف تستمر بتغطية جوانب مختلفة من "المأسسة")، سوف تتمثل بنشر تقارير توضح كافة اوجه عمله، مع وجود الآلية الكفيلة باستمرار تدفق هذه المعلومات دون إمكانية تزييفها أو تجميلها. كذلك تتمثل بفتح الباب لأي شخص يرغب بالاطلاع والمشاركة في أوجه عدة من عمله الداخلي.

كذلك، فإن ضمان الديمقراطية يتمثل ببناء آليات لا تسمح لفرد، أو لمجموعة، أن تحتكر أي من أوجه العمل بأي شكل كان.

إلى ذلك، فإن وضع قواعد واضحة ومحددة ودقيقة لمن يمكنه أن يكون في إدارة المرصد، وحقوقه/ا وواجباته/ا، قواعد يصعب التحايل عليها أو تسخيرها لمصالح خاصة أو شللية، هو أيضا جزء أساسي من مأسسة العمل.

وعلى الرغم من أن العمل المستمر خلال هذا العام لإنجاز هذه المهمة، سوف يحدد الشكل النهائي الذي ستتخذه النتيجة، فإنه يمكن القول من الآن أن وجود مجموعات عمل تتابع مجالات اختصاصية من عمله هو أحد البنود الرئيسية، كذلك بناء الآلية التي تمنح الإمكانية (وتعززها) ليكون الجميع في مواقع إدارة العمل، (بما تحمله هذه الإمكانية من خبرات ومعارف، وتطوير للذات أيضا)، هو بند رئيسي آخر يتضمن تغيير “المشرف العام” للمرصد، وتوزيع المهام بآلية تحقق التكامل والدينامية.

إن “مأسسة” العمل في مرصد نساء سورية هو خطوة أخرى في مسار تطوير المرصد لنفسه الذي بدأ منذ الأيام الأولى لوجوده، وسيستمر بلا توقف، متمتعا بكل الجرأة اللازمة للانتقال إلى خطوات نوعية تسمح للمرصد أن يكون أكثر فاعلية في المجتمع، وأكثر تطورا في وجهات نظره وآليات عمله، وكذلك أكثر انفتاحا على كل ما يحقق هدفه الواضح والمحدد: “مجتمع خال من العنف والتمييز”.


- نساء سورية، (انطلاق العمل نحو مأسسة عمل “مرصد نساء سورية”)

خاص: مرصد نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon