سقوط القارئ العربي!

مما لا شك فيه أن القراءة لم تعد شغلا شاغلا للكثيرين، ثمن الكتاب يزيد على ثمن رغيف الخبز، شغلنا إذاً في رغيف الخبز!
نجد تدافع طلاب الجامعات والدراسات العليا على بسطات الكتب المستعملة وأمام المكاتب العامة ويخضعون لشروط هذه المكتبة وقواعد تلك.

لكن! هل نشهد عصرا جديدا لسقوط القارئ العربي في زمن اللاقراءة؟! فنحن نقرأ أطراف الخبر وليس الخبر.
هل سقط القارئ العربي لصالح السوق الكترونية؟ هذا ما يحاول الكثيرين تبريره!
لكن هذه الفرضية تدحضها فرضية أخرى وهي أن النسب الأعلى لمرتادي الانترنت من العرب هي المواقع الاجتماعية والإباحية بالدرجة الأولى تليها الرياضية،يضاف إلى تلك الفرضية أن التقدم الالكتروني لدى الدول الأوربية والذي يسبق تقدمنا بعدة سنوات ضوئية لم يلغ الكتاب!!
نحن نشهد كل لحظة تهافت المثقف العربي بين مطرقة العولمة وسندان الخبز، وبات المثقف العربي يعاني من فجوة معرفية لا يكاد يلحق بها.
وأصبحت ثقافة الشارع العربي ثقافة من الدرجة الرابعة أو ما يمكنني أن أدعوه بـ"ثقافة عائمة" فانا لا أقرأ الأحداث السياسية،أنا أقرأ الشريط الإخباري ولا أقرا الأخبار، وأفتح الصحف من الصفحة الأخيرة وأعيش الحلم العربي آناء الحروب وأغادره آناء الانتخابات.
أصبح الشعب العربي شعب القضايا الصغرى، القضايا الكبرى أصبحت من اهتمام رجالاتها، لا يقرأ للمثقف إلا المثقف
والأمر الأغرب من هذا أن نشهده بين أنصاف المثقفين (وهذا ليس اتهام كما قد يراه البعض بل هو توصيف فقط) فالكل غدا مسجون بقفص اختصاصه.
وهذا يؤدي تدريجيا إلى سقوط الإنسان العربي، وهو السقوط المجازي الذي يعبر فيه الإنسان عن ذاته في زمن باتت فيه سياسات التعبير عن الذات والخصوصية مشوهة، بمعنى أن الإنسان المشوه معرفيا، اختصرَ إحساسه بالإنجاز بما وضعه في حصالة اليوم أو الشهر، وفي هذا اختزال لإنسانية الإنسان العربي نابع من محض إرادته.
الإنسان العربي وقف اليوم عند حدود غرائزه (العيش والتناسل) أي "رغيف الخبز ومتطلبات الزواج وو.." هي التي تشغله وأصبحت الذات الفردية مندمجة في الذات الجمعية دون حدود مدركة، ووفق اعتبارات اجتماعية مرتبطة بقيم الحسب والنسب والجاه.
ولم يعد هنا لي قسمة ونصيب اقصد أنا الفرد وأنا الجماعة، وعلاقتي مع نفسي أصبحت ألاحقها في مجموعة كتب دينية ترمم لي القضايا الكبرى في وطني الكبير، وتقدم لي قوالب جاهزة لا أعنى بتصميمها، وهذه القدرية المفرطة "التواكل " هي التي تسجنني في نفسي أعني أني كانسان مشغول بمتطلبات غرائزي فقط.
ثقافة عائمة أو ثقافة الدرجة الرابعة تلك هي ثقافة التلفاز والانترنت، ونحن بها نعيش عصر الاختراق الموَّجه وأركز هنا على الموَّجه، أعني أننا نُخترق بثقافات غير ثقافاتنا وقضايا ليست قضايانا، ونسير مبتعدين عن قضايانا الكبرى، وأنا هنا لا أريد للذات العربية أن تعيش في زمن الانكفاء على الذات كما قد يحلو للبعض أن يروجه، ولكن لا أريد أيضا ضياع هويتي، ووقوفي موقف المتفرج في صنع الهوية العالمية، أريد أن أعيش حداثة لا تبدأ بثورة فرنسية جديدة ولا، حداثة تبدأ بنفسي "إن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم".
أنا لا أضع كل اللوم على القارئ فهناك ثلاثية تعمل بالتداخل مساهمة في سقوط القارئ العربي وفق التنسيق التالي ذكره:
 مضمون الرسالة
كاتب >>>>>>>>>>>>>>> قارئ
ونُدرج هنا المسألة كالتالي:
أولاً: موت الكاتب: ولا أريد بذلك المعنى المتعارف عليه في إعادة تشكيل النص من قبل القارئ وفق خلفيات ثقافية متعددة كما يذهب إليه علم الاجتماع اللغوي، ولكني اعني اعتماد النقل دون العقل بمعنى غياب خلق النص الناتج بدوره غياب روح الكشف والاستنتاج وهنا لا أعمم فكل تعميم أعمى ولكن أُغلّب!!
ثانياً: موت النص: اقصد ضعف البنية النصية في كثير من الكتابات، وفقدان الروح النقدية ودوران الفكرة حول نفسها يضاف إلى ذلك ضعف الترجمة، ويرِد أن ما ترجمه الوطن العربي من كتب من العصر العباسي حتى الآن يعادل ما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة!
ثالثاً: سقوط القارئ: فمعدل ما يقرأ المواطن العربي يساوي ربع صفحة من الكتاب في سنة واحدة مقابل البريطاني الذي يقرا ما يعادل 7 كتب في السنة والأمريكي 11 كتاب في السنة.
والسبب الأكثر أهمية والذي ويوجعني وأنا ابنة طبقة متوسطة وما هو أدنى، وأنا أحاول في بداية كل شهر أن احصل على كتاب واحد على الأقل،ولكن سلم الأولويات لدي مُوجعٌ الصعود عليه، فبين مصاريف المواصلات والمصاريف الشخصية والبقية عندكم.... وفهمكم كفاية!.
أحاول أن أعطي نفسي دوما جرعة مسكنة حتى أصبحت مدمنة المسكِّنات، وهو تأجيل ما لدي إلى الشهر التالي ولكن لا أدري من أي عام عله 2011 أو 2022 أو... أو......
وأنا كعادتي يرهقني الانتظار ويذبحني....


رنا النبكي، (سقوط القارئ العربي!)

خاص: مرصد نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon