تركيبة معقدة

أبحث عن نفسي في معمعة لا تنتهي ليأتي صوت من بعيد يوقظني في منتصف الحلم المر الذي طالما حاولت جعله جميلا ولكنه أتعبني ولم يصبح ولم يستسلم لأصوات تأتي لتخبرني بمدى توهاني وضياعي...

لماذا وماذا وكيف.. أسئلة تطرح نفسها في الزمان والمكان الخاطئ....
عندما تصبح أنت الوحيد الذي يطرح هكذا أسئلة يكون وضعك صعب ويكون وضعك غريب ويكون أصعب عندما تعرف ذلك....
فقدتَ الجميع ولم يعد هناك أحد سواك يستمع لقصصك المهترئة التي مضى زمنا عليها إلى أن تعفنت.. تحاول جاهدا أن تخفي ما تبقى من رائحة تعفنها ولكن ما تفعله سدى....
رائحتها تدوخني وتجعلني أرتمي في أحضان نفسي تائهة في عالم أصبح غريب بشكل لم أعهده من قبل
عالم غريب بأشخاص غريبين بفوضوية غريبة أو بانتظام غريب لا أعرف...
كل ما أعرفه هو أني أحببته يوما أحببته فعلا ولكني اليوم...
 أصبحت هذه المشاعر غريبة علينا لأننا طالما سكبنا عليها خلطات مجربة كي نخفيها فأصبح من المستحيل أن نعرفها مهما خلعنا كل الأقنعة التي ألبسناها إياها....
خلطات من الكره واللامبالاة وضعناها فوقها علها تذهب بلا رجعة، وخلطة وراء خلطة بقيت في داخلنا ولكنها مشوهة بخلطاتنا العجيبة التي سكبناها فوقها لسنين طويلة....
خلطات اختلطت فيما بينها والتصقت بشكل عجيب وتفاعلت مع بعضها لتصبح خلطة مقرفة لاصقة نشعر ونحن ننزعها وكأننا ننزع بأيدينا ما تبقى من داخلنا كما يفعل آكلة لحوم البشر في الأفلام الكرتونية...
ننزع قطعة من لحمنا.. من قلبنا.. نبحث عما تبقى من تلك الأيام ولكن لا فائدة...
نبحث عن حلول أخرى ربما تذيب خلطاتنا العجيبة علنا نصل إلى أحاسيسنا ولكن خلطاتنا المذيبة تذيب معها قلبنا وتذيب لحمنا وتذيب دمنا....
غريب كل شيء غريب علينا...
هكذا جعلتنا الأيام نصبغ مشاعرنا بصبغات مختلفة حتى بتنا عاجزين عن معرفة لونها الأصلي...
كتلة سرطانية هي.. هكذا أصبحت معششة بداخلنا كلما نزعناها بأيدينا بقي خلفها جزء يتكاثر من جديد
لا تتركنا....
كما الله هي... نعود إليه كلما نتوجع وكلما نتألم.. نعود إليه لنعود لإنسانيتنا التي صبغناها بصبغات الأرض المختلفة...
عندما تكتب وحيدا لترى الأشياء مكتوبة أمامك حروفا ستعرف أنك الوحيد الذي تبقى في هذا العالم يفهم ما تقول....
ميت هو ما أخرجناه من قبره بعد أن أصبح هيكلا عظميا...
نهزه ونهزه عله يتحرك...نحمله بين أيدينا ونقبله ونقول له ها نحن قد أخرجناك إلى الحياة من جديد.. ولكن ماذا أخرجنا إلى الحياة.... أخرجنا ميتا لن يعود أبدا وهكذا سنبكيه مرتين مرة عندما قتلناه وأخرى عندما أخرجناه بأيدينا لنقوم بدفنه مرة ثانية...
مؤلم هو اللعب بجرح اندمل منذ زمن...
حبيبي... صديقي... رفيقي... أخي...ابني... مريضي..... لا أعرف ماذا أصبحت أو ماذا كنت.. لا أعرف الوصول مجددا إلى شاطئنا الأول تاهت مني صدفاته وتاه مني لون مياهه، ما أعرفه أنك شيئ بداخلي، شوهته أنا وأنت، وشوهته الأيام.. إلى أن أصبح كتلة غريبة تاهت خصائصها وتاه لونها... أصبح لونا غريبا لم نره من قبل... شيئا كما الطفل الذي ولد كهلا أشيبا تملؤه التجاعيد، تدفعك الشفقة والإنسانية إلى تلمسه، وكلما تلمسته حزنت على قلب طفل بهذه التجاعيد المكبلة....
الموضوع ليس بسيطا كما تصورناه.....
هذه المشاعر التي لا نراها ولا نلمسها غريبة.... تركيبة معقدة...
ظننت يوما أنها كيمياء.... عناصر تضيفها، وتعرف من سيكون! ولكن لا، إذا حصل معك يوما أن عنصرين أنتجا ثالث فربما لن تحصل عليه في مرة أخرى! واذا رأيته غريبا عنك..... فعبثا محاولاتك الرجوع ولو خطوة إلى الوراء! فما عليك سوى التأقلم مع الذي خالف توقعاتك تماما...
وإذا حاولت مجددا البحث عن خلطات أخرى سحرية لعلّ هذا العنصر يتحول إلى ما كنت تتمنى فسيتحول إلى كتلة جديدة تتشبث بك كما السابقة! وكلما حاولت انتزاعها انتزعت جزءا من داخلك! وجزء بعد جزء تتبخر مشاعرك.. وما سيتبقى هو الأجزاء.. وكأنها منتصف نص حذف ما قبله وما بعده.. وكأنه فكرة طائرة لا تستطيع لمسها أبدا..
وهكذا تصبح في النهاية كتلة أجزاء لا تفهم أيا منها! فهي مقتطفات بلا معنى! بدون تتمة أو بداية تحمل روائح موت بشعة تملأ أنفك طويلا..


سهى هلال، (تركيبة معقدة)

خاص نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon