يلزمنا آنسة للعمل

شهور وأنا أبحث عن عمل، أي منذ أن طردني رب عملي المثقف من وظيفتي بعد زواجي... عملياً بعد شهر العسل مباشرة وأنا أبحث عن عمل.

بدأ سؤالي عن هذا الموضوع في دائرة أصدقائي الصغيرة، ثم اتسعت الدائرة لتشمل الأقارب. وبعد أن قطعت الأمل من وعودهم جميعاً بدأت البحث في الجرائد التي تفتح فرص العمل الهائلة للعاطلين عن العمل، وكان أكبر توسع لهذا الموضوع يوم أعددت الـ (CV) الخاص بي وزينته بالشهادات والخبرات وأرسلته إلى كل مكان أمكنني إرساله إليه، آملة أن أجد عملاً محترماً براتب محترم وساعات دوام محترمة.
وتتالت اتصالاتي كل أسبوع على الأرقام الموضوعة في الجريدة العظيمة (أم الفرص)، وتعود المأساة من جديد، وأتذكر نفسي قبل سنوات يوم كنت أبحث عن عمل في مكان آخر وزمان آخر.
كم تتشابه المدن في هذا البلد، وكم يتشابه الأشخاص، أو الأصح أرباب العمل الخاص... قد يختلفون في الطول والوزن، في اللحية ولون الشعر، في نبرة الصوت وحدته، في الشهادات والخبرات، في فخامة المكاتب وتواضعها، لكنهم يجتمعون في تفاصيل صغيرة لا يدركها إلا من بحث (الأدق: بحثت) عن عمل في القطاع الخاص.
أكثر ما يجمعهم هو النظرة البلهاء التي يقابل بها رب العمل الموظفة لأول مرة، تلك النظرة التي تحمل كل معاني النذالة، أقول في نفسي: كيف سأتحمل وضاعتهم من جديد؟... فأقول لنفسي: لقد تحملتها حين كنت أصغر سناً وأقل خبرة، فكيف لا أتحملها الآن بعد أن ازددت صلابة وقوة! ثم: ربما تغيّر في الأمر شيئاً، فالسنين تغيّر الصخر، فكيف الناس!...
المهم: قررت قبل البدء بحملة البحث أن أستفيد من تجربة العمل السابقة، وهي أن أطالب رب العمل بعقد بيني وبينه وبوصل أوقع عليه شهرياً باستلام الراتب... وأهم ما تعلمته هو الابتعاد عن كل ما له علاقة بالثقافة، بعد أن جربت العمل في النشر مع مثقف بدوام طويل قابل للزيادة و(المط) في أي وقت وراتب ضئيل قابل للنقصان و(التقطيش) في أي وقت... لن أجرب العمل في هذا المجال مرة ثانية... سأبحث في كل المجالات الأخرى.
وتعود نفس المشاكل التي تكررت قبل سنوات:
فالمكتب الهندسي الذي يطلب موظفة لديها خبرة في المحاسبة أكتشف وقت المقابلة أنه يريد فتاة دلوعة تجيد وضع المكياج على وجهها ولديها خبرة في فتح زجاجات الويسكي... والراتب على قد الشغل!
ومكتب الاستيراد والتصدير الذي يطلب موظفة تتقن اللغة الانكليزية أكتشف وقت المقابلة أنه يريد موظفة من معزّة مرتو تتقن أساليب الإغواء (والراتب على قد المعزّة)!...
ودكتور الجامعة الذي يطلب موظفة تجيد العمل على الكمبيوتر أكتشف وقت المقابلة أنه يطلب فتاة تجيد التعامل معه ومع أصدقائه وتتقن أساليب إزالة الهموم عن قلوبهم!
والكثير من النماذج الذي سبب لي الإحباط التعرف عليها من جديد...
وأخيراً يبتسم الحظ ويرن موبايلي. سكرتيرة تطلبني للمقابلة، مقابلة حقيقية ضمن شروط عمل حقيقية، ويوافق رب العمل على مباشرتي بالدوام اعتباراً من أول الشهر.
وقبل أول الشهر بيومين يرن موبايلي. رب العمل يخبرني أن هناك خطأ حدث بيننا، فهو يطلب في الإعلان المنشور في الجريدة (آنسة للعمل) لا (سيدة للعمل) لذلك لم يضع في الطلب شيء له علاقة بـ: (اسم الزوج وعمله ـ عدد الأولاد، الخ) فالسكرتيرة أخبرته صدفة أني متزوجة... يعتذر بلطف ويغلق السماعة ولا أجرؤ على سؤاله عن الفرق بين السيدة والآنسة طالما أن كلتيهما لهما نفس الخبرة التي يطلبها هو، والاثنتين تلتزمان بالدوام... وكلتيهما.....


رنا محمد، زاوية شغفي، (يلزمنا آنسة للعمل)، ogareossbram@yahoo.com

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon