هيام حموي: الحياة العصرية أخذت من المرأة أكثر مما أعطتها

من دمشق إلى حلب ومن إذاعة دمشق إلى مونت كارلو وإذاعة الشرق في باريس، لم تكن رحلة سهلة لفتاة عربية قبل أكثر من خمسين سنة. لكن نشأتها في بيئة من الطبقة المتوسطة التي كانت عماد المجتمع السوري وقوام نهضته، وهامش الحرية الواسع الذي كانت تتمتع به المرأة، متوجا بالوعي والثقافة، كل ذلك فتح طريق العمل والتميز أمام السيدة هيام الحموي التي كنا نستمع إلى صوتها الدافئ والمعبر عن مخزون ثقافي ثري كان له أثره الطيب والمفيد عند الناس. وبعد تجربة طويلة في الغربة عادت بنت دمشق متألقة بطموحات الشباب وأحلامهم لتواصل مسيرتها الإعلامية والثقافية الناجحة في بلدها. والسيدة هيام تمتاز بلطف اللقاء وحلاوة الحديث وتوهج الحلم القديم الذي رافقها منذ الطفولة مع أريج الياسمين ونغمات عود جدتها في البيت الدمشقي القديم، وبهذه الروح المشرقة الجميلة استفاضت مع 'القدس العربي' بحديث الذكريات الموشى بالأحلام وثمار التجربة الإعلامية الغنية.

* التجربة الإعلامية في الإذاعة كانت الأساس في الإعلام المرئي، وأنت بدأت من الإذاعة كيف كانت بداية التجربة الإذاعية، وحب الإعلام؟
* 'حبي للإذاعة كان كمستمعة ولم يكن من طموحي أو تفكيري أن أشتغل الإذاعة، كنت أسمع كثيرا إذاعة، مثل كل الناس من جيلي، بمرحلة المراهقة والدراسة لحد الثانوي. كنت مولعة أسمع الإذاعات كلها من إذاعة دمشق والقاهرة وعمان وإذاعة صوت العربي إضافة إلى سماع الإذاعات الأجنبية. لم أكن أنتبه ما هي مقومات البث الإذاعي لكن كنت أحبه كثيرا. بعد ذلك، عندما اشتغلت في الإعلام انتبهت كم أنا متشربة من برامج بقيت بذاكرتي لحد الآن، حين تخطر ببالي فكرة أتذكر أنها كانت موجودة بإذاعة صوت العرب أو القاهرة، في ذلك العصر الذهبي للإذاعات. ثم جاء عملي بعدها مصادفة، كنت أدرس الأدب الفرنسي وأتطلع بأقصى الحالات أن أكون مدرسة، وفي حالة الأمنيات أن أدخل السلك الدبلوماسي وأسافر على أساس أن لغتي الفرنسية جيدة. لما شاء القدر أن أشتغل، وأنا طالبة، مذيعة في القسم الفرنسي بإذاعة دمشق، تكونت عندي فكرة صغيرة، وحين رحت الى باريس اشتغلت بالقسم العربي بالإذاعة الفرنسية، وجاءت فكرة مونتي كارو وبعدها وجدت نفسي مشيت في الإعلام.

* بنت دمشق وحلب، هذه البيئة المشتركة ما تأثيرها على هيام الحموي من حيث المكان والمجتمع، ماذا تشربت من مدينة حلب وما أخذت من دمشق؟
* 'أحلى مكان هو كنت أخلق فيه وأربى فيه هو دمشق وحلب لأننا عائلة دمشقية مقيمة في حلب، والإجازات كانت في دمشق، فأنا متشربة بالبيئتين، وأحلى تربية ونشأة وانطلاقة كانت في هاتين المدينتين، ولعل أحلى مكان ممكن أعيش فيه هو باريس وقد اجتمعت هذه الأشياء الثلاثة في مسيرتي. من يسمع شغلي يرى أنني أحب الطرب الحلبي، وأحب فيروز كثيرا والشاميات والياسمين ونزار وكل المفردات الشامية، هذا كله يطلع بشغلي من حيث لا أدري، ودون أن أشعر عندما أحط الأغاني كلها يكون لها هذه المرجعيات، لأن البيئة بدمشق كانت في بيت عربي قديم فيه العود والاستقبالات والجلسات الحلوة والفن، هذا كله كنت أتشربه كإسفنجة امتصت كل شيء جميل. ولما رحت لباريس ودخلت في ميدان العمل الإذاعي، هذا كله صار يطلع بطريقة إذاعية؟

* ما زلنا نتحدث عن المكان، أجمل الذكريات في الوطن والغربة أيضا؟
* 'أحلى شيء البيت الدمشقي وفيه الليمونة طالعة على السطوح في بيت جدي، والياسمينة التي تعربش كذلك على تلك السطوح، وأرض الديار ونحن نكنس الياسمين من أرض الديار، لأن الشيء الذي نلمه من الأرض هو الياسمين، وأصوات السيدات اللواتي كن يحضرن استقبال جدتي (أم أحمد)، كلهن كن يعرفن ثروت خانم، وكنت أسمع أصواتهن وأنا أضم لهن أطواق الياسمين على الأسطح، وأستمع إلى أغانيهن والدق على العود: (أروح لمين، عودت عيني) وقت كانت جدتي تقسم على العود في المساء تصير هذه الاستقبالات وكل ما فيها زاد العمر، وأنا أعتبرها كنوز حياتي'.

* ثروت خانم ومكانة المرأة، وأنت عشت في باريس وعدت إلى دمشق، أين هذه الاستقبالات، أين وصلت المرأة اليوم؟ وكيف ترين وضعها في مجال التعليم والعمل بالمقارنة مع الصالونات الأدبية والحياة القديمة المليئة بالمفيد؟
* 'بالنسبة لنساء عائلتي كانت كل الشخصيات واضحة لم أر فيهن نساء منكسرات، هل كان ذلك مصادفة أو هي البيئة، جدتي تزوجت صغيرة بنت 12 سنة، بعدها فرضت حالها كسيدة وأم وسيدة صالون، تعلمت العود لحالها من سماع الإذاعات، تسمع أم كلثوم وعبد الوهاب، كان عندها ثقافة موسيقية كبيرة، أنا كل ما عرفته عن هذا الزمن الذهبي سمعته عندها ومنها، وعماتي وخالاتي بالتحديد كلهن درسن، لذلك ما عندي نموذج امرأة منكسرة، أنا عندي قناعة أن المرأة إن تعرضت للظلم فهي التي سمحت بأن تظلم. طبعا هناك ظروف قاهرة وأنا ما بودي أن أنظر، لكن النماذج التي شفتها مرت بظروف صعبة، وكل سيدة بجهودها أثبتت حالها وفرضت وجودها على رجال العائلة بأن يقبلوها هكذا، بالتفاهم والتراضي ودون مشاكل. أنا، مثلا، سافرت وعملت بالإذاعة في وقت مبكر، لم يجبرني أحد على الزواج، هذه الظروف لا تتعلق بالبيئة وحدها، أنا لا أستطيع أن أقول إن بيئتي أرستقراطية ولا غنية، نحن من الطبقة المتوسطة التي كانت في الخمسينات والستينات عماد الوطن. لكن ظروف المرأة، للأسف، في تراجع. لما أرجع إلى صورة المرأة من قبل، المرأة التي درست غصبا عن محيطها وأثبتت نفسها وجدارتها ووصل إلى وظائف مهمة في الدولة، كانت المرأة تنزل إلى المظاهرات، وأنا لا أعرف اليوم هذه الاستكانة. طبعا، العالم تغير وصار المتوفر للمرأة أكثر، لكن لا أعتقد أن مشاركتها ومكانتها في الحياة أفضل من قبل، اليوم الروح العملية هي السائدة وابتعدت المرأة عن الثقافة والألفة والمشاركة، الحياة العصرية أخذت أكثر مما أعطت'.

* أنت درست في مدرسة الراهبات، وكان التدريس له نتائج جيدة رأيك بالتعليم في أيامك واليوم، سواء في المدارس الخاصة أو الرسمية، هل الوضع التعليمي يعادل ما كان من قبل، يقدم الحاجة الثقافية واللغوية الكافية إلى جانب البرامج العلمية الأخرى؟
* 'أنا تشربت سلوك حياة بأن يكون كل شيء متقن، هذا تعلمته بالمدرسة، مثل كلمة فرنساوي لا أعرفها أفتح القاموس لأدور عليها، أي موضوع ما فهمته لازم أبحث عنه، كانوا يشجعوننا لقراءة أي شيء من خارج المناهج لتوسيع أفقنا، وهذا الشيء تعاملت معه بع ذلك في دراستي بالجامعة، أقرأ وتدخل قراءتي في المواضيع التي أقدمها، هذا تعلمته من المدرسة، كان عندنا متابعة، لكن ليس في مقدورنا أن نظلم زمن اليوم. لأني عشت بزمن لم يكن فيه بعد تلفزيون، كان الراديو والمشرفون عليه كان يعنيهم كثيرا بأن أي مادة تطلع تكون محترمة. وفي كل الإذاعات الخاصة، كثيرون كانوا يسألونني ما فكرت أن تشتغلي بالتلفزيون؟ أنا أول مرة وعيت عندما كنت أروح إلى الجامعة وأرجع إلى بيت جدي، وكنا معتادين أن نحكي والناس في جلسة تتبادل الآراء. صرت أرجع ألاقيهم كلهم ساكتين يتفرجون على التلفزيون، من وقتها نفرت من التلفزيون لأنه يجعل العالم لا يتواصلون مع بعضهم. حتى في ذلك الزمن كانت قناة لبنان أو الأردن تقدم أشياء حلوة، لكن يظل الجميع مجر متفرجين، بمعنى أن التلفزيون أدى إلى غياب الحوار، وبعد أن يخلص البرنامج يصير الحوار على الأشياء التي كلهم شاهدوها. واليوم كل واحد يتفرج لحاله، ما عاد حكى أحد مع غيره، وصار كل واحد فايت بالنفق الذي يخصه ومعزول في عالمه المغلق. لهذا السبب، أنا غير عاشقة للتلفزيون كمشاهدة، إلا إذا كان البرنامج معدا بطريقة يقدم مادة جيدة، ومع ذلك أكون في حالة مشاهد سلبي وتضيع كل المبادرة من عندي، هذا الشيء غير مقبول وغير مفيد'.

* هذا الحديث يأخذنا للسؤال: هل الإعلام المرئي بحاجة إلى طريقة أفضل لتقديم برامج مختلفة يكون فيها فائدة أكثر للمشاهدين، وما سلبيات أو ايجابيات الإعلام على المجتمع العربي؟
* 'كل التقنيات لها تأثير أبعد بالسلبية، لكن المنطق يقول ان نعود لنستفيد من دروس الزمن الماضي، حتى التحكم عن بعد (الروموت كونترول) المفروض كان أن يوعي الناس أكثر، لأنه في الإعلام الفرنسي قنوات ثقافية رسمية تعمل برامج حلوة وتضيف دائما أشياء جيدة، هناك قنوات خاصة تعمل، حوالي 400 قناة أو أكثر، يعني ملء الفراغ وسحب الفلوس عن طريق الرسائل. نحن نقلد دون أن ننتج، التلفزيون له مفردات وإمكانت مفيدة ولكننا عربيا لا نستغلها، الأغلبية يتعاطون مع التلفزيون كأنه إذاعة مرئية، ممكن أن نستمع إلى بعض البرامج دون أن ننظر إلى الصورة، لأن الصورة لا تضيف لنا شيئا. البرنامج التلفزيوني لازم يعرف كيف يستخدم الصورة وكيف يوظفها، أحيانا تطلع المذيعة على التلفزيون وترد على المتصلين تقول: 'ألو مين معي'؟ هذا راديو ولكن بأسوأ حالاته. طبعا هذا لا ينفي أن هناك بعض البرامج الجيدة، لكن يمكننا أن نصنع برامج أفضل. لماذا نشتري برامج؟ ليش أجلب فكرة لأنها نجحت في محل ثاني؟ هذه الألوان التي تبهر بإمكاننا أن نرسل شبابا يتخصصون بالألوان وبالديكور والإضاءة وكل مفردات التقنية الحديثة، ليش نشتري الجاهز؟ وفي كثير من الأحيان لا يكون فيه ما يخدم مجتمعي'.

* هناك خصخصة في أكثر القنوات العربية بحيث تكون البرامج معلبة من إعداد الغير، بالإذاعة كيف تتعاملون مع البرامج؟ من المسؤول وأين دور المعد أو المخرج؟
* 'أنا المدرسة التي تتلمذت عليها مونتي كارلو، على الطريقة الفرنسية، مهندسو الصوت الفرنسيون كانوا يشتغلون معنا، نجلب لهم كل شيء محضر، تقنيا ممكن أن يقول هذا أحسن، الصوت لازم يكون أنقى، لكن لا يتدخل بالمحتوى، لذلك يأتي البرنامج متجانسا، ليس هناك واحد كاتب، واحد قارئ، حتى نشرات الأخبار المحرر هو الذي يقرأ. هذا يعطي شكلا مختلفا من الإعلام، الواحد مسؤول عن عمله، يعرف أن يدافع عنه، وإذا فشل هو من يعرف ليش فشل. حين تتعدد الأيادي تحترق الطبخة، ويمكن أن لا يكون الاتفاق مع المعد أو المخرج. لهذه الأسباب، لا أحب العمل التلفزيوني. العمل بالإذاعة يسمح بأن تطلع شخصية المذيع، لا يمنع أن المذيع يكون عنده من يساعده ويجلب له المادة، لكن هو لازم يعرف إلى أين يريد أن يؤدي مادته، وهنا نرجع لقصة المدرسة كيف تعلمك البحث والكتابة. أنا أولا أكتب الخاتمة لأنها هي الحل الذي أريد أن أصل إليه، ثم أعمل لب الموضوع، وبعد ذلك أعمل مقدمتي، لأني أكون عارفة جيدا إلى أين رايحة'.

* ما هي المؤثرات التي ساعدتك لتكوني في الإذاعة، تدريب الأساتذة، أو جمال الصوت وتأثيراته، إضافة للموهبة في مثل هذا العمل المهم؟
* 'لما تدربت على تحرير الأخبار باللغة الفرنسية، كانت أستاذتي في القسم الفرنسي السيدة عادلة الشمعة، تعلمنا منها صياغة الخبر، كان يوجد أساتذة كبار طولوا بالهم علي كثيرا وكانوا من خيرة الأساتذة، هذا كله تدربت عليه في إذاعة دمشق. عندما سافرت إلى باريس وتقدمت للعمل كنت تقريبا جاهزة من دمشق، وما تعلمته من إذاعة إخراج البرامج كيف المذيع يدخل على الأغنية، كيف يطلع منها، كيف يستخدمها، ممكن برنامج يكون له إيقاع في كل التفاصيل الجزئية بالإذاعات العربية مثل المونتاج، المكساج، وهذه كلها يعملها المذيع، لهذه الأسباب كانت طريقتنا مختلفة في إذاعة مونتي كارلو، هذا الشيء حملته معي منها، إضافة إلى عدد من القواعد التقنية. لأن المذيع عند تسجيل برنامجه وإجراء لقاءاته لازم يكون عنده إلمام بالتقنية وكيفية التعاطي مع الآلات'.

* كيف كانت نظرتك لبلدك من باريس؟ وكيف كان جو العمل؟ وهل كان يوجد اندماج مع الجالية أو عشت على الطريقة الأوروبية؟
* 'أكثر شيء ميز تجربة العمل في باريس في العشرين سنة الأولى، كان جمهورنا بعيدا، وعندما أطلع من الإذاعة لا أحد يعرفني بالمحيط الفرنسي لأن مونتي كارلو كانت لا تسمع في فرنسا لأنها موجهة للعالم العربي. ومن هنا كان التواصل عن بعد فقط بالرسائل، هذا حمانا من الغرور. وجودي بهذا العمل حقق لي شهرة كبيرة، كنت أركز على الثقافة العربية كلها دون أن أفرق بين أغان مصرية أو لبنانية أو سورية لأننا تربينا على فكرة العروبة، وأنا أعتز بهذه الثقافة لأن فيها أحمد رامي وفيروز ونزار قباني ومحمود درويش ومارسيل خليفة وزياد رحباني، وفيها كبار الرسامين، وفيها صباح فخري، أول مرة جاء صباح فخري ليغني في قصر المؤتمرات، هذه الثقافة لازم تمر عبر هذه الوسيلة التي تتوجه للعالم العربي، وفيها ناس عرب هم الذين يصنعون الإعلام، وحدة الحال كانت مدهشة بيننا، سواء المصري أو الفلسطيني أو السوري، شغلنا في مونتي كارلو كان جميلا. عندما رحت إلى إذاعة الشرق كانت نقلة جديدة لأنها كانت تسمع عند الجالية العربية في فرنسا. هنا صرت ألتقي بجمهوري، وصارت صلة وصل بين المغتربين وأهاليهم. تجربة إذاعة الشرق كانت مهمة، بالإضافة إلى أنها أتاحت لي أن أجيء إلى سوريا أيام معرض دمشق الدولي، كنا كل سنة نقيم استديو زجاجي بأرض المعرض القديم ونستقبل نجوم سوريا ونجوم العرب. أنا كنت مندمجة بالأجواء الفرنسية من ناحية أنه ما كنت طارحة حالي كواحد يريد أن يفرض ثقافته عليهم ولا هم بحاجة أن يفرضوا ثقافتهم علي، أنا احترمتها وهي احترمتني. وهم أحبوا ثقافتي لأني أتعامل معهم بهذه الطريقة، وأنا حبيت ثقافتهم لأني درستها، فكان هناك تعايش ودي وسلمي كثيرا بيني وبين باريس، حتى عندما يسألونني عن الحنين كنت أقول أنا أشتغل بمؤسسة فيها كل شيء عربي، فيها الأغاني وفيها الكتب، وفيها الناس، وفي بيتي كل شيء عربي كأني موجودة معهم فقط وبيننا مسافة'.

* طبعا كمؤسسة فرنسية موجهة عربيا، عندما كانت تجري أحداث في فلسطين أو العراق وفي المنطقة ككل هل كانت توجد حرية إعلام أو هناك توجيه من المؤسسة باتجاه معين؟
* 'أنا كل سنين عمري ما اشتغلت في جانب الأخبار السياسي، لأن المدير من البداية قرر أن صوتي حالم لا يصلح للأخبار، ولست آسفة لأني أعتبر العمل على الجانب الثقافي والفني يرسخ أكثر من السياسي، والثقافة على المدى الطويل يمكن أن تغير النفوس، وهذا الشيء عرفته عندما كانت صبايا تونسيات ومغربيات يأتين ويقلن لي: 'نحن حبينا نزار قباني، ومحمود درويش من وراء برامجك'، أشعر أن طبيعة شغلي حققت شيئا.
سأرجع إلى موضوع الحرية، كل وسيلة إعلامية لها خطها، وكل منطقة لها خطوطها الحمر، تختلف من محل إلى محل، الخطوط الحمر بفرنسا الكل يعرفها، هي نفس الخطوط الحمر التي جعلت الصحافية باربرا في أمريكا تمشي صحافية سي إن إن موجودة في فرنسا بكل أبعادها، كما أن الخطوط العربية الموجودة معروفة أيضا، نحن كان عندنا حرية وإن كان هناك موضوع شائك أرجع لمديري وأسأله، لكنه يقول: نحن نشتغل هكذا، تصرفوا. كان لدينا حرية، ونحن نعرف الخطوط الحمر ونلتزم بها، ربما ليس عن قناعة ولكن لأن القوانين هكذا'.

* عودتك إلى دمشق وعملك مع إذاعة شام إف إم والبرامج التي تقدمينها، وأين مكانها ضمن هذا الضخ الإعلامي المكثف؟
* إذاعة 'شام إف إم' صار عمرها ثلاث سنوات وتزيد قليلا، انطلقت بتاريخ حلو جدا هو 7/7/2007، جئت إليها لأن مؤسسها الأستاذ سامر يوسف من الشباب الذين سمعوني وهو يافع، اتصل معي إلى باريس، وكنت قد تركت العمل الإذاعي في 2005 لأني شعرت أنه لم يعد لي مكان بالمؤسسات التي كانت موجودة في باريس. قال لي: كنت أسمعك بالإذاعة وأنا صغير، وكنت أحلم أن أعمل إذاعة وتكوني فيها ويكون لونها فيروزي، وعندي خط الإذاعة كذا وكذا. قلت: سأجرب حالي، لأني كنت خايفة أن لا أشعر بارتياح بالمكان بعد تجربة أربعين سنة في العمل الإذاعي، منها غربة ثلاثين سنة. خفت من أن المطلوب اليوم لا يشبه الشيء الذي اعتدت أن أقدمه، اعتبرتها تجربة وهي ما زالت مستمرة، طريقة العمل التركيز على الخطوط العريضة وعلى التفاصيل: هذا البرنامج إلى أين؟ ما هو هدفه؟ الصورة التي نقدمها في الإعلام العربي لا يجوز أن يكون بشكل عشوائي. بل يجب أن يكون كل شيء موظفا في محله، مثلا: عندما يخطر لي تعليق سأقوله يمكن أن ينبه المستمع ويخرجه من رتابة الاستماع'.

* هيام بهذه التجربة الناجحة والجميلة، من يعجبك من شخصيات إعلامية استحوذت على جمهور عريض؟
* 'هناك شخص أعتبره أستاذي الأكبر وليس الأول، هو الأستاذ أنطوان نوفل، كان مدير مونتي كارلو على مدى عشرين سنة وقد اشتغلت معه، هذا الشخص كان يدرك وزن الكلمة المكتوبة والمقروءة، لأنه كان هو مسؤولا عن مونتي كارلو في وقت حرب وصراعات مرت في فلسطين وحرب لبنان الداخلية والاجتياح الإسرائيلي وحرب العراق مع إيران، وفي كل التناقضات العربية الموجودة، هذا الشخص كان يعمل تعليقا يوميا محسوب بجزء الميلي حتى يحقق التوازنات، تعليق سياسي يطرح سياسة إذاعة فرنسية أو سياسة حكومة فرنسية على 22 دولة عربية، هذا يقال له بالفرنسية Coup de chapeau، يعني أرفع له قبعتي تحية، على مدى كل هذه السنوات استطاع أن يدير فريق العمل بحرية كبيرة ومسؤولية كبيرة، ولما كانت تأتيه احتجاجات على بعض الأخبار من بعض الجهات، كان يدافع عن فريق العمل، وبعد ذلك يجيء ليناقش فريقه ولا يحط الحق عليهم'.

* بعد هذه التجربة الفرنسية، هل العمل الناجح يجب أن يكون مبنيا
على فريق عمل متكامل؟
* 'أعتقد أن أصل النجاح برأس الفريق، بالإدارة الذكية، هكذا يتم العمل بشكل جيد. نحن نعمل في مهنة وكل واحد يريد أن يطلع اسمه قبل غيره، إذا الإدارة ما عرفت تمتص هذه المنافسة وتديرها بحكمة، وأن لا تعمل بمبدأ (فرق تسد). المدير يعرف أن يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إن حققت هذه المعادلة تمشي المؤسسة بنجاح، وعندما تكون الإدارة لا تملك الذكاء ولا تعرف أهمية الوسيلة التي تعمل بها، هنا تنشأ المشاكل وينتج الفشل، أنا أقول كل مؤسسة تشبه إدارتها'.
* بدأنا بالبيئة وسنختم بها، كيف تمضين وقتك خارج أوقات العمل وأحبها الهوايات عندك، مشاويرك وصداقاتك؟
* 'رجعت إلى دمشق 2007 وهي تستعد لتكون العاصمة الثقافية في 2008، كانت مزينة مثل العروس، حبيت قديش الشباب مهتمين بالبلد، من حملات توعية ونظافة، هذه الأيام في شيء اسمه موسيقى على الطريق، وهي فرق موسيقية لا تسمح بعض وسائل الإعلام أن تتبنى تجاربهم، ونحن نروح نستمع لهم بالساحات أمام الجامع الأموي، وجدت أن الشام حلوة.. حلوة جدا، وأتمنى أن يكون عندي الوقت الكافي لأروح وأشوف حلب ومناطق أخرى في سوريا. شيء جميل أن الواحد يروح ويحضر بالشام القديمة يستمع لكنان العظمة وديمة أورشو، الوقت ليل والدنيا عتمة، وبضوء القمر حضرنا زياد رحباني بالقلعة، كان القمر معنا يشاهد كل الحفلة، ليلة فيها شاعرية هائلة، طبعا أنا متهمة أني دائما أشوف الأشياء الحلوة، فعلا أحب أن أشوف الشغلات الحلوة وأعالج بالخفاء الأشياء البشعة، لأنها ممكن تصير حلوة'.


فاطمة عطفة، (هيام حموي: الحياة العصرية أخذت من المرأة أكثر مما أعطتها)

عن "القدس العربي"، (8/2010)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon