صورة المرأة في الألعاب الإلكترونية

تشكل الألعاب الإلكترونية اليوم إحدى أهم وسائل الترفيه لدى الأطفال والكبار على حد سواء. فانتشار أجهزة الحاسوب وأنظمة الألعاب الإلكترونية (كالبلاي ستيشن) لدى الأسر في معظم دول العالم، بالإضافة إلى انتقال مجتمعاتنا من مجتمعات زراعية تسكن في الريف إلى مجتمعات توظيفية تسكن في المدينة، أدى إلى جعل الألعاب الإلكترونية وسيلة الترفيه الرئيسية للكثير من الأسر.

تختلف الألعاب الإلكترونية عن الألعاب التقليدية في أنها تسمح للخيال أن يعدو في الأفق، مثل الشعر أو الأدب. وهو ما يجعل هذه الألعاب تتأثر بثقافة المجتمع وتؤثر بالمجتمع أيضاً.

منذ نشأة الألعاب الإلكترونية، كانت تُعتبر حصناً ذكورياً يسكنه مبرمجي الحاسوب وحدهم. ولكن اليوم أصبح الجميع يستخدم الألعاب الإلكترونية، رجالا كانوا أو نساء، مبرمجين أو لا.

و لكن، هل هذا الانفتاح الإلكتروني أدى إلى إعطاء صورة إيجابية أو محايدة للمرأة في الألعاب الإلكترونية، أو ما زالت الخلفيات الذكورية الثقافية تؤثر على الألعاب الإلكترونية؟

لارا كروفت
لارا كروفت
لنجيب على هذا السؤال، سنبدأ أولا بعرض بعض الأمثلة عن الألعاب الإلكترونية.
اللعبة الأولى وهي المثال الأكثر شهرة على التحيز الثقافي ضد المرأة، هي لعبة تومب رايدر (Tomb Raider).

بطل اللعبة، أو بالأحرى بطلتها، هي لارا كروفت (Lara Croft)، عالمة آثار بريطانية ومغامرة تبحث في اللعبة عن كنوز قديمة.

على لارا كروفت أن تواجه أخطار متعددة كالحيوانات المفترسة (بما فيها ديناصورات) أو منافسين وأعداء، بالإضافة إلى تخطي الفخاخ الخطيرة التي تحيط بالكنوز.

أي أن اللعبة تعطي صورة إيجابية للمرأة، فهي بطلة توازي الرجل قوة وذكاء وتواجه الأخطار مثله وربما بشكل أفضل.

و لكن _ هناك دائماً لكن _ نحن هنا لسنا في رواية أدبية حيث يُترك للقارئ تصور كيف تكون البطلة، بل نحن أمام لعبة إلكترونية، مرئية.

ما هو شكل البطلة في اللعبة؟
لارا كروفت ترتدي تنورة صغيرة بالإضافة إلى قميص من دون أكمام، أكان ذلك تحت المطر أو في الغابة الممتلئة بالأشواك أو حتى في الجبال المثلجة!

قد تكون هذه الملابس مناسبة في الأماكن الصحراوية أو الحارة، وهي أماكن متواجدة في اللعبة، ولكن لماذا اختار المبرمجين والمصممين الذكور أن يجعلوا لارا كروفت ترتدي تنورة صغيرة في قمة جبل جليدي؟

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقاسيم جسدها تعيدنا إلى إرهاب الكمال الذي يمارسه الرجل ضد المرأة. فالرجل يريد منها أن تكون كاملة الجمال، ويعاملها بازدراء إن لم تكن كرؤيته الخيالية عن النساء الحور العين (مثلا في ما يخص الوزن الزائد أو النهد الصغير أو الأنف الطويل أو أي شامة على الوجه أو ...).

لارا كروفت تمثل المرأة المثالية بالنسبة للرجل، فهي جميلة، نحيلة والأهم أن لها نهدين كبيرين.

عدا عن التناقضات بين مواصفات لارا كروفت ومهنتها (هي تواجه الديناصورات وتركض الأميال بحثاً عن الكنوز، ورغم ذلك فهي ليست مفتولة العضلات!)، فإن هذا التصوير الذكوري يُعطي إنطابع خاطئ للمراهقين والشباب الذين يلعبون اللعبة.

فيظنّوا أن على جميع النساء أن يتبعن هذا المثال الخيالي، مما يزيد من الضغوطات الذكورية الإجتماعية على المرأة كي تحرم نفسها من الحياة بحرية كي تركز على الإمتثال لمخيلة الذكر.

ما يزيد من هذا التمييز، هو أن هناك بطل مشابه تماماً للارا كروفت، هو إنديانا تجونز (Indiana Jones). هذا البطل السينمائي والذي يظهر أيضا في الألعاب الإلكترونية، هو أيضا عالم آثار ويبحث أيضاً عن الكنوز القديمة.

و لكن، وعلى عكس لارا كروفت، فهو لا يرتدي تنورة أو ملابس قصيرة، وليس شاباً وسيماً يهذّب ذقنه ويتعطّر بالعطور، بل هو رمز الذكورية المطلقة: رجل عنيف، ملابسه غالباً غير مرتبه وغير نظيفة، كهل في العمر وزير نساء.

نتساءل هنا، لماذا لارا كروفت ترتدي تنورة صغيرة في الجبال الجليدية، بينما إنديانا تجونز يرتدي بنطال طويل في الأدغال الحارة؟

أليس خيار المصممين _ الذكور _ المتناقض هو أحد رواسب الذكورية والتمييز الحاصل ثقافياً ضد المرأة؟

نموذج آخر من الألعاب هو أحد أكثر الألعاب شهرة في العالم، أي لعبة ماريو (Mario).

لا تحتوي اللعبة على ذكورية مباشرة، ولكن اللاعب يحرّك ماريو السمكري، ويتخطى المراحل من أجل تحرير أميرته.

لا مشكلة في السيناريو هذا بشكل خاص، ولكن حينما يكون هدف البطل في جميع الألعاب هو تحرير أميرة، أي امرأة (كلعبة أمير بلاد فارس (Prince of Persia))، نتساءل هنا عن الرسالة الثقافية التي تُرسل من هكذا سيناريو.

لماذا لا تقوم امرأة بطلة بتخطي المراحل والصعاب من أجل تحرير أميرها؟
أليست الرسالة غير المباشرة هنا أن المرأة كائن ضعيف خاضعة لإرادة الرجل (الخاطف الشرير) ووحده رجل آخر (البطل) يستطيع تحريرها؟
ألا تشارك هكذا سيناريوهات في الألعاب (و في الروايات والشعر والمسلسلات...)، في إيصال رسالة تهديد وغسل عقول للمرأة بأنها ضعيفة وعليها أن تبقى كذلك؟

ولكن الخطر الأكبر على حرية المرأة يكمن في الألعاب التي تكون موجه بشكل مباشر للنساء، وبشكل خاص للفتيات الصغار.

و أبرز مثال على هذه الألعاب هي سلسلة ألعاب "تخيّل" (Imagine series) التي تنتجها شركة يوبي سوفت (Ubisoft).

تقول الشركة أن السلسلة تستهدف الفتيات من عمر 6 إلى 14 عاماً وتهدف إلى "الإتاحة للفتيات بإستكشاف إهتماماتهن وهواياتهن المفضلة".

كل هذا جميل، ولكن ما هي ألعاب هذه السلسلة؟ هل هي ألعاب عن العلوم أو الفضاء أو الرياضة أو العمل السياسي أو الإجتهاد في المدرسة؟

كلا.
فأسماء الألعاب هي "تخيّل الأطفال" (Imagine Babies)، أو "تخيّل، الطبخ السيعد" (Imagine Happy Cooking)، أو "تخيّل، حلم الزفاف" (Image Dream Weddings)، أو "تخيّل، عارضة الأزياء" (Imagine Fashion Model)، وهكذا على هذا المنوال!

قامت الشركة بإنتاج عدد آخرمن الألعاب من نفس السلسلة، ربما إستجابة لإنتقادات نسوية، ولكنها تبقى أيضا محصورة بمهن ووظائف كالتعليم ("تخيّل، معلمة" Imagine Teacher) أو هندسة الديكور أو الصحافة أو طبيبة بيطرية ...

خطورة هكذا ألعاب أنها ليست مجرد ألعاب ترفيهية. فهذه ألعاب تثقيفية. وبماذا نثقّف بناتها؟
هل هكذا نربّي بناتنا؟ أن يربين أطفال الذكر ويطبخن (بسعادة) للذكر، أو أن تكون أحلامهن محصورة في حفل الزفاف أو طموحاتهن المهنية أن تكون عارضة أزياء أو راقصة باليه؟!

لماذا لم تقم الشركة بإصدار ألعاب عن مهن وأحلام أخرى. عن أن تكون دكتورة جامعية لا معلمة حضانة. أن تكون مهندسة فيزياء لا طبيبة قطط وعصافير. أن تكون كاتبة أو شاعرة وليس عارضة أزياء. أن تكون رئيسة دولة لا ممثلة في فيلم.

صورة المرأة في الألعاب الإلكترونية تعكس صورتها في الأدب والثقافة العالمية. وهي صورة ذكورية تعتبر أن مكان المرأة-الزوجة الطبيعي هو في المطبخ، أما المرأة العزباء المقبلة على الزواج فعليها أن تكون كجمال القمر، من دون شوائب أو كيلو زائد في وزنها.

الحق لا يقع على الألعاب الإلكترونية، فهي لا تقوم سوى بترجمة هذه الرؤية الثقافية بإستخدام تقنيات إلكترونية حديثة.

ولكنها تُظهر أن التنكولوجيا والتقدم التقني لم يساهم في كسر الإرهاب الذكري الثقافي المُمارس ضد المرأة. بل جلّ ما قامت به هو في نقل هذه الثقافة من الوجدان الأدبي والإعلامي والاجتماعي إلى الحاسوب وأنظمة الألعاب الإلكترونية.

فالرسالة الذكورية التي كانت تُدرّس للفتاة عبر أشعار الغزل وتلقين أحكام شرائع الأجداد، أصبحت اليوم تدرّس عبر الألعاب الإلكترونية، وذلك من دون أي تغيير في فحوى هذه الرسالة.


عادل نورالدين، (صورة المرأة في الألعاب الإلكترونية)

خاص: مرصد نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon