فيما تتجه المنطقة إلى المزيد من التخلص من العنف والتمييز ضد النساء والأطفال، أكدت ليبيا صمودها وذكورية تصوراتها التي سبق لها أن أكدتها مرات عدة (مثل حرمان المرأة الليبية من حقها بمغادرة ليبيا بدون محرم إلا بموافقة ذكور آخرين يمسكون بالسلطة!).
وذلك عبر تأكيد حرمان القوانين الليبية للأطفال المولودين من أم ليبية حقهمن الأساسي بجنسية أمهاتهم.
وفيما تنافق الحكومة الليبية، مثل غيرها من حكومات المنطقة، بالكلام الفارغ حول نصف المجتمع الذي يربي النصف الآخر! وحول دور المرأة في تقرير هوية الطفل وولاءاته، ضمنا الولاءات الوطنية، فإنها تؤكد اليوم أن ذلك ليس إلا ذرا للرماد في العيون، عبر تأكيدها أن الأطفال في ثقافتها، مثلما هم في الثقافة الحكومية السورية وغيرها، ليسوا إلا ملكا لـذكر ما! وليست أمهاتهن إلا "مأجورات" تم دفع أجورهن سلفا عبر "المهر"، وصار دورهن هو تلقي نطفة الرجل العظيمة والعناية بها ريثما تكتمل فتولد ولدا هو ابن ابيه، إذ لا أم له، بل مجرد والدة؟!
قضية حق الأطفال بجنسية أمهاتهن باتت قضية تعاني منها ملايين النساء على امتداد الدول العربية. فمع التواصل العالمي المستمر منذ عقود بين الناس في هذه الدول، وبينهم وبين دول العالم الآخرى، عقدت زيجات بنيت على الرغبة الإنسانية المشتركة ببناء أسرة. وتولد عن هذه الزيجات أطفال يعيشون مرارة المعاناة اليومية في أوطان هي أوطانهم، لكنهم محرومون من جنسيتها! لماذا؟ لأن الأم شقت عصا طاعة قبيلة الذكور التي تحكم باسمها جميع الدول العربية، وقررت أن تمنح قلبها وجسدها لرجل أحبته ولكنه من "قبيلة" أخرى! فسارعت هذه الدول إلى معاقبة هؤلاء النساء عبر معاقبة أطفالهن بحرمانهم من جنسية هي حق لهم بصفتهم مولودين من الأم حاملة الجنسية، عشرات أضعاف ما هي حق لهم بصفتهم مولودين من ذكر يحمل تلك الجنسية.
وقد أثبت معارضوا إلغاء هذا الظلم والتمييز أنهم لا يدافعون أبدا عن حق ولا عن فكرة حق. بل فعلا يدافعون عن ثقافة القبيلة بأسوأ ما فيها من معاني. فقد عجزوا جميعا عن إبراز حجة واحدة منطقية أو عقلانية في معارضتهم إعادة الحق إلى نصابه وتأمين حق هؤلاء الأطفال بالحصول على جنسية أمهاتهم. ولذلك لم يجدوا أمامهم سوى سبل التخوين والتشكيك في وطنيتهم و.. رغم أنهم هم أنفسهم (هؤلاء المعارضين) لا يتوقفون عن الحديث عن الدور الحاسم للمرأة في رسم ولاءات الأطفال، حينما يكون هذا الحديث يخدم أغراضهم الذكورية بتثبيت المزيد من العنف والتمييز ضد النساء.
ليبيا اليوم، في القرن الواحد والعشرين، تثبت ثقافة بائدة عمادها احتقار النساء وممارسة العنف ضدهن. وسورية أيضا ما تزال تمارس هذه الثقافة دون أن يرف لحكومتها جفن! تلك الحكومة التي لا تقل نفاقا عن غيرها حول ما حققته المرأة من "إنجازات" في سورية! بينما تستمر في اضطهادها بألف شكل وشكل ليس حرمان أطفالها من جنسيتها سوى واحد منها، إلى جانب حق الذكور بقتل النساء تحت مسمى "الشرف"، واستعباد النساء بمنعهن من حقهن الإنساني بتزويج أنفسهن دون موافقة "ذكر" ما سموه وليا زورا وبهتانا! وقانون أحوال شخصية لا يعدو أن يكون قانون سلطة الذكور على العائلة وكيفية تقاسم إرثها.
حق الأطفال بجنسية أمهاتهم ليس أمرا سياسيا. مهما قالت الحكومات ذلك. بل هو بالضبط أمر ذكوري بحت. هو عقوبة يمارسها الذكور منذ نأشت الدولة الحديثة على النساء اللواتي يخرجن عن "القبيلة"، هي عقوبة تشكل استمرارا لثقافة الغابة حيث الذكر "القوي" يفعل كل ما يحلو له، ويسيطر على كل ما تسمح له به قوته. ويبدو أن حكوماتنا هذه تريد أن تستعيد ذلك الزمن الغابر! لم لا؟ أليست حكومات ذكورية بامتياز؟ وحتى النساء المشاركات فيها ألسن مدافعات شرسات عن الثقافة الذكورية بوجه المساواة؟ المساواة التي هي التعبير الاصفى والأكثر إنسانية عن العدالة والتكافؤ والتشارك؟
نساء سورية، (ليبيا تؤكد ذكوريتها وحرمانها الأطفال المولودين من ليبيات من حقهم بالجنسية!)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon