لماذا لا يحب الناس في لين وفي يسر؟!

"الحب هو عندما تصنع أمي لأبي قهوة..ثم تأخذ منها رشفة بالملعقة لتتأكد أن مذاقها لذيذ"... "الحب هو عندما تخبر شابا بأنك معجب بقميصه فيقوم بارتداء نفس القميص كل يوم لأجلك"،

"الحب هو أن يركض إليك كلبك فرحا.. ويلعق وجهك رغم انك تركته طوال النهار بمفرده".. "عندما يحبك شخص ما.. فإنك تشعر بأنه ينطق اسمك بشكل مختلف عن ما ينطقه بقية الناس.. انك تشعر بأن اسمك بأمان في فمه"... "الحب هو عندما تخرج مع أحدهم.. وتعطيه معظم البطاطس المقلية الخاصة بك.. دون أن تلزمه بأن يعطيك البطاطس الخاصة به"....
"لا يجب أن تقول لشخص ما انك تحبه إلا إذا كنت تعنيها فعلاً.. وإذا كنت تعنيها فعلاً فعليك أن تقولها له كثيرررررا.. لأن الناس يعانون من النسيان ويحتاجون إلى من يذكرهم...."
تلك من أكثر الجمل التي بقيت في ذاكرتي عندما قرأت دراسة قامت بها إحدى المؤسسات حيث تم توجيه سؤال إلى مجموعة كبيرة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات وكان السؤال حول مفهوم كلمة (الحب) بالنسبة لهم...
هكذا كان مفهوم الحب عند الأطفال ولعله اصدق تعبيرا عن الحب الذي نقصده أو كما يجب أن يكون..و لكن لماذا تشوه الحب عند الكبار، لعل الحياة ليست جميلة وبريئة كما كنا نتصورها ونحن أطفال صغار والأذى يتجلى أكثر كلما تقدم بنا العمر لنرى الأشياء على حقيقتها فبعد أن كانت الحياة لوحة فنية رائعة الجمال مذهلة بألوانها أصبحت الآن باللونين الأبيض والأسود فقط، وكيف نستطيع أن نحب ولم يعد في قلوبنا مكانا للأفراح بل امتلأت حزنا واعتصرت ألما وأصبح الحب آخر اهتماماتنا مع أننا نتظاهر يوميا بأننا نعيشه ونؤمن به ونحاول ممارسته ويأخذ وجوه واشكال مختلفة في زمننا هذا ولكن للأسف لا وجود للشكل الصحيح للحب وإنما تظاهر بالحب كذب وخداع ومع تطور الحياة والتقدم الذي يحدث وشمل جميع قطاعات الحياة حتى لم يستثني الحب فتطور وتغير وقارب على نهايته وانقراضه بشكل حقيقي.....
لا نعرف إن كان ما نتحدث عنه هو الحب فعلا إذ لم يعد هناك حب دون مقابل...
فبينما اختفت أنواع وانقرضت كالحب العذري مثلا وجدت اشكال جديدة للحب عن طريق الانترنت فبكبسة زر أصبحت تحصل على فتاة أحلامك وبالمواصفات المطلوبة التي وضعتها سابقا فكثيرا ما يلتقي اثنان على الانترنت يشربان القهوة ويتجاذبان أطراف الحديث يوميا على "نوافذ الشات" بعد أن كانا يلتقيان على شرفات المنازل.. واليوم الانترنت هو الطريقة الأبسط والأسهل والأقل جهدا ووقتا إذ ستلتقي بمن تريد حتى لو كان يبعد آلاف الأميال عنك وقد يقرران اللقاء فعلا على ارض الواقع ولكن وللأسف غالبا ما ينتهي هذا النوع من الحب بنفس السرعة والطريقة التي بدأ بها ففي إحدى سهرات الشات قد يلتقي صدفة هذا الفتى على إحدى المواقع الظريفة بفتاة تفوق جمالا الفتاة الأولى أو قد تكون متوافقة مع ميوله ويشتركان بنفس الاهتمامات فماذا يحصل يا ترى بكبسة زر واحدة يبدأ قصة جديدة في الوقت الذي يكون فيه قد أنهى القصة بكبسة زر أيضا block "...
إذا ففي زمن التكنولوجيا الذي وصلنا إليه وحتى لو كنا متأخرين قليلا عصر الكمبيوتر والانترنت والبرمجيات أصبح من السهولة الالتقاء بأناس جدد وتكوين صداقات وشبكة واسعة من العلاقات مع أناس من مختلف الأنماط والأجناس ولكن للأسف أصبح التخلص من هؤلاء الأشخاص والأحباب بنفس السرعة والسهولة لماذا؟؟ لأن البديل حاضر دائما ولن يتكبد عناد الحصول عليه.؟؟
لم يبقى أي اثر للحب الذي كنا نسمع عنه قديما ونشاهده في الأفلام ونقرأ عنه في الكتب قصص الحب التي كنا ننام ونحن نستمع إليها من فم جداتنا أو أمهاتنا "سندريلا – روميو وجوليت"... وغيرها وكيف أن مجرد قبلة صغيرة من الأمير على فم بياض الثلج أعادت لها الحياة التي فقدتها جراء السم.. قصص كثيرة سمعناها وحلمنا بها وجعلتنا نستعجل الأيام كي نكبر بسرعة ونلتقي بالحب الحقيقي.. وما النتيجة كنا ولا نزال نبحث عن هذا الحب بدون جدوى..
كل شيء اختلف في زماننا كان الحبيب يسهر الليل وهو يكتب قصائد الشعر والغزل بمحبوبته فينظم قصيدة من 20 بيت "و يلف ويدور" حتى يصل في آخر البيت إلى كلمة "احبك"... أما اليوم فنكتفي بإرسال "sms " وغالبا ما تكون جاهزة قد أرسلها احدهم لتتنقل من شخص إلى آخر فتفقد سحرها ومعناها.. هل حقا أصبحنا في زمن السرعة ولم يعد هناك متسع من الوقت لأحدنا يجلس لعدة دقائق ويكتب من قلبه شيئا صادقا لحبيبه أين زمن الرسائل الورقية التي كانت تكتب بخط يد الحبيب وتعطر بعطره الخاص وإنما أصبحنا نرسل كلمات لمجرد الكلام وأصبحت المحبة تقاس بعدد "المسجات" المرسلة وقيمة فاتورة الموبايل وليس بقيمة الكلمات التي كتبت وبالمشاعر والأحاسيس التي تحملها...
حتى كلمة "بحبك" نرسلها كأي كلمة عادية وأحيانا كثيرة بلغات مختلفة "- liebe dich- tea mo – elsker dig –t'aimer –I love u " من اجل التغيير ليس إلا.......
كما أننا أخذنا عن الغرب 14 شباط وأصبحنا نحتفل به كعيد للحب متبادلين التهاني مع بعضنا البعض بالقول "happy valentine day" حاملين الورود الحمراء.. مرتدين الملابس الحمراء.. متناسين أن هذا العيد ليس لنا مع أن التاريخ العربي مليء بقصص العشق والحب وبعشاق عانوا من الم الحب أكثر مما عانى روميو وجوليت فلماذا إن كنا حقاً نقدس الحب لا نبتكر عيدا حب خاصا بنا نتحدث فيه عن قيس وليلى.. جميل وبثينة... ولا ننسى عنتر وعبلة وما عانوه بسبب هذا الحب الطبقي واختلاف اللون والطبقة بينهما وللأسف الشديد فهذا النوع بالذات موجود حاليا ولعله الآن أكثر خطورة وتفاقما من قبل...
و لن نتحدث عن الحب المحرم لأنه يحتاج إلى مجلدات وقد تحدثنا عنه كثيرا واشعر بألم كلما تحدثت عنه دلك الحب المقدس الذي يصبح محرم ليفرق بين حبيبين بسبب الاختلاف الديني أو الطائفي بينهما...
و هل حقا أننا أصبحا لا نعرف أن نحب دون قيود وشروط فأي حب هذا إذا أراد الشخص أن يغير الآخر كما يريد حتى يتوافق مع ميوله وأهواءه ومزاجه لماذا لا يتقبله كما هو...؟؟ فأي حب هذا إن كنت تريد أن تخلق منه إنسان جديد حتى تحبه! أي حب هذا إن كنت حبيبتك فقط عندما أكون في مزاج جميل واضحك باستمرار ولست مستعد لتقبلي في لحظات ضعفي وحزني وألمي حتى لا ابعث لك بإشعاعات الكآبة فتصيبك...
لقد شوهنا الحب لأننا أصلا أصبحنا أشخاص مشوهين من الداخل رغم الجمال الباهر الذي نظهره من الخارج حتى بأغاني الحب التي نشاهدها يوميا على شاشات المحطات الفضائية نجد أنها جعلت من الحب شيئا مبتذلا وتافهاً لاسيما تلك المعاناة المبالغ بها التي يصورها "الفيديو كليب" الغير موجودة أصلاً على ارض الواقع لم يعد هناك من حبيب يعاني لهجره محبوبه لأنه لم يعد هناك من حب بالمعنى الحقيقي وإنما مجرد تجارب وعلاقات عابرة يعيشها الإنسان لتمضية الوقت أو لزيادة خبرته أو لتفاخره والحب كما أراه موهبة طبيعية ولم يعد هناك من أشخاص موهوبين في هذا الزمن
الحب هو أن ندهش إلى حد الثمالة بما ومن نحب...؟
المسيح قال: أحبوا أعداءكم... وأنا لن أقول أحبوا بعضكم وإنما أحبوا أنفسكم أولاً فإذا لم يخرج الحب من داخلك صادقا لن يصل إلى الآخرين وفاقد الشيء لا يعطيه
و إن وجدنا الحب الذي نريد أثناء بحثنا عنه نجد إننا في المكان والزمان الغلط اللذين لا يتناسب مع حبنا إذ نعيش مع أشخاص لا يعرفون معنى الحب وفي بلاداً مات فيها الحب من زمن.. ذبحوه... ولا زال البشر يمشون خلف بعضهم دون تفكير ولا مبالاة يركضون خلف حب المصلحة.. والمال... والمناصب.... مات الحب المقدس ومع ذلك لم يحترموه ولم يدفنوه ولم يتم ذكر محاسنه... وأتسأل كما تسال شاعر المرأة والحب نزار قباني:
لماذا في مدينتنا؟
نعيش الحب تهريباً وتزويراً؟
ونسرق من شقوق الباب موعدنا
ونستعطي الرسائل والمشاويرا
لماذا في مدينتنا؟
يصيدون العواطف والعصافيرا
لماذا نحن قصديرا؟
وما يبقى من الإنسان
حين يصير قصديرا؟


حنان عارف، (لماذا لا يحب الناس في لين وفي يسر؟؟؟)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon