برلمان الأطفال في دير الزور يقيم ورشات عمل تدريبية وجلسات حوارية

"مستقبل سورية يعتمد على أطفالها، وما سينجزونه في الغد يعتمد على ما سنقدمه لهم اليوم".. عززت هذه الكلمات التي أطلقتها السيدة أسماء الأسد في الجلسة الختامية لبرلمان الأطفال في دير الزور بدورته الثانية في أيلول من العام 2006، ثقافة العمل الجماعي والنشاط لدى البرلمانيين الأطفال في دير الزور... child
فقد أقام برلمان الأطفال ورشات عمل تدريبية لتأهيل وتدريب الأطفال في الفترة ما بين 21/1 ولغاية 24/1/2007 في مبنى قصر المحافظة في دير الزور، استعداداً لجلسة البرلمان الرابعة المقرر عقدها في شباط القادم.
(تشرين) كانت هناك، وحضرت هذه النشاطات، وساهمت في دعمها، ورصدت فعالياتها..

التسرب المدرسي:
لا شيء أجمل من ذلك في تلك القاعة.. أطفال تقاسموا المهام.. كلٌ حاول القيام بعمله الذي يتطلب عمراً قد يكون مضاعفاً للقيام به.. تولى الأستاذ بسام بدران، الخبير في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (برنامج تنمية شرق سورية)، دور الميسر لعملية النقاش في الورشة التي تناولت مشكلة التسرب المدرسي وأسبابه، والحلول الأفضل للحد من هذه الظاهرة، معتمدين على أسلوب العصف الذهني والنقاش.. بعد أن قُسّم الأطفال إلى مجموعات وُزعت عليهم محاور هذا الموضوع، وتسجليها ومن ثم نقاشها، لنعرف تماماً ما هي الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي والأمية والارتداد إلى الأمية، عن طريق استبيان وضع الأطفال أسئلته من الواقع المشاهد من قبلهم، كمدخل لمعرفة طريقة الاستبيان، ثم تبويت البيانات وتحليلها ووضع مقترحات لمعالجة مشكلة التسرب المدرسي. وسيكون لدينا بعد توزيع الاستبيان وجمع البيانات، دراسة أعدها الأطفال لتكون مدخلاً لدراسة مشكلة أو ظاهرة ما.

الإخراج الصحفي:
طوال أربعة أيام تجدهم منغمسين في تعلم الإخراج الصحفي وفنونه، فحماسهم الممزوج بالرغبة بالخوض في هذا المجال، الذي يحتاج إلى عمر أكبر ومهارات على درجة عالية، مكّنهم من تخطي أي عقبات.. فبدأت الصحف والمجلات تلفت انتباههم.. تجدهم في معظم الأوقات يناقشون قضايا وتفاصيل فنية اكتشفوها من الجلسة الأولى..
ساعدني عملي في الإخراج الصحفي في المزج بين الصحافة، وهي اختصاصي، وبين الإخراج الفني كممارسة، وهو ما أتاح لي خوض هذه التجربة وأن أكون قريباً من الأطفال، وهذه تجربتي الأولى مع أطفال برلمان دير الزور.. وهي المرة الأولى التي أسافر بها إلى هذه المدينة.. كنت أخشى قبل سفري إلى هناك أن تكون هذه الورشات ما هي إلا نقاشات نظرية تتخذ التنظير عماداً لها.. ولكن من اللحظات الأولى هناك أدركت بأن كلام السيدة سهام الخاطر عن إمكانيات الأطفال وقدراتهم، لم يكن كافياً.. إنهم بحق أطفال مبدعون، قادرون على تحمل المسؤولية.
فقد حاولنا في الجلسة الأولى تسليط الضوء على فن الإخراج الصحفي (المطبوع) بشكل عام وجمالياته وتعدد المدارس والتوجهات في هذا المجال، وكيف أن هذا العلم/الفن يعتمد في قسم كبير منه على فن المخرج ولمساته الإخراجية.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الجولات الميدانية التي قمت بها برفقة الأطفال إلى مقر صحيفة (الفرات) ساعدت الأطفال كثيراً في التعلم واكتساب المهارات، فهم وضعوا في بيئة عمل حقيقية، حاولوا من خلالها أن يترجموا ما يتعلمونه بشكل يومي. وهو ما مكّنهم في اليوم الأخير من تقديم نماذج رائعة، فقدّم كل طفل إخراج صفحة أولى ضمت عناصر الإخراج كافة.

العمل الصحفي:
(صحفيون صغار).. تماماً هي ما سعت إليه الآنسة إيناس سفّان، أمينة تحرير الشؤون الثقافية والفنية في الزميلة (الفرات)، خلال حديثنا معها حول عمل هذه الورشة.. إذ قالت: حقيقة لم يكن التعامل في هذه الورشة سهلاً فأنت أمام أطفال صغار في العمر ولكن آلية التفكير واسعة ولديهم حب للتعلم والمشاركة، تحدثوا عن وسائل الإعلام ونقدوه بموضوعية ووضوح وهذا ما شجعني على العمل أكثر حيث تم تدريب البرلمانيين على فن العمل الصحفي والأنواع الصحفية، وأخذوا لمحة عامة عن تقسيم المواد ودور الصورة في توضيح المادة الإعلامية المطبوعة.
كما شارك الأطفال بكتابة مواضيع أدبية متنوعة، وصلت في جلسة واحدة إلى 18 مقالة وتحقيق ورسوم كاريكاتورية حول ظاهرة التسرب، جسدت الموهبة لديهم، ساهم برلمان الأطفال باكتشافهم، كذلك أعدوا تحقيقات حول ظاهرة التسرب المدرسي من خلال لقاءات ميدانية إضافة إلى مواد صحفية حول نشاطاتهم، وبعض المواضيع التي تخص محافظة دير الزور وكانت طروحاتهم كإعلاميين صغار رائعة وملفتة للنظر لوعيهم الكامل بمدى خطورة هذه الظاهرة وصعوبتها.

العمل الإذاعي:child-diezzour
في هذه القاعة التي كانت تعمل كخلية النحل، والتي أشرفت عليها الإعلامية المتميزة السيدة نهلة السوسو، تجد الأطفال يعملون بجو ممزوج بالفرح والنشاط، أضافت إليه السيدة نهلة عنصر الطرافة والديناميكية التي تتصف بها.
السيدة نهلة السوسو، وخلال لقائنا بها قالت: إن هذه التجربة فريدة من نوعها بكل المعايير التي يمكن النظر فيها إلى الظواهر الاجتماعية في بلدنا.. فهناك كسر للعقلية السائدة في التعامل مع أطفالنا واعتبارهم كماً من الدمى التي يمكن غسلها وتنظيفها ووضعها على الرف.
وأكدت السوسو أن سوية الأطفال مدهشة بحق، ورغم أن الورشة تتعلق بإعداد وتقديم البرنامج الإذاعي، والإذاعة أبعد ما تكون عن اهتمامات الأطفال، أبدوا مواهب مدهشة في التفكير المنطقي، في النقد (نقد المضمون والشكل). بحيث شعرت أن مجموعة كبيرة من الأطفال المشاركين هم إعلاميون مكتملون أخذوا يترجمون أفكارهم إلى عمل فعلي على أرض الواقع، وقمنا بإنتاج برامج إذاعية سجلناها على أشرطة كاسيت أعدها الأطفال وقاموا بأدائها.. وهذا، بالطبع، سيترك أثراً طيباً في المجتمع الذي يعيشون فيه.

حق المشاركة:
للمرة الرابعة على التوالي تشارك أطفال البرلمان نشاطاتهم، وتسعى دوماً لأن تكون معهم في هذا المشروع الرائد الذي ترى بضرورة تعميم فكرته على المحافظات كافة.. السيدة هديل الأسمر من الهيئة السورية لشؤون الأسرة، كان لها جلسة حوارية مع الأطفال في كيفية تناول الموضوعات ومناقشتها، وكيف يتم تحديد الخطوات الأساسية لنجاحها وذلك من خلال خطة واضحة وأهداف محددة للنقاش ووسائل للعمل.
وقالت السيدة هديل: حددنا تلوث المياه كمحور للمشاركة، فتحدثنا على مستوى الشراكة، ما هو المطلوب من الطلاب وكيف يستطيعون إيصال صوتهم إلى من يريدون، بعد تحديد الهدف الواضح، ومن ثم الوصول إلى أي هدف نريد عن طريق وسائل وأدوات أهمها: الإحاطة العلمية بكافة جوانب الموضوع وهي حقائق وأرقام، ومن ثم تحديد المشكلة وكيفية القضاء عليها، وكيف يتم استخدام وسائل وأدوات لإيصال أصواتنا إلى المعنيين.
وأعدّ الأطفال خلال الجلسة مشهداً مسرحياً وأغنية وقصة وصمموا بوستراً مصوراً حول مشكلة تلوث المياه، حاول الأطفال من خلاله إيصال صوتهم ليقولوا: (أوقفوا تلوث المياه).

مع مسؤولة برلمان الأطفال:
(اكتشفت فيهم روح المسؤولية... يملكون الرؤية ويستشعرون المشكلات ويفكرون بطرق حلها وأنتظر منهم الكثير من الأفكار والبرامج التي ستترجم كلها لصالح مجتمعنا).. رددت هذه العبارة وفي عينيها ابتسامة وفرح ممزوجين بالفخر بأطفال البرلمان الذين أذهلوا كل الضيوف، فهؤلاء الأطفال قرروا فعلاً، وأخذوا المبادرة ليكونوا فاعلين -لا متلقين فقط- لأن يكونوا مساهمين مشاركين في تحمّل المسؤولية.
تحاورنا مع السيدة سهام الخاطر، مسؤولة البرلمان، عضوة المكتب التنفيذي في المحافظة، حول هذه الورشات التدريبية، فقالت: نقوم حالياً بالتحضير للجلسة البرلمانية الرابعة التي ستقام في شهر شباط القادم. فقد خصص السيد محافظ دير الزور المهندس خالد الأحمد، مشكوراً، ثلاث قاعات تدريبية خاصة ببرلمان الأطفال في قصر المحافظة الجديد. وورشات العمل هذه تهدف إلى إكسابهم مهارات جديدة ومختلفة وأكثر من ورشة كانت تقام في آن واحد حول العمل الصحفي والإذاعي والإخراج الصحفي وغيرها، وتوظيفها جميعاً في الحد من ظاهرة التسرب المدرسي، وحاولنا تعليمهم النظر بشكل إيجابي إلى العالم وتنمية إرادتهم وقدراتهم الداخلي وتقديم المقترحات لأي مشكلة تصادفهم. وركزنا للمرة الثانية على حق المشاركة وهي المادة /12/ من اتفاقية حقوق الطفل، والتأكيد على هذا الحق وشرحه بطريقة عملية مع تفريغ، إضافة إلى نشاطات ميدانية لتعزيز مفاهيم ثقافة التطوع والعمل الإنساني، أي أغلب لجان البرلمان كانت تعمل كلٌ حسب اختصاصه.. وقد تمت دعوة العديد من الخبراء، باختصاصات متعددة، للإشراف على تدريب البرلمانيين الأطفال وتأهيلهم، ليكونوا على أتم الاستعداد لعقد جلستهم البرلمانية الرابعة، التي سيحضرها ضيوف وشخصيات محلية وعربية على مستوى عالٍ.
وأضافت: إن النادي الإعلامي، الذي انبثق عن الجلسة الثالثة، سيصدر (قريباً) نشرة دورية حول نشاطات البرلمان بشكل عام وكتابات الأطفال بمختلف أنواعها بشكل خاص. ونحن بانتظار مساهمة بعض الجهات المساعدة لدعم إصدار هذه النشرة، بما يلزم من أجهزة حواسيب وبرامج مساعدة.. وغيرها.
وأكدت السيدة الخاطر أن هؤلاء الأطفال بعد هذا التدريب -المستمر طبعاً- سيكونون مؤهلين لأخذ دور فعال في المجتمع والمساهمة بتنميته، فالتنمية -تضيف رئيسة البرلمان- تنبع من الطفولة لتكون تنمية شاملة.

نشاطات نوعية رافقت ورشات البرلمان:
البرلمانيون الأطفال يرافقهم المهندس محمد أمين الخلف مدير البيئة في دير الزور والمهندس محمد حيو رئيس مجلس المدينة وبعض المهندسين والعمال شكلوا ورشة عمل حقيقية أعطت صورة تشاركية لتكريس مفهوم التطوع، إذ نفّذ الأطفال نشاطاً بيئياً مميزاً في حديث دير الزور المركزية، فقاموا بتنظيف وتقليم الأشجار وكانوا سعداء بتعاون مديري الدوائر معهم، وأجروا لقاءات صحفية وحوارات حول عدد من القضايا الخدمية في المحافظة.

تكريم أوقاف دير الزور:
مديرية الأوقاف بدير الزور استثمرت وجود الأطفال وزارت قاعات البرلمانيين وأقامت حفلاً بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، حيث تم توزيع الهدايا على الأطفال، وشارك الشيخ إياد النقشبندي مدير الأوقاف، الأطفال بجلسة حوارية حضرها جميع المشاركين في الورشات..

زيارة موقع آزورا الفرات الإلكتروني:
في ختام الورشة قامت مجموعة الإخراج الصحفي بزيارة موقع آزورا الفرات الإلكتروني، واطلعوا على سير العمل في مقر الموقع وآلية نشر المواد فيه وتحديثه بشكل يومي ومواكبته لأهم الأحداث والتطورات.
زيارة الأطفال حظيت بالكثير من الحوارات الهامة بين الأطفال وكادر الموقع. وكان لأمين تحرير الصحيفة والمدير التنفيذي فيها، الأستاذ وائل حميدي، حوار جميل مع الأطفال وقدم شرحاً تفصيلياً عن ولادة الفكرة وعن الطريق الطويلة التي قطعها فريق عمل الصحيفة لتكون الصحيفة واقعاً إعلامياً مميزاً في محافظة دير الزور، مشيراً إلى أن صحيفة آزورا الفرات هي أول صحيفة إلكترونية تصدر من المحافظة وبإشراف أسماء إعلامية كبيرة على مستوى الوطن العربي.

زهير الشاهر، رئيس برلمان أطفال دير الزور (16 سنة)، قال:
أبى السيد المحافظ إلا أن يجتمع بنا في جلسة سبقت موعد بدء الورشات، اعتُبرت انطلاقاً لأعمال هذه الورشات، شرح لنا كيف يمكن أن يكون لكل منّا رأي، في المنزل وخارجه وكيفية الدفاع عن هذا الرأي في المجتمع عموماً، فباسمي وباسم جميع أطفال برلمان أطفال دير الزور، أتقدم بالشكر الجزيل للسيد المحافظ والأستاذ جاسم السيد خليل نائب المحافظ، والسيدة سهام الخاطر المسؤولة عن البرلمان، وعضو المكتب التنفيذي، وكل من شارك في هذه الورشات التدريبية، ابتداءً بمجموعتي (الإخراج الصحفي).. فجزيل الشكر للأستاذ مازن الشيخ علي الذي علّمنا في هذه الأيام الأربعة فنون الإخراج الصحفي.
وكذلك جزيل الشكر للسيدة والإعلامية القديرة نهلة السوسو، التي علمتنا فن العمل الإذاعي من مقابلات وبرامج وكل ما يتعلق بالإعلام المسموع. ولا ننسى من الشكر أيضاً السيدة هديل الأسمر، والآنسة إيناس سفّان والأستاذ بسام بدران، ولكل من كانت له أيادٍ بيضاء وساهم معنا في نجاح برنامج هذه الدورة (وزارة التربية، صحيفة الفرات).

حقاً رائعون:
إنهم فعلاً رائعون.. نشيطون.. اعتادوا على التنظيم.. قادرون على تحمل المسؤولية، لديهم من الجرأة والوعي ما يكفيهم لتمثيل أقرانهم والمطالبة بحقوقهم.. ولكن الكرة الآن في ملعبنا نحن، صحفيين ومهتمين وداعمين لهذا المشروع، لأن ما يترتب على هؤلاء الأطفال يقومون به على نحو رائع على الرغم من بعض الظروف التي قد تكون أحياناً صعبة، فهم بحاجتنا جميعاً، ونحن بحاجتهم أكثر من ذلك.. فلنتذكر جميعاً بأنهم صوتنا القادم بقوة.

مازن الشيخ علي- (برلمان الأطفال في دير الزور يقيم ورشات عمل تدريبية وجلسات حوارية)- m-sheikhali@hotmail.com

جريدة تشرين (31/1/2007)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon