الحساسية الشعرية

غدا القول الآن إن الرواية ديوان العرب بعدما كان الشعر على قول مؤسس علم التاريخ أبن خلدون الشعر ديوان العرب رغم أن الرواية بشكلها الحال منتج أوروبي

 لأولويتهم في استخدام عناصرها التي تشكلت لدى المجتمعات مع العلم أن التاريخ العربي يحفل ببدايات تأسيسيه لفن القص على لسان شهرزاد والجاحظ في البخلاء وابن المقفع ولكن هذا ليس مدار الحديث بل السؤال ينصب لماذا تراجع الشعر في عصرنا بعدما علق على جدران الكعبة ووضعته العرب في مواجهة النص القرآني.
لنعود إلى بدايات النهضة العربية أبان انتهاء المد العثماني المستبدل بالأوروبي وما رافق ذلك من حركت تأثر بالنتاج الأدبي في أوروبا الذي امتد على مساحة تزيد عن أربع قرون بدء من انتهاء العصور الوسطى وما أنتجه من مذاهب أدبية نقضت ما سبقها وأسست لمفاهيم جديدة مغايرة وكان لديهم الزمن الكافي لنمو الحساسية بشكل طبيعي بحيث تشربت هذه المذاهب واستوعبتها.
وعليه على الصعيد العربي هل تكفي عدة عقود من السنين لتغير الحساسية التي رسمتها قرون سيطرة القصيدة الخليليه مع عدم غض النظر لتطور القصيدة في الأندلس ولكن لا نستطيع إلى حد ما حساب تطور القصيدة في الأندلس للانقطاع الحاصل نتيجة دخول المشرق العربي في زمن الانحطاط.
وهكذا نرى ما أن استوعب التقليديون النتاج الشعري القديم ونسجوا على منواله حتى ظهرت الحركة الرومانسية ومن ثم الواقعية والواقعية الجديدة والرمزية وانبثقت القصيدة الكونية والحداثية وشعر التفعيلة وبعده الشعر الحر وفق ما اتفق عليه من مصطلحات وأمام الكم الهائل والسريع من التطور الذي أصاب النتاج الأدبي لم يجد القارئ مجالا للمتابعة والاطلاع واستيعاب ما حدث فتغربت حركة تطور الشعر عن الشريحة الكبيرة من المجتمع وما رافقه أيضا من تسيس النتاج الأدبي مما افقده المرونة في التغلغل في وجدان المتلقي العربي وهكذا نأى عن الحساسية الجمالية التي تقبلت النتاج المشابه للنتاج المورث فمازلت التفعيلة ضمن البيت الخليلي وما تقدمه من موسيقى ظاهرة وإيقاع مع القافية تجد صداها لدى القارئ الذي أعلن النقد أنه زمنه وبالتالي هو من يحدد انتشار جنس من الأدب كالرواية التي نمت بشكل طبيعي أكثر من الشعر في زماننا هذا.
ورغم ما يعانيه الشعر مازال النقاش محتدما بين القصيدة بشكلها الخليلي والتفعيلة وما يسمى الشعر الحر مع أنه قدم حسم في أوربا لصالح الشعر مهما كان البناء
 حتى أنه بالإمكان رؤية القمع والتهميش وخاصة تجاه قصيدة الشعر الحر الممارس لدى مؤسساتنا الثقافية وحتى كبارنا كانزار قباني وأدونيس كتبا القصيدة الخليلية والتفعيلة مع ما تقتضيه من زخرفة في الألفاظ ومتانة السبك والصنعة وكأنهم بذلك يكفرون عما سوف تقترف أقلامهم من آثام.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل عمل على تقسيم الشعراء ما بين شاب ورجل وشيخ وكأن رامبو عندما قدم نتاجه الشعري العظيم اضطر أن يوزعه على سنوات عمره في حين أنه أنهاه على مدار أربعة سنين بدأها في السادسة عشر من عمره.
والأغرب من ذلك عمل النقاد على تطبيق النظرية النقدية في الغرب وحتى المنتهية الصلاحية فما أن بدأ الحديث عن الحداثة حتى ظهرت مفاهيم ما بعد الحداثة وما أن تكلموا عن البنائية حتى استبدلت بالتفكيكية بدون أن يتم إطلاق حكما ما بل تم أيضا استيراد الأحكام القيمية من الخارج التي تدين أو تأكد.
 إن هذا الجدل الذي أفقد الشعر مكانته حسمه أبو حيان التوحيدي بقوله أجمل الكلام (ما قيل بنظم كأنه النثر ونثر كأنه النظم)
ولكن هل نملك الشجاعة التي امتلكها إسلافنا حيث استطاعوا رغم المحدودية البنائية التي تفترضها النظم الخليلية أن يصلوا بها إلى مستويات مدهشة تنبع بالحداثة
 ونهاية لنسأل عن ما فعلناه بالشعر نفهم لماذا انحسر مده وانتهى زمن أعاجيبه بأن تلقفت أفعى التطور غير السليم لذائقتنا الشعرية كل ما ألقيناه من قصائد تسعى.

باسم مالك سليمان: الحساسية الشعرية


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon