الخجل عند الأطفال

تختلط بعض المصطلحات والمفاهيم النفسية مع بعضها بعضاً.ومنها الخجل والحياء هل هما متطابقان؟هل هما مختلفان؟هل هما متقاربان؟

لماذا الحياء عندنا نحن الشرقيين صفة مرغوبة ومحببة؟وخصوصاً عند الإناث.
من هو الطفل الخجول؟وهل الخجل خاصة سيكولوجية ثابتة؟أو مكتسبة من التربية؟وهل يمكن معالجتها وتعديلها؟لماذا يصبح الطفل خجولاً؟ما هي الأساليب التربوية السليمة للتعامل مع الطفل الخجول؟
كثيراً ما نرى بعض الآباء يأمرون طفلهم الخجول بأن يكون مقداماً جريئاً.. كما لو أن الطفل بيدهم أداة طيعة لتنفيذ الأوامر، غير مدركين أنهم بهذا يهدمون شخصية الطفل ويزداد خجلاً..
بينما نرى في الوقت نفسه بعض الآباء يعرفون الطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل الخجول ويشجعونه و يوجهونه التوجيه السليم فينجحون في بناء شخصيته بناءً سليماً خالياً من العقد والمشكلات النفسية.

من هو الطفل الخجول؟
يحدث الخجل عند الطفل كانفعال معين بعد سن الثالثة من العمر تقريباً ومن فترة لأخرى بمناسبة أو موقف من المواقف. ويرافقه مظاهر تتجلى باحمرار الوجه والإحساس بالضيق والتوتر والقلق واضطراب الأعضاء و محاولة الهروب والاختفاء عن أنظار الموجودين، كأن يخبئ الطفل عينيه ويغلق أذنيه حتى لا يسمع شيئاً ويدفن رأسه في حضن أمه ليتجنب ملاحظات الآخرين وانتقاداتهم أو تعليقاتهم..وغالباً ما نلاحظ أنّ الطفل الخجول طفلاً غير آمن، تنقصه المهارات الاجتماعية، ويفتقر إلى الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، متردداً، لا مبالياً، منطوياً على ذاته غير مستقر، يخاف بسهولة، يتجنب الألفة والمبادرة والدخول في المغامرات الاجتماعية والاتصال مع الآخرين فلا يبدي اهتماماً بهم أوبالتحدث إليهم، ويشعر بالاختلاف والنقص وعدم الارتياح الداخلي ويحاول دائماً الابتعاد عن الاندماج أو الاشتراك مع أقرانه في نشاطاتهم ومشاريعهم في المدرسة لخوفه من تقييمهم السلبي له واعتقاده بأن الآخرين سينقدونه ويفكرون به على نحو سييء. وغالباً ما يكون خوفه مصحوباً بسلوك اجتماعي غير مناسب يتصف بالارتباك وقلة الكلام مما يحول دون استمتاعه بالخبرات الجديدة أو الحصول على الثناء الاجتماعي من قبل معلميه وأصدقائه والذين بدورهم يتجنبونه على الأغلب..

لماذا ينشأ الطفل خجولاً؟
يعود خجل الطفل الشديد إلى فقدان الإحساس بالأمن و الطمأنينة الكافية وإلى إتباع الوالدان أساليب عشوائية في تربيته والتي تظهر في نماذج مختلفة.. كاستخدام أساليب القسوة و اللوم المتكرر والشدة الزائدة على الطفل في أن يكون مهذباً، والإفراط في توجيهه و إرشاده , أو إهماله وعدم الاكتراث به، أو عدم الثبات في معاملته والتأرجح (تارة بين الحزم غير العنيف وتارة التعاطف و التساهل جداً أو العقاب بعنف)، أو توجيه النقد الزائد له و البحث عن أخطائه والسخرية من عيوبه و الإكثار من توبيخه و تأنيبه لأتفه الأسباب و تصحيح أخطائه بأسلوب قاس وعلى نحو متكرر و خصوصاً أمام الآخرين، مما يزيد من شعوره بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً صحيحاً و يتوقع دائماً الاستجابات السلبية.. ويؤدي ذلك بالطفل إلى مزيد من مشاعر القلق و الخوف ويدخله عميقاً في دائرة الخجل والاضطرابات النفسية.
وأيضاً من الأسباب التي تجعل الطفل يفقد الشعور بالأمن: العناية الزائدة به أو إفراط الأهل بحمايته، ويأخذ ذلك أشكالاً متعددة.. كرغبة الأم باعتماد طفلها عليها في المأكل والمشرب و قضاء الحاجة و تنظيف الجسد، أوعدم إتاحة الفرصة له بالخروج مع أصدقائه في نزهة و اللعب معهم خوفاً من وقوع الأذى عليه أو حتى لا يكتسب السلوكيات السيئة من قبل الآخرين وغيرها من مخاوف قد تجعل الطفل اتكالياً، سلبياً غير فاعل , فرصته في المغامرة محدودة , فاقد الحيوية والنشاط المبدع مما يجعله ضعيف التكيف والانسجام مع الآخرين ومع ذاته أحيانا.
أيضاً هناك ممارسات والدية خاطئة أخرى تعزز الشعور بالخجل عند الطفل كمعاملة الطفل الذكر معاملة الأنثى في الشكل والممارسة والعكس بالنسبة للأنثى..إضافة إلى أمور تتعلق بوجود إعاقة جسمية لدى الطفل و التي تجعل الأطفال الآخرين يتجنبوه أو وجود تلعثم عنده وضعف قدرته على التعبير أو وجود أهل خجولين , أو الحديث أمام الطفل عن الآخرين بطريقة سلبية مما يزرع الخوف عنده فيخشى الآخرين ويبتعد عنهم
كل الأساليب السابقة منفردة أو مجتمعة يمكن أن تؤدي إلى شعور الطفل بالدونية وعدم الأمان وتجعله يعيش بتوتر و صراع وانطواء و رغبة في تقليص الصلة بينه و بين الناس و البعد عن النشاطات و الحركة والاندماج الاجتماعي.. مما ينعكس سلباً على صحته النفسية والصحية وعلى تحصيله الدراسي وتكيفه وانسجامه.

كيف نتعامل مع الطفل الخجول؟
يمكننا تخفيف حدة مشاعر الخجل الشديد و الحساسية العالية عند الطفل وإعادة ثقته بنفسه وتصحيح فكرته عن ذاته وتنمية مهارات اجتماعية إيجابية لديه من خلال ما يلي:
توفير مناخ عائلي للطفل يسوده الشعور بالأمن و الثقة و المحبة والوفاق الأسري.
إشعاره بالتقبل والحب و التقدير والصداقة و الإنصات له ليفصح عما في نفسه من مشاعر غضب و قلق و مخاوف وهواجس و محاولة إيجاد الحل لها , كل ذلك بحب واحترام ومرونة.
الإصغاء إلى أفكار الطفل ومشاعره وأرائه ومتطلباته وقصصه ومحاولة فهمها لدى التعبير عنها ومناقشته بابتسام و لطف.
الابتعاد عن استخدام الأساليب السلطوية وعبارات الغضب والتأنيب والتهديد والمهانة من مثل (إياك أن تحدث أباك عن...) أو (لا أريد سماع صوتك) (أنت مزعج،متعب، بليد...) وغيرها من كلمات قد تثير القلق وتزيد من خجله.
عدم مقارنته بأخوة أو أصدقاء أفضل منه من حيث القدرات والاستعدادات.
تشجيع حب الاستقلالية والاعتماد على النفس بشكل تدريجي عند الطفل الخجول و التقليل من حمايته الزائدة أو الاستمرار في تدليله وذلك لكي يستعيد ثقته بنفسه.
تعليمه التصرف بالطريقة المناسبة لعمره.
إتاحة الفرصة للطفل ليقول ويدخل ويعيش مواقف يستطيع النجاح فيها.
تعليمه التعامل والتكيف مع مزاح الآخرين وإغاظتهم بدرجة بعيدة عن الحساسية المفرطة.
تشجيعه على زيارة ومشاركة أصدقائه في النزهات و الرحلات واللعب معهم وعلى تطوير مهاراته من خلال إتاحة الفرصة له للانتساب إلى إحدى النوادي لتنمية هواياته ومواهبه في (الرسم و الموسيقى و...) وذلك بهدف التقرب والاختلاط وتدعيم تفاعله مع الآخرين أثناء قيامهم بنشاطات متنوعة..أي: تشجيع الطفل الخجول على الاندماج في العلاقات الاجتماعية رغم توقعات الأهل المنخفضة عنه بهذا الشأن وتشجيعه على التعبير عن خيبته أو فشله في بعض المواقف كي لا تتراكم المشاعر المحبطة في داخله وتسبب له مزيداً من القلق,و تدعيم خطواته و تشجيع مبادراته و مكافأته على أعمال أو مهمات تحداها وأنجزها بمفرده أوعلى قيامه بسلوكيات اجتماعية حسنة.
محاولة إفهام الطفل (مفهوم العلاقات الاجتماعية) إن أمكن، كيف يفكر ويشعر ويسلك الآخرون وكيف أن الصديق الجديد قد لا يتقبله الناس ببساطة وأنه من الطبيعي عدم التوافق مع كل الأشخاص.
المساواة بين الأطفال الذكور والإناث في المعاملة و تشجيع (البنات) على أخذ المبادرة وإبداء الرأي.
استخدام أساليب العقاب الموجهة والبعيدة عن الضرب بقصد تعديل سلوك معين عند الطفل أو تصويبه.
التعاون مع الأخصائي النفسي أو المرشد المدرسي في التعرف على حاجات الطفل ودوافعه ومصادر خجله و دراسة حالته و ظروفه من جميع النواحي الصحية و الاجتماعية و مساعدته على مواجهة أسباب الخجل مواجهة واقعية , و تنمية نواحي الضعف وتعزيز الجوانب القوية والمميزة عنده بدلاً من انتقاد نقاط ضعفه و إبرازها وخاصة أمام الآخرين.بل إعطاء صورة للطفل الخجول عن كيفية تصرفاته وأدائه الاجتماعي والطريقة التي يجب أن يتعامل فيها مع الآخرين مما يساعده على معرفة مستوى مهاراته الاجتماعية و تشجيعه على تطويرها بطرق مختلفة.و مساعدته على الاسترخاء للعمل على الخفض التدريجي للحساسية من الاستجابات للمثيرات المسببة للقلق
توفير الظروف الملائمة للتلاقي مع أصدقائه، وتدريبه على تنمية مهارات اجتماعية إيجابية تساعده على بناء علاقات خارج إطار أسرته(وذلك من خلال اللعب و قراءة القصص...الخ).
عدم تكليف الطفل بأعباء تفوق قدراته العقلية و اللفظية و الجسمية بل يجب تكليفه بالأعمال التي يشعر بأنه قادر على القيام بها و تشجيعه عليها ليكسبه شعوراً بالأهمية و التقدير.و تكييف توقعات الوالدين لدى ملاحظتهما سلوك طفلهما الاجتماعي الخجول في مناسبات معينة وذلك حسب إمكانياته وقدراته الاستيعابية و السلوكية وشخصيته ويفضل التريث وعدم توجيه النقد له ومضايقته.
تدريب الطفل على التفكير الإيجابي وتعديل معتقداته حول أن يكون كاملاً وجعله يتحدث عن نفسه بطريقة إيجابية.. مثل أنا جريء، أنا اجتماعي..
التعاطف مع الصعوبات التي يواجهها ومساعدته بتقديم الاقتراحات البديلة له في كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بالنسبة له.
تنبيه الطفل إلى أخطائه على انفراد دون تعريضه لمواقف الخجل أمام أخوته وأصدقائه وعدم إبداء الحساسية الزائدة لتعليقات الآخرين عليه.
تعليمه الفرق بين الحياء والخجل الشديد وعدم التحدث عن سلوك الخجل الزائد على أنه سلوك محبب ومهذب.
هذا ويمكن للأهل استخدام ألعاب ,مثل,(الورق و الرسومات ولعبة الشطرنج) فهي مثيرة ومشجعة للطفل في التعبير عن نفسه و تطوير مهارات الاتصال لديه وسرد القصص والحكاية الشعبية (سيرة الزير سالم ,وعنترة العبسي ,والشاطر حسن...الخ) و اللعب بالتمثيل مع طفلهم الخجول (كأن نجعل الطفل الخجول يمثل الدور الأكثر شعبية ويقوم بدور المضيف، والأم أو الأب مثلاً بدور الضيف الصامت ويطلب منه استقبالهم و التحدث معهم بهوايات أو أشياء يحبها وتثير اهتمامه) وبذلك يجرب بعض السلوكيات والمهارات الاجتماعية، ويمكن إعطاؤه بعض الاقتراحات المشجعة على تطوير مهاراته.
وانطلاقاً من هذا لا يفوتنا القول بأن الدور الذي يقوم به الوالدان على جانب كبير من الأهمية في تنمية شخصية الأبناء و حمايتهم أو معالجتهم من الخجل لكن يتوقف نجاح هذا الدور على مدى التوافق بين الأم والأب حول أسلوب واحد للتربية في البيت فالتوجيه السليم و الثقافة المتزنة لدى الوالدين تتيح الفرصة للطفل ليعبر عن قلقه و مخاوفه وإحباطا ته في جو عائلي دافئ مليء بالمحبة وبالتالي تشجّعه على إقامة علاقات طيبة و طبيعية مع الآخرين و التحدث معهم و طلب الجواب منهم و مداعبتهم والتسامح معهم.

البيئة والوراثة والخجل
لا شك في أن العائلة هي الأساس الذي يكون له الدور الكبير في تكوين الشخصية ,لكننا لا يجوز أن نغفل دور البيئة التي يترعرع فيها الطفل (طبيعية أو اجتماعية) وكذلك دور الخصائص السيكولوجية للطفل والجدير قوله هنا انه مهما كان المزاج العصبي يجب أن لا يؤثر على الصفات الخلقية للشخصية ولا يحدد القيمة الاجتماعية للإنسان.وقد اجمع علماء النفس على أن الخجل مُكتسب وان كان ضعف الجهاز العصبي سبباً للخجل لكن بالتربية السليمة يمكن تنشيط الجهاز العصبي وتقويته بالأساليب التربوية الصحيحة في الأسرة والمجتمع والخجل يتكون في سياق تطور الطفل بشكل عام اذاً الخجل ليس وراثياً.

الخجــل والحيــاء
كما قال رسول الله (ص) الحياء شعبة من الإيمان وقيل أيضا إذا لم تستح ِافعل ما شئت.
نلاحظ هنا أن الحياء صفة أخلاقية هامة تتجسد بها مجموعة من المعاني الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية الضرورية.
فالحياء صفة للإنسان العاقل ,والاجتماعي الذي يحترم الآخرين ويحبهم ويسعى لكسب محبتهم واحترامهم ,والحياء صفة الإنسان المؤمن الذي يخشى ربه ويعمل على كسب رضاه ,وصفة للإنسان الوطني الذي لايقبل الذل والمهانة.
فالإنسان الكريم يستحي ,والعالم يستحي ووو والذي يستحي يحاول دائماً أن يكون ايجابياً فيحب ولا يكره ,ويقدم ولا يحجم.
ساترك لك أخي القارئ التفريق بين الخجل والحياء ومدى العلاقة بينهما ولكن اسمح لي أن أقول بان الخجل سلبي والحياء ايجابي ولا أزيد.

المراجع: أبناؤنا الطفل الخجول لينا تقلا دراسات مختلفة في علم النفس والشخصية

سليمان فواز الكفيري- باحث - إجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الفلسفة وعلم النفس/جامعة دمشق- sliman_fkf@yahoo.com


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon