الجانحة.. عضو جديد في المجتمع

كان الإنسان ولا يزال أساس الحياة ومحور قيام المجتمع, ولاشك في أن ايلاء الاهتمام بشخصه وبكيانه يمثلان القاعدة الأولى في بناء المجتمع وتطوره وتنميته.. ولما كان أساس هذا الاهتمام يكمن في رعاية الإنسان منذ السنوات الأولى لطفولته وصولاًًًًًً إلى سن المراهقة, من ثم إلى سن النضج والرشد. وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى عناية خاصة.

 ولعل مرحلة المراهقة والتي نطلق عليها اصطلاحاً سن القصر من أهم مراحل عمر الإنسان على الإطلاق, وذلك ناحية الرعاية والإرشاد – ويعود ذلك لاعتبارات عديدة منها:
أنها تعتبر نهاية مرحلة الطفولة ومرحلة وسط قبل الوصول إلى سن النضج، ومن هذا المنطلق الأساس, فإن للتغيرات الفيزيولوجية والنفسية, التي تطرأ على المراهق في هذه المرحلة, دور هام في إبراز نواحي متعددة من شخصيته, ربما تبدو غريبة في مجتمعه. إلا أنها في الواقع مرحلة طبيعية، فمرحلة المراهقة ترتبط بعدم تركيز والتشتت في اتخاذ القرارات ومحاولة إثبات الذات وابراز الشخصية المستقلة –فالمراهق يعتبر نفسه إنسان مستقل قادر على شق طريقه ورسم مستقبله, وهذا الأمر من حيث المبدأ لا يقلق, إلا أن حساسية المراهق في هذه الفترة تجعله ينفر من أي توجيه أو إسداء لنصيحة وهو ما قد ينجم عنه في كثير الأسر –مشاكل بين الأهل والمراهق. أضف إلى ذلك فإن مرحلة المراهقة ترتبط برغبة المراهق في الاطلاع على العالم واتخاذ أصدقاء بوسائل وطرق شتى. إلا أن هذه المرحلة قد لا تنتهي دائماً بنهايات سليمة, فالمجتمع المحيط بهذا المراهق- إن لم يكن البيت نفسه – يحمل جملة من التهديدات التي تؤثر عليه سلباً. وقد ينتهي به الأمر إلى الانحراف وبصورة خطيرة عن خط السوي المرسوم له.
ولعل أبرز هذه التهديدات تعرض القاصرات للتحرش, أثناء خروجهن من المنزل للدراسة أو العمل, وغالباً ما ينتهي الأمر – والذي يبدأ بالتوود والكلام المعسول – إلى أقسام الشرطة ومن ثم معهد الرعاية الاجتماعية وهذه النتيجة تحمل كارثة لهذه القاصرة فتدمر مستقبلها, وقد تنتهي حياتها على يد الأهل..
ولدى البحث والتقصي في معهد الرعاية الاجتماعية والملفات المتعلقة بالقاصرات الجانحات نجد أن الأفعال المرتكبة تنطوي تحت أفعال الدعارة السرية, أو الزواج العرفي, أو التشرد والتسول بينما نجد حالات السرقة والضرب أو جرائم القتل في مراتب أقل.
ولدى التحدث إلى مجموعة الفتيات النزيلات في المعهد, وجدت بأن معظم من وصلن إلى هذا المعهد, بجرم الدعارة ينتمين إلى بيئة مستهترة أو أسر مفككة غاب فيها أحد الوالدين نتيجة الطلاق أو الوفاة وقد لا يكون في هذا الكلام جديد فالمؤلفات المتعددة في مجال حماية الأحداث تكاد تكون كافية للبحث في أسباب انحراف الفتيات, إلا أن الحلول ما تزال قاصرة عن معالجة هذا الانحراف.
فالحدث ليس مجرماًًًً بالولادة وإنما هو نتيجة ظروفه الاجتماعية والاقتصادية, وإذا كنا لا نؤمن بضرورة إعادة هذا الجانح إلى الطريق السوية فإن ذلك يؤدي إلى تدميره.
ولابد من الوقوف عند جملة من المعطيات تساهم إلى حد كبير في إيجاد حلول ناجحة, مع الإشارة إلى أن هذه الحلول يجب أن تطبق بطريقة فعالة بحيث نخرج بهذا الجانح من أزمته, لنعيده عنصراً فعالاً في مجتمعه.
بداية لابد من الوقوف عند لمحة سريعة عن واقع الحياة المعاصرة, ومن ثم نبحث في هذه المشكلة التي تتفاقم بشكل سريع.
أولاً- القاصر والحياة المعاصرة:
لاشك بأن ثورة العلم وتطور وسائل الاتصالات حمل, فيما حمله, الكثير من التمدن وتطور الحياة وهو ما ينطوي على خطوات إيجابية ساهت في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد, إلا أن هذه الصورة الإيجابية ليست الجانب الوحيد لهذا التطور, بل هنالك تهديدات خطيرة كادت أن تلغي هذه الصورة الإيجابية.
وبداية لابد من الحديث عن تطور وسائل الاتصال المرئي والمسموع (الراديو والتلفزيون), لاشك بأن المحطات في البداية كادت أن تقتصر على القناة السورية الأرضية, هذه القناة جعلت من البرامج الهادفة والتربوية, ضمن الإمكانات المتاحة, وسائل للاطلاع. إلا أنها, وبظهور الستالايت, لم تعد المنفذ الوحيد للإطلاع على العالم, فهناك المئات من القنوات العربية والأجنبية, والتي لا تقتصر فقط على عروض الأزياء والأغاني الحديثة, بل تعدتها إلى القنوات الجنسية التي تعرض وسائل الإثارة وتقدم المعلومات الجنسية وبصورة تخرج عن القيم الاجتماعية والسماوية, وإذ كان لهذه القنوات تأثير سيئ على العلاقة الحميمة بين الزوجين, فكيف بها حيال شخص القاصر وخياله الجامح والذي يصور له هذه الأمور على أنها قمة الوصول إلى أبرز معالم الأنوثة أو الرجولة, إضافة إلى سهولة استدراجه إلى سبل الخطيئة بحيث يتحول من فرد ما كاد يودع حياة الطفولة حتى يتحول إلى وسيلة إشباع الرغبات الجنسية والمادية للغير.
وبالمقابل فإن وسائل الاتصال الحديثة والتي تمثلت بالموبايل, والخدمات التي يقدمها -كالبلوتث- ساهمت إلى حد كبير في ظهور أنماط فريدة من العلاقات بين الفتيات والفتيان- وبأي سن كانوا-هذه العلاقات غالباً ما تنتهي بكارثة اجتماعية وأخلاقية, وهو ما نجد له أمثلة واضحة من خلال الإطلاع على الحالات الموجودة في معهد الفتيات.
كما أن سهولة الاتصال أدى إلى غياب رقابة الأهل.. فلم تعد الفتاة بحاجة لانشغال الأهل عن الهاتف, مادام الموبايل قادر على منحها الحرية المطلقة في الحديث.
ويأتي الانترنيت وسيلة للاتصال والإطلاع على العالم بأسره, ولاشك بأن غياب الرقابة وانعدام السيطرة على المعلومات التي يطلع عليه المراهق سيشكل كارثة أخرى فيما لو دخل إلى مواقع جنسية ونهل منا معلومات تقدم إليه بغية جذب أكبر عدد من المشتركين, إضافة إلى استغلال المراهق في ممارسة الدعارة, وإطلاعه على وسائل الإثارة الممكنة (العادة السرية, اللواطة والسحاق).
وبهذا فإن وسائل التقدم التي حلت الكثير من مشاكل البحث والإطلاع قد تتحول إلى وسائل تدمير لحياة الأسر والأفراد.

ثانياً-أسباب انحراف الفتيات:
إن العرض السابق لواقع الحياة المعاصرة يوضح بجلاء الأسباب التي تصنع من المراهق حدثاً جانحاً.. ويمكن إجمال هذه الأسباب بما يلي:
1- البيئة الأسرية للحدث: تعتبر الأسرة نواة الخلية الاجتماعية, وصلاح هذا الكيان الاجتماعي أو فساده ينعكس وبصورة مباشرة على المجتمع, ومن الملاحظ بأن لغياب دور الأهل في حياة المراهق أثر كبير. فالأسر المتفككة وتلك التي تعاني من مشاكل متكررة بين الأب والأم, هي بيئة مناسبة لنمو غير سليم وصحي لأفرادها, بحيث إن الأولاد يكبرون على المنغصات اليومية بين الأبوين. هذا إذا لم يلجأ أحدهما للتشفي من الآخر بالأولاد أنفسهم, كحالة تلك الفتاة, والتي أطلعت على قصتها, التي زوجها والدها رغبة منه في التشفي من الأم, لتجد المسكينة نفسها فريسة مروج للدعارة وانتهى بها الحال لتعمل مومساً.. بالمقابل فإن استقرار الحالة الأسرية ليس كافياً, فغياب دور الأب أو الأم في حياة أولادهم وانعدام الثقة بين الآباء والأبناء, يؤدي إلى نتائج قريبة من تلك التي نجدها في حالات الأسر المفككة. فالكثير من العائلات لاتزال بعيدة كل البعد عن حياة أبنائها في هذه المرحلة الخطيرة من العمر, لا بل إن الأهل يتذمرون من تصرفات المراهق متناسين أنه يعيش مرحلة طبيعية وفق المفهوم السلوكي والمعرفي والتطورات الفيزيولوجية التي تطرأ عليه.
فلابد من تعامل الأهل مع المراهق تعامل الأصدقاء وتشجيعه على إخبارهم بكل ما يتعرض له, وهذا الأمر غاية في الأهمية بالنسبة للفتيات, بحيث تخبر أهلها عن أي تحرش أو موقف بدل أن تخاف من أخبارهم كي لا تتهم بأنها مذنبة. وٌرب مثال يحضرني صورة تلك الفتاة البريئة التي تعرضت لتحرش أحد الشبان فقررت الذهاب معه إلى بيت أهله لتتحدث إلى أمه وتخبرها بأنها لا تحبه وأنها تخشى أن يعرف أهلها بالأمر, فكانت النتيجة أنه وقعت ضحية الاغتصاب بعد أن اعتدى عليها بالضرب.
 كما أن لحالات الانحراف الموجودة في الأسرة دور كبير في انحراف
 الأولاد, فمن يجد نفسه في بيت لا يقدم له إلا الأمثلة السيئة, لن يكون إلا صورة
 طبق الأصل عن بيئته, فأي صورة رائعة لأم تتسول أو تسرق أمام
 ابنتها, والتي ستسير بنفس الطريق, وذلك بغياب دور المجتمع في مد يد
 المساعدة وإنقاذ هذه المراهقة..
 أضف إلى ذلك, يأتي العنف ليشكل سبب آخر من أسباب الانحراف, وقد اطلعت
 على العديد من الحالات, إن لم يكن أغلبها, تعود في أساسها إلى العنف بشكليه:
 -العنف الجسدي والمتمثل بالضرب المبرح (والذي قد تستخدم فيه السلاسل
 الحديدية), والمشكلة الأكبر تكمن في تشجيع الأهل للأخ أو حثه على القيام
 بتربية أخته.
 العنف النفسي والمتمثل بالشتم والإهانات المتكررة, بسبب أو بدون سبب,
 والتضييق على الفتاة ومنعها من الخروج من المنزل, وقد لا يكون الأمر
 مقتصراً على الأهل بل قد يتدخل أحد الأقارب في منع الفتاة من التعلم أو الخروج من البيت (كحال تلك الفتاة التي منعها الأب من الدراسة وتعلم مهنة, لأن مكان الفتاة هو البيت, فكانت النتيجة وقوعها في الخطأ).. وفي الواقع, ومع تأييدنا لحق الأهل في التربية لا بل وواجبهم بذلك, إلا أن هذا الواجب لا يعني بأي حال من الأحوال التسلط والقهر, كما أن سلطة الأخ على أخته يجب أن تضبط داخل الأسرة, ودوره يكمن في المساهمة في بناء امرأة ناضجة لا سحق شخصيتها وتشويه نفسها.
ولاشك بأن المعاملة القاسية للفتاة داخل أسرتها ستودي بها إلى البحث عن متنفس تشعر فيه بنفسها ووجودها, وهو ما يعني اللجوء إلى صديقة أو شاب تفضي إليه بهمومها ومشاكلها, وهنا, ومع اعتبار, قلة خبرتها ووعيها الناجمان عن صغر سنها, قد تقع في الكثير من الأحيان في الخطأ, ودون إدراك منها لما تفعله, فالكثيرين مستعدون لاستغلالها..
والعنف الممارس على الفتاة قد لا يكون فقط نتيجة العادات والتقاليد السائدة, وإنما قد يرجع إلى رغبة الأهل أنفسهم في استغلالها من خلال دفعها إلى الشارع للتسول, أو للعمل بالدعارة.. والمؤلم فعلاً هو تفشي ظاهرة زواج القاصرات من أشخاص ليسوا بكفء لهن, ومن ثم يعمد الزوج إلى إجبار الزوجة الصغيرة على ممارسة الدعارة وفي حال رفضها يعمد إلى الضرب والإهانة وأحيانا الترغيب كي توافق على ما يريده, ولشد ما أثار دهشتي هو رواية تلك اليتيمة التي كان زوجها, ولا معيل لها سواه, يضربها ويسكب الماء البارد على جسدها في حال رفضها العمل, وبالمقابل فإنه يقدم لها ما تشتهيه من طعام مكافأة لها على المبلغ الذي دفع فيها.
وتأتي الحالة الاقتصادية للأسرة لتشكل بدورها عاملاً من عوامل الانحراف, وبخاصة وأن الفتاة قد تتحول إلى مصدر للكسب, ليس بإتقانها مهنة, وإنما بخروجها إلى الشارع لتعمل متسولة, ولتتقن من الشارع الكثير من أسباب الانحراف, وكيف لا والأخلاق التي يجب أن تتعلمها, تتمثل باللجوء إلى الكذب والخداع للحصول على المال. وقد يتعدى ذلك إلى السرقة, أو الانحراف الجنسي. فالشارع ليس المكان الملائم لتحيا فيه نهاراً بأكمله تجوبه بحثاً عمن يعطيها المال..
2- الأصدقاء: يتجه المراهق, باعتباره كائناً اجتماعي بفطرته, إلى إقامة علاقات صداقة يعبر فيها عن استقلاليته, وهو بكافة الأحوال, سيتأثر بهم ويؤثر بهم, ولاشك بأن كل منهم يحمل معه ما تعلمه من أسرته وهو سيفرغ هذا الإرث عند أقرانه, وسيأخذ منهم بالمقابل, وهذا ما قد يترتب عليه تلقي معلومات وخبرات تشوه سلوك المراهق وتراجع دراسته, والأمر لا يقتصر على صداقات الدراسة بل ويتعداه الأمر إلى صداقات العمل, وذلك من خلال المهن التي تقدم بعض الفتيات على تعلمها, وقبل وضع المراهقة في علاقات مباشرة مع المجتمع لابد من التركيز على توعيتها وتوضيح النمط السليم الذي يجب عليها سلوكه, وهو ما توفره لها الأسرة والمدرسة.
3- العوامل والتغيرات التي ترافق سن المراهقة: في الواقع, وبالرغم من كل ما قيل عن أسباب الانحراف عند المراهقين, إلا أن للعوامل الفيزيولوجية التي تطرأ على كيانه الجسدي والنفسي دور كبير في ذلك, إذا ما أخذنا بعين الاعتبار صغر السن وضعف التجربة, فهذه التغيرات تجعل المراهق أقرب ما يكون إلى الإنسان الناضج جسدياّ, وفي سبيل تحقيق هذا الكمال, فإنه يقدم على الخوض في مسائل ومعلومات تتعلق بالعاطفة والجنس وفي معظم الحالات فإنه يتلقى الأجوبة الخطأ, وفي ظل غياب الأسرة أو عدم الاهتمام بشخصه, فإن المراهق سيقفز فجأة من طور الطفولة إلى النضج المبكر, ولكن بصورة خاطئة.
إضافة إلى ذلك فإن صغر السن وعدم النضوج يساهمان في إمكانية استغلال المراهق, واستدراجه إلى الجريمة.
ولابد من الإشارة إلى نتيجة هامة تكمن في أن الجانح وليد ظروف معينة تساهم في انحرافه وضياعه.. ومن استقراء قانون الأحداث السوري فإنه, ومن الناحية النظرية, ينظر إلى الحدث على أنه ضحية تحتاج إلى الأخذ بيدها وإعادة تأهيلها.

ثالثاً- الواقع العملي للتعامل مع الفتيات الجانحات:
من الإطلاع على الواقع التطبيقي لقانون الأحداث الجانحين, نجد بأن هذه القواعد نظرية لا تطبق بالحد الأدنى, ولاشك بأن المسؤولية عن ذلك هي مسؤولية مشتركة بين المجتمع الذي ينظر إلى الفتاة على أنها مجرمة أو كاذبة أو منحرفة, وبين القيمين على الأمر الذين حالهم كحال المجتمع.. يرون في الفتاة مجرمة أكثر منها ضحية.
وفي الواقع فإن رعاية الحدث تقع ضمن اختصاص كل من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل ووزارة الداخلية..
1- دور وزارة العدل: لاشك بأن على القاضي مسؤوليات كبيرة, والتعامل مع الأحداث, وبشكل خاص, يحتاج إلى طبيعة تعامل خاصة, فهو أمام مراهق يكذب كما يكذب أي مراهق آخر وفي أي مكان, وأمام مراهق دفعت به ظروف, لا علاقة له بها, إلى سلوك سبيل الانحراف, وهو ومن الناحية الشرعية والقانونية لا يتمتع بأهلية كاملة لتحمل تبعات أفعاله..
 والتعامل مع الأحداث, وبخاصة الفتيات, يحتاج إلى صبر ومرونة كبيرين,
 وهو ما يدعونا إلى تبني بعض المقترحات التي تساهم في التعامل مع
 الأحداث:
 - إيجاد دورات خاصة بقضاة الأحداث, أو إحداث تخصص في قضاء
 الأحداث في المعهد القضائي, حيث إن قضايا الأحداث تتطلب منه عملاً
 وجهداً إضافيان..
 فالقاضي هنا ليس رجل قانون فقط وإنما هو خبير اجتماعي ويجب أن يساهم
 في عملية إعادة تأهيل الفتاة من جديد.. وهي مهمة لا يصعب القيام بها.
- لا بد من إعطاء الفتاة فرصة مناسبة لإعادة تأهيلها, وبهذا يتوجب على القاضي الامتناع عن تحديد مدة معينة لبقاء الفتاة في المعهد, وحبذا لو ترك تقدير الأمر لحين وصول دراسة متكاملة – اجتماعياً وسلوكياً –من معهد الرعاية, ليتم تحديد الفترة اللازمة لبقاء الفتاة في المعهد إضافة إلى دراسة وضع الأسر وعدم تسليم الفتاة لأهلها أو إخلاء سبيلها ما لم يتأكد, ومن خلال التقارير, من أن بيئتها جاهزة لاستقبالها وفي الحالات التي يكون سبب انحراف الفتاة عائد إلى سلوك الأسرة يفضل بقائها في المعهد فترة كافية لإعادة تأهليها ومن ثم البحث عن وصي يتمتع بسلوك جيد يمكن أن يشرف على الفتاة وإلا سنكون قد أعدناها إلى بؤرة الفساد نفسها.
- تخصيص أماكن توقيف ملائمة للجانحات, تتناسب مع أعمارهن والتعامل معهن بصورة إيجابية ريثما يتم الإفراج عنهن أو الإحالة إلى معهد الرعاية.
- تعين عدد من المحامين لمتابعة الأمور القانونية المتعلقة بالفتيات, ودراسة المشاكل القانونية التي تعاني منها كل فتاة, وإيجاد الحل القانوني المناسب لها بغية القضاء على أي عامل من عوامل الضياع, ( ( تثبيت الزواج السري والتعاون مع القضاة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإيجاد حلول قانونية للفتيات اللواتي لا أهل لهن ) ) وبذلك يكون للعمل القضائي دور كبير في إعادة تأهيل الفتاة الجانحة
2- وزارة التربية:
 يأتي دور وزارة التربية كعامل وقائي من الانحراف وذلك من خلال تعين أخصائيين سلوكيين وتعينهم في المدارس, وهو ما طبقته وزارة التربية فعلاً إلا أن التطبيق العملي, يثبت أن هذه العملية شكلية فقط ونرى بأنه من الممكن تحديد السلوك المنحرف لدى أية فتاة من خلال مستواها العلمي وسلوكها في المدرسة ويأتي دور المرشد السلوكية هنا. كعامل وقاية من خلال تحاورها مع الفتاة وكسب ثقتها للإطلاع على ظروفها ومشاكلها.
ونرى بأن تخصيص حصص دراسية للمرشدات للتحاور مع الفتيات أمر له فائدة كبيرة, وذلك من خلال توعية الفتيات وإطلاعهن على المسائل التي تتعرض لها إحداهن خارج أو داخل المنزل وكيفية التوصل إلى حلول مناسبة.
3- وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل:
 تعتبر هذه الوزارة صاحبة الاختصاص الأصيل في متابعة الفتيات الجانحات وذلك من خلال إشرافها على معاهد الرعاية الاجتماعية, ويدخل ضمن نطاق هذا الأشراف. تعين المشرفات والأخصائيات ومدرسات المهن والحرف اللازمة لمتابعة الفتاة منذ دخولها إلى المعهد حتى بعد خروجها منه ومن المفترض أن دار الرعاية الاجتماعية تعيد تأهيل الفتاة من الناحية النفسية والسلوكية ومن ثم تساهم في تأهيلها مهنياً أو تعلمها بحيث تعود إلى المجتمع فتاة جديدة قادرة على شق طريق أخرى في الحياة بعيداً عن الانحراف والضياع.. هذا مع التركيز على الدور الكبير الذي تقوم به دار الرعاية إلى جانب قضاة الأحداث عبر المشاركة في جلسات دعاوى الأحداث, وإعداد التقارير عن وضع الفتاة بعد تسليمها إلى المعهد.. ولا شك بأن هذه التقارير تضع أمام القاضي صورة واضحة تماماً للآلية التي يتم من خلالها التعامل مع الفتاة والنتائج المترتبة على ذلك.
 إلا أن الواقع العلمي لعمل دور الرعاية يوضح وبجلاء, تقصير هذه الدور في متابعة الفتاة وفق القواعد القانونية التي يقوم عليها قانون الأحداث, ولابد من الإشارة بداية إلى أن التقصير لا يعود إلى إدارة المعهد فقط وإنما تتحمل وزارة العمل جزء كبير منه, فوجود حوالي العشرين فتاة في معهد الرعاية ولفترات طويلة نسبياً –بحد ذاته يثير مشاكل جمة بسبب الخلافات والمشاكل التي قد تنشب بينهن, ومن خلال إطلاعي على الكيفية التي يتم من خلالها التعامل مع الفتيات, فإن النتيجة التي يمكن التوصل إليها: هي أن كل فتاة تعتبر المعهد عباً ملقى على عاتقها وتنتظر بفارغ الصبر الخروج منه إذ أن الفتاة لا تتقدم إلى الأمام وإنما تتراجع بصورة ملفتة للنظر, فالكثيرات منهن جئن إلى المعهد بجرم تسول أو تغيب عن المنزل لأكثر من مرة, ومن ثم انتقلت من التشرد أو التغيب إلى مشاكل الزواج السري أو الدعارة أو العمل في الملاهي الليلية والسؤال المطروح هنا: هل المعهد سجن توضع فيه الفتاة فترة من الزمن لتخرج كما كانت لا بل وبصورة أسوء فما هي عليه ؟ فإما أن نعترف به سجناً خاصاً للفتيات الجانحات, وبالتالي تعامل الفتاة الجانحة معاملة أية سجينة أخرى ولا حاجة لإجراءات خاصة بمحاكمة الجانحات.
 وإما أن نقر بأن الجانحة قاصر, إرادتها وتفكيرها محدودان بعمرها الزمني ونضوجها الفكري, وبالتالي فإن وظيفة المعهد وظيفة تربوية تأهيلية وبخاصة وأن القانون السوري اعتبر تسليم الحدث إلى معهد الرعاية بمثابة تدبير رعاية الغاية منه الاهتمام بشخص الحدث وبظروفه
 فأما الوظيفة التربوية للمعهد: تكمن في دوره الفعال والمفترض في زرع المبادئ والقيم الاجتماعية والإنسانية في ذات الفتاة أو تأصيل هذه المبادئ بحيث تصبح المبدأ والأساس, سيما وأن الكثير من هذه المبادئ قد انهارت عندها, ودون أن يكون لإرادتها دور في ذلك, هذا إذا لم تكن هذه المبادئ غريبة تماما عنها. ومن جهة أخرى وحسب ما أطلعت عليه –فإن الكثير من العادات السلبية متفشية بكثرة عند الفتيات كالغيبية وإفشاء الأسرار والتنصت, ودون أن تشعر أي منهن بأنها تقترف ذنباً أخلاقياً
 كما إن غرس مشاعر العطف والحنان والتعاون والإيثار في نفس الفتاة أمر ضروري كي تشعر بأنها تحيا ضمن أسرة متكاملة وبلا شك فإن ما غرس فيها من مبادئ سينتقل معها إلى حياتها الجديدة
 ومن الملاحظ أن هذا الدور التربوي مفقود تماماً في معاهد الرعاية وبغية تحقيق صورة أفضل للرعاية, لابد من اعتماد مبدأ الفصل بين الفتيات –وعلى صعوبة هذا الأمر في بعض الأحيان إلا انه ليس بالمستحيل, بحيث يتم الفصل على أساس الفعل المقترف, فتوضع المتسولات والمتشردات ضمن مجموعة أخرى ولأن كل منهن تحتاج لعناية خاصة بها, ففي الحالة الأولى تحتاج الفتاة إلى ترسيخ مبادئ معينة (تنمية الشعور بالمسئولية, الحنان والتوجيه التربوي) أما في الحالة الثانية فالفتاة بحاجة إلى ترسيخ مبادئ أخلاقية ودينية. بحيث تعي أن ما فعلته هو جرمُ بحق ذاتها, وتوضيح العواقب السيئة المترتبة على سلوك هذا الطريق (الإصابة بالزهري أو الإيدز) وبخاصة إذا ما لاحظنا بأنها لم تخط هذا الطريق بنفسها إنما دفعت إليه مجبرة, والكثيرات تعرضن للضرب المبرح والإهانة نتيجة لرفضهن بداية سلوك هذا الطريق, لا بل تعرضن للإهانة وضرب من الرجال الذين يستقبلوهن في الشقق المفروشة, أمام هذا الوضع المهين والمشين.. ألا يجب أن تكون طرق التعامل مع الفتاة – في هذه الحالة – طرق خاصة تحتاج إلى مرونة وصبر, فقد أخبرتني أكثر من فتاة بأن ما مر معها وهن في سن الخامسة عشر والسابعة عشر لم يمر على أحد من قبل. ومن الملاحظ بأن الفتاة لا تقبل, في حالات الدعارة, تسديد النصائح وإلقاء المواعظ بطرق مثالية, بل هي بحاجة إلى حوار هادئ وتفاهم, دون أن تشعر بأنها منبوذة يتم توجيه الأسئلة لها لتجيب عنها فقط. إضافة إلى توعية الفتاة بخطورة عواقب الفعل, وتوضيح النتيجة التي سوف تصل إليها (كأن يشرح لعدد منهن بان من أجبرهن على الدعارة سيلقي بهن بالشارع متى تجاوزت سناً معينة لأنها بنظره لم تعد مصدر للمال بل عبء عليه)
 لاشك بان الدور التربوي للمعهد يحتاج إلى أخصائيات متمرسات ويتقن التعامل مع الفتيات, ومن المفضل أن تقوم وزارة الشؤون بالإعلان عن مسابقة لتعين أخصائيات من خريجات كلية التربية والإرشاد النفسي وومن ثم إخضاعهن لدورات تأهيل تربوي على أيدي أخصائيين لنصل إلى نتيجة مقبولة بحيث لا يقتصر دور المرشدة على التقريع وإصدار الأوامر, وهو ما ترفضه أي فتاة مراهقة ولو كان في منزلها وفي ظروف اجتماعية عادية.
3- الدور التأهيلي: تكمن أهمية هذا الدور في أنه يكمل الدور التربوي, إذ أن مجرد الاهتمام بالنصائح والإرشاد لا يكفي بحد ذاته, ما لم تقضي الفتاة ساعات النهار الطويلة بممارسة نشاطات وهوايات تحبها ولابد من الإشارة إلى أن الغرف المهينة موجودة في معهد الرعاية, إلا أن المعهد يفتقر إلى الكادر المتخصص ووهو ما يجعل من الدور التأهيلي كلام نظري لا يمت إلى الحقيقة بصلة, كما إن ممارسة الرياضة والأعمال المهنية (كالخياطة, الأعمال اليدوية) تعتبر من الأنشطة الهامة لتأهيل الفتاة, ونشدد هنا على ضرورة تعيين عدد من المدرسات لتعليم الفتيات حرف ومهن معينة, وهو ما يحقق هدفين اثنين: الأول يكمن في إعادة تأهيل الفتاة وتمكنها من قضاء وقتها في نشاطات مفيدة
 والثاني: توفير فرص عمل جيدة لها بعد خروجها من المعهد, بحيث إنها لن تضطر إلى التسول أو السرقة وسواها من الأفعال التي كانت سبب انحرافها
 وحقيقة فإن أية فتاة بظروف عادية وضمن منزلها تحتاج إلى ملئ وقت فراغها, والاستفادة من ساعات يومها في تعلم مهنة, وإلا فإن النتيجة ستكون تصرفات غير طبيعية تعبر فيها عن الملل. فكيف الحال بالنسبة للجانحة, ولتحقيق الفائدة القصوى من عملية التأهيل لابد من توفير فرص عمل للفتيات بعد خروجهن من المعهد وذلك عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والاتحاد العام النسائي, ونشير هنا إلى الدور الهام والفعال الذي يمكن للاتحاد النسائي أن يقوم به, وذلك من خلال الدورات التدريبية والتأهيل المهني الذي يمكن أن يقدمه للفتيات, وذلك نظراً لدوره في عملية تطوير المرأة, إضافة للاهتمام بقضايا الفتيات من خلال الندوات التي يعقدها. وحقيقة فإن الاتحاد يستطيع المساهمة في عملية إعادة تأهيل الفتاة من جديد.
 فبعد خروج الفتاة من المعهد قد تواجه أحد المصرين, إما فتاة منبوذة من المجتمع يرفض الجميع التعامل معها, وإما ينظر إليها على أنها فتاة انحراف سهلة الانقياد والاستغلال, وهو ما يقضي على عملية التأهيل التي قام بها المعهد, ويغدو الأمر مسألة نظرية بحتة, ونشدد على دور الاتحاد النسائي إلى جانب وزارة الشؤون في إمكانية إحداث مشاغل للأعمال اليدوية تستقبل الفتاة وتؤمن لها حياة كريمة
4- وزارة الداخلية:
لاشك بان عملية حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار تحتاج إلى جهاز أمني كفئ وفي مجال تأهيل الفتاة الجانحة, ترى انه يتوجب على وزارة الداخلية القيام بدور فعال في هذا المجال, وذلك من خلال تخصيص فريق عمل متخصص للأحداث, إضافة إلى زيادة أعداد عدد أفراد الشرطة في الأحياء والأماكن المكتظة, ومراقبة المحلات والمعامل, إضافة إلى ذلك لابد من التشديد على الملاهي الليلية وإصدار تعاميم صارمة بصدد تشغيل الفتيات فيها دون سن الثامنة عشر للحيلولة دون وقوعهن في شرك الخطأ والانغماس في حياة الرذيلة, ودون ذلك فإن هذه الملاهي ستتحول إلى أماكن جذب للقاصرات بغية استغلالهن بأبشع الصور, وتعريضهن لمواقف ومشاكل عديدة (السهر, المشاجرات) إضافة إلى إدمان الكحول.
مراقبة الشقق المفروشة التي يقطنها غرباء, لأنه ومع تشجيعنا للسياحة واستقبالنا للأشقاء العرب, إلا أنه لا يجوز أن نتساهل في مواجهة الدعارة السرية والتي غالباً ما تكون الفتاة فيها قاصر, قد سمعت الكثير مما روته الفتيات عن طرق التعامل معهن والضرب الذي تتعرض له إحداهن إذا رفضت مسايرة الرجل.
لاشك بأن المقترحات التي وضعناها ليست ضرباً من الخيال وليست صعبة التحقيق إذا ما توفرت النية الصادقة للتعامل مع موضوع الفتيات الجانحات ولعل أهم وسائل تحقيقها يكمن في إخضاعها للأشراف بين وزارة الشؤون الاجتماعية والاتحاد العام النسائي, سيما وأن الأخير قادر على القيام بنشاطات متعددة وبمتابعة أمور الفتيات ومشاكلهن, أثناء وجودهن في المعهد أو بعد الخروج منه, كما أنه قادر على التواصل مع أسرة الفتاة ومحاولة التوصل إلى صيغة التفاهم حول آلية التعامل مع الفتاة فيما بعد.
وفي ذلك كله خير مجتمعنا ولفتاتنا السورية التي كانت وما تزال قادرة على العطاء وبناء مجتمعها.

مراجع البحث:
1- د محمد الفاضل- الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية- دمشق- 1965.
2- د محمد الفاضل- إصلاح الأحداث الجانحين- مجلة القانون- السنة السادسة- العدادان الخامس والسادس.
3- د حسن الجوخدار- قانون الأحداث الجانحين - دمشق- ط6- 1988.
4- أ. رياض الميداني- محاكم الأحداث- - مجلة القانون- السنة الخامسة- العدد الثاني.

د. كنده الشماط: أستاذة في كلية الحقوق


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon