أولويات المرأة السورية.. عود على بدء!

محطات كثيرة مرت بها قضية المرأة في سورية، شأنها شأن مثيلاتها في الوطن العربي، تأثرت وأثرت حيناً بمجمل المناخات التي أرخت بظلالها على المجتمع السوري، فرسمت متغيرات أو شبهها، فما هي أولويات المرأة السورية في المرحلة الحالية؟ وهل اختلفت الرؤية لأولوياتها اليوم عنها قبل قرن وربع من الزمن؟ وما هي التحديات التي تعترض تحقيق تغيير فعلي في مسار هذه الأولويات؟

أسئلة تصدت للإجابة عنها الأستاذة نوال يازجي عضو رابطة النساء السوريات في ندوة عُقدت في مقر المنتدى الاجتماعي بدمشق، بتاريخ 12/2/2007 ، حضرها عدد من المهتمين.
في محاضرتها طرحت الأستاذة نوال اليازجي جملة من الأفكار التي عادت فيها إلى قرن وربع من زمن تستقصي عن أولويات النساء السوريات كما حُددت خلال تلك السنوات وصولاً إلى المرحلة الحالية، موردة مقتطفات مما كُتب عن حقوق المرأة أواخر القرن التاسع عشر بهدف "الرد مسبقاً، على من يصدّون (هجماتنا) المعاصرة بمزاعم تعزي أفكارنا وتطلعاتنا إلى التأثر بما لا أدري من شرق وغرب، واستيرادها من هنا وهناك, رغم أننا لا ننكر على البشرية كل شكل من أشكال التفاعل الحضاري بعيداً عن الاستيراد والتقليد وما شابه من النعوت".
ولخصت يازجي أولويات النساء في سورية قبل قرن وربع من الزمن بالتعليم والعمل واكتساب المعارف والمساواة في الأسرة والمجتمع، وإشراك الناس في قضايا الوطن انطلاقاً من المساواة بين أفراد النوع الإنساني.
ثم انتقلت للحديث عن فترة النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وأولويات النساء في تلك الحقبة موردة وثيقة للحزب الشيوعي، وعرضت ما جاء في دستور حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وضع بعد الاستقلال فيما يخص المرأة، وتطرقت إلى ما جاء في الدستور السوري من تأكيد على المساواة الكاملة بين المواطنين وذلك في المواد 52 ـ 62ـ 72 وفي المادة 44 التي تنص على حماية الدولة للأسرة والمادة 45 الخاصة بالمرأة.

الاستراتيجية الوطنية وحقوق المرأة القانونية
استعرضت يازجي ما أتت عليه وثيقتان من بين الوثائق التي صدرت عقب عقد مؤتمر بكين 1995، هما الاستراتيجية الوطنية للمرأة  بين 1997 _ 2005، و الخطة الخمسية العاشرة 2006 ـ 2010. فكانت الاستراتيجية الوطنية للمرأة (1997-2005) أول وثيقة حكومية رسمية بدأت بمعالجة مسألة حقوق المرأة القانونية، حيث رأت الوثيقة أن هناك فجوة قائمة ما بين نصوص التشريعات والأنظمة والقوانين والتطبيق العملي، وطالبت بسدها، واقترحت إجراءات لذلك، كذلك ذكرت الوثيقة أن هناك مجموعة من القوانين والتشريعات التي ما زالت تتضمن نصوصاً تحدّ من حقوق المرأة وتمس قضايا مركزية ومؤثرة بالنسبة لمواطنية المرأة وحقوقها المدنية والشخصية في الأسرة والمجتمع، واقترحت تعديلاً لهذه القوانين وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وغيرها من القوانين التي تنطوي موادها على تمييز ضد المرأة.
وتحدثت يازجي عما أتت عليه الوثيقة فيما يتعلق بمسألة إزالة أشكال العنف ضد المرأة، ورأت أن الاستراتيجية وضعت صيغة قاصرة لحماية المرأة من العنف، حيث طالبت  الوثيقة بـ"دعم وتعزيز النصوص الصارمة التي يتضمنها قانون العقوبات حيال حالات العنف ضد المرأة" و"مساعدة النساء اللواتي يتعرضن له".

الخطة الخمسية العاشرة وتمكين المرأة
في حديثها عن الفصل الخاص بتمكين المرأة الذي أفردته الخطة الخمسية العاشرة أشارت اليازجي إلى حصول تقدم نوعي في فهم الدولة لمسألة المرأة وكيفية النهوض بها ومعالجة قضاياها، بحيث انتقل الطرح لقضاياها من معنى الرعاية الاجتماعية إلى معنى الحقوق، ورأت أن ثمة مؤشر إيجابي في الخطة فيما يتعلق بتأكيد اعتماد النهج التشاركي مع المجتمع الأهلي والمنظمات النسائية غير الحكومية والقطاع الخاص، من أجل تنفيذ سياسة تعمل على إدماج المرأة في عملية التنمية. وعرضت يازجي ما حددته الخطة من تحديات ومشكلات تعيق تقدم المرأة وما تعانيه المرأة من أنواع العنف الاجتماعي والعنف الأسري الذي تراه  أشد خطورة من الأول.

مفارقة... والأرقام خير برهان
بالرغم من التقدم الذي حققت المرأة السورية على مختلف الصعد. وزيادة مساهمتها في حياة البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بعد أن اتخذت الدولة عدداً هاماً من الإجراءات والتشريعات لإلغاء أشكال التمييز ضد المرأة في قوانين التعليم والتحصيل المعرفي والعمل والصحة والتأمينات الاجتماعية والمشاركة السياسية وقد ترافق ذلك بارتفاع الوعي المجتمعي تجاه مسألة المرأة وأهمية إدماجها في عملية التنمية المستدامة. ولدى الحكومة السورية رؤية مناسبة لتحسين أوضاعها ودورها، كما أشارت يازجي. إلا أن الأرقام والبيانات التي تبين حجم مشاركة المرأة وإدماجها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية (يمكنكم الإطلاع على الأرقام في نص المحاضرة..) مازالت دون المأمول وتؤشر على وجود فجوات قائمة وصعوبات تعيق إدماج المرأة في عملية التنمية المستدامة. ورأت يازجي أن "هذه الفجوات بين مواقع النساء ومواقع الرجال في مختلف القطاعات هي سيرورة تاريخية تتنامى باستمرار وتتطلب زمناً وعملاً دائباً وخاصة من قوى المجتمع المدني بما لديها من ديناميكية في الوصول إلى الفئات المستهدفة، من أجل تحسين أوضاعها وتطويرها للوصول بها إلى المساواة التامة وفقاً لمعايير النوع الاجتماعي كما ورد في الاستراتيجية الوطنية وفي الخطة الخمسية العاشرة". وأضافت "هذا الأمر يتطلب الجدية في اعتماد النهج التشاركي بين مؤسسات الدولة المعنية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني التي يتوجب على الدولة أن تستفيد من ديناميكيتها وقدراتها التعبوية".

أولويات الحركة النسائية
في ضوء تلك البيانات حددت يازجي أولى أولويات الحركة المجتمعية ومن ضمنها النساء وهي: استكمال إدماج المرأة في التنمية الشاملة، سد الفجوات بين الرجال والنساء في مختلف المواقع، محو الأمية، معالجة الفقر مع إعطاء أهمية لمشكلة الفقر المؤنث في الريف والمدينة، النهوض بالمرأة الريفية وحل مشكلاتها..
وأضافت أن الحركة النسائية في سورية تعطي أهمية قصوى لتعديل القوانين لما فيها من تمييز فاضح بين الرجل والمرأة، وانطوائها على تناقض مع أبسط حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، ووقوفها كمعوقات أساسية أمام استكمال إدماج المرأة في عملية التنمية الشاملة. وتطرقت يازجي في محاضرتها إلى الحديث بشكل مستفيض عن القوانين التمييزية وخاصة قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات وقانون الجنسية، مشيرة إلى الحملات التي قامت بها جمعيات وهيئات ناشطة في المجتمع المدني لإلغاء أو تعديل بعض مواد تلك القوانين كالحملة التي قادها موقع نساء سورية ضد ما يسمى (جرائم الشرف)، والحملة الوطنية التي أطلقتها رابطة النساء السوريات لتعديل قانون الجنسية بهدف إعطاء الأم السورية الحق في منح أبنائها الجنسية. والمطالبة بتعديل قانون الحضانة التي نشطت لتعديله جمعية المبادرة الاجتماعية.

العنف ضد المرأة
وتحدثت يازجي عن مسألة العنف ضد المرأة قائلة "لم يعد ينظر إلى العنف ضد المرأة على أنه أمر شخصي وخاص بل بات ينظر إليه بوصفه مشكلة اجتماعية عامة وانتهاكاً لحقوق الإنسان" وحددت أشكال العنف الواقع على النساء كما صنفتها الحركة المجتمعية المناهضة للعنف في سورية وهو "العنف النفسي،العنف الجسدي والجنسي،  العنف الاجتماعي، والعنف القانوني".  وأشارت إلى رفع حظر الحديث عن هذه المشكلة من قبل الدولة بعد أن كان التطرق إليها خط أحمر فيما سبق "اتخذت بالأمس خطوة إيجابية لإحداث مركز لإيواء النساء المعنفات تمت الموافقة عليه لصالح جمعية تطوير دور المرأة بالتعاون مع السفارة اليابانية وهو أول مركز من نوعه تديره إحدى مؤسسات المجتمع المدني بعد المركز الذي تديره راهبات الراعي الصالح وتعدّ هذه المراكز جزءاً من محاولة معالجة نتائج العنف ولا بد من نشرها في جميع أنحاء البلاد مدناً وريفاً". وأكدت أن الأهم من ذلك إصدار تشريعات واتخاذ إجراءات رادعة لتجنب حدوث العنف قبل أن نضطر إلى معالجة نتائجه.

تكامل لا تعارض
في خلاصة الحديث عن أولويات المرأة السورية، يازجي رأت أن الأولويات والاستراتيجيات التي تضعها الحركة المجتمعية الديمقراطية والنهضوية  والتنويرية بما فيها الحركة النسائية بما يتعلق بقضايا المرأة في سورية، هي تتطابق مع الأولويات التي تضعها الدولة السورية والخلاف في ترتيب الأولويات ومنهجية المعالجة والأهم من ذلك في رؤية الدور الذي يجب أن تلعبه هيئات ومؤسسات المجتمع الأهلي، وأضافت أن حجم العمل كبير جداً، ويتطلب حالة تعبئة لجميع القوى المجتمعية والحزبية والحكومية. وأشارت في هذا السياق إلى التضييق على التنظيم المجتمعي الذي وصل مؤخراً حد إلغاء الترخيص لجمعيات ومنظمات فاعلة على الساحة السورية. والمماطلة في إعطاء التراخيص لعدد كبير من الجمعيات الأخرى التي تقدمت بطلبه إلى جانب الإجراءات التعسفية ضد البعض الآخر، وشددت على ضرورة تعديل قانون الجمعيات المعمول به منذ عام 1957 " والذي يضيق الحرية المطلوبة لحركة المجتمع ويجعل من هذه الحركة تابعاً ضعيفاً وهزيلاً للوزارة المعنية وما دام قائماً سوف يشكل باستمرار عائقاً جدياً أمام تقدم حركة المجتمع إلى الأمام".

من هو أقدر على عملية التعبئة؟!
لا شك أن التكامل بين دور الدولة وهيئات المجتمع، أمراً لا بد منه لبناء صحيح ينهض بالوطن، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك كما عبرت يازجي في مثال أوردته "مثل الحكومة كمثل من يريد بناء بيت فيأتيه جيش من المتطوعين في كل اختصاصات البناء فلا يكتفي برفضهم بل يلاحقهم بالعصا وبرغم أن البيت هو بيت هؤلاء والحكومة مكلفة من قبلهم بعملية البناء. فهل يحق لكائن من كان من هؤلاء المكلفين أن يرفع العصا في وجه أصحاب البناء الحقيقيين!"
وختمت محاضرتها  بأن ركنا التقدم هما الدولة والمجتمع, ولا يستطيعا أن يعملا منفردين, ولا يمكن لأحدهما القيام بدور الآخر. وهو أمر معروف للجميع ولا جدال فيه. ولا بد للدولة من الاستفادة إلى أقصى حد من ديناميكية المجتمع المدني الطوعي الذي يملك أذناً شديدة الحساسية  لالتقاط احتياجات مختلف قطاعات المجتمع, ولديه القدرة على تعبئة هؤلاء للدفاع عن مصالحهم وصوغ الحلول المناسبة لمشاكلهم, والذي لا يكلف الدولة , مع ذلك, قرشاً واحداً. 

مداخلات الحضور
النقاش الذي أعقب المحاضرة كان متمحوراً بصورة أو بأخرى حول مسألة التضييق على الجمعيات بما فيها رابطة النساء السوريات التي حظرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التعامل معها، وجمعية المبادرة الاجتماعية التي حلت أيضاً من قبل الجهة نفسها.

د. مية الرحبي، ركزت في مداخلتها على العنف القانوني المتمثل بقانون العقوبات، وقانون  الأحوال الشخصية،  وقالت "قانون الأحوال الشخصية ليس منزلاً من السماء فالشيخ محمد عبده أفتى بتحريم تعدد الزوجات منذ مئة عام" . وميزت د. الرحبي بين مصطلح المجتمع الأهلي ومصطلح المجتمع المدني "مصطلح المجتمع الأهلي مشتق من كلمة أهل، أما التعبير الصحيح الذي ينطبق على المجتمع في الدولة هو مصطلح المجتمع المدني، لأنه مشتق من المدينة ويستند على المواطنة، فلماذا نهرب من تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية؟". وخالفت د. الرحبي السيدة اليازجي في حديثها عن التطور النوعي الذي انطوت عليه الخطة الخمسية العاشرة "التطور هو ما يحدث على أرض الواقع، وليس في النصوص، عندها فقط أستطيع القول أن هناك تطور نوعي قد حدث".

أما الكاتبة والناشطة السيدة جورجيت عطية، فتساءلت كيف يمكن لمجتمع مكبل أن ينجز قانوناً؟ ورأت أن الديمقراطية هي شرط حاسم لأي حراك يؤدي إلى تغيير.

السيدة سوسن زكزك، رأت أنه من المؤسف أن تعود أولويات المرأة السورية في عام 2007 إلى أواخر القرن التاسع عشر وأضافت "عند التدقيق في التقدم الذي أنجز على صعيد تحصيل حقوق المرأة نجده سطحياً". وأكدت أن مسألة تحصيل حقوق المرأة مرتبطة بتحقيق الشرط العام الديمقراطي، وهي مسألة مواطنة قبل كل شيء.

أولويات المرأة السورية وقضاياها، احتاجت قرن وربع من الزمن لتخرج من مفهوم الرعاية الاجتماعية إلى مفهوم الحقوق، فهل سنحتاج إلى مدة تماثلها لتخرج التوصيات التي تخط في الاستراتيجيات، من الإطار النظري إلى الحيز العملي، فتغدو واقعاً ملموساً؟ أم أننا ذهبنا في التشاؤم بعيداً! نأمل أن يكون تشاؤمنا في غير محله.

منى سويد، صحفية، عضوة فريق عمل نساء سورية (أولويات المرأة السورية.. عود على بدء!)- mona.swied@gmail.com

خاص: "نساء سورية"

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon