الإفقار


ليس الفقر حالة طبيعية في المجتمعات الإنسانية، بل هو حالة "طارئة" عليها، هو ليس جذراً للمشكلات الاقتصادية بقدر ما هو نتيجة لها، فالفقر هو الحصيلة النهائية لذلك الخلل العميق في السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي سمحت بتوليده وإنتاجه، وبالتالي فإن ما يجب البحث عنه، والقضاء عليه، ليس الفقر، إنما "الإفقار"، أي تلك الطرائق المركبة والمعقدة، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، التي أنتجت بشراً مهمشين، ومقصيين، ومبعدين، ومرميين على هامش عملية الإنتاج، وحواف عمليات توزيع الدخل في الاقتصاد.
وعليه، فإذا كان الفقر ظاهرة اقتصادية بحتة، يمكن قياسها وتحديدها رقمياً، وإحصائياً، ويمكن رصد تطوراتها بصورة متكررة، فإن الإفقار هو ظاهرة تندرج ضمن منطق الاقتصاد السياسي، وما ينطوي عليه من عمليات اجتماعية قد يصعب تحديدها كمياً، حيث غالباً ما تعمل آليات الإفقار في الظل ومناخاته ليخرج الفقر إلى العلن كتعبير عن تلك الآليات.
اكتشف القائمون على الاقتصاد السوري أرقام الفقر، وحددوا خطوطه العليا والدنيا، ورسموا جغرافيته بدقة متناهية، وعرفوا توزعه بين الذكور والإناث، وتأثيراته عليهم، لكنهم حتى الآن لم يوضحوا لنا العوامل الحقيقية التي سببت وأنتجت هذه الظاهرة في سورية، وخاصة في ظل وجود إمكانيات اقتصادية قادرة على عدم إنتاجها أولاً، وإزالتها ثانياً، أو تخفيضها إلى أقل نسبة ممكنة، حدثونا عن الفقر، ولم يحدثونا عن الإفقار!
وأختم بقول للمفكر سمير أمين عندما قال في كتابه " الفيروس الليبرالي"، إن الخطاب الشائع اليوم عن الفقر وضرورة القضاء عليه، أو على الأقل التقليل من حجمه هو خطاب الإحسان بأسلوب القرن التاسع عشر الذي لا يتصدى للسؤال عن الآليات الاقتصادية، والاجتماعية التي تنتج الفقر في حقبة يسمح فيها التقدم العلمي والتقني المتوفر لدى البشرية في القضاء عليه نهائياً.

أيهم أسد- (الإفقار)

جريدة الوطن السورية. الأحد. 25/2/2007

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon