هدر السلطة في جامعــاتنــا!!

نعم أيها السادة... إنه الهدر المزمن للسلطة في جامعاتنا. وإذا كنتم لا تصدقون... حاولوا فقط تذكر المرات التي كانت فيها فروع الحزب الجامعية منسجمة مع الإدارات الجامعية!!!

إننا نشهد وللأسف على مدى عقود تعارض المؤسسة الحزبية( فرع حزب البعث على مستوى الجامعة) مع سلطة الإدارة الجامعية على نحو صارخ، وهذا التعارض أو الصراع لا يضعف إلا عندما تتنازل إحدى السلطتين عن صلاحياتها للأخرى، الأمر الذي يجعل جامعاتنا بنى مؤسساتية عاطلة وعاجزة عن إحراز تقدم علمي حقيقي، كان في حال بلوغه سيوفر علينا التخبط في اختيار النموذج التنموي من البلدان التي سبقتنا، علماً بأن الكثير منها قد بدأ نهضته العلمية بعدنا!!
ولا يخفى على أي حصيف أو عاقل بيننا أن تعارض سلطة المؤسسة الحزبية مع سلطة الجامعة، قد أفقر الحزب والجامعة معاً، وانتقصت استقلالية كل منهما، وضعف دور كل منهما إلى حد كبير.
وعوضاً عن أن ينتج الحزب فائضاً من السياسة، وتنتج الجامعة فائضاً من المعرفة، صار الحزب أفقر سياسياً في كوادره، وغرق في هامشيات الجامعة وكذلك باتت الجامعة أفقر معرفياً وغرقت في حواشي السياسة، وقد تجلى ذلك في درجة العجز والضحالة المعرفية والسياسية التي بلغتها قياداتنا الحزبية في مستوياتها المختلفة أثناء الهجوم على سياسة سوريا خلال الأزمة اللبنانية.
حيث لم نشهد كبعثيين ولا كأساتذة جامعات أن مسؤولاً حزبياً واحداً في قيادات الفروع الجامعية وغير الجامعية وحتى من القيادات الحزبية الأعلى ظهر على فضائية واحدة ليقدم دفاعاً عقلانياً ومقنعاً ومتماسكاً للمشاهد العربي، في الوقت الذي كنا نصغي ونراقب باهتمام ما يقوله شارل أيوب ووئام وهاب ونواف الموسوي وغيرهم، ولا ندري أين اختفت أصوات البعثيين الأشاوس في المستويات القيادية المختلفة، رغم أنهم يرفلون بكل نعم القيادة وامتيازاتها!!
ربما يكمن الجواب في أن القيادات الحزبية بدلاً من انشغالها بتطوير أدائها السياسي ووعيها المعرفي، راحت تنشغل بالتطاول على المؤسسات الأخرى لتعزيز نفوذها وتسلّطها عليها، بحثاً عن مكاسب آنية وامتيازات إضافية، وهي في أغلب الأحيان، تحاصر الكوادر الإدارية الوطنية المتميزة والمخلصة في أدائها لتقزيم دورها والتشكيك بنزاهتها!!
لذلك أناشد الرفيق الأمين القطري أن يشكل لجنة تقويم الأداء السياسي والعلمي للقيادات الحزبية في جامعاتنا، وتحديد مردودية عمل هذه القيادات والجدوى من استمرارها على ساحة الجامعات، نظراً لأن الجامعات هي البنى الأكثر فعالية في تحديد مصير مشروع الإصلاح في سوريا.
وهي لن تكون بنى فعالة إلا بالاستقلالية وإبطال تسلط المؤسسة الحزبية عليها، وحتى يتحقق ذلك لا بد من خطوات إجرائية تؤدي إلى :
أولاً: تحرير الحزب من الانشغال والغرق بالقضايا الهامشية وتخليص بعض قيادييه من ذهنية معقبي المعاملات في القضايا التي هي من اختصاص الإدارات الجامعية والمجالس الجامعية المختصة وتتجلى تلك الذهنية في البريد الحزبي في جامعاتنا الذي وصل درجة من التهافت لا نحسد عليها.
رغم أننا لم نعد في مرحلة النضال السلبي التي لم يتحرر من آثارها بعض قياديينا، و رغم أننا نعيش في عصر القرية المعلوماتية الكونية!!!
ثانياً: تمكين إدارة الجامعة ( رئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات) من العمل بعقلية متناغمة ومنسجمة مع روح الجامعة الحقيقية وتحديد أولويات العمل العلمي والمعرفي دون تشتيت الجهود على قضايا لا تمت للعمل العلمي بصلة!!
لذلك نتساءل في إطار إيقاف هدر السلطة:
متى يكون البعث أكثر قوة وشعبية، بالتدخل المباشر في عمل المؤسسات وإعاقتها عن أداء دورها، أم بعودته إلى نفسه وتعزيز دوره الإرشادي والفكري والسياسي وإنتاج الشخصيات الكاريزمية المحبوبة القادرة في المرحلة القادمة على خوض المعترك السياسي الذي لا نستطيع التكهن بمآلاته؟!!
وهنا أنوه أيضاً إلى أن الكثير من الكوادر الجامعية – غير البعثية- تتفوق علينا في أدائها العلمي والوطني والسلوكي- وهي في أدائها اليومي أيضاً تعزز سلطة البعث رغم أنها غير بعثية!!!
ولذلك: إذا كان هناك من يدعي أو يزعم أن وجود المؤسسة الحزبية داخل الجامعة يضبط إدارة الجامعة ويحول دون انحرافها وفسادها وتقاعسها، فإننا نقول العكس: أي أن ازدواجية السلطة وتداخلها هو الذي ينشئ بيئة الفساد والارتكاب والمساومات والمقايضات بدءاً من التعيينات الإدارية وانتهاء ً بالمشاريع الاستثمارية الكبرى!!
لأن الضامن الأساسي لمنع الفساد والارتكاب وهدر السلطة في جامعاتنا هو العمل وفق القوانين الناظمة للجامعات وإحياء دور المجالس الجامعية التي ستتحول في حال تشكيلها من الكوادر الأكثر أكاديمية وأخلاقية وكفاءة إلى قوى كابحة لكل أشكال الهدر في الزمن والإدارة وإنتاج المعرفة.
وبذلك نضع حداً لتاريخ طويل من الصراع العقيم والمرير بين الإدارات الجامعية والمؤسسة الحزبية وهو التاريخ الذي عايشته الأجيال المتعاقبة من خريجي الجامعات.
وإذا كان العمل السياسي العصري لا يتطلب الأبنية ولا المكاتب الفخمة، بحيث أن فريقاً صغيراً منسجماً من الكوادر المؤهلة سياسياً ومعرفياً يعمل في مكتب واحد، قادر أن يكون أكثر تأثيراً وفعالية ومردودية من فروع الحزب المتواجدة في جامعاتنا ،فإننا نتساءل مرة أخرى عن جدوى وجود المؤسسة الحزبية في الجامعة!!!
قد يبدو هذا الطرح صادماً أو لا مسؤولاً أو صعباً، وسيقف ضده أصحاب الا متيازات داخل القيادات الحزبية الذين يشكلون عبئاً على الحزب والدولة وهم الأشد عداء لمشروع الإصلاح الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد، مع أنهم يظهرون ممارسة" خاصة" للإصلاح، رغم ممارساتهم اليومية المعاكسة للإصلاح من جهة، وتشكيكهم بجدوى الإصلاح وإشاعة الإحباط واليأس كلما تعثر الإصلاح أو تقدم ببطء من جهة أخرى!!!
لكنني آمل من كل مسؤول بعثي مخلص، إصلاحي، أينما كان موقعه أن يقدم البديل الأفضل لجعل جامعاتنا بنى خلاّقة، ترفد الوطن بالكوادر المبدعة التي تعزز الإصلاح وتدفع به قدماً،
وفي الختام، ربما يبدو أن مثل هذه الأفكار ليس هذا هو الوقت المناسب لطرحها، إلاّ أنني سأذكر بما قاله سينيك منذ زمن طويل:
" ليس لأن الأمور صعبة لا نقدم على تغييرها، بل لأننا لا نقدم على تغييرها تصبح صعبة!!!"
فهل نقدم على التغيير ونسير الخطوة الأولى بغية إيقاف هدر السلطة في أكثر المؤسسات أهمية وخطورة- الجامعات؟!!!

د.زهير ابراهيم جبور- (هدر السلطة في جامعــاتنــا!!)

تنشر بالتعاون مع كلنا شركاء (27/2/2007)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon