لماذا لا تقبل شهادة المرأة أمام المحاكم الشرعية؟!

اعتبر المشرع قانون البينات نافذاً في المحاكم الشرعية باستثناء بعض القواعد الخاصة التي أوردها حصراً في المرسوم التشريعي رقم / 88/ تاريخ 21/11/1949 حيث جاء فيه:

م/1/ - يعتبر قانون البينات ذو الرقم / 359/ تاريخ 10/6/ 1947 نافذاً في المحاكم الشرعية من تاريخ صدوره باستثناء الأحكام الآتية:
أ‌- يجو الإثبات بالشهادة في جميع القضايا الشرعية إلا في الدعاوى المالية التي تخالف أو تجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي.
ب‌- يشترط النصاب الشرعي للحكم بالشهادة, فليس للقاضي أن يحكم بشهادة الفرد الواحد إلا في الأحوال المقررة شرعاً

والنصاب الشرعي كما جاء في كتب الفقه هو رجل وامرأتان عدول أو رجلان /م 145/قدري باشا.
 وهنا يتبادر لذهننا السؤال التالي:
إذا كانت شهادة المرأة الواحدة جائزة ومقبولة في القضايا الكبيرة كالقتل والسرقة في المحاكم الجزائية وكذلك جائزة في الالتزامات المدنية أمام المحاكم المدنية فما الذي يبرر عدم قبول شهادة المرأة الواحدة في قضايا بسيطة كالقضايا الشرعية ومنها بعض الأمور التي لا يطلع عليها الرجال غالباُ كالأشياء الجهازية.

قد يقول البعض هذا خروج عن النص وعن الدين أيضاً.. لكن هل قبول شهادة المرأة الواحدة في باقي المحاكم كفر أو خروج عن الدين ؟ مع أن النص القرآني الذي جاء فيه: ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه... واستشهدوا شاهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء...../سورة البقرة الآية / 282 / هذا النص أتى لينظم العلاقات المالية والديون بدليل قوله / إذا تداينتم..
فمن باب أولى تطبيق النص على الديون المدنية وليس فقط على القضايا الشرعية.. حسب النص القرآني.

وفي الواقع لم يعد ما يبرر الإبقاء على شهادة المرأة على هذا النحو بالمقارنة بما وصلت إليه المرأة في عصرنا الراهن فلم تعد تلك المرأة القابعة في البيت بل أصبحت عنصراً فعالاً في الحياة العامة والخاصة على حدٍ سواء وقد تكفلت الدولة في نصوصها الدستورية بالعمل على إزالة القيود التي تمنع تطور المرأة ومشاركتها في بناء المجتمع, حيث جاء في المادة /45/ من الدستور السوري:
/ تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي /.
وهذا ما أكده أيضاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء في مادته الأولى:
/يولد جميع الناس أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق وهم وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء /, ومع ذلك لا تزال هذه الأحكام في قانون الأحوال الشخصية وكأنها وجدت لتكون أزلية لا تتغير ولا تتلاءم مع مرونة العصر الحالي ومتطلباته ولا تتماشى مع القاعدة الشرعية القائلة / تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان /, مع أن الإسلام كرم المرأة ورفع من شأنها ونادي لحرية الآراء وأمر بحرية المناقشات الدينية ونصح المسلمين أن يكون عمادهم الإقناع ومنازلة الحجة بالحجة والدليل بالدليل, وهناك آيات قرآنية كثيرة نزلت بعد جدال مع الرسول ومع الصحابة تأتي لتؤكد على شيء طالبت به امرأة مظلومة أو صحابي جليل. آيات جاء بها الوحي تؤكد على أن لكل زمان مايناسبه من أحكام. فلماذا إذا ننزع عن الإسلام روح التجدد والتغيير ولماذا لا نأخذ من هذه الأحكام ما يتلائم مع عصرنا ونترك ما لا يتلائم معه أسوة بما أخذ به القانون المدني والقانون الجزائي الذي تجاوز هذه المسألة وأخذ بشهادة الفرد الواحد رجلاً كان أم امرأة.

خاصةً أن المرأة الآن دخلت كافة ميادين العمل إلى جانب الرجل وأصبحت وزيرة ونائبة ومديرة وقاضية ومحامية وطبيبة..
فمن غير المقبول أن تكون قاضية تفصل بقرارات قضائية مصيرية و لا تقبل شهادتها بالقضايا الشرعية ونقف حائرين أمام مفارقات عجيبة عندما توكل كمحامية بجميع القضايا الشرعية كالزواج والطلاق والمهر والأشياء الجهازية و الولاية والوصاية...ولا تقبل شهادتها منفردة في هذه القضايا ؟ وعندما يتاح لها إصدار أهم القرارات التي تتعلق بمصالح الدولة والمجتمع ولا نقبل شهادتها منفردة أمام المحاكم الشرعية..؟؟

وأخيراً.... نحن فعلاً بحاجة لإعادة نظر تشريعية تنسجم مع التطور والتقدم الذي وصلت إليه مجتمعاتنا استناداً للقاعدة الشرعية القائلة: ( تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان )

المحامية صفاء رحروح- (لماذا لا تقبل شهادة المرأة أمام المحاكم الشرعية؟!)- narass8899@yahoo.com

خاص: "نساء سورية"

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon