الهجرة واقع وحلول وكيفية البقاء في الوطن

هل نعد التنقل بين المدن والريف هجرة؟ هل التنقل من مدينة إلى أخرى هجرة؟ وهل هو كذلك بين بغداد ودمشق؟ أو هل ترحال البدوي هجرة؟!

هذه الأسئلة وغيرها طرحها الأستاذ نهاد سمعان، في محاضرته التي قدمها في نادي الرابطة للروم الأرثوذكس بحمص، مساء 23/2/2007، وتحت عنوان: "الهجرة.. واقع وحلول.. وكيفية البقاء في الوطن".
هذه الأسئلة قادت المحاضر لصياغة تعريفه للهجرة. فقال إنها مهاجرة الوطن الذي يحيا فيه الإنسان، والأهل الذين يحيا معهم، إلى وطن جديد. وتغيير حياته انسجاماً مع الوطن الجديد. فالأشخاص الذين يقيمون على أرض الوطن، ولكنهم يعيشون حالة غربة عنه، إذا سنحت لهم الفرصة للهجرة فهم، حسب رأي الأستاذ نهاد، ليسوا مهاجرين. لأنهم لم يكونوا مواطنين ينتمون كاملاً إلى وطنهم، ويشعرون بالشراكة مع أخوتهم. ولابد من تمييز هذه الفئة عن المهاجرين الذين سافروا بكامل شخصيتهم الوطنية إلى وطن جديد.

وردت المحاضَرة أسباب الهجرة المسيحية إلى القرن التاسع عشر. فالانتماء الوطني لم يكن واضحاً
أيام الدولة العثمانية التي كانت تنظر إلى المواطنين المسيحيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لا يتمتعون بنفس الحقوق. فأصبحت الهجرة حلماً يجعلهم مواطنين.

وأما الدول الأجنبية فقد استغلت هذه الظروف، فدعمت هجرة هذه الفئات. حيث عقدت الدولة العثمانية اتفاقات مع كل من روسيا وانكلترا وفرنسا لحماية هؤلاء المواطنين تبعاً لطوائفهم. فكلما تناحرت البلدان تناحرت الطوائف وتنافست. وتجلى ذلك في مجال التعليم، حيث أنشأت المدارس التي تتبع للدول. وقال الأستاذ سمعان إنه كان لتنافس التعليم إيجابيات كثيرة. ولكن السلبيات كانت خطيرة، تجلت في تشكيل ثقافات متعددة لأبناء أمة واحدة، فلم يملكوا حلاً واحداً لأية مشكلة. الأمر الذي جعل فرقة بينهم.
كما أن وجود الأجانب في هذه المدارس هزّ الصورة الوطنية لمسيحي الشرق بين المسلمين. والتبس الأمر عليهم بين الشعبية الدينية وشعبية الحكام.
وأخطر سلبية لهذا الأمر، برأي الأستاذ سمعان، هي تسهيل هجرة المسيحيين. فالغرب تزين على أنه الحل الوحيد لمن يجد ضيقاً للعيش في الوطن! فازدادت الهجرة. وبلغت أعلى نسب لها في مدينة حمص بين عامي 1923-1926.

"يميل الإنسان بالفطرة إلى الاستقرار" يقول الأستاذ سمعان: "فما الذي يجعله يهاجر؟!"
هناك عدة أسباب بعضها من داخل الفرد.. والآخر يُجبر عليه. ومنها:
- الشعور بالغربة وعدم الانتماء وعدم الانسجام بالمحيط .
- طلباً للعلم.
-الشعور بالإحباط والخيبة فانعدام الأمل يدفع لتغير المكان.
-الفساد المستشري. فعندما يقدم المرء كل جهد ليكون مخلصاً لأمته، ويلاحظ كيف يكافئ الفاسدون ويأخذون نصيب الشرفاء، يفكر بالهجرة.
- الزواج من خارج الطائفة.
- الخوف من العودة بعد تحصيل مستوى تعليمي عال في الخارج.
- عدم الحصول على فرصة عمل في وطنه.
- الحلم بأن البلاد الأخرى أجمل، والحياة فيها أسهل. الزوجة الحامل التي تسافر إلى أميركا مثلاً للإنجاب بهدف حصول الطفل على الجنسية، فإنها تسهل من جعله مهاجراً في المستقبل.
- الغيرة والموضة.. فمشاعر القطيع موجودة عندنا. وهي حقيقية.. وقد انتشرت كثيراً.
والبلد المتلقي لهؤلاء المهاجرين قد يكون سعيداً بهم. فهم طاقات شابة متجددة تبحث عن عمل.

فما الحلول لمواجهة مشكلة الهجرة؟
بما أن أسباب الهجرة تتعلق بالوطن والمواطن والوطن الجديد، يقول الأستاذ نهاد، فلابد من الحديث عن كل منها على حدا. فيما يتعلق بالوطن: الوطن، أي مهام الدولة والمؤسسات الأهلية، لا يجب أن يكون هناك فاصل بين الدولة وهذه المؤسسات. بل يجب أن تزداد ويكبر دورها. فحاجات الإنسان ليست الحاجات البيولوجية فقط، وإنما هي أيضاً تأمين الحياة الكريمة. وهذا من واجبات الدولة.
أما الحاجات الروحية، فيجب عدم مسح الذكريات في الوطن، لأجل الحفاظ على ذكريات المواطنين عن أوطانهم.

كما قال أنه لابد من تنمية الروح الوطنية وعدم ربطها بالأحزاب السياسية. فالرابط بين المواطنين والوطن موضع إجماع دائم لكل الفئات. أما المطالب الحزبية فهي آنية.
ولابد من إقناع الشباب أنهم المالكون الحقيقيون للوطن. والتأكيد على استمرارية علمانية الدولة. وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين. وإزالة عوامل الفرقة التي تكون بالصراحة والمواجهة.
وكذلك لتطوير المناهج المدرسية لجعل الطالب يفكر ويناقش ثم يستنتج الحل، ولتنمية روح العمل الجماعي، وروح التحدي لدى الشباب دور كبير في مقاومة الهجرة.

أما فيما يتعلق بالمواطن، فيجب أن يعرف المواطن هويته ويدرك أنه سوري عربي مشرقي منحدر من أجداد أصلاء، لا وطن آخر له. وهو وارث لحضارة أجداده، ومواطن له الحق في العيش الكريم هنا. وإدراكنا أن هناك أصالة في العالم فنحن من شكّلها، ونحن من قدمنا الحرف الأول للأبجدية. وهنا زرعنا القمح وعصرنا الزيتون، وهنا ولد المسيح وأسري بمحمد. وهذا الوطن أنتج المتنبي وجبران. فلابد أن معرفة هذا الإرث ستكسبنا ثقة بالنفس للثبات. كما أن التمسك بالعادات يساهم في تشكيل الهوية.

وفيما يتلق بالوطن الجديد، وجد الأستاذ سمعان أنه لابد من معرفة أجواء هذا البلد معرفة حقيقية، والمخاطر التي ستواجه الأسرة فيه نتيجة تغير العادات ونمط الحياة. فربما تختلف الرغبة في الهجرة إذا عرفنا أن لكل بلد سلبياته التي تترافق مع الايجابيات.
فإذا كان لابد من الهجرة، اقترح المحاضر، فقد تكون لرب الأسرة فقط. وتبقى العائلة هنا لضمان عودته إلى الوطن.
وكلنا أمل أن يأتي يوم لا تكون فيه الهجرة طموحاً لشبابنا. يوم يجدون فيه كل ما يرغبون لبناء مستقبله هنا.. في وطنهم.

ثناء السبعة، عضوة فريق عمل نساء سورية- (الهجرة واقع وحلول وكيفية البقاء في الوطن)

خاص: "نساء سورية"

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon