السفاح في المجتمع السوري: دراسات مختلفة وآراء متعددة حول الأسباب والحلول

بينما كانت تجلس مع صديقاتها وهي يعمر الثالثة عشر يتناقشن حول مواضيع تتعلق بالحياة الخاصة صرخت وسط ذهول الجميع فهي إذا معتدى عليها وهي لا تدري!! أما المعتدي فهو والدها فقد كان يجامعها منذ أن توفيت والدتها حيث اعتادت على ذلك دون أن تعلم أن هذا محلل أم محرم أو أن ما يحدث هو علاقة خاصة، وكيف لها أن تشك به انه والدها من دمه ولحمه لم يعنفها مرّة ولم يكن لها إلا الصدر الحنون لكن بالحقيقة كان وحشا بشريا يعتدي عليها طيلة ثماني سنوات، قدمت شكوى وهي الآن في المحاكم.

Imageوفي قضية أخرى
حكم على فتاة بالسجن لعدة أشهر لأنها حملت من جدها سفاحا في إحدى القرى السورية وأودع الطفل في الميتم بينما الجد هارب من وجه العدالة.
تقول الضحية (س-ع): عندما كان جدي يلامسني كنت أشعر أن هنالك شيئا ما ليس طبيعيا وعندما أدركت ما يفعله لم أستطع البوح لأحد عما كان يجري معي فهو كبير العائلة ولن يصدقني أحد بالإضافة الى أنه كان يهددني ويتوعدني في حال أني تكلمت لأحد ما بأنه ليس هو من يفعل ذلك ومرارا قال لي أذبحك وأقول أني أدافع عن شرف العائلة الى أن استطعت الهرب يوما لكن بعد فوات الأوان فقد حبلت منه البعض صدقني و والبعض الآخر لا لكن عندما لاذ جدي بالفرار تأكد الجميع من صدقي لكن حبسي ربما للحماية لا أدري.
ومن معهد الأحداث بدمشق يذكر أن فتاة (م) عمرها سبعة عشرة عاما اغتصبها أبوها منذ أن كانت بالعاشرة من العمر واستمر في الاعتداء الجنسي عليها الى أن أصبح عمرها(14) عاما ثم تعرفت على شاب وهربت معه فأمسكت الشرطة بها وأودع صديقها ووالدها السجن.
تقول إحدى العضوات في الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة والتي تعمل مع الفتيات في معهد الأحداث أنه تقريبا معظم الفتيات اللواتي يدخلن معهد الأحداث لجنحة ما هن معرضات في طفولتهن لجرم السفاح!!
قصص كثيرة منها باتت قضايا سجلت بالمحاكم ومنها كثير طي الكتمان فلن ينسى الشارع السوري قضية المرأة التي رأت بأم عينيها زوجها وهو يعتدي على ابنتيها بينما كانت توا عائدة الى المنزل فلم تدرك بنفسها إلا وهي تقتله بالسكين لكن المحاكم عاقبتها بخمس عشرة سنة سجنا.

ظاهرة غير معترف بها في المجتمع السوري
توجد مجتمعات بكاملها لاتقف عند مدينة أو ريف، فقر أو غنى و بالأحرى لا توجد إحصائيات تكشف الحقائق لكنها قصص وحكايا مكررة كل يوم أكثرها طي الكتمان خوفا من الفضيحة أو درءا للعار أو على الأغلب لعدم وجود حلول تساند الضحايا.
انه جرم السفاح وهو بالتعريف الزنا بين المحارم من ذوي القربى. وبحسب علم الاجتماع: "هو شكل من أحد أشكال الإساءات الجنسية للأطفال، و من حيث المفهوم التقليدي هو العلاقة الجنسية بين أقرباء الدم كالعلاقة بين الأهل والأطفال أو بين الأخوة والأخوات وتكمن الخطورة في جرم السفاح أن المسيء جنسيا يفترض به أصلا أن يكون وصيا على الطفل أو حاميا له ومصدر لشعور الطفل بالراحة والطمأنينة".وهو معاقب عليه في معظم القوانين ومنها القانون السوري حيث عاقب المشرع على جريمة سفاح القربى نظرا لما تسببه هذه الجريمة من آثار نفسية واجتماعية على الضحية وقد نصت المادة 476على: "
1- السفاح بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم او من هم بمنزلة هؤلاء جميعا من الأصهرة يعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات
2- اذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية فلا تنقص العقوبة عن سنتين
3- يمنع المجرم من حق الولاية".
4-
 لكن القانون وحده لا يكفي فالموضوع بات يشكل ظاهرة في المجتمع جعلته قيد الدراسات فهل الأسباب واضحة؟ وما هي الحلول المطروحة أو الممكنة؟
هذا ما سنحاول الاقتراب منه في هذا التحقيق الذي يرصد ظاهرة السفاح والاغتصاب بين المحارم من خلال الدراسات القانونية والاجتماعية ورصد الواقع والحالات التي عانت ومازالت تعاني دون أن تجد لها منفذا حيث كانت في بعضها مقنعة وبعضها الأخرى فيها بعض المبالغة واللاعقلانية

السفاح جنحة والاغتصاب جناية في القانون السوري!!!
ففي دراسة أعدها الأستاذ (علي عبدالله الحمادة) ماجستير في القانون الجنائي في عام 2006-2007م طرح أفكارا تتمحور حول أسباب ارتكاب مثل تلك الجرائم المنافية للطبيعة البشرية والعلاقات الأسرية وجد أن تشعب العلاقات الاجتماعية وتعميق العولمة الثقافية والفكرية نتيجة الغزو التكنولوجي والإعلامي نجم عنه ازدياد جريمة السفاح في المجتمع وحاول الدارس الوصول الى العوامل التي تؤدي الى تلك الجرائم وهي من الواقع الذي عمل على تحليله ودراسته وجد أن هنالك عوامل داخلية كالإدمان على المخدرات وخارجية كالفقر وأشياء تتعلق بالمجتمع نفسه الذي يعاني من الكبت الجنسي وما الى ذلك بالإضافة الى السياسة الجنائية التي لم تشدد العقوبة على جرم السفاح وأدرجته ضمن الجنح المخلة بآداب الأسرة بينما اعتبرت الاغتصاب جناية وهو إخلال بالآداب والأخلاق العامة.

وقد حدد الأستاذ (عبدالله الحماد) الحد الفاصل للتفريق بين السفاح والاغتصاب ب" توافر الرضا فبانعدام الرضا يسمى اغتصاب و بوجوده هو سفاح" وهو ما يرفضه بعض القانونيين والمحاميين حيث يعتبرون أن الرضا حكما غير متوافر فكيف لطفلة أن تكون راضية أو لفتاة بالغة راشدة أن تكون راضية وهي لا تملك حق الولاية على النفس كونها امرأة طبعا مع التأكيد على أن السفاح يقع على الإناث والذكور على حد سواء وربما بين الذكور النسبة أكبر لكنها طي الكتمان أيضا ففي ورقة مقدمة الى المؤتمر الوطني للطفولة في سورية للدكتورة (ايمان العز) تبين أن الاعتداء الجنسي بشكل عام على الأطفال في سورية نسبته 48% ودرجة القرابة من معارف الطفل 49% ونسبة الذكور المعتدى عليهم 66% أما الإناث فنسبتهن 43% وهذه مؤشرات تم أخذها من مخافر الشرطة في دمشق والطب الشرعي.

مع التأكيد أن الأرقام ليست دقيقة فهي عبارة عن شكاوى وليست إحصائيات حقيقية حيث لا يوجد مراكز للإحصاء لعدم الاعتراف بالمشكلة أساسا في مجتمع يعتبر محافظا ولا توجد فيه آليات واضحة للشكوى والتبليغ فبحسب مصدر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن عدد الأحداث الذين تم وضعهم في معاهد إصلاح الأحداث ومراكز الملاحظة عام 2000م أنه من بين (9227) أطفال كانت أسباب الإيداع ل(1068) منهم الاغتصاب و (604)الفحشاء و(325) دعارة وفي عام 2002م من أصل (11576) طفل كانت الأسباب ل(934) منهم اغتصاب و(903) فحشاء و(407) دعارة

الفقر وعدم توفر الحماية والقوانين القاصرة أسباب تساهم في زيادة الظاهرة:
وبطريقة أكثر اعتدالا وواقعية تذكر الأستاذة المحامية (دعد موسى) في دراستها حول الاعتداء الجنسي واستغلال الأطفال في سورية أن من أسباب تعرض الأطفال للاعتداءات الجنسية والاستغلال ضعف وظيفة الأسرة وسيطرة السلطة الأبوية وغياب الحوار وسيطرة القمع والكبت وغياب الثقافة الجنسية باعتبار الحديث فيها من المحرمات إضافة الى الحرمان العاطفي وعدم الاهتمام بالتنمية الصحية والعاطفية للطفل، بالإضافة الى الفقر والبطالة وانعدام الشروط الصحية وكثرة عدد أفراد الأسرة كله قد يؤدي الى سفاح القربى مع أسباب مهمة يجب العمل لحلها أهمها تعامل الجهات الأمنية مع المشكلة بشكل سلبي وعدم تأهيلهم وعدم كفاية القوانين التي تحكم مسالة الاعتداءات الجنسية على الأطفال والتكتم على الاعتداء لدرء الفضيحة بالإضافة الى الدور السلبي لوسائل الإعلام والمناهج التعليمية التي لا تتعامل بوضوح مع هذه المشكلة.أما عن الخلل الموجود بالقانون السوري فتقول المحامية(دعد موسى): إن القانون فرق بين الاغتصاب والسفاح حيث عاقب على الاغتصاب بعقوبة جنائية من (15-21 سنة) سجن بينما بالسفاح فقد عاقب عليه عقوبة جنحية ب(3 سنوات) حبس مع أن عقوبة السفاح يجب أن تكون أكثر تشديدا كونها تصدر عمن له سلطة ولائية على الآخر كالأب أو الأم أو الأخ فالغريب أن عقوبة القتل بين الأصول والفروع مشددة بينما السفاح مخففة وهذا ناجم عن الثقافة الذكورية والبعيدة عن ثقافتنا حيث أن القانون قديم من القوانين الرومانية القديمة التي تعتبر أن العائلة ملكا لرب العائلة والذكور فيها.

ولدى سؤالنا عن إمكانية تعديل هذه القوانين أجابت: إن هذا مطروح حيث أنه توجد دراسة حالية لمشروع قانون "الحماية من العنف الأسري" وهو سيعرض على الجهات الرسمية بتاريخ 25-11-2008م وقد تمت صياغته بالتعاون مع المجتمع الأهلي بكافته في سورية تجمع سوريات والجمعيات النسائية والنشطاء بحقوق المرأة والطفل والإنسان وهو يطالب بتعديل القانون وبإيجاد آليات جديدة للشكوى والتبليغ والإثبات بالإضافة الى إحصائيات دورية وحكومية وغير حكومية ترصد الواقع وتحدد أطراف وعمق المشاكل الأسروية.

صمت الحكومة وثقافة العيب في آراء أخرى:
وبرأيي السيد (بسام القاضي) وهو مشرف مرصد نساء سورية الالكتروني أن الصمت هو أساس المشكلة فكما يقول: الظاهرة منتشرة على نطاق واسع ومعالجة هذه المشكلة تبدأ بالحديث عنها والاعتراف بها من الجهات الرسمية أولا وبتطوير متكامل لجوانب المشكلة من الإعلام الى المناهج التدريسية الى القضاة والقوانين، وخصوصا قوانين الأحداث التي يجب أن تتعدل لتساند الطفل الضحية وتحميه على مدى طويل لا أن تحجز حريته وتحرمه من الأسرة، مع ضرورة حماية الأسرة بإبعاد الجاني عن نطاقها كما في كثير من الدول المتقدمة ويرافق كل ذلك تأهيل قضاة متخصصين بالتعامل مع الطفل ومع هذه النوعية من الجرائم الأسروية بالإضافة الى شرطة قادرين على فهم الموضوع والتعامل معه بحذر ويتبع كل ذلك نشر الوعي وإيجاد آليات للإبلاغ والشكاوى والاتصال ويكون نشر الوعي بالإعلام بوسائله المختلفة ومن ضمنها الإرشادات في الطرق للتنبيه لوجود خطر يجب الانتباه إليه وعلى المدارس الدور الأكبر في تعديل مناهجها وخصوصا ما يتعلق بالتربية الجنسية بطريقة علمية ومدروسة بكوادر مؤهلة ولن تكتمل جوانب العلاج والوقاية دون وجود تحرك من الجمعيات الأهلية المساندة للدولة والحكومة في عملها من أجل حماية الأطفال بمراكز متخصصة وعلى الدولة بشكل رسمي وحقيقي تقديم إحصائيات لتحديد أماكن الظاهرة وأسبابها وهذا يعطي مصداقية ويمنع من تضخم الصورة الحقيقية أو عدم فهمها.

أسرار طي الكتمان والحلول تحتاج لدعم تشريعي
وفي زيارة لمعهد الأحداث بدمشق للتعرف على إمكانية التعامل مع المعرضات للسفاح فقد أكدت إحدى المشرفات والتي رفضت التعريف عن اسمها على أن الدور لا يتعدى المعالجين النفسيين لأنهن بالكاد يعترفن بالمشكلة الحقيقية ولا توجد مراكز حماية فهو مكان إصلاح وتأهيل لكنه ليس حماية للأطفال وأكدت أيضا أن هنالك مشروع قانون الأحداث الذي وصل الآن الى رئاسة مجلس الوزراء ويتضمن قانون يتعلق بإمكانية حماية الطفل المعرض للسفاح بوجود مراكز حماية.

أخيرا لا بد بعد كل ذلك من التعرف على طبيعة ذلك الشخص المعتدي وما هي الآثار التي تظهر على الطفل او الضحية وكيف يمكن معالجتها نفسيا هذا ما حاولنا التعرف عليه من خلال الأستاذة (سها عقيل) معالجة نفسية للأطفال المعرضين للصدمات والتي أكدت أن السفاح يؤثر على الطفل بأعراض كثيرة منها الشعور بالذنب، فقدان الثقة بالنفس، الخوف الشديد، الأرق، الكوابيس، القلق، البكاء، الانعزال والخجل، تدني المستوى الدراسي، ومن الممكن أن تؤدي على المدى البعيد لاضطرابات المزاج و/أو اضطرابات القلق..أما بالنسبة للتأثير المستقبلي فمن الممكن أن يحدث لدى الشخص المعرض لسفاح القربى برود جنسي أو شذوذ جنسي ففي بحث للعالم الأمريكي "جريجوري ديكسون" عام 1996 ظهر أن 49% من الشواذ جنسيا الذين تناولهم البحث قد حدث لهم نوع من أنواع الاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة. كما يمكن أن يتحول هذا الطفل إلى معتدي يمارس على الآخرين ما تعرض له في صغره. لذا من المهم جداً تثقيف الأطفال والحديث معهم بشكل مبسط عن حرمة أجسادهم والمناطق الحساسة في جسدهم والتي يجب ألا يسمحوا للغير بلمسها أو النظر إليها، والأمور التي من الممكن أن يلجأوا لها عند تعرضهم للتحرش مثل الصراخ والهروب إن استطاعوا وإخبار الأهل عن الموضوع، مع عدم إلقاء اللوم على الأطفل في حال تعرضه للتحرش.


رهادة عبدوش، (السفاح في المجتمع السوري: دراسات مختلفة وآراء متعددة حول الأسباب والحلول)

مجلة جهينة، (7/2008)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon