ضيوف ما بعد الحداثة، دراسة سوسيولوجية للثقافة الإسرائيلية المعاصرة

يتناول الكتاب في إطار رؤية تحليلية معتمدة على منهج التحليل النقدي السوسيولوجي (المعني بدراسة الأسباب الاجتماعية لبروز الظاهرة الثقافية) النقاش الثقافي في إسرائيل منذ منتصف الثمانينيات وحتى أوائل القرن الواحد والعشرين.

 ففي تلك الفترة بدأ الفكر التاريخي ومنظريه في إسرائيل بمراجعة وثائقية/تاريخية نقدية للتاريخ اليهودي البعيد والتاريخ الإسرائيلي المعاصر، وبشكل خاص مرحلة الاستقلال (النكبة) 1948.
يتوجه الكتاب إلى ما يدعوه المؤلف "سوسيولوجيا الجدال" الذي دار في إسرائيل نتيجة ظهور "تيار" قام بمساءلة الوعي والهوية والذات الإسرائيلية. وتكمن أهمية الكتاب في التناول الجدي والموضوعي للأسباب التي أفرزت تلك المراجعات من جهة، ورصد الموضوعات التي تمت مراجعتها من جهة ثانية، ونتائج ذلك النقاش.
غلاف الكتابفعلى الرغم من تراجع بعض المنظرين والمؤرخين عن مواقفهم، وانسحاب البعض ليتخذ مواقف معاكسة لمواقفه السابقة، واعتذار البعض أمام المحاكم، وطرد البعض الآخر خارج إسرائيل، إلا أن ذلك أدى (حسب ما يرى المؤلف) إلى ظهور تيارات متعددة أهمها تيار ما بعد الصهيونية، وبدء إعلان بداية مراجعات تاريخية ومعاصرة أخرى لأقليات وإثنيات مختلفة داخل إسرائيل، فأسس هذا الأمر لحراك ثقافي ارتبط بشكل كبير بنقاش اجتماعي وسياسي، مما مهّد الطريق أما الأصوات المقموعة داخل إسرائيل لتطالب بحضور ثقافتها إلى المسرح الثقافي الإسرائيلي (السفارديم واليهود الشرقيين واليهود العرب، والفلسطينيون).
 على أن الرؤية التحليلية النظرية الصلبة تبرز في مناقشة الإرث الثقافي الكولونيالي الأوربي وتمثله من قبل رموز الحركة الصهيونية وبالتالي الاعتماد عليه في صوغ وتعريف الهوية اليهودية الإسرائيلية وفي تعريف دولة إسرائيل.
أيضاً يربط المؤلف بين أفكار تيار "ما بعد الصهيونية" وفكر "ما بعد الحداثة" و"الفكر ما بعد الكولونيالي"، الأمر الذي ساهم (حسب تحليل المؤلف) في بروز الأصوات المختلفة للثقافات المُهملة داخل إسرائيل.
على أن الجرأة الواضحة، والتي كانت تحتاج برأيي إفراد مساحة أكبر من الكتابة فيها، قد برزت في مقاربته بين عقلين/ثقافتين متناقضتين في الأسباب والنتائج، فقد تم نقاش الأسباب التي منعت الفكر العربي من إجراء مراجعات نقدية حيال التاريخ العربي المعاصر (منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن)، وبالتالي غياب وجود تيارات ناجمة عن حراك ثقافي وفكري واجتماعي في بنية المجتمع العربي.

توزعت فصول الكتاب على المحاور التالية:
في الفصل الأول تناول : حركة المؤرخون الجدد في إسرائيل وجدل السياسي والأكاديمي،يستعرض فيه السرد الزمني لظهور تيار ( المؤرخين الجدد )، والأسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ساعدت على نشوء هذا التيار، وردة الأفعال المختلفة حيال الأفكار المختلفة التي طرحوها.
وفي الفصل الثاني تناول: ( الهوية / الذات اليهودية والآخر) حيث ناقش فيه حول الأسس المختلفة/ التاريخية والثقافية وغيرها/ التي اعتمدت في صوغ الهوية اليهودية منذ القدم حتى تأسيس دولة إسرائيل، والمراجعات التي قام بها المؤرخون الجدد وأصحاب تيار ما بعد الصهيونية لتلك الأسس ومحاولتهم طرح هوية بديلة لليهودي / الإسرائيلي.
أما الفصل الثالث تناول: (استشراف استيطان وكولونيالية/ الفعل الاستعماري)، فكان مناقشة للإرث الثقافي الكولونيالي الأوربي وتمثله من قبل رموز الصهيونية، ومن ثم الاعتماد عليه في صوغ وتعريف الهوية اليهودية الإسرائيلية وفي تعريف دولة إسرائيل.
وكان الفصل الرابع ( مابعد الصهيونية/ مقاعد إضافية للأقليات)، مخصصاً للأفكار الرئيسية لتيار ما بعد الصهيونية، الذي نشأ بالدرجة الأولى متأثراً بفكر ما بعد الحداثة والفكر مابعد الكولونيالي؛ والمساهمة التي قدموها وأثرت في بروز الأصوات المختلفة للثقافات المهملة داخل إسرائيل.
أما في الفصل الخامس (الذات العربية / خطاب الهوية ورهاناتها)، فكان مناقشة للأسباب التي منعت الفكر العربي من إجراء مراجعات نقدية حيال التاريخ العربي المعاصر (منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن)؛ ومن ثم غياب تيارات ناجمة عن حراك ثقافي وفكري واجتماعي في بنية المجتمع العربي.
يبقى الكتاب من المحاولات الجدية التي قاربت فهم الواقع الثقافي الإسرائيلي بعيداً عن لغة التحقير أو الشعارات والخطابات التي وسمت الكتابات العربية حين تتناول نقد المجتمع الإسرائيلي وثقافته.
يقول المؤلف في أحد صفحات كتابه:
(لم تقتصر الهزيمة العربية في حزيران 1967، على هزيمة عسكرية وحضارية للذات العربية فقط. لقد ترافق معها هزيمة أشد عنفاً للحركة النقدية العربية والفكر العربي، فسيادة فلسفة التبرير وسياسة الشتم وتحقير الآخر "الصهيوني" كان هزيمة من نوع آخر).

ختاماً، يعد هذا الكتاب مرجعاً أكاديمياً عن الآخر (الإسرائيلي)، وهو بكل المقاييس جهد هائل في جمع هذه المعلومات القيمة التي تضمنها، البعيدة عن لغة الخطاب السياسي الساذج، ويجب الإشارة إلى الجهد العلمي الكبير الذي بذله المؤلف ليضع بين أيدنا في النهاية هذا الكتاب المفيد للقارئ المتخصص ولكل من يطلب العلم والمعرفة العلمية عن الآخر (الإسرائيلي، بما يحتويه من حقائق ومعلومات، إضافة علمية تكاد الأولى إلى المكتبة العربية، علها تكون المحرك للمثقفين العرب بهدف إجراء المراجعة النقدية الضرورية حيال التاريخ العربي المعاصر.
الكتاب صادر عن دار الفكر في دمشق، 2008. 215 صفحة من القطع المتوسط.

تأليف : د. حسـام السـعد


عرض : د. طلال مصطفى، (ضيوف ما بعد الحداثة، دراسة سوسيولوجية للثقافة الإسرائيلية المعاصرة)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon