معاناة

تدور أحداث قصتي في إحدى قرى حوران، حيث نالت هذه القرية نصيبها من التطور العلمي فهي من أوائل القرى التي سمحت لفتياتها بالدراسة في خارج المحافظة وحتى في خارج القطر، كما أنها من القرى التي واكبت التقدم ولكن ليس بكل أشكاله فلا تزال تعاني الجهل الاجتماعي بكل أشكاله بالرغم من التقدم العلمي والشهادات اللامعة التي تحتضنها، ولكن للأسف لازلت تجد فيها العادات البالية والتقاليد الزائفة والمعاناة النسائية كل يوم.

في هذه القرية يا سيدي تجد أغلب النساء هن من يقمن بأغلب الأعمال ما بين العمل خارج البيت وداخل البيت وتربية الأولاد، أي يجب عليها أن تكون الوالد والأخ والأم وأخيراً يجب أن تكون أنثى كي لا تضطر لتقبل (الضرة) أو الطلاق... وذلك بسبب سفر الأزواج، حيث أن أغلب الرجال هنا يسافرون للعمل أما في دول الخليج كما هو حال حوران بالكامل أو لبنان أو....
سيدي أحداث قصتي تدور حول امرأة في أواخر العشرينات من عمرها وقد درست اللغة العربية وهي من عائلة محترمة وبسيطة ولكن بسبب الخوف من العنوسة أو الظلم الاجتماعي قبلت بالزواج من شخص لا يملك أي تحصيل علمي ويسافر إلى لبنان للعمل وهو من أسرة أقل منها اجتماعياً، لا بد من أذكرك سيدي أن في قريتي ينطبق المثل القائل (تمضي الفتاة نصف عمرها عن من ستتزوج وتمضي نصف عمرها الباقي تسأل نفسها لما تزوجته) حيث أن أغلب الفتيات يتزوجن من هو أقل منهن علماً ومكانة اجتماعية وكل شيء.
على أية حال تزوجته وأنجبت منه فتاة وهي تبلغ الآن من العمر السنة والنصف، ولا بد أن اذكر أنها حياة تتأرجح بين اليأس والمعاناة.
بعد ذلك حملت بطفل آخر وأنجبته منذ قرابة 10 أيام، وتحملت أسرتها ظلم زوجها وأسرته وجبروت أمه التي لا تعرف الرحمة ولا تعرف سوى استعباد الكنة.
وتحملت أسرة الفتاة العناية بابنتهم والسهر على صحتها وكل ذلك لم ينل رضى زوجها حتى كان اليوم الرابع لولادتها وكان عندها إحدى قريباتها التي تعاني من مرض القلب فأتى الزوج وأمرها أن تطرد قريبتها وأنه لا يريد أن يأتي أي شخص من أهلها فأجابته بأنها ستفعل وستفعل كل ما يريد ولكن المهم رضاه ولكنه لم يعجب بإجابتها فقام بضربها وجرها في أنحاء الغرفة حتى كادت أن تفقد روحها وأصبحت تعاني في التنفس فأتت قريبتها وحاولت أن تخلصها من يد زوجها ولكن لم يستحب لها ولم يرحم طفله الرضيع وامرأته الملتاعة حتى أدرك أخيرا أنه سيفقد زوجته فقام بأخذها للطبيب وأدركها الطبيب في لحظاتها الأخيرة وأخبر الزوج أنها بداية جلطة دموية من جراء ضربها وسوء المعاملة ومن ثم أعادها للبيت ولكن هذه المرأة لم تخبر أحدا وترجت الفتاة أن لا تخبر أحداً كي لا تتحمل ظلم زوجها مرة أخرى ولكن علم إخوتها عن طريق الصدفة وقاموا بجلب سيارة والذهاب إلى بيت الأخت لإحضارها وتمت المواجهة مع الزوج مرة أخرى الذي امسك بالرضيع وحاول عدم إعطاءه لهم وتعالى صراخ الأم الملتاعة كما قام بتخبئة الطفلة ذات السنة والنصف كي يحرق قلب أمها ولكن إخوتها قاموا بضربه وأخذ الرضيع وبقيت تلك الأم الملتاعة تبكي حتى سافر أخيرا إلى لبنان وقامت أمه المتجبرة بإحضار الطفلة إلى أمها وتسأل أمها بكل وقاحة لماذا لم تحضري ابنتك لتستسمح زوجها وتقبل يده ولكن مع فعلتك هذه سأزوجه بأحسن البنات واحرق قلب ابنتك!
 وكأن قلب ابنتها لم يمت بعد ولم يحترق بعد معاناة يومية مع هكذا زوج..
ولكن ماذا ستفعل الفتاة في مجتمع يهددها بالعنوسة في كل يوم وبالطلاق وبكلمة مطلقة وبالعنف الزوجي والعنف الاجتماعي وبمطرقة الحياة، ماذا ستفعل مع كل تك الضغوطات والآلام اليومية!!
مما أرى واسمع كل يوم لا أجد إلا الصمت لمن لا تملك الجسارة لمواجهة كل ذلك
وأخيرا أرجوك سيدي أن تعذرني لأني أطلت الحديث عليك واعذرني على ضعف صياغتي اللغوية ولكن أتمنى أن تجد في ما رويت شهادة جديدة في ملف قضايا العنف ضد النساء الذي يخط سطورا جديدة كل يوم..


م. ثناء فارس، (معاناة)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon