قانون الحضانة أيضا لتكسير رأس المرأة...

أيام مضت قبل أن تقبل هذه المرأة باستقبالي ضمن غرفتها الواحدة التي تسكن فيها والمكونة من غرفة واحدة فقط وحمام يحتل جزءا من هذه الغرفة, التي كانت تتحدث عن نفسها بأساسها الذي تألف من كنبة حديدية اعتلى الصدأ حوافها,

 وتلك السجادة الممزقة التي تباعدت خيوطها تحت وطئ عدد الأقدام التي داستها وليعبر اهترائها عن طول تلك السنوات التي خدمت فيه بني البشر.
امرأة في الأربعين من عمرها.. إلا أن قساوة أيامها جعلتها تبدو اكبر من عمرها بكثير؟
قصة هذه المرأة تتلخص بعدة سطور تكفي لما عايشته في حياتها.
تزوجت ذلك الرجل الذي تقدم لخطبتها وكان زواجها بداية لشقاء لانهاية له.
أثمر هذا الزواج عن طفلة صغيرة ولدت مصابة بالشلل الدماغي, ولاحقا أصابها مرض نقص الاكسجة وتطور معها المرض إلى يرقان شديد اثر على ساقيها وقدميها ومنعها من المشي, لتفتح هذه الطفلة عيناها على المرض والألم والعجز عن ملامسة الأرض بقدميها الصغيرتين, ونفور الناس منها, وتلك النظرات القاتلة التي تغمر بعض العيون بالشفقة المقيتة.
لم تمض سنوات قبل أن يطّلق هذا الرجل زوجته بحجة أنها أنجبت له طفلة معاقة , تاركا إياها وطفلتها بدون أي مأوى أو أي شي يقيهما شر العوز والطلب من الناس, وسارع إلى الزواج من أخرى تنجب له الأطفال ومن ثم تزوج من ثالثة رغبة منه في مزيد من النساء والأطفال.
استطاعت هذه المرأة وبالتصدق من البعض أن تسلك حياتها وحيدة تعيش على حسنات العائلات الميسورة ومن ثم ا تكّفل احدهم بمساعدتها في تحصيل نفقتها من زوجها لتصل نفقتها بعد سنوات في أروقة المحاكم إلى /900/ ليرة سورية شهريا تقوم بقبضها من دائرة التنفيذ في المحاكم.
وعندما طلبت من القاضي أن يأخذ بعين الاعتبار أنها تعيل طفلة مريضة تحتاج إلى مصاريف كثيرة...
أجابها: بان تثبت له بأن زوجها رجل ميسور الحال وان تحضر معها الشهود الذين يثبتون واقعة الايسار؟!
وهل يكون ممن تزوج من ثلاث نساء اثنتين منهما لازالتا على ذمته وتسكنان ضمن مسكنين مستقلين مع تسعة أطفال... إلا شخصا ميسورا!!
وهل بعد هذه المعلومات العامة وبدون الدخول إلى تفاصيل عمل الزوج..
هل حقا تحتاج هذه المرأة إلى إثبات حالة الايسار وضمن شهود أيضا!!
استطاعت هذه المرأة أن تستأجر تلك الغرفة المظلمة الرطبة بمبلغ/ 1500/ ليرة
طفلتها مسجلة لدى إحدى الجمعيات التي تعنى بالمعاقين وتتقاضى إعانة شهرية بمبلغ/500/ ليرة سورية.
المرأة استطاعت التسجيل في جمعية أخرى لرعاية الأسر المستورة بمبلغ /500/ ليرة.
مع العلم أن دواء الطفلة يستهلك منها / 1000/ ليرة شهريا.
كل ما يحدث حتى الآن قد نسمعه في كل يوم وكل ساعة ولحظة , فقساوة الحياة تتطلب من البشر الكثير من الألم.
كانت هذه المرأة قد استطاعت التأقلم مع حياتها القاسية وظروفها المادية الصعبة, وكم حاولت العمل, إلا أن تدهور صحتها منعها من العمل, وأي عمل تستطيع فعله هذه المرأة عدا عن حاجة طفلتها لها على مدى الأربع والعشرين ساعة في اليوم بكل قضاء حاجاتها من الأكل والشرب وغير ذلك من الاحتياجات الإنسانية لطفل معاق.
استيقظت هذه المرأة في صباح يوم لم تسمه لي إلا بالأسود حينما دق بابها طليقها.. فتحت له الباب وقادتها أفكارها البسيطة إلى الاعتقاد أن طليقها جاء ليوصل لها مبلغا معينا أو ليرى طفلته التي لم يراها منذ أكثر من عشر سنوات!
لكنه أتى ورمى بضع كلمات حولت حياة هذه المرأة منذ اللحظة التي نطق بها ما لديه إلى الخوف والضياع الذي ينتظرها في المستقبل.
جاء ليذكرها بأن موعد استلامه للطفلة قد بات قريبا, فالطفلة بعد أشهر ستتم الخامسة عشرة من عمرها وستنتقل من حضانة أمها إلى حضانة والدها.
وانه يأخذ الطفلة ليكسر رأس مطلقته العنيد!!
ووعدها بأن يصب جام غضبه على الطفلة التي لم يرغب بوجودها يوما!!
دارت الدنيا بهذه الأم.. وبكت بحرقة.. ضمت ابنتها إلى صدرها وشعرت بخوف يصل إلى جسدها وعظامها, خوف شل حركتها لدقائق جعلها غير قادرة على استيعاب ذلك المجهول الذي ينتظرها في المستقبل.
كانت قانعة بالعيش الشظف مع ابنتها, وسعيدة بوجودها إلى جانبها ولو ضمن أسوا الظروف.
ولكن فكرة انتقال طفلتها المعاقة من حضنها إلى حضن زوجة أبيها الغير راغبة أصلا في حضانتها كان كالكابوس الذي يزيد من هموم هذه العائلة الصغيرة.
كانت الطفلة الصغيرة (س) تبكي, وكأنها تعي كل ما يجري حولها تتمسك على مدار الساعة بثياب والدتها, وكأنها تنتظر ذلك الرجل الغريب الذي سمي في الأوراق الرسمية والدها.
هذا الرجل الغريب والذي حاول رميها من النافذة لقتلها عندما كانت طفلة صغيرة لم تبلغ سوى أشهر باعتبار أنها ستعيش معاقة!!
هذا الرجل الذي لا يمت إلى الأبوة تجاه هذه الطفلة بشيء إلا ببضعة أوراق رسمية ,وبنفقة شهرية اجبر على دفعها ضمن حكم محكمة, سيستلم طفلته بعد أشهر وهو غير قادر لا هو ولا زوجته الحالية على الرعاية بها!!
لكنه القانون دائما الذي يصر على انتهاك طفولتنا, وحقوقنا دون مراعاة لأي مشاعر إنسانية يتصف بها البشر.
تناشد هذه المرأة أن يصل صوتها إلى الجميع... والى كل من يستطيع مساعدتها في الحفاظ على حضانتها لطفلتها.. وتقول: لا أريد شيئا سوى أن تبقى طفلتي إلى جانبي دائما لأرعاها!


ربا الحمود، عضو فريق عمل نساء سورية، (قانون الحضانة أيضا لتكسير رأس المرأة...)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon