بعد ثمانية أشهر على انطلاقه: "واحة الأمل" ملجأ للنساء المعنفات هل فتحت أبوابه؟؟

منذ يوم افتتاحه وضع نصب عينيه أن الطريق طويل، وهذا ماجاء به البيان الصحفي الذي نشر في يوم الافتتاح بتاريخ 25-6-2008 أي منذ حوالي الثمانية أشهر..
أما المبنى فهو مقدّم من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للجمعية الأهلية المرخصة الوحيدة في سورية، والتي تعمل خارج الإطار الخيري بل في الإطار التنموي، ولأجل الدفاع عن حقوق المرأة، إذا لا عائق من جانب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وخاصة أن الوزيرة الدكتورة "ديالا حاج عارف" قصت شريط البدء بنفسها معلنة افتتاح مأوى النساء المعنفات ليكون الجهة الأولى المرخصة في سورية والتي تأوي النساء ضحايا العنف المنزلي.
فكان خطوة حقيقية تعترف رسمياً بوجود نساء معنفات في سورية وبضرورة الاهتمام بدعم هؤلاء النسوة اللواتي ظلمهن المجتمع والقانون فتعرضن لأنواع مختلفة من العنف النفسي والقانوني والجسدي والجنسي..
وقد تناولنا في عدد سابق تعريفا تفصيليا عما يقدم ذلك المأوى من خدمات وهذا قبل الافتتاح عندما كان مجرّد مشروع على الورق بانتظار اليوم الذي يقصّ به الشريط للبدء بالعمل لكن وبعد أشهر على افتتاحه لاتزال الأقسام شبه خاليه إلا من حوالي بضع سيدات لملجأ مهيئا لاستقبال أكثر من ثلاثين سيدة..
إذا هل يوجد خلل في المشروع أم أنها الإدارة أم هي العراقيل نفسها في المجتمع من عادات وتقاليد؟؟؟
تساؤلات كثيرة حاولنا الوصول إليها في هذا التحقيق..
بداية يعتبر الملجأ خطوة هامة كونه يقدم الدعم النفسي والحماية للمرأة المعنفة في سورية وقد  تم تجهيزه -ضمن الإمكانيات المتاحة- وفق أفضل البرامج المعتمدة عالميا فهو يتضمن ست غرف نوم وصالون عام وغرفة مخصصة للرعاية الصحية إضافة إلى قاعة رياضية وقاعة للصناعات اليدوية وأخرى للكمبيوتر ورابعة للحلاقة النسائية وذلك بمساحة إجمالية للبناء تصل إلى نحو 600 متر.
أما الإشراف على هذا المبنى فهو من قبل الجمعية الوطنية لتطوير دور المرأة وهي جمعية مرخصة أشهرت عام 2004م للنهوض بواقع المرأة في سورية بدعمها لتأخذ حقها كمواطنة مساوية للرجل وشريكة معه.
وبالفعل فور الدخول إلى المبنى يرتاح المرء بالألوان الزاهية والمدروسة بطريقة علمية لتريح النظر وبالتالي تعطي السكينة، أما قاعات الرياضة فهي تحوي أفضل الأجهزة وأحدثها، وكذلك قاعات الكمبيوتر وغرفة التزيين، أما المطبخ فهو بحجم يتسع لاحتياجات ثلاثين امرأة وأكثر من حيث البرادات الواسعة والأفران وغيرها..
وما يلفت النظر أيضا وجود كادر جاهز لاستقبال النساء مدرّب وفق أحدث الأساليب العلمية.
ومن خلال التقصي تبين أنه توجد عدد من الحالات التي تم استقبالها وقد استطاعت سيدتان منهما أن تستعيدا قوتهما فقد تم الدعم لتلك السيدتان النفسي والقانوني والاقتصادي بتهيئتهما للعمل والاعتماد على الذات..
لا يخفى أن العدد قليل نظرا للامكانات المتوافرة والخطط المرسومة والدعم الحكومي المتاح ما يعني أنه ربما  هنالك مشاكلا وعراقيل استطعنا الوصول إلى الكثير منها.

العراقيل ليست من جهات حكومية
نفت المحامية الأستاذة "مها العلي" وهي عضو مجلس إدارة في جمعية تطوير دور المرأة أن تكون العراقيل الحائلة دون لجوء النساء المعنفات إلى الملجأ هي من جهات حكومية بل على العكس فقالت: "الجهات الحكومية كانت متعاونة جدا معنا وخصوصا وزارة الداخلية حيث أن أقسام الشرطة هي التي تحيل لنا الحالات التي ترى أنها تحتاج إلى ملجأ وحماية، وقد أبدوا تعاونا لا مثيل له في كثير من الحالات والقضايا، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي أيضا كان لها الدور الداعم والمؤيد لعملنا بل ساهمت بشكل مباشر في إيصال نساء معنفات إلى الملجأ، أما وزارة العدل فكان تعاونها محدودا كونها تتقيد بالقوانين والأنظمة التي تحتاج إلى تعديل ليتمكن عملنا من الوصول إلى أكبر شرائح ممكنة"
ونوهت إلى أن العراقيل الحقيقية تنبع من الجمعيات الموجودة في سورية وهي على ندرتها ليست متعاونة بالشكل الكافي فلا تساهم في إرسال نساء معنفات إلى الدار وحتى إن فعلت فهي بغرض الإفشال حيث أنهم يرسلون نساء لم يستوفوا الشروط وهي واضحة أن تكون السيدة معنفة جنسيا أو جسديا أما العنف اللفظي والنفسي فلم نستطع استقباله لأن هذا يفتح الباب على مصرعيه بحيث يعرقل تقديمنا للخدمات بالشكل المثالي المطلوب، والشرط الثاني أن تكون سورية أو فلسطينية تتجاوز الثامنة عشر من عمرها ولا مشكلة في أن تكون متزوجة أوعزباء أو مطلقة..

العادات والتقاليد لا تزال الحاجز الأكبر
وبالرد على السؤال المتعلق حول ندرة وجود السيدات الوافدات إلى الملجأ قالت الأستاذة العلي: "المشكلة الأساسية  هي العادات والتقاليد التي لا تزال غير متقبلة لفكرة لجوء المرأة إلى مكان يحميها بعيدا عن بيتها وأسرتها، وهذا أمر طبيعي فنحن مجتمع تحكمه التقاليد والعادات لذلك يحتاج لفترة طويلة لكي يتقبل الموضوع، وهنا الدور يقع على الإعلام الذي عليه أن يوضّح أهمية وجود هذه المراكز ودورها بالإضافة إلى المجتمع المحلي الذي عليه أن يدعم هذه الأفكار، والتي هي بالحقيقة دعم للأسرة وحماية لها من التدهور فنحن هنا لا نشجع النساء على ترك بيوتهن لكننا نستقبلهن عندما يصلن إلى طريق مسدود ونعمل على حمايتهن وتأهيلهن ونحاول إصلاح الأمور بقدر المستطاع وبحرفية عالية ونحن حاليا أهلنا كوادرا قادرة على التعامل مع ضحايا العنف الأسري وكيفية المساهمة في إدماجها في المجتمع مرةً أخرى".
ولم تخفي الأستاذة "مها العلي" الضغوط والأعباء المادية التي تضيّق سبل التنشيط من حيث الحملات والتي لا بدّ منها لإعادة بثّ الحياة في مشروع هام على صعيد الأسرة والمجتمع.

الفكرة ليست جديدة على مجتمعاتنا العربية
 وفي لقاء مع السيدة (رانيا الجابري) رئيسة جمعية تطوير دور المرأة أكدت أن فكرة الملجأ ليست جديدة على مجتمعنا فهو كان موجودا منذ أيام العثمانيين، وكان يسمى نزل "الغواضب" حيث كانت النساء المعنفات تلجأن إلى مكان محدد أسمه نزل الغواضب لكي تستعدن قوتهن وتبتعدن عن العنف وتتم حمايتهن، أي الفكرة ليست مقتبسة من الغرب وليست دخيلة على مجتمعاتنا، يبقى أن يقتنع المجتمع بأهمية وجود هذه المراكز وبأهمية اللجوء إليها ليس من أجل الحماية فقط بل من أجل الاستشارات القانونية والنفسية وهي تؤهل السيدة لتنطلق من جديد وبقوة نحو الأمام.
أما من حيث المعيقات فهي ليست أبدا جهات رسمية بل على العكس أبدت تعاونا، إنما هو التقبل من المجتمع وبدورنا نحن نهيئ أنفسنا بشكل أكاديمي ومدرب حيث أننا نقوم على تدريب مجموعة من المتخصصين للتعامل مع ضحايا العنف وبدعم من اليونيفيم والundp وقد فصلنا مجلس الادراة بعمله عن الفريق الذي سيعمل مباشرة مع الحالات إن كان من حيث الاتصالات أو المشاهدة المباشرة أو اللجوء إلى المركز، وهو آخر السبل التي نصل إليها بعد محاولات عديدة بالمساندة والدعم، وهذا يؤكد على أن عملنا يتماشى مع أحدث أساليب الإدارة لكي تبقى له الاستمرارية لأجيال.
أما بالنسبة للرقم الرباعي فهو يحتاج فترة كي يخصص وهي سنة ونحن افتتحنا الدار منذ ثمانية أشهر وبعد أربعة أشهر سوف يخرج الرقم الرباعي إلى العلن وهو أسهل للحفظ والإعلان، وبالنسبة للحملات الإعلامية فنحن نقوم بها بين فترة وأخرى لكن ليس على نطاق واسع فالدار لا تتسع لأكثر من خمسين حالة بالحد الأقصى وفتح الباب على مصرعيه يؤذي بالعمل الذي نسعى لأن يكون الأفضل، وحاليا نعلن عن طريق المنتدى الاجتماعي والمراكز الثقافية وبشكل شخصي.

الاتصال على الرقم (5435058)
إذا العراقيل ليست أكثر من الاحتياج لفترة زمنية لتقبل المجتمع وللوصول إلى آلية تواصل بين الحالات والمركز وفريق العمل والذي يستقبل الحالات على الرقم (5435058) وبجاهزية تامة، فيتم التحدث مع الحالة والتواصل معها بسرية تامة وتقديم الاستشارات القانونية والنفسية وكل ذلك بشكل مجاني دون أي مقابل.
وتبقى بعضا من التلميحات من هنا وهناك تؤكد أن الجمعيات الأهلية في سورية وعلى ندرتها لا زالت تفتقر للتعاون، وهذا نتيجة طبيعة للعودة من مستنقع الركود الذي كان يعيشه المجتمع فترة من الزمن من حيث الحراك المجتمعي، ونأمل أن تستفيد جمعياتنا من الدورات التي تقوم بها والمتعلقة بالتعاون بين فرق العمل والدعم الواجب بين الجمعيات لتشكل قوى داعمة وفرص قوّة للجمعيات، والتي هي السبيل الأنجح للوصول إلى بيئة سليمة تهدف إلى مجتمع أفضل.


رهادة عبدوش، (بعد ثمانية أشهر على انطلاقه: "واحة الأمل" ملجأ للنساء المعنفات هل فتحت أبوابه؟؟)

مجلة جهينة، (3/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon