الإجهاض يمنعه القانون من جهة.. ويكرس وجوده على أرض الواقع من جهة أخرى

الإجهاض هو حتمية تفرض على الفتاة او المرأة بسبب عدة ظروف تفرضها خصوصية مجتمعنا وأعرافنا من جهة وبسبب قوانيننا من جهة أخرى..

فقد تجد الفتاة نفسها حاملا من علاقة غير موثقة بعقد زواج معترف عليه قانونا، فلا يكون أمامها بعد رفض الطرف الآخر لهذا الطفل إلا ان تحاول إيجاد حل لورطتها عن طريق الإجهاض، فتلجأ إلى الحل الطبي.
غالبا مايتم الإجهاض بعدة طرق طبية أو تقليدية بدائية للتحايل على الفعل بأنه حدث قضاء وقدر وليس قصدا لإبعاد الصفة الجرمية عن الفعل، فهذا الفعل معاقب عليه قانونا ضمن قانون العقوبات بالمادة (527) والتي نصت على :
" كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".

وراعى المشرع المرأة التي تلجأ إلى فعل الإجهاض بدافع الشرف بالعذر المخفف بالمادة (531) والتي نصت على :
" تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها. ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 528 و529 للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية".
عاقب القانون على الإجهاض كونه يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية والتي عاقبت على قتل النفس البشرية بدون ذنب، وبالتالي اعتبر الإجهاض جناية معاقب عليها لدينا.

وعاقب المشرع أيضا الطبيب او من يقوم بتسهيل عملية الإجهاض بالمواد التالية:

المادة 528
1 ـ من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
2 ـ وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات.
3 ـ وتكون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا تسبب الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة.
المادة 529
1 ـ من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل.
2 ـ ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة.
المادة 532
1 ـ إذا ارتكب إحدى الجنح المنصوص عليها في هذا الفصل طبيب أو جراح أو قابلة أو عقار أو صيدلي أو أحد مستخدميهم فاعلين كانوا أو محرضين أو متدخلين شددت العقوبة وفاقاً للمادة 247.
2 ـ ويكون الأمر كذلك إذا كان المجرم قد اعتاد بيع العقاقير وسائر المواد المعدة للإجهاض.
3 ـ ويستهدف المجرم فضلاً عن ذلك للمنع من مزاولة مهنته أو عمله وإن لم يكونا منوطين بإذن السلطة أو نيل شهادة.
4 ـ ويمكن الحكم أيضاً بإقفال المحل.
والمادة 247 التي تم ذكرها نصت على:
" إذا لم يعين القانون مفعول سبب مشدد، أوجب السبب المذكور تشديد العقوبة على الوجه التالي:
يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزداد كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة".

ورغم ان هذه المواد نظريا تعاقب على من تقوم بفعل الإجهاض، وعلى تشديد عقوبة من يقوم بتسهيل هذا الفعل، سواء برضا المرأة من عدمه، وكذلك بعقاب الطبيب الذي يقوم بهذه العملية، إلا ان عمليات الإجهاض على ارض الواقع تحدث بشكل دائم ومتكرر ولم تسجل حتى هذه اللحظة حالة سحب شهادة او إغلاق عيادة طبيب بسبب قيامه بإجهاض امرأة وحتى في حال قيام دعوى قضائية بحق طبيب، تنتهي هذه الدعوى بعدم تحميله هو أو المرأة أدنى مسؤولية، بسبب سهولة إثبات ان المرأة أتت في وضع إسعافي معين مما اقتضى إجراء عملية الإجهاض كونها تهدد حياة الأم الحامل.
فتلجأ المرأة إلى الطبيب الذي غالبا ما يقوم بهذه العملية ضمن عيادته الخاصة التي تفتقر إلى أدنى درجات التعقيم مما يعرض صحة وربما حياة هذه المرأة إلى الخطر، عدا عن الكلفة المادية الكبيرة التي يطلبها الطبيب بحجة انه يقوم بعمل مخالف للقانون.
وأكد د. حسام صطوف بأن الإجهاض في العيادات خطير جدا من جهة تعريض المرأة لخطر الانتان (الالتهاب)..
 حيث أن المكان عادة يكون غير مهيأ للعمليات، والأدوات قد يكون تعقيمها بوسائل بدائية غير كافية..

فضلا عن ان عملية الإجهاض لها اختلاطات لا يمكن تدبيرها بالعيادات الخاصة مثل :
- انثقاب الحم..
- والنزف نتيجة عطالة الرحم.. أي عدم انقباض الرحم بعد انتهاء التجريف.
- ومن الممكن موت المريضة نتيجة توسيع عنق الرحم حيث هذا التوسيع يحدث بدون تخدير كافي وتحضير المريضة يمكن ان يسبب توقف قلب مفاجئ..

- بالنسبة للأدوية طبعا أي دواء قد يسبب ارتكاسات تحسسية..

- والأدوية المستخدمة للإجهاض بشكل خاص يجب مراعاة عمر الحمل فيها لضبط الجرعة.
- ومن الممكن أن تسبب تمزق بعنق الرحم، او حتى تمزق الرحم..
- وممكن أيضا أن تحدث إسهال وتشنج قصبي..

بعودتنا إلى القوانين التي تمنع الإجهاض وتعاقب عليه وتعتبره جناية قتل في حال ثبوته، ولو أخذنا بمدى هذا الجرم المباشر الذي تقوم به المرأة بحق نفسها وبحق طفلها عند لجوئها للإجهاض لطرح هذا السؤال نفسه..
ماهو الحل إذن؟!
إذا كانت القوانين لدينا لاتسمح بان يبقى الطفل إلى جوار أمه في حال إنكار والده له باعتبار انه طفل قائم بناء على علاقة غير شرعية وبالتالي هو طفل غير شرعي ولايمكن ان يحصل على أي حق من حقوقه كالتعليم الإلزامي المجاني والضمان الصحي له كاللقاح مثلا..
فهو بنظر القانون غير شرعي (لقيط) ومكانه فقط في دار للقطاء ليحصل على حقوقه كطفل غير شرعي لأجل ان يحصل على أوراق تثبت وجوده فعليا في المجتمع..
وبنفس الوقت لاتملك المرأة في سورية ضمن القوانين الحالية ان تنسب طفلها إليها باعتبار ان الطفل ينسب فقط إلى الأب ووطفلنا هنا والده لا يقبل بالاعتراف به!!

وحتى هذه اللحظة لم يعترف قانوننا بتحليل DNA لإثبات نسب الطفل لوالده.. علما ان هذا التحليل يتم استخدامه في كشف الجرائم الجنائية فقط.. دون قبوله لإثبات نسب الطفل وفي هذا مفارقة مبهمة..
فحتى لو كان أب هذا الطفل موجودا وقامت المرأة برفع دعوى على هذا الأب لإثبات نسب الطفل له فان القوانين لاتجبر هذا الأب على الاعتراف بطفله ويقع على المرأة ان تثبت علاقتها بهذا الرجل عن طريق الشهود أو عن طريق ورقة الزواج العرفي في حال كان ارتباطهما ضمنه، او أي شيء قد يساعدها بإثبات هذه العلاقة لتستطيع ان تتحايل على القانون بجرم اغتصاب تمهيدا لإثبات ان طفلها ناتج عن هذا الاغتصاب، ولن يخفى على احد كم سيثير هذا فضيحة كبيرة لدى هذه الفتاة فتحجم عن ذلك ابتعادا عن هذه الجلبة التي ستواكب طفلها حتى وان كبر، هذا إذا استطاعت هذه الفتاة البقاء على قيد الحياة دون ان يتعثر بها احدهم بحجة جريمة شرف!!

بعيدا عن اعتبار هذا الطفل قائما على علاقة غير شرعية، عادة ما يحدث حمل غير مرتب له من قبل عائلة لا تتحمل ظروفها المادية ان ينضم فرد جديد إليها، فتلجأ الأم إلى الإجهاض بالاتفاق مع الطبيب مسبقا على ذلك وبموافقة الزوج أيضا..
ماذا تبقى إذا من تجريم فعل الإجهاض إذا كان هذا الفعل يحدث دون النظر إلى مخالفته للقانون نظرا لضرورته كإجراء وقائي وضروري في المجتمع.

إجراء عملية الإجهاض غير قانوني في كل الدول العربية إلا في حالة واحدة وهي الحفاظ على حياة الأم باستثناء (دولة تونس) حيث يسمح بإجراء الإجهاض عند الطلب في أول 12 أسبوع.

قد يكون الإجهاض كفعل مادي ليس حقا طبيعيا ودائما من حقوق المرأة لها ان تتصرف به باعتبار انه حمل قائم في جسدها، لأننا بتعميم هذا الحق نصادر حق الجنين في الحياة وهذا مناف لحقوق الإنسان حتى لو كانت هذه المصادرة واقعة على جنين، لكن عندما يصبح هذا الحمل عبئا ومصدرا للخوف والتهديد لحياة هذه المرأة، ويكون لزاما عليها وحدها ان تتحمل ضريبة هذا الحمل وإنجاب طفل غير معترف به ضمن المجتمع الذي سيولد فيه، خاصة إذا كان ناتجا عن اغتصاب او علاقة غير شرعية.
لا يجب ان نقف عند الإجهاض وننظر إليه فقط من منظور واحد لأن هذا الفعل ليس فقط متعلقا بالمرأة التي تقوم بهذا الفعل، وليس متعلقا بالطفل الذي بل هو فعل متعلق بإمكانية إحداث أسرة من جراء هذا الحمل، وفيما إذا كان من الصائب تأسيس أسرة قائمة على سبب حدث بشكل مفاجيء ورغما عن الطرفين.
لاحل منطقي إلا بالسماح بالإجهاض قانونيا وذلك للحد من ظاهرة الأطفال الغير شرعيين من جهة، ولمنع قيام الإجهاض في العيادات الخاصة والذي لا يعود إلا بالضرر الصحي على المرأة من جهة أخرى.


ربا الحمود، (الإجهاض يمنعه القانون من جهة.. ويكرس وجوده على ارض الواقع من جهة أخرى)، rouse2000@gmail.com

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon