حب أعمى... بداية أيام سينما الواقع بحمص

"يمكن للحب أن يكون لطيفاً... يمكن للحب أن يكون سخيفاً... يمكن للحب أحياناً أن يكون أعمى... إن من الصعوبة بمكان أن يجد مبصر مكانه في هذا العالم لكن كم هو أصعب على من هو أعمى؟
"نظرة" العميان كثيراً ما تكون نقية وجوهرية. وكثيراً جداَ ما تكون حاذقة للغاية. إنها تكشف الغطاء عن معاني جديدة للسعادة."

كلمات قليلـة ومعبرة للمنظمين حول فيلم (حب أعمى) للمخرج السلوفاكي يوراي ليوتسكي والحاصل على جائزة CICAE في مهرجان كان 2008 , والذي بدأت به فعاليات الدورة الثانية من تظاهرة الفيلم التسجيلي أيام سينما الواقع "DOXBOX09 " في سينما الكندي بحمص بمشاركة 40 فيلماً تسجيلياً كان جرى عرضها في دمشق ونصيب حمص منها 14 فيلماً.


إن حقيقة ما يولده الظلام الناتج عن فقدان النظر, يطرح الكثير من الأسئلة حول سبل العيش لفاقدي البصر وفي مقدمة هذه الأسئلة ما هو مصدر سعادتهم؟ هم على الأغلب يمتلكون ما يميزهم عن الأصحاء فيجعل منهم هذا الفقدان لحاسة ما أكثر ثراء في الروحانية... وربما يجعلهم ذلك المنطق الوحيدين القادرين على الوصول للمضمون بعيداً عن سطحية الشكل!

بطريقة يملؤها الفن والعبقرية في محاولة لإبراز بعد جديد للحب, يتمحور فيلم حب أعمى حول أربعة محاور متسلسلة يعرض كل محور واحداً من المكفوفين تعود لتتداخل بفلاشات سينمائية عبر زمن الفيلم وبطريقة فريدة من نوعها يكشف المخرج مسارات تطور العلاقة الحميمة بين المكفوفين وشركائهم.

 تدور أحداث المحور الأول حول بيتر، وهو مدرس موسيقى في مدرسة لافوتشي للمكفوفين، وزوجته إيفتا، يعيشان في شقة صغيرة، يريد لها المخرج أن يظهرها بأنها مساحة خيالية مذهلة عن طريق ملئها بمشاهد مشتركة تصور حياة بيتر وزوجته كمشهد تقشير البطاطا وتقطيعها ومشهد زوجه بيتر وهي تحيك له الصوف وانتهاءً بمشهد شربهما المربك لكأسي الشمبانيا.

المحور الثاني حول ميرو الأعمى ومونيكا الفاقدة للنظر جزئياً ووقهما في الحب، ما تحمله هذه العلاقة من تعقيدات وصعوبات تقف حائلاً أمام التقائهما من خلال اعتراض أهل مونيكا على ميرو كون أصوله تنحدر للغجر, حيث تقرر مونيكا الهرب من منزلها لتعيش حياتها مع ميرو ورغبتها في الإنجاب رغم ما يحمله ذلك من مخاطر بفقدانها النظر كلياً..
 
يكشف المحور الثالث علاقة إيلينا ولاكو الزوجية واللذان ينتظران طفلاً وما تحمله هذه الحالة من فرح أمل وحلم ولكن بنفس الوقت الكثير المخاوف على الطفل الذي لم يولد بعد كون كلاهما أعمى وما يمكن أن يحمله العامل الوراثي للطفل القادم. لتأتي ابنتهما متمتعة بالنظر الذي حرم منه والداها... حيث ينهي المخرج هذا المحور بمشهد مرافقة الأم لابنتها في السينما، وكيف تصف الابنة فيلم الكرتون لوالدتها, لتكون نتيجة هذه العلاقة طفلة جميلة تتمتع بالنظر.

 يغطي المحور الرابع تفاصيل حياة المراهقة سوزانا والتي لديها أربع عشر عاماً , على وشك أن تبدأ في المدرسة الثانوية وما يثيره ذلك الأمر من مخاوف حول كونها الطالبة العمياء الوحيدة للمدرسة, وسوزانا مثلها مثل كل المراهقين تمضي الكثير من الوقت على الانترنت وغرف الدردشة لحين تقع في حب "جوي" شاب لا تعرفه, تقرر اللقاء به لكن خوفها من رفضه لها كونها عمياء يجعلها تتراجع عن هذا القرار لتعود لعالمها الافتراضي المفضل.

فيلم "حب أعمى" منحاز كلياً للحب الذي تكونه قلوب فاقدي البصر , ذلك الحب الحقيقي الوردي, حب الآخر بلا شروط, حب من هكذا نوع يرى الآخر جميلاً دائماً منذ البدء وحتى نهاية الحياة, حب يختزن في ألقه نوراً يطغى على كل قصص الحب الأخرى التي يضج بها الواقع العادي المعاش ويفضح ضعفها مهما كان أساسها قوياً.

على مدة 77 دقيقة يشرح يوراي ليوتسكي وبطريقة ساحرة وبلغة بصرية رائعة نوعاً جديداً من الحب والسعادة التي يتشاطرها الغير مبصرين حيث لاوجود لتشتت قد يلهيهم عن سعادتهم أو حبهم, ويركز بقوة على تزايد الروابط الروحية والعاطفية التي هي باستمرار نحو الأعلى.... ويطرح أسئلة صعبة بشأن سطحية الحب عند الناس الأصحاء قد يكون من الصعب أو الخوف إيجاد أجوبة مقنعة لها.


ربيع عجرم، (حب أعمى... بداية أيام سينما الواقع بحمص)

عن موقع صدد، (3/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon