قهر المرأة وتبخيسها

بما أن المرأة أفصح الأمثلة عن العجز والقصور وعقد النقص والعار فهي أفصح الكائنات تعبيراً عن وضعية القهر، كما أنها أكثر العناصر الاجتماعية تعرضاً "للتبخيس"1 في قيمتها سواء على صعيد الجنس أو الجسد أو الفكر أو الإنتاج أو المكانة ويقابل هذا التبخيس "مثلنة"2 مفرطة عند الرجل،

ومن بين أقصى حالات التبخيس التي تتعرض لها المرأة  وصفها بالعورة، رمز العيب والضعف، القاصر، الجاهلة، الأداة التي يمتلكها الرجل مستخدماً إياها لمنافعه المتعددة. كما أنها  تتعرض لعملية استبعاد اجتماعي وعدم الاعتراف بحقوقها كإنسانة.
فالمرأة تابع لا حرية له ولا إرادة ولا كيان فهي من ممتلكات الأسرة منذ أن تولد وحتى تموت حتى القوانين المدنية والدينية تقيد المرأة في حريتها وفي قدرتها على الاختيار وفي حرية جسدها وإمكانية التصرف به، وسواء كانت أداة للإنجاب أو أداة للمتعة فهي في كلتا الحالتين تستخدم كوسيلة للتعويض عن المهانة التي يلقاها الرجل المقهور اجتماعياً وللتعويض عن قصوره اللاواعي بإسقاطه على المرأة فحيثما وجد قهر واستغلال لا بد أن يسقط على المرأة (طبعاً باعتبارها من ممتلكات الرجل) ولكن طبيعة المرأة لا علاقة لها بهذا التبخيس فالمرأة من الناحية البيولوجية أكثر مناعة من الرجل وانبناؤها البيولوجي الوراثي أكثر مناعة من الرجل كذلك فالرصيد العصبي الدماغي لا يقل عن رصيد الرجل ولكن الفروق تكمن في المكانة التي تعطى لكل من الرجل والمرأة، فهذه الفروق تنمي إمكانيات الرجل وتطمس إمكانيات المرأة، وهذا يفسر وصف المرأة بالمازوشية فجزء كبير من هذه المازوشية ليس سوى ارتداد عدوانيتها المتفجرة نتيجة للإحباط المزمن إلى ذاتها، أما الجزء الآخر من هذه العدوانية يكمن في ممارسات الكيد والدس والحقد والحسد التي تشتهر المرأة بها اجتماعياً، والخلاصة فإن القوالب النمطية الشائعة لسمات الأنوثة والذكورة ليست فطرية بل هي نتاجاً للتكيف الثقافي.
أما ما توصف به المرأة من حيث العاطفية الزائدة وسيطرة الخرافات فهي نتاج ما فرض عليها من تبخيس، وكبتها وحرمانها من فرص التعامل مع الواقع واستلابها إرادتها وقدرتها على الاختيار فوضع المرأة موضع المهددة الفاقدة للسيطرة على مصيرها لا يترك لها سوى السحر والشعوذة لاسترداد ما هدر من مكانتها.
وفي العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة طبعاً هي المذنبة دائماً، مذنبة إن استسلمت للإغراء قبل الزواج، ومذنبة إن حرمت المتعة برفقة زوجها، ومذنبة إن هي لم تنجب، ومذنبة إن لم تنجب الذكور.
فالمرأة أسيرة عملية "تشريط"3 مزمن تدفعها لتلعب دور الراضخ المقهور أو دور الأداة وهي تطمئن لهذا الدور وقد أعدت له نفسياً ولكنه لم يعد يرضيها على مستوى الوعي بكيانها والوعي بحقوقها، فالرجل يتحدث عن المساواة وعن تحرير المرأة وتحرير المرأة من التبعية للرجل ولكنه على الرغم من ذلك لا يستطيع التخلي عن امتيازاته بسهولة، وهكذا يعاني كل من الرجل والمرأة من صراعات نفسية وتناقضات داخلية فهي لا زالت محافظة مقيدة داخلياً مع تحرر ظاهري وهو ما زال متمسكاً بوضعية السيد وامتيازاته مع ادعاء المساواة وتأييد حقوق المرأة، وهكذا فالمرأة تخشى الإقدام على تحمل المسؤولية لما غرس في نفسها من مخاوف بغية البقاء في حالة تبعية دائمة للرجل حيث أنها أصبحت تجد في هذه التبعية نوع من الاستقرار وشعور بالأمن والحماية من العالم الخارجي الذي يصور لها على انه (غول) يتربص بها إن كانت وحيدة، هكذا تتراجع إلى مواقعها السابقة مترددة أمام عظم التحديات وكبر المهمة وتخشى أن تدفع كيانها أو سمعتها ثمنا لمحاولة فيها ولو القليل  من الجرأة.
ولكنها تعود بعد استكانة قد تطول فترفض وضعية العبودية المفروضة عليها وتحس إحساسا سيئاً بثقل ماضيها وما فرض عليها كإنسانة، لم يرد لها أن تكون سوى أداة، تصدر عنها ردود فعل على شكل تمرد ترفض فيه كل الماضي وكل التبعية وكل وظائف دورها التقليدي، ترفض خصوصاً دور المرأة الخادم المستَلب اقتصادياً، ودور آلة التفريخ والمتعة، تثور على صورة الأنثى التي تراها في أمها وقد يمتد الرفض لتصل إلى حد رفض الأنوثة بمجملها، من خلال التنكر لجسدها وخصائصه البيولوجية وحاجاته، تقتدي بالرجل كنموذج للتحرر فتحاول أن تقلده فتخسر أنوثتها دون أن تربح الرجولة، أو هي تمر بفترات من التذبذب  ما بين الإفراط في الأنوثة فتلعب دور الغاوية، والإفراط في التنكر لتلك الأنوثة من خلال الانخراط في ممارسات وتصرفات تتصف بالذكورة .
وإذا نبغت المرأة في مجال من المجالات تسحب منها صفة الأنوثة (باعتبار النبوغ صفة الرجل فحسب) وتسحب منها شخصيتها كامرأة و تُضم إلى جنس الرجال (أخت رجال).
ولكن على الرغم من كل ما تتعرض له المرأة من تقليل لمكانتها وجهودها إلا أننا لا نستطيع أن نحدد مدى ارتقاء المجتمع وتطوره إلا انطلاقاً من وضعية المرأة فيه ومدى ما بلغته من تحرر.

مراجع:
- مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي (سيكولوجيا الإنسان المقهور).
- نوال السعداوي، المرأة والجنس.
- الاستبعاد الاجتماعي، مجلة عالم المعرفة، تحرير:جون هيلز- جوليان لوغران- دافيد بياشو

1 -الحط من قيمة شيء أو إنسان.
2 - رفع إنسان أو موضوع إلى مرتبة المثل الأعلى وتنزيهه عن الشوائب والنواقص
3 - نظرية في التعليم قال بها العالم بافلوف ،يعني التشريط حرفياً ربط مثير طبيعي يثير سلوكاً محدداً بمثير اصطناعي لا يثير هذا السلوك تلقائياً


إعداد: رنا نصر، (قهر المرأة وتبخيسها)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon