المخرج محمد بري العواني: أصبح المسرح شكلا زائفا من أشكال الفرجة الآنية

قبيل حلول يوم المسرح العالمي في 27 من آذار استعدت مدينة حمص لافتتاح مسرحها القومي,  الذي صدر مؤخرا مرسوم بإحداثه, بعد ما يقارب الخمسين عام من وجوده في دمشق. وتم تعين الكاتب والمخرج المسرحي  محمد بري العواني مديراً له.

الأستاذ محمد بري العواني أحد أهم الأشخاص الذين عملوا طويلا في المسرح في حمص، ونشاطه لا يخفى على أحد. وكان سعيدا جدا أثناء لقاءنا به، فهذه الخطوة تلبي حاجة حمص إلى مسرح يحتضن مهرجانها المسرحي السنوي الذي بدأ منذ 1987.

محمد بري العوانيوهذا المسرح الجديد هو جزء من المسرح القومي السوري، ويخضع لجميع القرارات الثقافية التي تصدرها الجهة الأعلى مع اختيار النصوص وأشكال العرض. كما هو الحال مع المسرح القومي بدمشق.

ويرى الأستاذ العواني أن صالات المسرح تعاني من تراجع كبير, فالمسارح القومية محدودة الفاعلية لأنها لم تعد تتوجه إلى جمهورها بما ينسجم مع ثقافته وتراثه. "المسرح القومي يتعرض لأزمة وجود فعال, ويعود ذلك لجملة اعتبارات منها التذبذبات في التوجهات الاقتصادية والإيديولوجية"، أكد الأستاذ العواني، وتابع: "إلى جانب تنامي الأصوليات المختلفة، ومنها الأصوليات الدينية وعودة أكثر الجمهور للتدين المتشدد الذي يحرّم كل شكل فني تشخيصي أو سماعي دنيوي، بالإضافة إلى انبهار آخرين المتطرفة بإنجازات الغرب". هذا كله أبعد المسرح عن معرفة ووعي احتياجات المواطن العربي من حيث انتماؤه لثقافته الخاصة فالمسرح ينطلق مما هو خاص بيئي إلى ماهو عالمي.

ويضيف العواني أن المسارح القومية تهدف نظرياً إلى تعزيز الثقافة القومية والوطنية، فهي يجب أن تشكل المدارس الخلفية لتنشئة مواطن معافى من كل شوائب التخلف والجهل. وهذا أمر يحملها مسؤولية الانتماء إلى البيئة (تاريخ وتراث)، وتعريف الأجيال اللاحقة بها, كذلك إلى تنمية الوعي القومي الإنساني بالعلاقات المشتركة في عالم تسوده الكثير من الإيديولوجيات والثقافات والمعارف. ويؤكد أن المسرح القومي لا يمكن أن  يكون متحررا من تبعيته لنظام دولته السياسي، فهو أحد مؤسسات الدولة.

العواني شرح في حديثه لـ"نساء سورية" أن المسرح فن ديمقراطي، وشكل من أشكال التعددية الديمقراطية. كذلك هو أحد أهم أصوات التعبير الاجتماعي ضد كل أشكال تعسف السلطات بأنواعها. وأضاف أن ما هو قائم في المسارح القومية هو أن هذه التعددية قد تم تحديدها بصوت واحد أو صوتين، وهذا يجعلها  تتراجع عن قول الحقيقة، بل حتى تتراجع عن تواصلها مع جمهورها. فالمسرح، كما يقول العواني، فن الدولة السياسية الديمقراطية، وبتراجع هذه الدولة يتراجع الفن عموما، والمسرح جزء منه.

ويرى الأستاذ محمد بري العواني أن المسرح القومي في سورية يمتاز بأفق حرية أكثر قياسا بالمسرح القومي في باقي البلدان العربية، ولكن ذلك لايمنع على الإطلاق أن المؤسسة الثقافية تستطيع أن تصادر عرضا، ما كما جرى مع نص للكاتب ممدوح عدوان"ليل العبيد"، أو نص "الاغتصاب " للكاتب سعد الله ونوس، رغم أن هذا المنع كان منوطاً بأسباب سياسية مرحلية.

وتحدث الأستاذ العواني عن الرقابة فقال أن المسرح في كل العالم يخضع للرقابة بغض النظر عن اختلافها. وشهدت لجان الرقابة المسرحية في سورية أسماء لامعة كالشاعر محمد الماغوط, الكاتب سعد الله ونوس, الكاتب ممدوح عدوان, الكاتب وليد إخلاصي وغيرهم.. ولكن طبعا بالإضافة لرقيب حاضر دائما! وقد يُرفض النص من قبل الرقابة لاعتبارات كثيرة غير مقنعة..

أما عن علاقة الجمهور بالمسرح القومي فيرى الأستاذ العواني أن المسرح أصبح شكلا زائفا من أشكال "الفرجة الآنية" دون أي تواصل بين الصالة والخشبة لأسباب عديدة، لعل أهمها:
- ابتعاد المسرح عن الموضوعات التي تلامس كل متفرج ودخوله في مضامين ذات طبيعة فلسفية وفكرية ونفسية معقدة فأصبح المسرح يتوجه للنخبة التي تتذوق الفن.
- تنامي الأصوليات الدينية وعودة أكثر الجمهور للتدين الذي يحرم كل شكل فني تشخيصي أو سماعي دنيوي.
- أغلب مواضيع ما يعرض على المسرح القومي تعالج حالات فردية لإنسان فرد، وهذا لا ينسجم مع الطبيعة العامة للمسرح.

يذكر أن المسرح القومي بحمص هو بناء ضخم وتتوفر فيه كل شروط العرض المسرحي والتدريب المسرحي فيضم قاعات كبيرة ومجهزة تجهيزا حديثا.
ورغم أنه تأخر كثيرا، لكن افتتاحه يساعد على تخفيف الانزعاج المترتب على كل هذا التأخير، فهو سوف يساعد على تقديم الأفضل لجمهور حمص المتعطش لمسرح راق.



ثناء السبعة، (المخرج محمد بري العواني: أصبح المسرح شكلا زائفا من أشكال الفرجة الآنية)،
thsabaa@yahoo.com

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon