أين الجديد في "مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد

بعد ستة وخمسين عاما من صدور أول قانون أحوال شخصية للسوريين، الذي احتوى على بعض الاستثناءات لبعض الطوائف، وبعد شهور قليلة من المشروع الطالباني، ظهر ما أسماه البعض ب"المشروع الجديد" مع أنه لم يحمل أي جديد باستثناءات طفيفة جدا. فرغم أنه ألغى تعبير "النكاح" لصالح الزواج إلا أن المرأة بقيت فيه "موطوءة" أو معتدة فلان، وبقي تعدد الزوجات مباحا بيسر وسهولة، ومازال مشروع القانون يعتبر المرأة ناشزا إذا عملت دون موافقة زوجها!

ستة وخمسون عاما مضت على أول قانون لم يعدل، إلا مرتين، تعديلات طفيفة لم تقترب أبدا من أساسه التمييزي ضد النساء، أي أن هناك ستة أجيال، على الأقل، خضعت لهذا القانون دون أي مراعاة للتطور الاجتماعي والثقافي الذي جرى خلال هذه السنين. ومن المفارقات أن عام صدور هذا القانون (1953) كان عام نجاح المرأة السورية في الحصول على حق الترشح لأول مرة، والآن في القرن الحادي والعشرين ومع أن امرأة سورية تشغل موقع نائبا لرئيس الجمهورية، إضافة إلى عدد من النساء في مواقع هامة من مواقع صنع القرار، إلا أن الأحكام التي حكمت جدات أولئك السيدات مازالت هي نفس الأحكام التي تحكمهن!

ومن نافل القول إن الخطط التنموية كلها تنص على تشجيع النساء على التعليم والعمل، بل حتى أن تقرير حالة السكان في سوريا أشار بوضوح إلى "الفاقد النسوي" مما يعني أن طاقات النساء في بلادنا هي طاقات مهدورة وتشكل فاقدا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كبيرا. ومع ذلك يصر المشرعون عندنا على "ديمومة" مجرد اجتهادات بشرية خالصة، وجدت لنساء كن يعشن في "الحرملك"، وكأنها كتاب إلهي لايقربه الباطل ...

لقد أشارت أغلب المقالات إلى التناقض مع الدستور السوري والاتفاقيات الدولية التي صادقت سورية على الانضمام إليها، إضافة إلى أنه طالما أن القانون 59 لعام 1953 مأخوذ من مجلة الأحكام العدلية العثمانية ومن كتاب قدري باشا المصري، وبما أنه أصبح في تركيا قانون مدني للأسرة، وفي مصر جرى تعديل كبير على قانون الأحوال الشخصية (سكن الحاضن، الخلع، محلكم الأسرة، قانون الطفل...) فلماذا نهتدي بهم عندما يكون القانون متخلفا ونصر على الاختلاف الجذري معهم عندما تتطور قوانينهم؟!

لقد عدلت أغلب الدول العربية في قوانينها، والعديد منها ألغى ما يسمى بالأحوال الشخصية وكرس مفهوم قانون للأسرة، بينما في سوريا مايزال القانون النافذ و"المشروع الجديد" يسمحان بتزويج الأطفال وبخاصة الطفلات، ويكرسان تبعية المرأة للرجل باعتباره "المنفق القوام"، ومازالا يعتبران الموقف من المرأة هو مجرد أعراف وتقاليد، أو "شأنا دينيا خاضعا لاجتهادات وتفسيرات" أكل الدهر عليها وشرب، متجاهلين أنه (الموقف من المرأة) موقف من حقها بالمواطنة، كما أنه موقف من عملية التنمية بعامة، وموقف من الوطن، ومن مستقبل هذا الوطن الذي نتطلع إليه.

وعلى ما يبدو أن هذا المشروع لم يحمل إلا جديدا واحدا، هو الوضوح في إصرار البعض على اغتيال حقوق النساء والأطفال، حقوق أغلب أبناء وبنات الوطن. وللدقة.. يمكن أن لا يكون هذا الجديد الذي ندعيه جديدا أبدا، فعلى الأرجح أننا كنا نخدع أنفسنا متذرعين بعلمانية لم تقترب أبدا من قضايا المرأة لتحميها أو لتدافع عنها، بل تركتها مجالا للمساومة!

ولم يبق من الجديد إلا الصفعات التي تلقيناها في الآونة الأخيرة، الواحدة تلو الأخرى، والتي رغم الألم الذي سببته إلا أنها كانت الإنذار القوي الذي كنا نسد آذاننا عن سماعه حتى اخترق ذواتنا من خطورة مدلولاته، وأصبح يهدد بشكل مباشر وصريح مستقبل سوريا ومكانتها!

فأين أنتم يا أيها الساعون من أجل وطن رحب لأبنائه وبناته، الوطن ونساؤه ينتظرون منكم مواقف وأفعالا.


سوسن زكزك، (أين الجديد في "مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد)

عن موقع "عشتار"، (11/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon