المجتمع الجاهل والنساء الضحية المستباحة

تعيش اليوم سورية تراجعا كبيرا في المدنية التي سبقت إليها كثيرا من البلدان العربية الأخرى فيما سبق , بينما أصبحت اليوم الكثير من البلدان العربية الأخرى أكثر مدنية منها..

ويظهر هذا التراجع في حفاظها على قوانين اجتماعية بدوية جاهلة لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية العادلة والسمحة ولا تتناسب مع مستوى الشعب السوري المتطور اجتماعيا وثقافيا وتعليميا ولا تناسب مع النهج السوري العلماني للدولة..
وأقسى هذه القوانين هو قانون إباحة القتل للنساء والاستفادة للمجرم من العذر المخفف للعقوبة..
في الحقيقة لا أدري كيف سأتكلم عن هذا الموضوع لأنني أحس بإهانة أن أكون امرأة في مجتمع جاهلي وأنا في القرن الواحد والعشرين..!كما أنني أخجل من أن هناك في مجتمعي من يحتاج لأن أشرح له شيئا واضحا وضوح الشمس لذلك يعجز اللسان عن تفسير هذا الموضوع ولكن رغم ذلك لابد من التعبير عن رأيي الذي يرى بأن المشكلة ليست في أن نصدر قانونا بحبس المجرم سنتين أو أكثر أو أقل.. المشكلة تكمن في المبدأ نفسه الذي يبرر قتل ذكر ما لأمرأة ما بحجة أنها أخلت بالشرف وأساءت إلى المجتمع.. وكأن القتل هو النتيجة الطبيعة لخطأ ما بحق المجتمع..

فلو كان الأمر كذلك فأنا سأصيغ أسئلتي لهؤلاء المتنصبين في أماكن صنع القرار والذين يتحكمون بمصير المرأة السورية وأرجوا أن يجيبوا عليها:
1- لو كان القتل هو الجزاء لأي مخطئ بحق المجتمع فلماذا لا يحق لأي أنسأن أن يقتل طبيبا عندما يخطىء ويزهق حياة مريض ثم يأخذ أجرة العمل الجراحي من ذويه..!؟ ولماذا لا يسمح لأي شخص بأن يقتل الرجل الذي اعتدى على ابنه أو أبنته واغتصبها...!؟ ولماذا لا يسمح بقتل من يأخذون الرشاوي فيهدمون بيوت أو يشردون أشخاص أو ينهبون المال العام ,غيره... ويرتكبون ما يرتكبون من إساءات للمجتمع...!? ولماذا لا يعاقب الرجال بالقتل في حال مارسوا الزنا.مع أن الشريعة الإسلامية تعاقبهم....!?؟
2- هل الفتاة أو المرأة التي تقتل بحجة غسل الشرف تستحق ذلك...!؟ أم أن القتل يكون دائما على الشبهة أو نتيجة ممارسة العنف في المنزل , أو نتيجة أقاويل مغرضة من الناس...?؟!
3- يقول القانون هذا لو اعترفنا به: بأن يستفيد من تخفيف العقوبة من يفاجأ زوجه أو... الخ في وضع مخل.. فهل الجرائم التي تنفذ ويستفيد أصحابها من هذا التخفيف تخضع لهذا الشرط أم أنها تكون في نسبة 99% منها جرائم مدبرة أو نتيجة فورة غضب أو تحريض أو عنف وجهل أو زواج شرعي ولكن غير مرضي عنه من قبل الأهل , وتكون بعيدة كل البعد زمنيا عن المفاجأة الشرط الأساسي لتخفيف العقوبة...!؟
4- هل حكم الإعدام منوط بتنفيذه الذكور في الحياة الاجتماعية المدنية أم أن الدولة هو المسؤلة عن معاقبة المخطئين من ذكور ونساء حتى لو كانوا أطفالا...!؟
5- وهل هذه الاستباحة للدم ستخفف من التمادي في الحب أو في العلاقات الغير شرعية عند النساء أو في الزواج خارج موافقة الأسرة أو الزواج من دين مختلف...؟ لو كان الأمر كذلك لما كانت هذه الحوادث تزداد يوما بعد يوم رغم هذه الوحشية في قمعها لأن سببها ليس قلة الخوف ولكن لها أسباب كثيرة أهمها التعصب الجهل والقمع...الخ. وأهم محرض عليها هو الرجل نفسه , فكل امرأة يجب أن يكون لها شريك من الذكور لتمارس معه فحشائها , فهل الذكور مباح لهم الدنس والفحشاء.....!؟

هذه بعض الأسئلة التي أتمنى أن يستطيع أحد الإجابة عليها بشكل منطقي لكي يستطيع مجتمعنا أن يخرج من إطار الغنم والماعز والذبح والقتل ويصل إلى مرتبة مدنية تجعل الفرد خاضعا لقانون عام يحترم انسانيته ويعاقبه على مقدار درجة الخطأ الذي قام به بعدل كامل بين أفراده.. مجتمع مدني يدرك بأن حياة الأنسان مقدسة ولا يجوز التلاعب أو الاستهتار بها. وأن الأهل هم المكلفين بالحفاظ على حياة أطفالهم وصيانتها ولا يجوز لهم إرهابهم عن طريق العنف والقتل ويجب أن يعاقب كل أب أو أم تسول لهم نفسهم أن يمارسوا العنف على أولادهم من الإيذاء اللفظي أو الحرمان من التعليم أو الزواج إلى الضرب أو القتل ومعاقبة كل من يحرض على ذلك عقوبة رادعة وبذلك يصلح المجتمع لأن معالجة أخطاء الأسرة تكون بالحب والتفاهم والاحترام والعلم والثقافة..

أما إذا كان القائمين على مصالح الناس لم يدركوا بعد هذه المعادلة فأنا أنصح بأن يتم إيفادهم على إحدى الدول المتقدمة لكي يعيشوا فيها فترة من الزمن ويروا بأن أحترام الحيوان هناك أفضل بكثير من أحترام الأنسان هنا..أو أن يعودوا إلى فترة الخمسينات والستينات حين نزعت المرأة عنها غطاء الجهل وخرجت من سجن المنزل إلى أروقة الجامعة وكان لها الحق في العمل والتحزب والنشاط السياسي...أو يعودوا إلى صدر الإسلام ليستفيدوا من أخلاق الرسول في التعامل مع النساء وفي معالجة أخطاء الإنسان من زنا وغيرها التي كانت تتم معالجتها بطريقة أكثر حضارة مما يتم الآن.. وليتمعنوا في آيات القرآن الكريم التي أكدت على أن عقوبة الزنا لا يمكن أن تتم إلا بعد أن يأتي المتضرر بأربعة شهود على فعل الزنا ويكونوا من العقلاء ويكونوا قد شاهدوا المرود في المكحلة.. أليس في ذلك حكمة من رب العالمين في أن يصعب اثبات هذا الأمر حتى لا يتم فضح الزاني والزانية من أجل كرامة أولادهم وأهلهم ومن أجل عدم التساهل في إطلاق الشائعات على الرجل والمرأة على حد سواء صيانة للمجتمع ولأفراده.

وهذا يذكرني بقصة الشاعر علي بن جهم الذي دخل بلاط المتوكل وقال قصيدة في مدحه: ( أنت كالكلب في الحفاظ على الود وكالتيس في قراع الخطوب ) فلم يغضب منه المتوكل بل أمر له ببستان على نهر دجلة وتركه برهة من الزمن ومن بعدها التقاه فتلى عليه الشاعر قصيدة جميلة كان مطلعها
عيون المها بين الرصافة والجسر
 جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري
فهل سندري في القريب العاجل كيف سنرقى بمجتمعنا إلى المدنية?!


كمالا العتمة، (المجتمع الجاهل والنساء الضحية المستباحة)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon