لم يستطع أيمن بدور الصمود أكثر أمام آلامه التي ضيقت الدنيا بوجهه وجعلته رهين الحزن والغضب والألم الشديد الذي لم يبارح جسده كلّه. فهو يعاني من مرض خطير فتك بأعضائه كلها.
وهنا قرر إنهاء حياته وطلب من طبيبه المعالج أن يساعده على ذلك أو على الأقل أن يزيد عيار الدواء ما يجعل موته أسهل وهذا ما لم يقبله الطبيب أبدا ورفضه رفضا قاطعا مجاراة مريضه رغم توسلاته. وهنا تناول ايمن حبوبا سامة مخصصة للحشرات ومات على أثرها وقال في ورقة كتبها إني الآن سعيد فها هو الألم يغادر جسدي. أما بديعة فقد عانت من مرض السرطان الذي إلتهم عظمها، وكان الألم فوق العادي والمحتمل ورغم كل ذلك لم تيأس فالأمل موجود والحياة تستحق المحاولة والصبر لقد ماتت السيدة بديعة لكن القدر أو الله شاؤوا أن يريحوها، فقبل موتها بأيام عديدة وصل السرطان إلى مكان الحس بالألم ما جعلها تفقد الحس بالألم وماتت وهي سعيدة لأن الألم بارحها فكانت مكافأة لها على صبرها وإيمانها. في القضاء السوري كانت هنالك دعوى على سيدة أقدمت على قتل زوجها لأنه طلب منها ذلك وبرجاء حار، فالألم لم يهدأ يوماً، وجسده أصبح عالة عليه وعلى من حوله وهذا أحرجه أمام الجميع وأحزانه وجعله يمرّ بكآبة حملته على ترجي من حوله بإنهاء حياته وبناء على إلحاحه حقنته زوجته بحقنه قاتله والحزن يلمّ قلبها والمحكمة حكمت عليها بخمس سنوات لأنه قتل بدافع الشفقة ولأنها مسّنة.
القتل الرحيم في العالم انه القتل الرحيم أو ما يسمى القتل بدافع الشفقة وهو يعتبر جديدا في عالمنا العربي أو العالمي وقد تمت متابعته في العديد من المحاكم الدولية والوطنية ولم يصل أحد الى قرار حقيقي وجازم بهذا الموضوع لكنه مازال مرفوضاً. فمن المعروف أن التصويت على هذا الموضوع برز للمرة الأولى في استراليا عام 1996م، ولكن تم إلغاء القانون بعد مرور أشهر قليلة من التصويت عليه. أباحه البرلمان الهولندي مؤخراً لكل الأعمار بأغلبية 104 أصوات مقابل 40 صوتاً معارض، إلا أن القانون ووجه بموجة عارمة من الغضب الشعبي تمثلت في مظاهرات حاشدة أمام مبنى البرلمان، وقلدتها بلجيكا لكن باعتبار شرط السن ضروري. هذا الأمر مرفوض على المستوى العالمي العام وهناك تشريعات قانونية تحظر هذا النوع من القتل، ففي بريطانيا يسجن كل من يساعد شخصاً على قتل نفسه 14 عاماً وكذلك فإن عقوبة الحبس تلاحق كل من ساعد فرداً على الانتحار في إيطاليا والنرويج. أما في المنطقة العربية والإسلامية فالأمر مرفوض تماماً من الناحية الشرعية والقانونية.
اما من الناحية النفسية والاجتماعية والأخلاقية فيعتبر مجزوماً بأمره من حيث رفضه فتقول: الأخصائية في علم النفس (ماري فطوط): من غير الجائز أبدا إنهاء حياة الإنسان مهما ازدادت التكاليف والأعباء عليه وعلى عائلته فهذا حق الإنسان بالحياة الذي ضمنته له القوانين الدولية والأديان السماوية وهذا ينافي الإنسانية والأخلاق فالأمل موجود دائما والعلم يشهد تطورا ينبئ بأنه لا يوجد مستحيل.
القضاء السوري وموقفه من مسألة القتل اشفاقاً وفي رأي للمحامي (محمد حسام أحمد) من وجهة نظر القانون السوري ووجهة نظره الشخصية يقول: ان القتل بدافع الشفقة فعل جرمي شديد الخصوصية يمكن التعامل معه قضائياً مع مراعاة أسباب تخفيف العقوبة إلى حد جعله جرماً مخفض العقاب أصلاً إذا توافرت فيه الشروط التي ينص عليها القانون الجزائي في البلد الذي يقع فيه هذا الجرم. أما موقف القانون السوري من قضية القتل بدافع الرحمة فهو بحسب المادة (538 ) من قانون العقوبات العام على أنه التي تقول :( يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه بالطلب). من دراسة نص المادة المذكورة نجد المشرع السوري لا يجيز إنهاء حياة أي إنسان بدافع الإشفاق عليه حتى بناء على طلبه الشديد, ويبدو جلياً تشدد التشريع السوري أكثر من غيره من التشريعات الجزائية المقارنة حيث إنه يعاقب مرتكب هذا الفعل طبيباً كان أو غيره قام بقتل مريض كان أو غير مريض بدافع الإشفاق عليه بناء على إلحاحه بالطلب ليخلصه من مصيبة أو فاجعة ألمت به. وفي رأينا القانوني: فقد أصاب المشرع السوري في موقفه هذا كونه ينسجم مع التعاليم السماوية التي جاءت بها الكتب المقدسة, فالحياة نعمة وهبة من الله عز وجل وهو وحده له أمر الحياة والموت ولا يجوز للإنسان ذلك المخلوق الضعيف أن يعترض على قضاء الله وقدره ,والاعتراض على مشيئته وإرادته الإلهية التي يجب التسليم بها كركن من أركان الإسلام.
ونلقي الضوء فيما يلي على أركان جريمة القتل بدافع الرحمة: أولاً: الركن المعنوي فهذه من الجرائم القصدية التي يجب فيها توافر علم الفاعل بالفعل الذي يقوم به وبالنتيجة التي سيفضي إليها, وانصراف إرادة الفاعل إلى تحقيق النتيجة وهي تقديم الموت للمريض كعلاج ينهي عذابه. ثانياً: الركن المادي وهو قيام الفاعل بالقتل تلبية لطلب الضحية وإلحاحه الشديد وموافقته المسبقة على إنهاء حياته لوضع حد لآلامه وعذابه. ثالثاً: يجب أن يكون الباعث والدافع الذي يحرك الفاعل ويدفعه لإزهاق روح إنسان حي هو فقط( الرحمة به والإشفاق عليه والرغبة بمساعدته على إخماد أوجاعه). ونستنتج مما سبق: أن القتل بدافع الرحمة أو الشفقة هو فعل جرمي شديد الخصوصية يتطلب دراسة دقيقة لمعرفة أسبابه ودوافعه ومبرراته عبر الاستعانة بالخبرات الطبية للوقوف على حقيقة المرض وعدم جدوى علاجه, ثم دراسة ملف فاعل الجريمة ومدى علاقته بالضحية وهل له مصلحة خاصة شخصية في موته أم أنه مجرد منقذ له من عذابه. تلك مهمة شاقة ملقاة على عاتق رجال الأمن والأطباء الشرعيين والمختصين النفسيين والخبراء ورجال القانون من محامين وقضاة للوصول إلى التوصيف القانوني الصحيح لهذا الجرم.. هل هو قتل بدافع الرحمة والشفقة بناء على إلحاح الضحية؟!! . أم أنه قتل عمد بدافع سافل؟!!. فإذا ثبت أن القتل تم بدافع الرحمة بناء على طلب الضحية, نكون أمام جريمة قتل من نوع خاص تحكمها شروط وأحكام خاصة تحظى بعقوبة مخفضة لا تزيد عن عشر سنوات وفق نص المادة( 538 ) من قانون العقوبات العام.
رأيي الطب وعناية الرجل المعتاد ويرى الدكتور (زياد عبود) وهو طبيب عظمية : قد يطلب إنسان أن ننهي له حياته كوننا أطباء لكن الطب لا يسمح لنا بذلك لأنه يتطلب منا ويتوجب علينا أن نعتني بالمريض إلى آخر درجة وهذه من أخلاقيات المهنة التي عاهدنا أنفسنا عليها عندما بدأنا ممارسة الطب ولا يحق لنا إنهاء الحياة مهما كان المريض متألما وهنا تحدينا كأطباء أن نقاوم مع المريض شعوره بالألم والغربة وتوجد حالات كالكوما والأمراض المستعصية والتي لا أمل بالشفاء منها ورغم ذلك لا يجوز إنهاء الحياة وأخلاقيا لا يجوز ذلك ونحن لا نقبل بذلك لأنه ينافي الأخلاق والعلم لأنه يتقدم دوما ومن العار أن لا نؤمن بالعلم ونحن اطباء.
رجال الدين الاسلامي والمسيحي يتفقون القس (منير حنا) يقول: من أهم الو صايا التي وضعها الله وصية تقول "لا تقتل" وهي تعني ألا يقتل الإنسان أحدا ولا حتى نفسه لأنه هو ملك للخالق ولا يملك حياته وليس حرا بإنهائها أو وضع حد لها وعلى الطبيب أو القيم على المريض أن يحاول بجميع الوسائل أن يساند هذا المريض ويدعمه ولو حتى نفسيا كي يتحمّل الألم فالأديان السماوية تحرّم القتل بدافع الشفقة أو ما يسمى بالقتل الرحيم وأي نوع من أنواع القتل لأن الإنسان لا يملك نفسه فالروح وهبها الله وهو الذي يأخذها متى شاء. وقد سألنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي من خلال دار الافتاء في وزارة الأوقاف فكان الجواب متوقعا وهو أن القتل بدون حق جريمة في كل الأحوال، وليس في الشريعة الإسلامية ما يسمى قتل الرحمة. فلا يعتر أنه يوجد ما يسمى قتلا رحيما أو قتلا بدافع الشفقة فالقتل هو نفسه أما بالنسبة لنزع أجهزة الانعاش فهذا ممكن بحالة واحدة هي وصول المريض الى حالة الموت الدماغي. هذه هي صورة عامة عن موضوع القتل بدافع الرحمة ومن الممكن أن تتعارض الكثير من الآراء بهذا الخصوص وهو من منطق أن العذاب صعب على من يرافق المريض والمريض نفسه ومازالت القوانين العالمية متناقضة بهذا الخصوص ولم تستطع الوصول الى حل نهائي لأن الموضوع بالفعل يشكل أزمة انسانية من كافة الجهات.
رهادة عبدوش، (القتل بدافع الشفقة.. أو القتل الرحيم: بين ملفات القضاء وآراء الأطباء وعلماء النفس ورجال الدين في سورية)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon