السارقة!

مع رمضان يطيب لنا تناول المأكولات الرمضانية اللذيذة والتي يختص بها هذا الشهر، وبما أني أحب الحلوى توجّهت نحو بائع الفطائر الرمضانية المحشوة بالقشدة. كان البائع قد بدأ للتو بعمله وقد وضع أمامه قدراً من الزيت يقلب به الفطائر عندما طلبتُ منه 4 فطائر.

 اعتذر بأن عليّ الانتظار قليلاً، وفعلاً وقفتُ جانباً وقد جهّزت النقود في يدي بعد أن سألته عن سعر الفطيرة وكان 15 ليرة.

بينما كنتُ واقفة جاءت صبية في عقدها الثالث مرتبة الهندام، شعرها أشقر مصفف بعناية، ووجهها جدّي الملامح متجهم القسمات، تحمل عدّة أكياس في يدها، طلبت من البائع (يعمل في المحل عدّة شبان) بعض القطع من خبز رمضان وأصابع محشوة بالتمر، وقبل أن تذهب توجه نظرها نحو المقلي ثم قالت له: "أعطني اثنتين من هذه الفطائر". لم يسمعها البائع فأعادت طلبها "اثنتين من الفطائر"! وحاسبته على ما اشترت، ثم وبسرعة أوقفت تكسي رغم أنها رأت الفطائر ما تزال في الزيت! بدأت تستعجل الشاب الذي اعتذر منها بأدب وطلب دقيقة ريثما يصفي الفطائر ويغطسها في القطر. لكنها كانت ملحاحة لأن التاكسي ينتظر مع أنها أوقفته في وقتٍ مبكر. المهم في الأمر أن الشاب أسرع على قدر استطاعته ووضع لها في الكيس فطيرتين، فقالت له بسرعة وبجديّة: "ثلاثة لو سمحت، لقد طلبتُ ثلاثة". أجابها الشاب: "لكنك حاسبت عن اثنتين"!
فوضعت الأكياس من يدها بحركةٍ مفاجئة ثم نادت على البائع وارتفع صوتها وهي تقول: "يجب أن تعرفوا كيف تتعاملون مع الزبائن".
تداركاً للموقف وضع لها الشاب ثلاثة فطائر. وقبل أن أفتح فمي لأتكلم ركبتْ السيارة التي طارت بها من أمامنا وقد نظرَ كلٌ منّا إلى الآخر باستغراب.

كانت الدهشة قد عقدت لساننا عندما تبرّع بائع الخضار في المحل المجاور والذي خرج عل صوتها وقال "لا يجوز أن تشكّوا بالزبائن خاصةً أن مظهرها لا يدعو للريبة، يبدو أنك أخطأت في الحساب معها". استدرتُ نحوه بسرعة وقلت " كلا يا عم لم يخطئ، لقد طلبت فطيرتين وأعادت طلبها عدة مرّات"، أسرع يقاطعني: "إذاً هي أخطأت في الحساب". تابعت كلامي: "لم تخطئ، لقد أرادت فعل ذلك"!

شكرني صاحب المحل على شهادتي معه، وبينما كان يضع لي الفطائر في الكيس قلتُ في نفسي: من أجل 15 ليرة كذبت هذه الصبية، وراوغت وفكرت لتسرق! بل واستغلت أنها امرأة لأن البائع سيخجل من حسابها! تُرى كم امرأة تستغل أنوثتها لأغراضٍ بعيدة تماماً عن الأخلاق! لو كانت رجلاً لأوقفها البائع وتأكد من الحساب ولم يصمت. ومع أنه لم يفعل وعاملها باحترامٍ زائد إلا أنه لم ينجو من لوم جاره لمجرد أنه سألها وشكك بمصداقيتها، لماذا؟.. لأنها امرأة!

ينسى الناس أن الإنسان إنسانٌ رجلاً كان أم امرأة، ويجب التعامل معه على أساس إنسانيته دون التمييز بين رجال ونساء، لأن امرأة كهذه قد تسرق أكثر من عشرة رجال وترفع صوتها لتوهم الآخرين أنها على حق، بل قد تؤذي أي رجل وتظلمه بسهولة لمجرد أنها امرأة.

مشيت في الشارع عائدةً إلى المنزل وأنا أنظر في الوجوه حولي وقد صدمني هذا الواقع الذي كلما ظننتُ نفسي أعرفه، أجدني ما أزال جاهلة جداً بتداخلاته وطرق استغلال حسناته لتحويلها من قبل بعض (اللصات)إلى سيئات.


د. لين غرير، زاوية بين السطور، (السارقة!)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon