التبرع بالأعضاء: هبة الحياة!

خلال حياة الإنسان من الرحم وحتى الوفاة يتعرض للكثير من الأمراض والحوادث التي قد تصيب أحد أعضائه بالضرر الجزئي أو الكلي, وذلك يجعله بحاجة لأعضاء من جسد بشري سواه, وبانتظار أن يتم التبرع, أجساد كثيرة تدفن, ويدفن معها أعضاء تحمل في أنسجتها حياة مخبأة للمتألمين!

وبسبب الحالة العاطفية لذوي المريض, وارتفاع نسبة احتمال التوافق في اختبارات الأنسجة وفصيلة الدم معهم, فقد بقيت ظاهرة التبرع بالأعضاء محصورة بالأقارب وحتى فترة قريبة, وهو ما جعل القائمة الخاصة بانتظار الدور للحصول على التبرع تطول, لقلة عدد الأشخاص الذين يرغبون بالتبرع للمريض.

الأعضاء التي يمكن زراعتها تشمل القلب, الكلية, البنكرياس, الرئة والكبد, أما الأنسجة التي يمكن التبرع بها فهي القرنية, وصمامات القلب, بالإضافة إلى الجلد و العظام والأربطة.

بالنسبة للأعضاء التي ليس لها نظير كالقلب فالتبرع يتم بعد الوفاة, وبموافقة خطية من المتبرع وذويه, وبعد إجراء جميع الاختبارات اللازمة, أما بالنسبة للأعضاء التي لها نظير كالكلية, فيتم التبرع بها أثناء الحياة, وغالبا ما يكون التبرع من الأقارب, وهي من أكثر حالات التبرع شيوعا.

كما أن زراعة الأعضاء تتم لجميع الأعمار, ومنذ الولادة, ويحدد الأطباء ما بعد الموت إذا ما كانت الأعضاء ما تزال قابلة للزراعة أم لا, وذلك بعد استنفاذ كل الوسائل الممكنة لإنقاذ حياة المتبرِّع.

 ورغم ذلك فإن مرضى القصور الكلوي الذين يجرون غسيلا دوريا هو في ازدياد, وهذه العملية تكلف الخزينة مبالغ طائلة سنويا, وتشكل عبئا ماديا كبيرا على المريض وذويه بالإضافة إلى الآلام المبرحة التي تنتج عن المرض ذاته!

يصاب 100 شخص من بين كل مليون نسمة بقصور كلوي, 75% منهم بحاجة إلى زرع, بينما نسبة الزرع الحالية في سورية حسب التقديرات الطبية هي 17% فقط, أي 23% من احتياجات الزرع, مما يعني وجود فجوة كبيرة بين الحاجة إلى الأعضاء والأعضاء المتوافرة.

أما القرنيّات فيتم الحصول عليها غالبا في سورية من مصادر البنوك الأجنبية, حيث يصل المبلغ المترتب على المريض للحصول على القرنية من البنوك العالمية من 900-1200 ألف دولار مشاركة في تكلفة قطف القرنية وحفظها وليس ثمنها‏, وحاجة سورية تقدر بـ 4000 مريض!

وهربا من الوقوع في هذه الفجوة, أو القبر, وبغية سدها, يسعى ذوو المريض لتأمين العضو أو النسيج الذي يحتاجه بأي وسيلة, وأي ثمن, وهو ما يفتح الباب واسعا أمام شبكات الاتجار بالأعضاء, التي تزدهر في البلدان الفقيرة مثل تركيا والفلبين و المكسيك و البرازيل, بهدف استغلال حاجة, يجب أن تسعى الدولة جاهدة لسدها, خصوصا أنه في مقدورها ذلك!


القوانين السورية أجازت التبرع من حي لحي, من الأقرباء وغير الأقرباء (من المتوفين دماغياً) واشترطت موافقة الأقارب من الدرجة الأولى والقانون الذي أجاز ذلك صدر في عام 1972 أي منذ 36 عاماً على وجه التحديد, دون أن يحرك أحد ساكنا!

 تم تعديل القانون المتعلق بنقل الأعضاء بالقانون رقم 30 لعام 2003, والذي اشتمل في مواده على معاقبة  كل من يخالف أحكام القانون الجديد المتعلق بنقل الأعضاء وزرعها, تحريم الاتجار بالأعضاء, تحديد الأشخاص الذين لهم الحق في الموافقة على التبرع بأعضاء من جثة شخص متوفى, وبقيت الفجوة قائمة بين الحاجة والموجود.

الحل الذي يجمع عليه كثير من الأطباء هو تفعيل برنامج التبرع من المتوفين دماغيا, مما يتيح الاستفادة من الأعضاء التي ستتحول ترابا لتمنح الحياة لمن يحتاجها, ويموت كل يوم!

في كثير من الدول العربية, ومنها المملكة العربية السعودية على سبيل المثال, كانت هنالك أكثر من حملة وطنية للحث على التبرع بالأعضاء, وذلك من قبل مؤسسة حمد الطبية عامي 2003, و 2005, اشتملت على العديد من الأنشطة الطبية والاجتماعية في أرجاء البلاد كافة, كما تم توزيع العديد من المنشورات و المطويات التوعوية, وكذلك تكريم عدد ممن قاموا بالتبرع وهم على قيد الحياة, ولم تلق هذه الاستجابة المطلوبة لعدم وجود ثقافة مجتمعية كافية من أجل التبرع بالأعضاء كما هو موجود في الدول الغربية.

حتى الآن يوجد في سورية مراكز متخصصة في زراعة الكلية والقرنية, ولكنه لا يوجد حتى الآن مراكز لزراعة للكبد وللقلب والرئتين والعظام والغضاريف وبقية الأنسجة الأخرى.

التبرع بالأعضاء,  منح للحياة, عطاء على درجة عالية من الإنسانية, وواجب مجتمعي إزاء آلاف المرضى الذين يعانون بانتظار الموت, ويستحقون منّا حقا التفكير بذلك بشكل جدي.



هنادي زحلوط, عضوة فريق عمل نساء سورية، (التبرع بالأعضاء: هبة الحياة!)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon