المُطَّلَقَة... بين محرقة الدعم ومطرقة المجتمع! أسئلة برسم المجتمع والحكومة واقتصاد السوق الاجتماعي

نظرة أخرى وجديدة لموضوع المرأة المطلقة في المجتمع، وهذه المرة من خلال الحكومة المحرك الأساسي لتلك المشكلة المعضلة في نظرتها السلبية والدونية لتلك المرأة، مع كل ما تحمله من ظلم وقهر اجتماعيين حتى لو احتضنت أبناءها (أطفالاً أم كباراً) وتشردت معهم في غياهب دروب الحياة في زمن العولمة المتوحشة التي تخطو حكومتنا خطاها عن طريق تحرير الاقتصاد وبعثرته في اتجاهات لا تمت لعالم اقتصاد السوق- الاجتماعي!- بشيء. وإلاّ فما تمت الأمور بهذه الطريقة التمييزية ضد المرأة بجميع حالاتها عامة، والمطلقة خاصة، والتي لا تراها تلك الحكومة مواطنة كاملة الحقوق بما يخص قسائم الدعم، كما جاء في البند الرابع من منطلقات الدستور السوري التي جاء فيها:
يستند الدستور السوري في منطلقاته الرئيسية- البند الرابع إلى:
SWOالحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً , قادراً على العطاء والبناء، قادراً على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادراً على التضحية في سبيل الأمة التي ينتمي إليها. وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار، ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي.
(الحرية، الديمقراطية التي تجعل من المواطن إنساناً قادراً على العطاء والبناء)، أيّة حرية هذه وأيّ عطاء مادامت الحكومة لا تنصفها، وهي التي تعيش مع أبنائها بعد أن تخلى الزوج عن مسؤولياته تجاه أبنائه مادياً ومعنوياً بلا حسيب أو محاسبة، لأن القوانين تحميه ولا تفرض عليه نفقة إلاّ بمقدار ما يسمح به وضعه المادي (وهنا يتم التلاعب) فلا تأخذ المرأة من نفقة أولادها إلاّ ما يجود به الزوج من فتات لا تكفي لسد رمق الأبناء. ثم تأتي الحكومة وتضيف إليها أعباءً جديدة لا يمكنها تحملها بسبب تحرير سعر المازوت وما تبعه من ارتفاع للأسعار طال كل شيء، ورفض إعطائها قسائم خاصة بها وبأولادها أسوة بباقي الأسر، لماذا...؟ لأنها لا تحمل صفة خاصة بها حتى ولو كان الأولاد معها، وإنما هي الآن مُلحقة بصحيفة والدها بعد أن كانت ملحقة بصحيفة الزوج.
فأي عطاء يمكن أن تقدمه هذه الإنسانة التي تمّ خرق الدستور من خلال تجاهل حقها في ثروات الوطن المُطالَبِة هي بحمايته والدفاع عنه..؟
هل تستطيع تقديم العطاء لأبنائها حتى تعطي الوطن؟ هل تستطيع بهذا الوضع أن تحمي نفسها وأبناءها حتى تذود عن حمى الوطن..؟
أي عطاء وبناء يمكن أن تقدمه إنسانة مهزومة أمام أمومتها وإنسانيتها، مطعونة بمواطنيتها وحقها الذي كفله لها الدستور..؟
حقها الذي نصت عليه المادتان 25و45:
المادة 25: 1- الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة 45: تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.
من خلال بنود هاتين المادتين نتساءل: أين هو الحفاظ على كرامة المرأة التي نصّ عليها الدستور؟ وأين سيادة القانون الذي خُرِقَ من خلال التخلي عن حق المرأة - المواطنة- المُطَلَّقَة في إعطائها نصيبها من الدعم الذي تكرمت علينا به الحكومة، وكأنه مِنّةٌ وليس حقاً طبيعياً لنا في خيرات بلادنا، أو كأننا مواطنون من بلاد الواق الواق؟
إن هذه المواطنة المُطَلَّقَة متساوية في الواجبات، بل واجباتها مُضاعفة أكثر من سواها لأنها تحتضن أطفالها ولا معيل لهم سواها. أما حقوقها فهي متلاشية بحكم الطلاق، وكأنه لا يكفيها ما نالها من أذى نفسي واجتماعي وقيمي، حتى تزيد الحكومة هذا الأذى بأذىً أفظع، وهو حرمانها هي وأولادها من التدفئة أيام البرد القارس، إذ لا إمكانية لديها لشراء المازوت الحر.. فماذا ستفعل يا تُرى في ظل عدم وجود الفرص التي نصت عليها المادة 45 من أجل مشاركتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ هل فعلاً تتم إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع..؟ أم أن هذه القيود تتضاعف يوماً بعد آخر، وهذه المرّة على يد الحكومة الموقرة؟
قد يتساءل أحدكم: لماذا هذا الافتراء بعد قرار وزارة الداخلية إحداث لجان ومكتب دائم لتوزيع قسائم الدعم على المواطنين، وفيهم تلك المُطَلَّقَة عبر تلك المكرمة الإنسانية؟
فعلاً هذا موجود وحقيقي، وذهبت الكثير من المُطَلَّقَاتْ وتقدمن بطلب للحصول على هذه القسائم بحكم حضانتهن لأطفالهن، لكن المضحك المبكي في الأمر، أن إحداهن ولديها شابان في المرحلة الجامعية كانت قد تقدمت بطلب إلى لسيد المحافظ للحصول على حقها- المكرمة!- في القسائم، فكان رد المحافظة بعد أيام قليلة أنه لا يحق لها الحصول على القسائم لأن ابنيها فوق الثامنة عشرة من العمر، وبالتالي لا حق لها في تلك المكرمة الغنيمة!
هل الأبناء فوق 18 عاماً لا يشعرون بالبرد..؟ هل لهم أصول سيبيرية..؟
أم نحن نسينا أننا في مجتمع أوربي يستقل فيه أبناؤنا عن أسرهم لمجرد وصولهم إلى عمر 18 عاماً، لأن الدولة تكفل لهم حياةً حرّةً وكريمة من عمل وسكن وتعليم؟


إيمان أحمد ونوس، (المُطَّلَقَة... بين محرقة الدعم ومطرقة المجتمع! أسئلة برسم المجتمع والحكومة واقتصاد السوق الاجتماعي)

تنشر بالتعاون مع جريدة النور، (6/2008)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon