أضواء على وضع المرأة في التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005

مراد: بأي حق تحرم المرأة من حقوقها المدنية؟ لسنا ملزمين بالتقيد بأي مذهب ولنا أن نجتهد

أقام الاتحاد النسائي العام بالتعاون مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة ندوة بعنوان «أضواء على وضع المرأة في التقرير الوطني للتنمية البشرية لعام 2005». بتاريخ 20/7/2006 في قاعة كريم رضا سعيد في جامعة دمشق حضرها عدد من ممثلي فروع الاتحاد النسائي في مختلف المحافظات، وعدد من المهتمين. وألقت الأخت سعاد بكور رئيسة الاتحاد العام النسائي الكلمة الافتتاحية للندوة التي اشتملت أعمالها على خمس أوراق عمل قدمت خلالها.

تمكين المرأة قانونياً ضرورة للتنمية البشرية
تحت هذا العنوان قدمت القاضي غادة مراد النائب العام للجمهورية العربية السورية ورقة العمل التي تساءلت فيها «بأي حق تحرم المرأة من حقوقها المدنية؟ ونحن نعرف جميعاً بأن قوانين الدول العربية تنص على أن الحرمان من بعض الحقوق أو كلها لا يكون إلا لناقصي الأهلية أو فاقديها كلياً، أو محكومين قضائياً بالحرمان من ممارسة الحقوق المدنية... أما أن يتقرر حرمان المرأة من حقوقها لا لعاهة أو لحكم، بل لأنها امرأة فقط، فذلك خلل ديمقراطي لا مبرر له، يشل المرأة ويعيق مشاركتها في بناء الوطن».
واستعرضت مراد لبعض القوانين التي ما تزال تعطي المرأة مرتبة أدنى من الرجل في الحقوق، وأرجأت ذلك لسببين: الأول أن بعض القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية كقانون الأحوال الشخصية، والثاني أن المشرع نفسه ينتقص من حقوق المرأة في بعض القوانين الوصفية (قانون الجنسية، وقانون العقوبات). ففي قانون الأحوال الشخصية قالت «يذهب البعض إلى أن هذا القانون مستمد من الشريعة الإسلامية ولا يجوز التعديل فيه، ولكن يجب أن نلاحظ أن المواد المدرجة فيه نوعين؛ الأول مستمد من النصوص الآمرة في القرآن الكريم كالإرث، وهذه المواد لا يمكن التعديل فيها لأننا دولة مسلمة، والنوع الثاني استمدت من الفقه واجتهادات الأئمة الأربعة ( كسن الزواج وسن الحضانة) وأرى أننا لسنا ملزمين بالتقيد بمذهب من المذاهب، بل لنا أن نجتهد بأنفسنا، فلا يمنع تغير الأحكام بتغير الأزمان».
كما أشارت مراد إلى وجود تناقض في بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، كالمادة التي تنص على السماح بالزواج المبكر، وتعارضها مع المادة التي حددت سن حضانة الفتى والفتاة، وتساءلت مراد كيف يسمح بزواج الفتى أو الفتاة وهما لا يزالان في سن الحضانة؟ كما رأت تعارض هذه المادة مع قانوني التعليم الإلزامي اللذين يلزمان أولياء الجنسين بعدم تسربهما من المدرسة قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي والتي تمتد بين (15-18 سنة)، وأيضاً تعارضها مع اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها سورية دون تحفظ على سن الزواج.
ونوهت مراد لبعض الأحكام الجائرة التي تنطوي عليها بعض مواد القانون فيما يتعلق بحضانة الأم لأبنائها وإلزامها بالنفقة بعد انتهاء الحضانة، وتعويض الطلاق التعسفي الذي ينزل المرأة منزل العامل الذي سرح من عمله، ويشترط إصابتها بالبؤس والفاقة وإشهارها لتلك الحالة حتى تستحق تعويض الطلاق التعسفي.
وفي قانون العقوبات أوضحت مراد وجود تمييز في العقوبة بحسب الجنس، فالمرأة الزانية تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، بينما يعاقب الرجل الزاني بالحبس من شهر إلى سنة بشرط أن يرتكب الزنا خارج منزل الزوجية. كذلك في المادة (548) يستفيد الرجل من العذر المحل في جرائم الشرف، وفي هذا السياق أكدت أن التمييز بين الجنسين في العقوبة التي نصت عليها هذه المادة ليس مرده إلى الشريعة الإسلامية التي ساوت بينهما في العقوبة، وإنما مرده إلى القانون اللبناني الذي نقل بدوره عن القانون الفرنسي.
كذلك عرجت على قانون الجنسية الذي رأت أنه ينطوي على غبن بحق المرأة حيث حرمها من حق منحها الجنسية لأبنائها، في حين أن معظم الدول التي كانت تعطي حق الدم للأب فقط عملت على إزالة التفريق وأعلنت مبدأ المساواة التامة في ضوء الاتفاقيات الدولية التي تحرم التمييز بسبب الجنس ومنها فرنسا وإيطاليا وتركيا والبرتغال وحتى زائير التي أملت مراد أن تحذو سوريا حذوها على هذا الصعيد.

وأخيراً خلصت مراد إلى أن هضم حقوق المرأة السورية ليس مرده إلى القانون وحده، وإنما هناك جملة من العوامل تؤخر تقدم المرأة كسوء تطبيق القوانين من قبل القائمين على تنفيذها أو تفسيرها، تفشي الأمية بين النساء وانخفاض معدلات التحاقهن بالتعليم خاصة العالي، نقص تمكين المرأة ومحدودية مشاركتها في المنظمات السياسية، التمييز بفعل العادات والموروثات، فقدان المرأة لثقتها بنفسها ومحاربة المرأة للمرأة، وتفاوت نسبة مشاركة المرأة لصنع القرار وازدياد انخفاض هذه المشاركة كلما اقتربنا من القمة.

المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية
وتحدثت السيدة صباح الحلاق من الهيئة السورية لشؤون الأسرة عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وبدأت بعرض تاريخي للمكاسب التي حققتها المرأة السورية منذ الفترة التي أعقبت الاستقلال وحتى الآن، من حيث التساوي بالأجر ونيلها للحقوق السياسية مثل حق الانتخاب والترشح للمجالس التشريعية وتقلدها لمنصب وزاري، ومشاركتها في بعض القيادات الحزبية، ودخولها ميادين العمل الدبلوماسي والقضائي والعسكري، وغيرها.. وأشارت في هذا السياق إلى أن تمثيل المرأة في بعض النقابات مازال إلى الآن دون المأمول.
كما استعرضت العقبات التي تقف أمام مشاركة المرأة في الحياة السياسية والتي قدمت لها باستمرار تأثير العصبية على الأفراد في حياتهم الخاصة والعامة وتواصل الولاء للعشيرة كذهنية مجتمعية وبقاء السيطرة الأبوية، الأمر الذي ينعكس على خيارات الفرد العامة كالخيارات السياسية، وتخلف آليات الدعاية الانتخابية المعتمدة على البذخ أكثر من اعتمادها على برامج انتخابية حقيقية تكون رافعة للفوز بمقعد مجلس الشعب، والاتجاهات التي تخلقها الآليات الانتخابية القائمة على قوائم الجبهة الوطنية من ضعف الأمل  بإمكانية النجاح في الانتخابات للمستقلين، وبخاصة النساء اللواتي مازالت القاعدة العريضة منهن بعيدات عن العمل السياسي. وأيضاً ضعف التطبيق العملي للسياسيات والتوجهات  لتمكين المرأة والتي ظل تطبيقها دون مستوى الطموح. بهذه المستويات وطئت حلاق للدخول إلى التحديات أمام مشاركة المرأة السورية سواء على المستوى الاقتصادي الذي مازالت المرأة تمثل نحو الخمس من قوة العمل فيه بأجور منخفضة ونسبة بطالة تفوق نسبة بطالة الرجال بضعفين وبعدها عن مواقع صنع القرار الاقتصادي ما ينعكس على مقدرتها في المشاركة بالتنمية وبالتالي مشاركتها في الحياة السياسية وخاصة البرلمانية مع تنامي مستوى البذخ في الحملات الانتخابية. كذلك على المستوى القانوني الذي يحفل بمواد تمييزية ضد المرأة ما يؤسس لنظرة مجتمعية تجعل من المرأة إنسانة ناقصة الكفاءة، وبالتالي يصبح القبول المجتمعي لتوليها موقع من مواقع صنع القرار محدوداً للغاية. وعلى المستوى الإعلامي رأت حلاق أنه بالرغم من التطور الملحوظ في السنوات الأخيرة تجاه صورة المرأة في الإعلام السوري خاصة في الأعمال الدرامية إلا أن ذلك ليس كافياً للتغيير من الذهنية المجتمعية التي تصور المرأة على أنها جميلة ولعوب وخائنة وتضعها في أدوارها التقليدية المعتادة.
أما بالنسبة لمستوى الأحزاب السياسية والمرأة فأوضحت أن الأحزاب السياسية على اختلاف مرجعياتها لم تضع قضية المرأة في سلم أولوياتها، بفضل العقلية الذكورية السائدة والتي تعبر عنها تلك الأحزاب بصورة أو بأخرى، وأضافت أن الالتزام الحزبي يقف عائقاً أمام طرح النساء لقضاياهن في ظل غياب أولويات قضية المرأة عن برامج الأحزاب السياسية، وأشارت إلى أن الأصوليين لا يقدمون المرأة المرشحة عنهم ولكنهم يستخدمونها كصوت.
أما على مستوى الجمعيات والحركة النسائية فأشارت حلاق لوجود ضعف تواصل بين الحركة النسائية والقاعدة الشعبية، وعزت ذلك لآليات العمل التي تتبعها بعض تلك الجمعيات وتغليب العمل البيروقراطي على العمل الجماهيري ما جعل دورها ضعيفاً في تقديم الكوادر النسائية.
وطرحت حلاق مقترحات للتغلب على العقبات التي تحد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية منها؛ توفير قاعدة معلومات عن النساء الناشطات والقياديات في الحركة النسائية، إعداد برنامج تدريب وتمكين لأولئك النساء حول إدارة الحملات والمفاوضات، اعتماد مبدأ الحصة (كوتا) في جميع الانتخابات، إقامة دورات تدريبية أعضاء وعضوات مجلس الشعب حول مفهوم النوع الاجتماعي مهارات القيادة لاتخاذ القرار.. وغيرها من المقترحات.

التعليم وتمكين المرأة في سورية
في هذا المحور استعرض د. علي رحال أمين اللجنة الوطنية السورية لليونسكو الإنجازات التي حققتها سوريا على الصعيد التعليمي مستشهداً بالتقارير التي تقدمها سوريا سنوياً لمنظمة اليونسكو والتي وصفها بأنها« تقارير واقعية وشفافة»، مصنفاً سوريا بأنها في مقدمة الدول العربية من حيث التعليم بشكل عام، وتعليم المرأة على وجه الخصوص، وأوضح بالنسب والأرقام التقارب بل التساوي في بعض الأحيان بين نسبة الذكور إلى نسبة الإناث في التعليم بكافة مراحله.

مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي في سورية
وقدم الباحث الاقتصادي د. حيان أحمد سلمان عرضاً لمساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية مشيراً إلى ازدياد النشاط الاقتصادي للنساء وارتفاعه من 5.8% عام 1994 إلى 23.2% عام 2002 وذلك بفعل ازدياد خروج المرأة من المنزل إلى العمل الاقتصادي، كذلك فإن تراجع معدلات الأمية في صفوف النساء من 63% عام 1981 إلى 26% عام 2004 وازدياد دخول الإناث إلى التعليم العالي ساهم في انتقال عمل المرأة الذي كان متركزاً في العمل الزراعي إلى مجال الخدمات والصناعة.
وأمام التغيرات التي يشهدها الاقتصاد السوري وضرورة دفع عجلة التنمية من قبل الجميع، قدم د. سلمان جملة من الاقتراحات لزيادة فعالية النساء في العمل الاقتصادي ومنها؛ التركيز على الاستثمار في الكوادر الوطنية لتأهيلها وتفعيل دور المرأة وتشجيعها لاستلام مواقع إدارية عليا وذلك بتخصيص 1% من الاعتمادات الاستثمارية من الموازنة لذلك، التوجه نحو زيادة الدخل القومي وترسيخ ثقافة العمل وتأمين الخدمات اللازمة لمساهمة المرأة في ذلك، التركيز على المشاريع الإنمائية خاصة في الريف، وتشجيع عمل المرأة لحسابها الخاص (قروض، مكافحة بطالة) وإقامة مراكز بحوث علمية لرصد المعيقات أم انطلاقة المرأة في العمل الاقتصادي، استكمال نظام التأمين الصحي لكامل العاملين وإصدار قوانين لتحسين أوضاع المرأة والطفل ودعم المنظمات المهتمة المرأة، إصدار قوانين رادعة ضد كل من يمارس العنف ضد النساء بشكل مباشر أو غير مباشر، الارتقاء بوعي المرأة وإزالة العوائق من خلال تطوير المناهج الدراسية وتوفير الرعاية الاجتماعية للنساء، زيادة تأهيل تدريب النساء خاصة في المناطق النائية ، إصدار قوانين رادعة لمنع تسرب النساء من التعليم وتشجيعهن على الاستمرار بالتحصيل العلمي ودعم المدارس المتنقلة في البادية، الاهتمام بدراسة المواضيع المتعلقة بالنساء من كافة الجوانب وإعادة النظر في بعض المواضيع مثل (بيت الطاعة، الطلاق، شروط الزواج) بما يتناسب ومتغيرات العصر وتطوير القوانين على هذا الأساس، تعميق دراسة المفهوم الجندري والخروج من دائرة النظرة النمطية للمرأة، تشجيع القطاع الخاص للمبادرة في استيعاب النساء في العمل الاقتصادي والاجتماعي.
وأخيراً أكد د. سلمان على أن الانطلاقة المجتمعية وخاصة الاقتصادية والقضاء على الفقر وزيادة الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية لا تتم إلا بالنظر إلى النساء نظرة مساواة مع الرجل.

دور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير البرامج الوطنية لتمكين المرأة
ختام أوراق العمل التي قدمت في الندوة كانت للباحثتين ريم الجابي وريم الحسيني من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث تناولتا التقرير الوطني للتنمية البشرية في سورية من حيث كيفية اختياره لمحور التعليم والتنمية، والمنهج الذي اعتمد في إعداد التقرير، والفئات التي يستهدفها، وشرحت الباحثتان العلاقة القائمة بين التعليم وتمكين المرأة فالتعليم هو أحد أهم المحاور القائمة بحد ذاتها في تمكين المرأة، كما تطرقت الباحثتان إلى المعوقات التي تقف في وجه تمكين المرأة والتي لخصت بأن تمكين المرأة أمر لا يعطى بل يتطلب تغيير من الداخل كذلك فإن التأثير السلبي للتقاليد والعادات يفوق تأثير التعليم في النظرة إلى تمكين المرأة، إضافة إلى الصورة النمطية للمرأة في المناهج التعليمية، والدور السلبي الذي يلعبه الإعلام في استخدام المرأة كأداة جذب للاستهلاك. وعزت الباحثتان  أسباب تدني نسبة التعليم عند النساء إلى الزواج المبكر كسبب رئيسي في تسرب الفتاة من التعليم والموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد عند البعض والفهم الخاطئ للقوامة وتأثيره على حرمان المرأة من التعليم.
كذلك أشارت الباحثتان إلى العلاقة التي تربط بين تعليم المرأة والقضايا السكانية، حيث بينتا أن تعليم المرأة يبطئ معدل النمو السكاني، ويشكل التعليم والعمل عنصران حاسمان في تقليص عدد أفراد الأسرة، إضافة إلى أن المستوى التعليمي للمرأة يؤثر ايجابياً في استخدامها وسائل تنظيم الأسرة.
وتناولتا الرسالة التي تضمنها التقرير باستهدافه لتعليم وتنمية ومواطنة واندماج اجتماعي أفضل، ليكون العلم مفتاح المستقبل الذي علينا صنعه، وأخيراً ناقشت الباحثتان سبل تفعيل التقرير من خلال عقد الورشات ومحاولة التأثير في نوعية السياسات التعليمية وكفاءاتها ومتابعة نتائجها في إطار أهداف الخطة الخمسية العاشرة والتخطيط بعيد المدى، وغيرها من السبل.

في نهاية الندوة فتح باب النقاش والأسئلة للحضور عما أورده المحاضرين في أوراق عملهم التي قدمت خلال الندوة.
25/7/2006


موقع الثرى

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon