المرأة العاملة بين قانون الشغل ومرارة الواقع (في المغرب)

إن حاجة الرأسمالية لتحقيق أرباح فائضة، عبر الإجهاز على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة، من نفقات اجتماعية وحد أدنى للأجور من جهة أخرى. جعلت أرباب العمل يشنون هجوما على الحركة العمالية عبر طرد النقابيين واستعمال الفصل 288 من القانون الجنائي والقانون التكميلي للإضراب زيادة على مدونة الشغل الجديدة التي دخلت حيز التطبيق منذ يونيو 2004. لتعمق الوضعية المزرية التي تعيشها الطبقة العاملة المغربية من جراء تجميد الأجور في الوقت الذي تعرف فيه الأسعار ارتفاعا مهولا.
في ظل هذه الوضعية الاقتصادية المتأزمة وجدت المرأة نفسها مجبرة على ولوج سوق الشغل، في بيئة اجتماعية تعتبر المرأة " ضلعا أعوجا " غير قابل للتقويم وأنها ناقصة العقل وعديمة الأهلية، وكرست هذه الأفكار بشتى الوسائل لتحقير المرأة وتكبيلها، وبالتالي تكبيل المجتمع بإظهار الوضع وكأنه محكوم بصراع جنسي وليس صراع طبقي، باعتبار أن خروج المرأة للعمل ومنافسة الرجل هو مصدر العطالة وكل أزمة اجتماعية واقتصادية وحتى أخلاقية. هذا الفكر الذي نجده حاضرا بقوة بين سطور مدونة الأسرة التي تمنع المرأة من العمل بدون إذن زوجها، رغم أن المادة 9 من قانون الشغل الجديد منحتها هذا الحق، وذلك بمبرر أن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل وأن العائلة هي الشكل الوحيد للعلاقات الإنسانية وأن سعادتهن تكمن في لعب دور الزوجة المخلصة والصالحة، بحيث بإمكان الزوج أن يختلق حججا من أجل منع زوجته من العمل. لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية جعلت المرأة تفرض نفسها على سوق الشغل، الأمر الذي عرضها لأبشع أنواع الاستغلال الرأسمالي بدءا بالحرمان من الحقوق إلى الأجر المتدني إلى التهديد بالطرد كلما تطلب الأمر ذلك. أي كلما لجأت العاملات إلى الإضراب أو المطالبة بحقوقهن مستغلا في ذلك وجود جيش احتياطي من العاطلين والعاطلات. وفي هذا الإطارتقول سيدة عاملة « كنا نعيش أوضاعا مأسوية حيث نشتغل 12 ساعة في اليوم منا من ظل على هذه الوثيرة مدة 10 سنوات في وضعية مزرية تنعدم فيها أبسط الحقوق... من غياب كناش إدارة المعمل وغياب تصريح لدى الضمان الاجتماعي وغياب وسائل التنقل بين المدينة والمنطقة الصناعية بمسافة تزيد عن 8 كلم. إضافة إلى التَضييق على العمل النقابي حيث قامت الإدارة بتحويل أماكن العمل، بالنسبة لأعضاء المكتب النقابي واتخاذ قرار الطرد في حق البعض. كما أقدمت الإدارة على تسريح ما يفوق 50 عاملا جلهم نساء رافضة صرف أجورهم المستحقة. كما طلبت من فوج آخر إمضاء عقود تحدد وضعيتهم كعمال موسميين، لتختم مسلسل الهجوم بتوقيف نشاط المصنع وتسريح كافة العمال بعد قمع كل الأشكال الاحتجاجية ».
كما أن إضفاء الشرعية على ما يسمى بوكالات التشغيل والسمسرة يفتح الباب على مصراعيه أمام أرباب العمل لاستغلال اليد العاملة النسائية، التي يتم الاستغناء عنها والتخلص منها في وقت الأزمات. خصوصا وأن اليد العاملة النسائية تعتبر ضعيفة التأهيل وعائداتها مكملة، وفي مقدمة من يدمجن في القطاعات الهزيلة الأجور ذات الطابع التقليدي كالنسيج والتلفيف والتصبير. لذلك لا غرابة في أن نجد البطالة النسائية في اتساع دائم، خصوصا إذا ما أضفنا حاملات الشواهد والمعطلات والنساء القرويات ضحايا الأمية وانعدام الخدمات العمومية. هذه الأوضاع التي تلقي بغالبية فقيرات الأحياء الشعبية نحو الأعمال الهامشية، وهي سبب توسع الدعارة والمخدرات ونسونة الفقر. وبالتالي فالنساء العاملات تعشن وضعية جد خاصة في ظل المجتمع الرأسمالي، وخاصة النساء العاملات داخل البيوت كخادمات دون الاعتراف بالقيمة الاجتماعية لمثل هاته الأعمال يعرضهن لاضطهاد واستغلال مضاعف. ومادامت خادمات البيوت مقهورات وفي الغالب فتيات قاصرات ولا يشكلن تركزا عماليا ذي حجم، فإن قدرتهن على التنظيم تكاد تنعدم إنهن فئات الطبقة العاملة الأكثر تضررا. تقول إحدى الخادمات « توفي زوجي تاركا على كاهلي مسوؤلية 3 أطفال.. لم تكن لدي حرفة أعيش منها.. وفي نفس الوقت لم يكن لدي أقارب قادرين على تحمل المسوؤلية معي.. فكان الحل الوحيد هو الخدمة في البيوت.. لم أكن اربح الكثير مقارنة مع الساعات الطويلة التي كنت اشتغلها يوميا. إضافة إلى الإهانات التي كنت أتعرض لها من طرف مشغلتي. ومع ذلك كنت أتحمل كل شيء من أجل إطعام أطفالي.. لكن الأعوام تمر والمصاريف تتضاعف وصحتي لم تعد تساعدني على العمل طيلة النهار... اضطررت في البداية إلى توقيف ابنتي الكبرى عن الدراسة ودفعها إلى الخدمة في البيوت.. ثم أرسلت الثانية والثالثة إلى نفس المصير...». وهكذا نجد بان ظروف الخادمات الشاقة لا يمكنها سوى أن تزداد بشاعة، كلما انتشرت هذه المهنة التي تحول جسد الطفولة إلى سوق بشري للمزايدة والشراء. خاصة وأنها تستغل ظروف الأسر الفقيرة لتجبرها على الدفع بفلذات كبدها إلى جحيم العمل بعيدا عن المدرسة وعن فضاءات لممارسة طفولة سليمة.
و إذا كان قانون الشغل الجديد قد جاء بعدة تعديلات والتي تم إيهام العمال والعاملات بشكل خاص بكونها في صالحهن، كحق المرأة في إبرام عقد العمل بدون إذن زوجها ومنع الأعمال الشاقة والعمل الليلي وتخفيض ساعات العمل فهي في جوهرها فارغة المحتوى ولا تعد إلا درا للرماد في العيون. فمثلا جاء قانون الشغل الجديد بقرار منع النساء من الأعمال الشاقة في المادة 179 والمادة 181 كالعمل في المناجم والوقاية المدنية وسعاة البريد وكل الأعمال التي تفوق طاقات النساء أو تعرضهن للمخاطر أو مخلة بالآداب. إلا انه لم يوفر أي حماية أو تأمين للنساء العاملات ضحايا حوادث الشغل وأمراضه، والتي تتغاضى الأرقام الرسمية عن إظهارها وذلك بفعل تساهل الدولة مع أرباب العمل فيما يخص حماية اليد العاملة. ويلجا القانون المغربي دائما إلى التعويض دون أن يتناول أسباب الخطر المهني، كما أنه لا يتخذ إجراءات عقابية لقمع أرباب العمل ناهيك عن المخاطر التي تتعرض لها النساء العاملات ليلا، والتي تنص المادة 172 من قانون الشغل الجديد على منع العمل الليلي بالنسبة للنساء لكن على مستوى الواقع نلمس أن المبدأ هو تشغيل النساء ليلا والإستتناء هو منع العمل الليلي. إذ نجد عاملات مرغمات على العمل في المعامل السرية وفي المزارع والقطاعات الغير المنظمة في ظروف مزرية جدا، حيث تنعدم كل شروط الأمن والحماية إذ لا يوفر أرباب العمل وسائل النقل للعاملات فتضطر النساء إلى الوقوف تحت جنحة الليل في انتظار النقل العمومي، الذي لا يشتغل ليلا باستثناء بعض سيارات الأجرة التي نادرا ما تصل إلى المناطق الصناعية البعيدة التي غالبا ما تبعد عن مركز المدينة. هذا دون أن ننسى أن تكلفة النقل العمومي تتضاعف خلال الليل الأمر الذي يجعل النساء العاملات عرضة للمضايقات والاعتداءات الجنسية سواء في الخارج أو حتى داخل المعامل. حيث تتعرض العاملات إلى تحرشات جنسية ومعاناة نفسية داخل مقر العمل من طرف أرباب العمل أو المراقبين وأحيانا حتى من طرف العاملين، وهي أمور لم تفصح عنها أية جهة مسؤولة والتي غالبا ما تدفع بالكثيرات إلى سلوك طريق الانحراف والإجرام. وفي هذا الإطار تعترف إحدى العاملات « أبلغ من العمر 27 سنة مستواي الدراسي الإجازة في الآداب العربي اضطررت لظروف مادية إلى البحث عن أي عمل مهما كان خاصة وأني أتواجد في مدينة صغيرة وشهادتي لا توفر لي أي عمل...عملت في عدة مقاهي ومطاعم ثم اضطررت إلى البحث عن عمل في مدينة أخرى وبعد طرقات عديدة على أبواب المعامل والشركات وجدت فرصة عمل بشركة أجنبية للسيارات بثمن مناسب مقابل 12 ساعة في اليوم مع توفير وسيلة النقل وتكوين لمدة أسبوعين لكن بمجرد مرور 3 أشهر على عملي صدمت بتأخر الأجور وأنا متابعة بالكراء والمصاريف اللامنتهية وحتى وسيلة النقل لم تعد منضبطة في مواعيدها الأمر الذي كان يجعلنا تحت جنحة الليل في قارعة الطريق وكأننا نحاول اصطياد العابرين ». وفي نفس السياق تقول إحدى العاملات « انحدر من إحدى القرى لجأت إلى العمل في إحدى معامل الخياطة تعرضت بعد 4 أشهر من عملي للطرد وضرب مبرح من طرف المراقب المسؤول عن سير العمل، أصابني بعاهة في جسدي لمجرد أني دافعت عن شرفي وكرامتي ورفضت تحرشاته الجنسية. ورغم وجود شهود على هذه الحادثة لم يقف أحد إلى جانبي ولم تكن لدي الطاقة للمطالبة بحقي المسلوب، خاصة وأن المراقب كان من أقارب رب العمل وانتهى الأمر إلى سد فمي ببعض الدراهم كتعويض على أساس أن ينتهي الأمر بشكل ودي ». والجدير بالذكر أنه ليس هناك أية مراقبة أو إشارة للانتهاكات التي تتعرض لها النساء العاملات يوما بعد يوم فإلى جانب اعتبار المرأة قوة عمل رخيصة في سوق الإنتاج فهي أيضا تستغل جسديا دون أن تتطرق الجهات الرسمية إلى مثل هذه الوضعية إضافة إلى ما سبق ذكره نصت مدونة الشغل الجديد على ساعات العمل الأسبوعية من 48 إلى 44 ساعة مع تقويمها حسب السنة. طبعا عند قراءتنا الأولى لهذا التعديل سنلمس مدى إيجابيته بالنسبة للعمال لكن من ناحية أخرى إن تخفيض ساعات العمل يليه تخفيض في الأجور والحرمان من التعويض على الساعات الإضافية وأيام الآحاد والأعياد ورهن المستخدمين لحاجيات المقاولات وجشع الرأسماليين وإقرار مرونة في الوقت والجدير بالذكر بأن هذا التعديل لا ينطبق على جميع العمال بل فقط على الذين دخلوا سوق الشغل بعد يونيو 2004 أي تاريخ تطبيق مدونة الشغل الجديد. كما تم تخفيض أيام العمل السنوية بمعدل ستين يوما في السنة في حالة أزمة عابرة أو قوة قاهرة. مع ضمان 50% من أجور العمال بمعنى أنه يتم الأعداد لتخفيض قيمة قوة العمل تحت مبرر الأزمة إلى غير ذلك من المبررات الواهية والتعويض على فقدان العمل بقيمة شهر ونصف على كل سنة من العمل مع وضع سقف زمني لا يتعدى 36 شهرا.
إن كل اضطهاد تتعرض له المرأة العاملة يتطلب الدفاع عن كل المكتسبات التي تمس الحاجيات اليومية للعاملات وكذا النضال من أجل فرض مطالب الشغيلة عموما وفي مقدمتها مطالبهن الخاصة و أنهن مسؤولات على استمرار هذه الأوضاع المزرية. وباختصار جاء قانون الشغل الجديد ليكرس دور المرأة كيد عاملة رخيصة وغير مؤهلة وفي أدنى المراتب وغير محمية من المخاطر والاستغلال الرأسمالي.

2006 / 7 / 24


المركز التقدمي لدراسات وأبحاث مساواة المرأة

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon