المرأة في قانون الانتخاب

إن من أولى مظاهر احترام حقوق الإنسان, بشكل عام, وحقوق المواطن بشكل خاص، يتمثل بترك مساحة من حرية الرأي، يستطيع من خلالها التعبير عن أفكاره ومبادئه، ويعبر كذلك عن نظرته للمسائل ذات الصلة بحياته كإنسان في أسرته، وفي مجتمعه.
ويأتي حقا الانتخاب والترشيح ليعكسا صورة واضحة عن حق المرء في التعبير عن رأيه، بل وحتى الدفاع عن مبادئه وآرائه.
ولما كانت الحقوق السياسية رديف الشعور بالمواطنة، والانتماء للدولة، فإن هذه الحقوق تلقى أهميتها الكبرى في حياة الإنسان، وليس أدل عن ذلك من أن عقوبة الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية من العقوبات التي يحكم بها الشخص في حال ارتكبه لجرائم ذات خطورة- وهو ما تنص عليه المادة4 من قانون الانتخاب السوري"يحرم من حق الانتخاب:
ا‌- المحجور عليهم مدة الحجر.
ب‌- المصابون بأمراض عقلية مدة مرضهم.
ج- المحكومون بمقتضى المواد ( 63 و 65 و 66 ) من قانون العقوبات أو بجرم شائن".
ومن الواضح أن الحرمان من حق الانتخاب هو حرمان من الشعور بالمواطنة والانتماء للمجتمع الذي يحيا فيه المحكوم.
و في هذا المجال يثور تساؤل هام ألا وهو: وهل تتمتع المرأة السورية بحقوقها السياسية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال النصوص القانونية، ومن خلال التطبيق العملي لهذه النصوص.

المرأة السورية في قانون الانتخاب:
بموجب قانون الانتخاب السوري فإن ممارسة هذا الحق ممكنة لكل ناخب يتمتع بهذا الحق، وذلك دون تمييز بين الرجل والمرأة، وهو ماتنص عليه المادة 3 من القانون" السابق يتمتع بحق الانتخاب كل مواطن عربي سوري, من الذكور والإناث, أتم الثامنة عشرة من عمره في أول السنة التي يجري فيها الانتخاب، ما لم يكن محروما من هذا الحق بموجب هذا المرسوم التشريعي والتشريعات النافذة". ومن الواضح بأن المشرع السوري قد منح المرأة الحق بالمشركة في العملية الانتخابية.
بالمقابل فإن المشرع السوري منح للمرأة السورية حق الترشيح لانتخابات مجلس الشعب، وهو ما تنص عليه المادة17 من قانون الانتخاب:" يتمتع بحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب كل مواطن عربي سوري , من الذكور والإناث بمن فيهم العسكريون والفئات الأخرى المشمولة بأحكام المادة ( 5 ) من هذا المرسوم التشريعي إذا توفرت فيه الشروط التالية:
ا‌-أن يكون متمتعا بالجنسية العربية السورية منذ خمس سنوات على الأقل , بتاريخ تقديم طلب الترشيح.
ب‌- ( كما عدلت بموجب المادة الأولى من المرسوم التشريعي 24 تاريخ 33/10/1981 ):
متمتعا بحق الانتخاب وفقا لاحكام هذا المرسوم التشريعي والأحكام القانونية الأخرى النافذة بهذا الشان.
ج- متما الخامسة والعشرين من عمره في أول السنوات التي يجري فيها الانتخاب.
د- مجيدا القراءة والكتابة، وتحدد أسس تقدير الانتخاب بالتعليمات التي تصدر عن الوزير".
وقد جاء قانون الانتخاب السوري منسجماً في أحكامه مع ما قررته وتقره العهود الدولية لحقوق الإنسان، كذلك فإن أحكامه تنسجم مع أحكام اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة والتي عرضتها الجمعية العامة للتوقيع والتصديق بقرارها 640 (د-7)المؤرخ في20 كانون الأول/ ديسمبر1952 وأضحت نافذة بتاريخ: 7 تموز / يوليو 1954.
وقد نصت هذه الاتفاقية على:
أن الأطراف المتعاقدة، رغبة منها في إعمال مبدأ تساوى الرجال والنساء في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافا منها بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، ورغبة منها في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفى ممارستها، طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قررت عقد اتفاقية على هذا القصد،
وقد اتفقت على الأحكام التالية:
المادة الأولى
للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.
المادة الثانية
للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.
المادة الثالثة
للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال، دون أي تمييز.
ولعل المتمعن في نصوص الاتفاقية يلحظ وبوضوح مدى الانسجام الكامل بين ما ينص عليه قانون الانتخاب السوري وبين أحكام الاتفاقية، وهذه خطوة رائدة في مجال حقوق المرأة.
بالمقابل، فإن قانون الانتخاب السوري يفوق، من ناحية منح المرأة الحق في الانتخاب والترشيح، العديد من الدول العربية، والتي لا تزال تحرم المرأة هذا الحق، بل إن هذا القانون تفوق على ما سبقه من قواعد دستورية سادت سوريا،وهوما ينسجم كذلك مع نص الدستور الدائم لعام 1973، والذي اعترف بالوضع السيئ الذي تعاني منه المرأة السورية، فقد أكد على ضرورة تفعيل دورها، حيث تنص المادة 45منه على أن " تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية, وتعمل على إزالة كافة القيود التي تمنع تطورها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي". ولعل هذه المادة توضح الظروف التي سادت سوريا في الحقب السابقة، والتي أثرت سلبياً على المواطن السوري عامة، والمرأة بشكل خاص.
وبالرغم من أن النشاط السياسي الذي تزامن مع الانقلابات العسكرية في سوريا، والذي حاول السوريين من خلاله تحقيق مكاسب عديدة سواء على مستوى الحريات العامة والحقوق السياسية والمدنية، بعد أن كانت هذه الحقوق، وسيما السياسية منها،وتكاد تقتصر على الفئات التقليدية والعشائرية والقبلية والعائلات الغنية.
وفي واقع الأمر فإن النضال السياسي لم يقتصر على الرجال فقط،وإنما دخلت المرأة معترك الحياة السياسية والنضالية وفي وقت مبكر، ولسنا ننكر بأن المجال قد فسح أمامها للمشاركة جنباً إلى جنب الرجل، ويعود ذلك للتأثير الإيجابي لأفكار ومبادئ الأحزاب التقدمية والتي ظهرت في سوريا- حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الشيوعي..- والتي دعمت دور المواطن السوري، امرأة كان أم رجل، وذلك للخروج من نطاق الأحزاب التقليدية، وهو ما فسح المجال أمام المرأة السورية للدخول في التطبيق العملي لهذه المبادئ وتترجمها إلى مشاركة فعالة في الحياة الانتخابية. وبالرغم من أن حركة النضال السياسي تراوحت بين مد وجزر تبعاً للنظام الحاكم في تلك الفترات.
ويمكن القول بأن حق الانتخاب، وليس حق الترشيح فقط، حظر في فترات على المرأة، بحيث لم يكن لها حتى حق الإدلاء بصوتها، ولم يكن هذا واقع المرأة فقط، مع اعترافنا بأنها تمتعت بصفة مواطنة من الدرجة الثانية، بل كان ذلك حال الرجل أيضاً، إلا أنه ومع تزايد نمو الفكر التقدمي والإلحاح للوصول إلى واقع سياسي واقتصادي واجتماعي أفضل بدأت حقوق المرأة تتبلور، إلا أن طابع هذا التطور يكاد ينحصر بقانون الانتخاب والقانون المدني،على حين بقيت قوانين أخرى تكبلها- قانون الأحوال الشخصية، قانون الجنسية- وهوما لا ينسجم مع ما حققته سياسياً.
وبعد الحركة التصحيحية وما حققته من مكتسبات هامة على صعيد حقوق المرأة السياسية، فإن الطريق قد فتح أمامها لتكون عضو مجلس شعب وممثل في الإدارة المحلية ووزارة الخارجية، وأخيراً نائب لرئيس الجمهورية في خطوة رائدة لم يسبق لها مثيل في الدول العربية.
وفي حقيقة الأمر فإن فتح مجال العمل السياسي أمام المرأة يمثل تطبيقاً عملياً لحقوق المواطن السوري في الدستور، حيث كفل لهذا المواطن الحق في تكافؤ الفرص وحرية إبداء الرأي باعتباره حقاً مقدساً، كما كفل للمواطن السوري الحق في المساهمة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن الملاحظ عملياً بأن هذا المبدأ الأساس،والذي نص عليه الدستور أعطى لكل مواطن عربي سوري حق التمتع بحقوقه ودونما تمييز.
إلا أنه بالمقابل نجد بأن فعالية المرأة السورية في مجال الحياة السياسية لتزال محدودة، ويعود ذلك لأسباب، نوجزها فيما يلي:
معوقات مشاركة السيدة السورية في الحياة السياسية:
هناك عوامل عدة ساهمت في تكبيل المرأة، وإبعادها عن دورها الفعال في بناء المجتمع، هذه العوامل هي:
الموروثات البالية، والتي لم يكن لها من هم سوى تحديد دور المواطن السوري بصورة عامة،والنساء بصورة خاصة وذلك ضمن أطر محددة.هذه الموروثات التي كرسها الاحتلال العثماني، ولم نزل أمينين عليها نرفض الخروج عليها.
2- ظاهرة الأمية، حيث يقف الجهل سداً منيعاً أمام أي دفع لعملية التطوير وفي أي مجتمع من المجتمعات، وينعكس ذلك على مدى معرفة السيدة السورية بحقوقها القانونية، وفي كافة المجالات، إذ لا فائدة ترجى من العمل على النهوض بامرأة لا تعي ما لها وما عليها، ولا قيمة كذلك للحديث عن ظلم قانوني للمرأة إذا كانت هي ذاتها تؤهل للعيش ككائن من درجة ثانية.فإذا كان شعورها بأن وجدوها في هذه الحياة ينحصر في تلبية الأوامر والقيام بالواجبات المنزلية.
 التفاوت بين النظرية والتطبيق في مجال الحقوق الممنوحة للمرأة،فبحسب نصوص الدستور والقوانين المنظمة للعمل فإن هناك مساواة بين الرجل والمرأة في حين نجد بأنها لا تطبق على الأمر الواقع، وهو ما باعد بين المرأة و مجالات صنع القرار وبالتالي ضعف مشاركتها السياسية.
الثغرات القانونية التي كرست التمييز ضد المرأة،وهو ما لم يتح لها المجال لمشاركة فعالة، بالإضافة للانعكاسات التي ستصيب ليس فقط المرأة، بل والمجتمع بأسره، فالحاضن الأول للطفل هو الأم ومنها يستقي مبادئه وأفكاره، ولاشك بأن ابتعاد الأم عن عملية النهوض بالمجتمع سينعكس على أولادها.
وسائل تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية:
الهدف من هذا التفعيل وتعميق هذا المفهوم هو اعتبار مشاركة المرأة في الحياة العامة ليست مجرد منحة أو امتياز، بقدر ما هو إيمان بقدرتها على التعبير عن مشاكلها والدفاع عن مصالحها ومصالح مجتمعها.
 ولتحقيق هذه الأهداف يجب العمل على:
1- ضمان الحقوق السياسية للمرأة وضمان المساواة بين الجنسين في الحقوق المدنية والسياسية دستورياً.
2- تفعيل نظام التعليم الإلزامي من خلال التشديد على أولياء الأمور في الأسرة الفقيرة والريفية لإلحاق بناتهم بالمؤسسات التعليمية وتقديم الدعم المادي لمساعدتهم.
3- وضع خطط استراتيجية لتعميم مبدأ المشاركة السياسية للمرأة وتقديم الدعم الكامل لها في العملية الانتخابية.
4- التشجيع على وضع أسماء السيدات ضمن قوائم الترشيح.
5- التوعية السياسية لتشجيع المشاركة في الحياة السياسية.
6- النهوض بالجمعيات والمنضمات والمؤسسات التي تعمل في مجال المرأة لما لها من دور بالغ في الأهمية.
7- العمل على النهوض بالمرأة الريفية، وذلك نظراً لحاجتها الماسة للدعم الفكري، وإنشاء مراكز توعية في القرى، ويجب أن تتوجه هذه المراكز للرجل قبل المرأة، فلا يكفي توعية السيدات بل لابد من النهوض بالرجل واطلاعه على الدور الهام الذي تستطيع أن تقوم به المرأة، سواء في المنزل أو في العمل العام
8- مشاركة الجمعيات النسائية في تعديل القوانين، وذلك نظراً للدور الهام الذي تقوم به هذه الجهات، فعلى سبيل المثال يقوم الاتحاد العام النسائي بدراسات تتصل بنقاط هامة في مجال حقوق المرأة، وله العديد من المقترحات للوصول بالمرأة إلى المستوى المطلوب منها.
لاشك بأننا نؤمن، بأن قضية المرأة تشغل الحيز الكبير من قضايا الوطن، ويعود ذلك إلى النهوض بالمرأة هو نهوض بالمجتمع، فمعركة المرأة هي معركة ضد عوامل ضعف المجتمع, وليست معركة ضد الرجل، كما أن الأخير مطالب بالإسهام بعملية تطوير المرأة.
ولابد من الإشارة إلى أن النظام الاجتماعي لا يكون ثمرة تعديل تشريعي، فهو نتيجة طبيعية للمكونات التي يضمها المجتمع، فإذا أردنا المثابرة على عملية تطوير المرأة فلابد من وجود الرجل كعنصر أساس في هذه العملية.

2006-08-06


خاص:   

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon