المرأة العربية في الصراع من أجل حقوقها

تشهد مجتمعاتنا العربية نقاشات وآراء حادة حول أوضاع المرأة. وتشكل القوانين والتشريعات والعادات والتقاليد المعمول بها محوراً لذلك. إلا أن التعاطي مع هذه القضايا يتخلّف عمّا تستوجبه من مسؤوليات ومن بحث عميق ودقيق لهذه المسائل. ويستمر صراع بين دعاة تمكين المرأة من حقوق شخصية وقانونية مساوية للرجل، وبين دعاة الوصاية القانونية والشخصية على المرأة.
وتشكل قضية الحجاب إحدى القضايا التي يثار حولها جدل في العالم العربي والإسلامي.. فالبعض يرى أن الحجاب لا يمثل رمزاً دينياً فقط، بل هو فريضة وواجب، والبعض الآخر يرى أنه لا توجد دلالات واضحة على أن الحجاب تكليف ديني على المرأة.. ولا يمثل جوهر الدين وأهدافه، بل هو مؤشر على خضوع المرأة. وأن آيات القرآن الكريم المتعلقة بالحجاب فُرضت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم للاحتجاب عن سائر الرجال وللتمييز بينهن وبين نساء العامة.
ففي أواخر الشهر الماضي، طالبت بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر بإقالة وزير الثقافة المصري فاروق حسني، وتقديمه إلى المحاكم لإبدائه آراء عارض فيها انتشار ظاهرة الحجاب بين النساء المصريات، إذ رأى ذلك مؤشراً على التخلف وعودة إلى الوراء، وأن مصر لن تتقدم مادامت النظرة إلى المرأة متخلفة، وأن النساء بشعرهن الجميل كالفراشات التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس.
وفي بيان تضامني للمثقفين المصريين مع وزير الثقافة، اتهموا الجماعات الإسلامية باستغلال هذه القضية والتحدث باسم الدين وكأنها وصيّة على الإسلام، في محاولة لتحقيق أغراضها السياسية في قضية لا تمثل جوهر الدين وأهدافه. وأكد المثقفون قلقهم أمام تلك الهجمة التي تنذر بشيوع مناخ من الإرهاب الفكري يعيق حرية الرأي.
وتصدر قائمة الموقعين طليعة القوى الاجتماعية والثقافية المصرية، من بينهم المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، والمخرج المسرحي سعد أردش، والشاعر سيد حجاب، والموسيقار عمار الشريعي، والكاتب لينين الرملي، وغيرهم.
وفي داخل التيارات الإسلامية يبرز جدل حول هذا الموضوع، ففي إفتاءات جديدة للدكتور حسن الترابي، أحد أبرز قيادات الحركة الإسلامية في السودان، يرى أن لغة القرآن اضطربت جداً في مصطلحات الناس، وأن التعامل السائد الآن مع حجاب المرأة لا يخلو من الفهم الخاطئ لمقاصد الآيات القرآنية التي نزلت بخصوص حجاب المرأة وخمارها، ولا يمكن تعميمها. وقال: إن آيات الحجاب تخص نساء النبي محمد صلى الله عليه وسلم وضيوفه من الصحابة وغيرهم. وأضاف: أما الخمار فإنه جاء لتغطية صدر المرأة وجزء من محاسنها، ولا يعني بأي حال من الأحوال "تكميم المرأة" بناء على الفهم الخاطئ لمقاصد الآيات التي نزلت بخصوص ذلك.
وفي باكستان، اتهم الرئيس الباكستاني برويز مشرّف الأحزاب الدينية بالنفاق لمعارضتها "قانون حماية النساء" الذي قدمته حكومته، ودعا الشعب إلى رفض ممثلي هذه الأحزاب في الانتخابات العامة المقبلة. وقال مشرّف في مؤتمر نسائي في إسلام أباد: (إن الإشخاص الذين يعارضون "قانون حماية النساء"، منافقون ويتعين على الشعب الباكستاني رفضهم في الانتخابات العامة المقبلة). وكان يشير إلى الأحزاب الدينية التي عارضت بشدة القانون الذي أقرته الحكومة مؤخراً، ويركز خصوصاً على تخفيف القيود على النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب ويقدمن شكاوى قضائية. وقد أطلقت الأحزاب الدينية حملة احتجاجية ضد تمرير القانون الذي اعتبرته مخالفاً للتعاليم الإسلامية. وهدد العديد من ممثلي هذه الأحزاب بالانسحاب من البرلمان احتجاجاً على القانون، لكن مشرّف جدد إشادته بالقانون الجديد، وقدّم تهنئة للأمة بإقراره.
وقبل أشهر شهدت مدينة المنامة في البحرين تظاهرة حشدت الألوف من النساء اللواتي يرفضن وضع قانون للأحوال الشخصية. وسارت على رأس التظاهرة نساء محجبات ومنقبات ورجال دين يرفعون القرآن الكريم عالياً فوق الرؤوس في حركة توحي بالدفاع ضد نية قائمة للمساس فيه، وأكدت الشعارات المرفوعة التمسك بالشريعة الإسلامية ورفض أي قانون يمس ذلك. وفي الوقت نفسه وفي الشارع نفسه وبمقابل هذه التظاهرة، انطلقت تظاهرة أخرى حاشدة تطالب بوضع قانون للأحوال الشخصية مؤيدة من المؤسسات الرسمية في البحرين، ومن الحركات النسائية الديمقراطية، وحشد كبير من الشابات.
وقبل أشهر أيضاً جابت شوارع العاصمة عمان تظاهرة حاشدة قادها أمراء من العائلة المالكة وشيوخ العشائر الأردنية تطالب بإلغاء المادة 340 من القانون الجزائي الأردني التي تعترف بالعذر المخفف والعذر المحل، اللذين يطولان ما يعرف بجرائم "الشرف". وكان البرلمان الأردني قد أفشل مشروع قانون حكومي لإلغاء هذه المادة.
وفي الجزائر يدور صراع عنيف ومتجدد منذ عام 1984 حول قانون الأحوال الشخصية، ويشكل هذا الصراع أحد المحاور الأساسية في الصراع بين قوى إسلامية متطرفة والحركة الديمقراطية في الجزائر مدعومة من الرئيس بوتفيلقة.
وتشكل هذه الظاهرات، أي الانتقال إلى الشارع، طوراً جديداً في صراع يحتدم بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فقضايا المرأة قديمة متجددة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وليس وزير الثقافة المصري وحده من انتقد ذلك، فقد سبقه إلى ذلك كثيرون. فأعلام النهضة العربية الحديثة والكثير من المفكرين منذ منتصف القرن التاسع عشر نادوا بتحرير المرأة ورفع الحجاب، وكانت مصر سباقة في هذا الموضوع، وبرزت شخصيات أمثال رفاعة الطهطاوي، والشيخ محمد عبده، وقاسم أمين "1865-1908" في كتابيه تحرير المرأة 1899 والمرأة الجديدة ،1900 وهدى شعراوي، وصفية زغلول، وغيرهم، وفي لبنان زينب فواز، ونظيرة زين الدين في كتابها "السفور والحجاب" 1928.
تقول الكاتبة المصرية المعروفة إقبال بركة، رئيسة تحرير مجلة حواء النسائية": إن الجذور التاريخية للحجاب تعود إلى الحضارة الآشورية، وذلك في ظل ظروف أمنية ومجتمعية معينة. وقد استمر ذلك عبر العصور، واستقر في الحضارة الإسلامية. ولا توجد دلالات واضحة على أن الحجاب تكليف ديني على المرأة، وهو علامة على الوصاية عليها وتكبيلها. واعتبرت أن الحجاب رمز للتخلف، وأن علماء الدين لم يتفقوا عليه، وأن معركة الحجاب ليست معنية بتغطية شعر المرأة أو "تعريته" لكنها معركة رمزية في الشكل عميقة المعاني والدلالات على حجب المرأة وتجريدها من حريتها.
ويقول الكاتب المصري المعروف ميلاد حنا: "إن من حق المرأة في أي مكان وزمان أن ترتدي ما يعجبها، ولكن من دون إفراط أو مبالغة، فمن غير المقبول أن ترتدي امرأة أو فتاة ملابس البحر وتمشي بها في الشارع بحجة أن هذا ما تريد ارتداءه، إلا أنني أُستفَز حين أرى في الشارع فتاة أو سيدة لا يظهر منها شيء، ولولا الفتحتين عند منطقة الوجه لوقعت على الأرض لعدم قدرتها على رؤية الطريق.
على كل حال فإن كل ما يطرح الآن بموضوع الحجاب هو أن آيات القرآن الكريم المتعلقة بالحجاب فرضت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء: "... يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء" (سورة الأحزاب 32).. إذ كان بعض العامة يتعرضون للمسلمات ويتحرشون بهن، ومرد ذلك كان عدم التمييز بين نساء العامة والجاريات والإماء اللواتي كن مشاعات في ذلك الوقت، وكل هذا كان في فترة زمنية محددة وكانت هناك أخطار تهدد الدعوة الإسلامية.
يقول محمد أركون، أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي سابقاً في جامعة باريس: "إن المسلمين المعاصرين لا يقبلون بمعظمهم إخضاع ما يسمى بالقانون الديني "الشريعة" للنقد التاريخي الذي من شأنه السماح بكشف غطاء القدسية و"المتعالي" والوجوب عن كل الأعراف والمعتقدات التي يجري ذكرها بانتظام للإبقاء على النساء في ظل أحكام جرى تحديدها وإنشاؤها في القرون الوسطى".
ويمكن الفهم من ذلك أن المسلمين ينسبون إلى القرآن مسؤوليات تعود عملياً إلى مواقف الفاعلين الاجتماعيين وممارساتهم عبر التاريخ، ولا يوجد في الشريعة الإسلامية نصوص تقضي بالحجاب على ما هو معروف الآن عند بعض المسلمين. وإلا لكان الأمر أسهل، ولكن لا نص في الشريعة يوجب الحجاب على هذا النحو، إنما هي عادات أتت من بعض الأقوام أخذوا بها وألبسوها لباس الدين. وبعد، هناك أوضاع كثيرة قد تغيرت فما كان محرماً على المرأة مثل الخروج من منزلها ورؤيتها لأجنبي، والمنع من مجالسة الرجال، وقد اختلف الأمر الآن ولابد من معالجة هذا الموضوع الإنساني الحيوي، معالجة أوسع مما عرضناه هنا. والسؤال: لماذا تبقى المرأة سجينة لباسها الذي يفقدها حرية الحركة والشكل الإنساني الطبيعي؟

زينب نبّوه- (المرأة العربية في الصراع من أجل حقوقها)

جريدة النور (10/1/2007)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon