يرى بعض الاقتصاديين أن ضعف القوة الشرائية يساهم وبوضوح في عدم قدرة الناس على تأمين احتياجاتهم, ما يؤدي الى ركود اقتصادي وخمول الحركة التجارية اضافة الى تراجع في النشاط الصناعي,
حيث لا يتجرأ الصناعيون على تكثيف طرح منتجاتهم في الأسواق الراكدة كي لا يضطروا الى فتح مستودعاتهم كملاذ لخزن منتجاتهم.
ويعتبر هؤلاء الاقتصاديون أن دعم القوة الشرائية وتحسين الدخل يعتبر الحل السحري لإزالة الركود وتنشيط الحركة التجارية وتنامي الصناعات المحلية.
وهذا سوف ينعكس على تحسين الأحوال المعيشية للأسر وللناس جميعا لأن تنامي الصناعة والتجارة وحيوية الأسواق يؤشر الى أن اقتصاديات الأسرة قد تحسنت, ويساعد على توفير المزيد من فرص العمل وبمختلف الاتجاهات تجاريا وصناعيا وخدميا ,فيزاح عن كواهل الكثير من الأسر أعباء كثير من العاطلين عن العمل فيها, فيتحرك رأس المال التجاري ليزداد نمواً كما تتسارع حركة المصانع وتزيد من منتجاتها, لتتحرك الخدمات المكملة لهذه الأنشطة أكثر كوسائط النقل, ووسائل الاتصالات والبنوك وشركات التأمين وإلى ما هنالك, ففعاليات المجتمع مرتبطة مع بعضها غير أن هذه الفعاليات لا يمكنها التحرك باتجاه أداء اقتصادي كفوء ونشيط إلا بقوة شرائىة جيدة.
ولكن بالمقابل.. يقف فريق اقتصادي آخر ليحذر من مخاطر رفع القوة الشرائية عند الناس إن لم يكن هناك ترشيد لاستخدام هذه القوة.
فالخطورة- عند هذا الفريق- ليست بقدرة شرائىة قوية , وإنما بالإسراف في استخدامها, لأن كثرة الاستهلاك والتبذير في الأسرة, ينعكس أثره السلبي ليس على الأسرة فحسب, بل على الوضع الاقتصادي العام في المجتمع والدولة. فزيادة الانفاق, والاستهلاك المرتفع- الناجم عن قدرة شرائية قوية- من شأنه أن يخفض من قيمة النقد, وهذا سوف يؤدي- بالضرورة - إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات فيتصاعد حرمان الفقراء فتغرق الأسرة مجدداً في الديون والمشكلات الاجتماعية, لأنها تكون قد اعتادت على نمط استهلاكي معين, لن تستطيع مجاراته بعد ارتفاع الأسعار, فتسعى للحفاظ على هذا النمط, من خلال الديون.
وعموماً فإن هذه الآلية سوف تؤدي بالنهاية إلى حالة من التضخم الكبير.
ويذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك بكثير, ليربطوا ارتفاع القوة الشرائية بنشوء المشكلات السياسية والأمنية والأخلاقية نتيجة لاضطرابات الوضع الاقتصادي في المجتمع. بكل الأحوال.. فإن هذا الكلام يبقى كلاماً نظرياً, ولا نجد بداً من التحفظ عليه, لأنه في ضوء اقتصاد السوق, يبقى تأثير زيادة القوة الشرائية على ارتفاع الأسعار محدوداً جداً لأن العنصر الحاسم هنا هو آلية السوق, فالمنافسة المتكافئة وحدها هي الكفيلة بضبط السوق ولجم الأسعار وإبعاد شبح التضخم, وإحداث مختلف أنواع التوازن.
فالناس ليست مجنونة حتى تقوم عشوائياً بتسوق الاحتياجات كيفما اتفق ولا شك بأن الكثير من الأسر تبحث في مشترياتها عن الجودة والسعر المعقول, وفي مثل هذه الحالة لا بد للتجار أن يواكبوا هذا التوجه في توفير السلع التي من شأنها إرضاء أذواق المشترين,فالذي يرفع الأسعار أكثر مما ينبغي لا بد بالنهاية من أن ينفض المشترون من حوله, فيعزل نفسه, ولن يستطيع بعد ذلك التحمل أكثر, فيضطر إلى خفض أسعاره لتتوازن مع منطق السوق إلى ذلك, يمكن للأسر الواعية أن تضبط موازناتها الاسبوعية أو الشهرية الى حد كبير, وبامكان هذه الاسر أن تبحث وتعثر على بعض التعليمات التي تمكنها من مثل هذا الضبط .
فالزوج أو الزوجة, عندما يذهب أحدهما أو كلاهما الى السوق بامكانهما -وقبل الخروج من المنزل- تحديد الأولويات, أي وضع كل شيء في مرتبته, الأهم أولا, ثم المهم, وبعد ذلك الاقل أهمية.
وترى بعض الدراسات أن هرم الاولوية لميزانية الاسرة يتمثل في ثلاث درجات:
الأولى: ضرورات لا تستقيم الحياة بدونها ولا يمكن الاستغناء عنها.
الثانية: ضرورات واحتياجات يمكن الاستغناء عنها بحدود معينة غير أن توفيرها يعطي للحياة أريحية أكثر.
الثالثة: ضرورات واحتياجات تفرضها الحالة التطورية العالية للمجتمع, وهذه يمكن الاستغناء عنها, وفي حال القدرة على توفيرها فإن الاسرة تكون قد بدأت بخلق تحسينات تمهيدا للعبور الى عالم الرفاهية.
وتقول الدراسات: إن هذه الاولويات تختلف من وقت إلى اخر, ومن مكان الى اخر, ومن أسرة لأخرى طبقا لظروفها.
ومن هنا لا بد من تحديد الاولويات في ضوء الزمان والمكان وظروف كل أسرة دون أن تنظر الى غيرها من الاسر وتحاول تقليدها.
ولكن عندما تشعر الاسر بكثرة المصروفات المنزلية وعدم انضباطها يمكنها أن تضع جدولا شهريا لمعرفة أين تصرف الأموال العائلية, وبعد ذلك تراقب المواقع التي يزداد فيها المصروف, وصولا الى إعادة ترتيب هذه المواقع حسب الأولوية والأهمية.
وفي حال كانت الاسرة مكتملة بالزوج والزوجة, فإن تلك الدراسات تفضل أن يشترك الزوجان معا في اعادة ترتيب وتقييم الاولويات, كي يتحملا النتائج معا, وإلا أصبح احدهما فقط هو الملتزم بالاولوية المحددة والآخر يصرف كما يشاء.
وفي مثل هذه الحالة, يصادف كثيرا أن يحضر الزوجان مساء الى المنزل فتكون المفاجأة, بأن كلاً منهما قد اشترى مثل مشتريات الآخر.!.
ما نريد أن نوصله كنتيجة نهائية, أنه وعلى الرغم من الآراء المنحازة باتجاه خطورة زيادة القوة الشرائية, فإن مثل هذه الخطورة غير مقنعة إطلاقا ولا سيما في ظل العيش بنظام اقتصاد السوق, الذي لا يجوز لآليته أن تغيب عن الاذهان, ولذلك نرى إن كانت الحكومة تعول على هذه المسألة في إبطائها باتخاذ اجراءات جدية نحو تحسين دخل المواطنين ودخل الاسر فمن المهم -وإلى حد كبير- إعادة النظر بهذا التعويل.
إن رفع القدرة الشرائية عند الاسر السورية, من شأنه حلحلة الركود, وانعاش الاقتصاد فعلا. (محاذير في ظل اقتصاد السوق وآلياته...رفع القوة الشرائية للأسرة..هل نحن أسر استهلاكية?!)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon