بحثاً عن الأوكسجين

لم يكن يستطيع أن يتطلّع إلى عينيها دون أن ينزلق نظره إلى جسدها المغزلي وهي تسبح وسط رفيقاتها، يشرد حالماً وهو يرى الضوء يلامس حراشفها فيهمس بكل ألوان العشق!

لم يدر إلا وجسده يصطدم بجسدها، سبح بجانبها
-  ما اسمك؟
-  سمكمك، وأنت؟
-  سموكة.
لم ينم تلك الليلة، سهر يحرس الصخرة التي نامت تحتها على ضوء القناديل، بينما نامت الأسماك حوله فاتحة"عيونها على الرعب الذي أدمنته !
وعبر ضوء الشمس الذي بدأ ينتشر شيئاً فشيئاً وجدت صدفة" كبيرة" قربها عندما استفاقت فيها باقة من القواقع الملونة !
قال لها وهما يسبحان معاً -  تعلمي أن تفتحي فمك وتأخذي الأوكسجين من الماء المحيط بك وتخلّفي وراءك كل ّما عداه، وأن تأكلي العوالق دون أن تفكري بشيء إلا بأننا معاً.
-  سمكمك؟
-  ماذا؟!
-  مياه البحر حلوة جداً هذا اليوم !
كانا يمضيان أبعد مما تخيّلاه، فاجأهما القرش ذو الفم المفتوح أبداً والذي يلتهم كلّ شيء في طريقه، وبسرعة دفع سمكمك سموكة باتجاه الشاطئ
حيث عادا مسرعين.
مرّا بسمكة صغيرة مربوطة بحبل دقيق، اقتربا منها، ليس لالتهامها فهما يعرفان أن السمكة عندما تبدأ بالالتهام وتلتهم أقرب الأسماك الصغيرة إليها
تصبح طعاما محتملاً للأسماك الأكبر منها !
فتح سمكمك فمه يريد تخليصه، تحرك الخيط فبدأ الصياد الجالس في الأعلى على الصخرة بسحبه وبصعوبة بالغة استطاع سمكمك الإفلات والابتعاد مع سموكة.
أدرك سمكمك أنه لابد من ثمن باهظ يدفعه إذا استمر في فتح فمه !
غطت سموكة جسده بجسدها الصغير، كانا يفكران في شيء واحد: كيف يهربان من شبح ظلّ الصياد الذي ارتسم فوقهما في تلك اللحظة ! كانا يفكران بصمت وقد ملأ الرعب عيونهما !
هل يمضيان حياتهما هاربين داخل شقوق الصّخور أم مختبئين في الرمال؟!
فتحا فاهيهما للأوكسجين وتقدما تاركين وراءهما شاطئهما الدافئ وقواقعهما وأصدافهما الملونة وغادرا متجهين غربا!"
وإذا بشبح أضخم يحتل سطح الماء ويلد إصبعاً مشتعلاً يهجم من الأعلى عليهما، الإصبع المخلوط بالسكر والأسمدة المخصبة بنسب مدروسة والمحضر بعناية !
التصق سمكمك بجسد سموكة وأمسكها بزعانفه الصغيرة بقوة وقفزا فوق الأشباح كلها، مفتوحي الفم يستنشقان الهواء !

هنادي زحلوط، عضوة فريق عمل نساء سورية، (بحثاً عن الأوكسجين)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon