المرأة العربية في منظور الدين والواقع.. "دراسة مقارنة"- 1

من اللغة والأساطير، عبر الأمثال المعبرة عن ثقافة عامة، إلى النصوص الدينية، تنتقل الكاتبة جمانه طه في دراستها المقارنة حول وضع المرأة في منطوق الثقافة والنصوص الدينية..

وهي الدراسة التي كانت قد نشرها اتحاد الكتاب العرب في عام 2004.
قراءة متأنية ومتفكرة هي ما يتضمنها الكتاب الذي بادرت الأستاذة طه إلى تقديمه لقراء "مرصد نساء سورية". والذي سننشره تباعا، ثم سيتم جمعه كاملا لضمه إلى قائمة الكتب المجانية المتاحة على الموقع.
الشكر الجزيل من "مرصد نساء سورية" للأديبة جمانه طه..

فهرس الموضوعات:

- الإهداء
- تمهيد

المرأة العربية من منظور الدين والواقع، جمانه طه- الباب الأول:
الفصل الأول: المرأة في اللغة
الفصل الثاني: المرأة في الأساطير
الفصل الثالث: المرأة في التاريخ
الفصل الرابع: المرأة في المثل الشعبي
الفصل الخامس: ملامح نسائية

- الباب الثاني: المرأة في الأديان السماوية
الفصل الأول: المرأة في الديانة اليهودية
التوراة:
الزواج:
 المهر:
تعدد الزوجات:
 الزنى:
الطلاق:
الإرث:
الحجاب:
الفصل الثاني: المرأة في الديانة المسيحية
في الإنجيل
جهاد المرأة
موقع المرأة المؤمنة في الكنيسة
الزواج
المهر
تعدد الزوجات
العلاقة الزوجية
الطلاق
الزنى
الحجاب
التعليم
الخلاصة
الفصل الثالث: المرأة في الديانة الإسلامية
تربية البنات
حق العمل
الحجاب
الشهادة
الإرث
القوامة
الزواج
صداق المرأة
العلاقة الزوجية
المعاشرة وحسن المعاملة
الطلاق
تعدد الزوجات
العمل السياسي

- الباب الثالث: مقولات عن المرأة من القرآن والحديث والمأثور
الفصل الأول: وليس الذكر كالأنثى
الفصل الثاني: إن كيدكن عظيم
الفصل الثالث: شاوروهن وخالفوهن
الفصل الرابع: النساء ناقصات عقل ودين
الفصل الخامس: قصة خروج آدم وزوجته من الجنة
الفصل السادس: المرأة وضلع آدم

- الباب الرابع
الفصل الأول: عصر النهضة
الفصل الثاني: العصر الحاضر
الفصل الثالث: التحديات
الفصل الرابع: العنف

- الباب الخامس: الخاتمة
- المصادر والمراجع



الإهداء

إلى أمي
التي كانت في حياتها أليفتي
وبعد وفاتها أصبحت ضميري

وإلى أبي
الذي صقل روحي بفكره المتنور
وعقله الشفيف

جمانة

تمهيد

مند سنوات كان يخيل إلي أن جيلي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي هما جيلا الزمن الصعب، ذلك لأنهما عاشا مخاض العصرنة والتحديث في مجتمع بني أساسا على الأعراف التقليدية والمورثات الاجتماعية. لكنّ الواقع يؤكد، أنّ الأجيال التي تلت ليست في وضع أفضل. فالناس في المجتمع العربي بأجيالهم السابقة واللاحقة، يعانون كبتا وجمودا ويعيشون حصارا فكريا واجتماعيا ودينيا.

قد يعود مجمل هذه المعاناة، إلى مشهد، اجتماعي- اقتصادي- ثقافي- ديني معقد ومتخلف. معقد بأهدافه ومتخلف بأدواته، فرض علبنا ازدواجية بين الفكر والممارسة، في كل المسارات الحياتية اليومية وحتى المصيرية. فبتنا ضائعين بين أصالة وتراث، بين أفكار وتطلعات حملتها إلينا رياح الغرب ونسائمه، وبين محاولات إضفاء الشرعية الدينية على التقاليد والقيم ومواقف الرجال من المرأة، وبين دعوات التحرر التي تقتحمنا وتثير العواصف حولنا وفي داخلنا. لهذا، ما استطعنا أن نحافظ  على أصالتنا نقية، وما استطعنا أن نخلّف تراثنا وراءنا، وما استطعنا أن نوازن بين التراث وبين القيم الوافدة.

فكل واحد منا يتعامل على المستوى الواقعي بأسلوبه الخاص، وعلى المستوى الفكري يأخذ بالنظريات التي ترد إليه من الخارج، وبذلك تكون النتيجة تناقضا وانفصام شخصية.
وكم مرة سمعنا من يتحدث بموضوعية وفكر عصري، ورأيناه في مواقف حياتية يمارس ما تلقاه من ثقافة تراثية مشوهة.

إن الازدواجية في المواقف تنبع من ازدواجية الثقافة، ومن ازدواجية الأحوال الاجتماعية التي نحياها في مظهرها الغربي واستخدام الوسائل الغربية في تسيير أمورنا الحياتية، وفي أفكارنا وتراثنا ومعتقداتنا الشرقية.
ومن خلال هذه التناقضات المتبدية بقوة في مجتمعنا، والمتجلية في نماذج ثلاثة: التراثي والغربي والتوفيقي، تبرز لنا قضية المرأة والمواقف المتباينة تجاهها. فالمرأة محترمة محتقرة في آن معا، الأم وهي امرأة، محترمة إلى درجة التقديس. والأخت، هي من حيث الشكل عنوان الشرف والاعتزاز، وعلى المستوى الاجتماعي هناك تذبذب في المواقف منها، وذلك تبعا لعقلية الرجال في الأسرة. والمرأة- الزوجة، محبوبة حينا ومقهورة في معظم الأحيان. لكن احترام الأم والرأفة بالأخت ومحبة الزوجة، لا تمنع الرجال من استباحتهن في شتائم تتمحور على أمكنة الشرف التي تراق الدماء على شرفها.

ومن اللافت أن الرجال، عموما، يدللون المرأة ويطلقون عليها صفة (النصف الحلو)، ويعظمون من شأنها ودورها ويقولون أنها نصف المجتمع، وهل ينهض المجتمع إلا بنصفيه؟ لكنهم في الوقت ذاته يعاملونها على أنها الأدنى، ويحاولون أن يبعدوها عن ساحة عملهم. وكأن المشكلة الحقيقية تنحصر في المرأة العاملة التي تتحدى سطوة التقاليد، وتواجه نفوذ الرجل في الأسرة والمجتمع لتضمن لنفسها كيانا اقتصاديا مستقلا. إنما هذا لا يعني أن الرجل وحده المسؤول عن وضع المرأة في المجتمع، بل إن المرأة شريكة في صنعه.
فقد سجنت نفسها في نمطية محدودة، وصدّقت أن دورها في الحياة ينحصر في خدمة الرجل، وفي إشباع رغباته الحسية وفي إنجاب الأولاد.
كما التزمت بما قالوا لها من أن الانكسار من أحسن صفات المرأة، فمارست فروض الطاعة لزوجها بكل الوسائل وكأنها استمرأت قيودها الاجتماعية ولا تستطيع التخلي عنها.
وزادت على ذلك بأنها نمّت وما تزال تنمي صفة الذكورية في أولادها، على الرغم من احتجاجها في أحيان كثيرة على ذكورية زوجها وشكواها من معاملته لها، وتربي البنات منذ البداية على أنهن مختلفات عن إخوانهن. فالذكر في مجتمعنا يكبر وفي ذهنه أنه أقوى وأفضل من أخته، والبنت تكبر وفي ذهنها أنها أضعف من أخيها وأدنى منه مكانة.

قد تكون صورة المرأة في المجتمع هي صورة سلبية، لأن الرجل سبقها إلى ممارسة نشاطه في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. لكن هذا لا يلغي صورة المرأة في الأسرة، وما تتمتع به من نفوذ في تربية الأولاد وتوجيههم وإدارة شؤونهم.

لذا فإن مسؤولية التغيير في النظرة إلى المرأة تقع على عاتقها قبل غيرها، وتبدأ من البيت ومن أسلوب تربيتها لأبنائها ذكورا وإناثا.
وإذا سلمنا بأنّ النسق الاجتماعي ثابت في بعض أجزائه ومظاهره المختلفة ومتغير في بعضها الآخر، فعلينا أن ندرك أهمية تطوير مفاهيم المورثات الثقافية والاجتماعية، وتفعيل دورها بما ينسجم ويتوافق مع آمال المجتمع الراهن وطموحاته.

والتغيير الاجتماعي يختلف في فاعليته ومداه وتأثيره من مجتمع إلى مجتمع آخر، فما كان معمولا به في الماضي في بعض المواقف، قد يكون مرفوضا في الحاضر وفي المواقف ذاتها، وما كان محبوبا في السابق، قد يكون مكروها وممجوجا الآن.

إن التغيير الاجتماعي والتناقض الذي يحكم صلتنا بالدين، حفزاني على البحث عن حقيقة ضائعة بين تشريع وعرف وتأويل وتفسير وتطبيق، وعلى التعرف بموضوعية وحرية ووعي على وضع المرأة في الدين الإسلامي، وعلى طرح أسئلة طرح بعضها أو ما يشابهها مفكرون، شغلتهم قضايا المرأة وإشكال وجودها في الدين والتراث الشعبي والمجتمع القديم والمعاصر.

هذا البحث يرمي-إن استطاع- إلى تصحيح لبس رافقنا من المهد بحكم التنشئة، واستقر في عقولنا بتأثير من العرف والعادة، وارتبط بالدين الإسلامي بفعل التأويل والتفسير لبعض آيات من القرآن، تحت وطأة مؤثرات ليست من الدين وإنما تحت وطأة التخلف لغياب العقل العلمي ولإقفال باب الاجتهاد، متناسين أن كل ما لا ينمو يضمحل وكل ما لا يتقدم يتأخر. كما أن الوجه الحقيقي لوضع المرأة في الشريعة الإسلامية ما يزال مجهولا لمعظم العامة، على الرغم من عشرات بل مئات الكتب التي كتبت حوله، وآلاف اللقاءات الإعلامية التي تستضيف باستمرار العلماء والمفكرين ورجال الدين.

والإشكال ما يزال قائما حول بعض المسائل، كالحجاب والقوامة والزواج وتعدد الزوجات والشهادة ونشوز الزوجة. ربما لأن المجتمع يغصّ برجال مسلمين يمارسون حياتهم وسلطاتهم الاجتماعية،  بعيدا عن تعاليم الدين. فيزوجون بناتهم وهن تحت سن البلوغ، من غير استشارتهن أو موافقتهن. أو يخترقون شرط العدل في الزواج الثاني، ضاربين عرض الحائط بتوجيهات المشرع: فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة (النساء:3/4)
أو يعضلون بناتهم من الزواج، أو يمتنعون عن تحرير زوجاتهم من علاقة فاشلة، متناسيين الآية: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( البقرة: 229/2)
أو ربما، لأنّ المشهد الديني قلق ومنقسم ويشكو من ترهل في بعض شخوصه.
ولا  شك في أن العادات والتقاليد التي اخترعها أفراد المجتمع وكرسوها تشريعا اجتماعيا صارما، تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في التمييز بين الجنسين في نمط العيش داخل المنزل وخارجه. كما كان للمستشرقين ودراساتهم حول الشرق العربي المسلم دور كبير في نشر صورة (الحريم) أو المرآة المحظية.
ولا ننسى أن جزءا من المسؤولية يلحق بالمنادين بتحرر المرأة، لأنهم نادوا بالمساواة بين الجنسين وليس بالتكامل بينهما، وبذلك أدخلوها في معركة مع الرجل. ونسوا أنه من الصعب تحقيق المساواة، والرجال فيما بينهم ليسوا منساوين؟ وكان من الأفضل أن ينادوا بتنمية الاختلاف والتمايز في المجتمع لأن ما يميز الواحد من الآخر هو في الوقت ذاته يوحدهما.
وإذا كما نعيش في عالم طغى عليه التفرد في الرؤية والقرار، وشاعت فيه الأحقاد، فعلينا أن نفيد من الآفاق التي يبسطها أمامنا الدين الإسلامي لنتمكن من فتح حوار واع نصل به إلى عقل الإنسان وفكره وروحه ولاسيما أن الدين الإسلامي من خلال القرآن أحلّ العقل منزلة عالية وجعله نورا يهتدي به الناس، ومن تأصيل فكر ثقافي إسلامي يعايش العصر ويتفاعل معه.
إن احترامنا الدين، يقتضي إعادة النظر في أحكام الفقهاء لأنها ليست أحكاما منزهة عن الخطأ، وإعادة النظر فيها ترمي إلى تطوير الخطاب الديني للتوصل إلى لغة ترشيدية مفيدة. كما أن تفسير المفسرين القدامى لآيات القرآن، على أهميته، ليس تفسيرا قاطعا، لأنه يبقى بحدود ملكات المفسر وتأثره بالاتجاهات الثقافية والاجتماعية السائدة في عصره.
إن اختياري دراسة إشكالية وضع المرأة بين الدين والواقع، واجتهادي في تقديم قراءة جديدة أو تفسير بالرأي لبعض النصوص، لا يعني التجرؤ على النص القرآني، وإنما الغاية هي توضيح مكانة المرأة في الدين الإسلامي.
نحن مع الدعوة التي تنادي بالحفاظ على الهوية الإسلامية، ولكن ليس عن طريق القمع والتكفير، بل عن طريق فكر عاقل يجدد في الخطاب الديني ويوصلنا إلى صحوة إسلامية حقيقية تعيد إلى المرآة كرامتها، لنثبت للعالم كله أن الدين الإسلامي هو عالمي بتشريعاته الإنسانية التي سبقت مواثيق الأمم المتحدة بقرون عديدة، وبما ينضوي عليه منهجه الاجتماعي من رحمة ومودة وتراحم. فلعلنا بهذا نسهم في تصحيح ما لحق بصورة المرأة العربية والمسلمة ومكانتها من تشويه سواء في مجتمعاتنا أم في المجتمعات الغربية.
والطريق الأمثل للوصول إلى الحقيقة هو أن نتحاور ونختلف، كي نأتلف. والحقيقة، كما يراها بعض فلاسفة المسلمين، هي دائما واحدة يمكن التسامي إليها عن طريقين اثنين: أحدهما عقلي والآخر ديني، لذا فلا تعارض ما دام هناك اتفاق في الغاية النبيلة.

يرتكز منهج الكتاب، على قراءة في دور الأنثى في نشوء هذا الكون.
من خلال قصص الخلق. ثم نقف على كيفية وجودها في مجتمعات ببض الحضارات القديمة، وعلى نظرة المثل الشعبي إليها. وبعد ذلك ننتقل إلى رحاب الكتب السماوية، للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية. وقد عمدت إلى هذه الدراسة المقارنة ليتعرف القارئ غير المسلم إلى المكانة التي منحها الدين الإسلامي للمرأة، وليتعرف القارئ المسلم على موقع المرأة في الديانتين اليهودية والمسيحية. ولعلنا بهذه الدراسة نتمكن من توضيح الصورة، ومن دحض الافتراءات الملتصقة بالدين الإسلامي، الذي يتعرض لهجمة شرسة نتيجة جهل بتعاليمه الحضارية وبمنهجه الاجتماعي المتكامل، الذي تحضر فيه المرأة  فاعلة كريمة الجانب.

وأخيرا تلقي الدراسة الضوء على واقع المرأة العربية حاليا في المجتمع. وتجدر الإشارة إلى أنني في دراستي وضع المرأة في المسيحية، اعتمدت إلى جانب الكتاب المقدس على آراء بعض المرجعيات الدينية في الكنائس المتعددة. في حين كان القرآن الكريم المصدر والمرجع الأساس في دراستي وضع المرأة في الدين الإسلامي.
في الختام، لا بدّ لي من توجيه تحية شكر وامتنان، إلى كل من ساندني في إخراج هذا العمل إلى النور، جزى الله الجميع عني كل خير.


جمانة



الباب الأول

الفصل الأول
المرأة في اللغة العربية

جاء في معجم اللسان تحت مادة (أنثى)، ما يلي: أنث وأناثة: لأن الحامل إيناثا: ولدت أنثى فهي مؤنث. أنَّث في الأمر: لان ولم يتشدد. تأنَّث: طاوع، ولم يتشدد، وتشبه بالأنثى.
وتحت مادة (امرأة)، جاء في معجم الصحاح (1) ولسان العرب (2) وتاج العروس (3) ما يلي: المرء: الرجل. والأنثى مرأة. يقال هذا مرء صالح، وبعضهم يقول هذه مرأة صالحة. والمرء الإنسان رجلا كان أو امرأة. وإذا عرّفوها قالوا: المرأة أو الامرأة. وللعرب في المرأة ثلاث لغات : يقال هي امرأته وهي مرأته وهي مَرَته.
يقول ابن الأعرابي (4) إنه يقال للمرأة إنها لامرؤ صدق، كالرجل وهذا نادر. ولا يوجد في اللغة العربية جمع لكلمة امرأة، لذا استخدموا لفطة أخرى تخص المرأة دون الرجل وهي لفظة نساء وقد جاءت من نسأ ينسأ. ونسيء هي المرأة المظنون بها الحمل. ويقال نَسْءٌ كالنسوة على فعول. ونَسوء ونسوة ونساء أي تأخر حيضها ورجي حملها.
وفي لسان العرب، مادة رجل نجد أن علماء التربية أنثوا لفظة رجل، وأطلقوا (رَجُلَة) على الأنثى, وقد أكد الميداني هذا المعنى، حين ذكر في أمثاله أن أول مثل قالته العرب هو:  (المرأة من المرء، وكل أدماء من آدم) (5).
ونتيجة لهذه القراءة المعجمية، نستطيع أن نؤكد وجود تناسق مهم ولافت في اللغة العربية، ولا سيما في الألفاظ التي تخص الأنثى، فلفظة امرأة وإن كانت مشتقة من لفظة (مرء)، إلا أنها في المحصلة لفظة مؤنثة متفردة عن اللفظة الأخرى (المرء) أي الرجل.
وبروز التأنيث سمة بينة في اللغة العربية، مثل غيرها من اللغات السامية. وألفا التأنيث في لغتنا لا تقل عددا عن ألفاظ التذكير. ولو نظرنا فيما حولنا لوجدنا أن جُل الأسماء في الطبيعة هي أسماء مؤنثة، مثل: السماء، الأرض، الشجرة.
وبعض الصفات مثل، الشجاعة والفصاحة والمروءة. وبعض الطقوس الدينية، مثل الصلاة والزكاة. إلى جانب الحياة، والحقيقة والشهادة والجنة وجهنم.
وقبل هذا وذاك، اللغة العربية والأبجدية والبشرية والإنسانية والمدنية والحضارة. مما يؤكد حضور الأنثى في منطوق اللغة من الأسماء والصفات.
وإذا عدنا إلى المعجم الصوفي وبعض المواد فيه، مثل: أم، أرض، أنثى، نخلص إلى أن كل ما في الكون أنثى ، لأنه محل زرع وحرث، محل بذر وإنتاج.
يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، في الفتوحات: (5)
إنّا إناث لما فينا يولده                   فالحمد لله ما في الكون من رجلِ
أنّ الرجال الذين العرف عينهم          هُم الإناث وهُم نفسي وهُم أملي

((فابن عربي يقارب المرأة، لا من جهة كينونتها الإنسانية، ولا من جهة موقعها من ذات الرجل ووجدانه، بل من جهة كينونتها الإنسانية ، ولا من جهة موقعها من ذات الرجل ووجدانه، بل من جهة كونها أنثى ، إحدى مراتب الوجود.
وهي مرتبة القابلية والانفعال والتأثر، هي محل الإلقاء والبذر والاستحالات والإيجاد والتكون والظهور، فكل منفعل وقابل للإلقاء والتكون، ومحل للظهور والإيجاد فهو أنثى وإن كان ذكرا.)) (6)
ولا بد من أن نشير إلى أن التمييز الذي يراه علماء اللغة بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي، والذي "لا يعفي المؤنث المجازي من الخضوع لكل آليات التصريف التي يخضع لها المؤنث الحقيقي. وهو أمر يكشف عن تصور أن (الذكير) هو الأصل الفاعل ، والمؤنث لا فاعلية له . وبحكم هذه الفاعلية للمذكر من حيث هو الأصل الفاعل تصر اللغة العربية على أن يعامل الجمع اللغوي معاملة (جمع المذكر) حتى ولو كان المشار إليه بالصيغة جمعا من النساء بشرط ان يكون بين الجمع رجل واحد. هكذا يلغي وجود رجل واحد مجتمعا من النساء فيشار إليه بصيغة جمع." (7)

هوامش الباب الأول، الفصل الأول:
1- الجوهري، إسماعيل بن حماد (332هـ، 393هـ)
2- ابن منظور، محمد بن مكرم (630هـ،711هـ)
3- المرتضى الزبيدي، محمد بن محمد (1145هـ، 1205هـ).
4- محمد بن زياد، راوية وعلاّمة باللغة (150هـ، 231هـ).
5- ج4: 445
6-  د. سعاد الحكيم، بحث في مجلة التراث العربي: اتحاد الكتاب العرب، عدد 80، تموز 2000
7- المرأة في خطاب الأزمة: نصر حامد أبو زيدن ص21-22



الفصل الثاني
المرأة في الأساطير

كثيرا ما تتردد على مسامعنا عبارة (الأنثى هي الأصل)، فإلى أين تعود جذور هذه المقولة، وما المقصود بها؟
وإذا كانت الأنثى حقا هي أصل الخليقة، فكيف تم لها ذلك ، ومتى ؟ ولماذا رفعت إلى مصاف الإلهة العليا؟ ولماذا فيما بعد أنزلت المرأة منزلة التابع؟ وكيف تم للرجال اكتساب السلطة والسيطرة، التي سمحت لهم بتنظيم العالم، وفق رؤاهم وأهواهم.؟
وافق معظم الباحثين عن الآثار على فكرة أن المرأة كانت مقدسة باعتبارها الكائن المقدس الأساسي. ووافقوا على أن معظم المجتمعات كانت أصلا مجتمعات تعتمد على النسب الأمومي والنظام الأمومي، ودعموا نظرياتهم بعدد كبير من الأدلة.
وتعتقد الباحثة (مارلين ستون)، ((تقديس الإلهة المرأة وعبادتها في أجزاء كثيرة من العالم القديم شكلت اختلافات حول القيمة. ومن الصعب فهم شدة وأهمية التبجيل المقدم للربة عبر مرحلة تقدر إما بخمسة وعشرين ألف سنة كما يشير إلى ذلك الدليل الباليوليثي الأعلى، أو حتى سبعة آلاف سنة فوق أميال من الأرض متجاوزا الحدود القومية والمساحات الضخمة للبحر)) (1)
وقبل أن نؤيد، ستون وغيرها، أو نعترض، علينا أن نجيب عن تلك التساؤلات بالعودة إلى الأساطير التي هي ذاكرة الإنسانية، لكونها تحفظ الأحداث غضة طرية ما يتيح لنا أن نمسك من خلال رمزيتها بمفاتيح التغيير الذي يشمل المجتمع بمكوناته الثقافية والفكرية.
يرى (أريك فروم erich froman): ((أن الأسطورة كما الحلم، تكمن أهميتها في تقديمها حكاية تشرح بلغة الرمز حشدا من الأفكار الدينية والفلسفية والأخلاقية، وتعرض خبرات غنية للحياة النفسية. ولا شك أن جماعات مختلفة تخلق أساطير مختلفة أيضا، كما هو الأمر عندما يحلم أفراد مختلفون أحلاما مختلفة. غير أن هذا التنوع والاختلاف لا يمنع من كون الأساطير وجميع الأحلام يجري تهجيها بلغة واحدة هي لغة الرمز.)) (2).
والأساطير، على كثرتها وتنوعها واختلافها في الأساليب والتسميات والأهداف، تتقارب إلى حد التوحد في موضوع المرأة. وهذا الأمر ملحوظ في قصص الخلق الأولى والخروج من الجنة ونشوء العالم البشري.
ونقطة الانطلاق في هذا المجال تأتي من العصر النيوليتي، الذي كان له تأثير مباشر على الأشكال الأسطورية في جميع الثقافات اللاحقة. ((فالربة العظمى، الجدة المقدسة، عبدت منض بدابات العصر النيوليتي7000 سنة قبل المسيح))، ((وبعض الباحثين الموثوقين يمدون عبادة الربة بعيدا في الماضي حتى العصر الباليوليثي الأعلى الذي يمتد إلى 25000 سنة قبل لميلاد))(3).
((فالديانة النيوليتية الأولى، ديانة زراغية في اعتقادها وطقوسها. والأسطورة الأولى، هي أسطورة زراعية تركز حول إلهة واحدة، هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي، وشكلها المدجن الجديد الذي تشارك يد الزارع في قولبته وتأهيله)) (4).
((وإلى جانب الإلهة الكبرى نجد، ابنها الذي دعته عصور الكتابة بتموز أو أدونيس. ولا ندري بأي اسم دعاها عبدتها الأولون. ولكننا نعثر على تماثيلها في كل موقع من مواقع العصر النيوليتي، هذه التماثيل التي ابتدأت طينية صغيرة على شكل دمى ، وانتهت حجرية ضخمة تسكن المعابد الكبرى. لذا نستطيع ان نقول، إن الصورة المرسومة للمرأة في ضمير الجماعة، لعبت دورا كبيرا في رسم التصور الديني والغيبي الأول في ولادة الأسطورة الأولى))(5).
وقد ((استقى الفكر البدني للتكوين عناصره من الظواهر الطبيعية التي تفاعلت في مخلية الإنسان الأول، لتعطي فيما بعد كل الولادات الأخرى)) (6).
فالسومري، بعد إطلاعه على نتاج حضارات سبقته، ((فكَّر أنّ الكون مغلف بالمياه. وأن الأرض تسبح في جوف هذه المياه على شكل صحن. وأن الأم الإلهية (نمو) هي أصل الكون، وأمّ الجيل الأول من الآلهة. وهي التي أنجبت أول كتلة متمايزة عن الماء، على شكل جبل بدني تغمره المياه من كل جانب. وفي داخل ذا الجبل، ولد الجيل الأول من الآلهة، ثم انقسم الجبل إلى نصفين كما الصدَفًة، فصار الشق الأعلى سماء وارتفع، وصار الشق الأسفل أرضا واستقر)) (7).
في بابل، طور الإنسان البابلي الأسطورة السومرية بأسلوب يتناسب وتطوره العقلي والفكري. وذلك في الملحمة الأسطورة المعروفة باسم ال (إينوماأيليش) ومعناها (عندما في الأعالي)، ووجدت موزعة على  سبعة ألواح فخارية.
تقول الأسطورة: ((في البدء لم يكن في الأعالي سماء، ولم يكن هناك في الأسفل أرض، وإنما كان الكون عبارة عن عماء مائي موحد. ومن هذا العماء تظهر صورة زوجين من الآلهة هما (آبسو) المياه العذبة، و(تيامات) المياه المالحة. وكانا كتلة مظلمة لا شكل لها، تحيا في سكون مطلق. إلى أن تحركت الأمواه العذبة
والمالحة، وتداخلت وامتزجت فأنجبت (ممو) الذي بدوره أنجب جيلا من الآلهة الفتية. اولذين أخذوا يقلقون الأم (تيامات) ويهزون جوفها، ويملؤون بطنها صخبا وضجيجا. فشكت إلى(آيسو) معاناتها، قائلة له: لقد غدا سلوك هؤلاء الصغار مؤلما لي، فلا راحة في النهار ولا رقاد في الليل. فقال لها (أيسو): لأدمّرنهم جميعا، وأضع حدا لأفعالهم. إنما (تيمات) ترفض هذا الإسلوب المتعسف، لكن (آبسو) لم يتراجع عن تنفيذ فكرته بإبادة أولئك الصغار. وقد علم بنية (أبسو)، الإله الصغير (إيا) وهو العالم بكل شيء، فنفخ عليه تعويذات أغرقته في سبات عميق. حزنت (تيامات) لما حدث، وقررت الثأر لشريكها فاتحدت ب(كنجو) إله الشر، ومعا أنجبا نجوم السماء الشبحية التي سيطر عليها (كنجو) بصفته حارس ألواح القدر. وهذا الاتحاد، أعاد الخوف إلى قلوب الآلهة الفتية، ما عدا قلب (مردوخ) الذي نادى بقدرته على تحدي (تيامات) وحليفها, وطلب من الآلهة الصغار أن يمنحوه تأييدهم ليخلصهم من سطوة (تيامات) وحلفها، على أن يكون فيما بعد هو السيد المطلق.
وبالفعل، انتصر (مردوخ) على (تيامات)، وتمكن من قتلها ومن تقسيم جثتها إلى شطرين: شطر رفعه إلى أعلى فكانت السماء، وشطر بسطه تحت قدميه فكانت الأرض. (الأسطورة مستقاة من كتب سبق ذكرها).
ويشكك البروفسور (ادوارد تشيرا) من جامعة شيكاغو، في أن يكون(مردوخ) هو الذي خلق السماء والأرض، ويقول: ((إن(مردوخ) لم يكن محقا أبدا في أن ينسب لنفسه مجدا في إنجاز هذا العمل العظيم)). ويغزو تصرف (مردوخ) هذا، (لكون بابل في عصر حمرابي كانت عاصمة المملكة، لذا استطاع (مردوخ) الذي استعادته جيوش حمورابي أن يعلن أن يعلن أنه الإله العظيم)) (8).
وجاءت نتائج هذه الملحمة الأسطورة، بعيدا عن اسم البطل بالغة التأثير، إذ لم تكتف بتجريد الأم (تيامات) من قوتها وسلطتها وانشطارها إلى قسمي، بل شوهت صورتها كأم، وصنعت منها رمزا للوحشية والمخاتلة، فمنحتها لبوس القدرة على التحول بأي شكل تريد، لا سيما ذلك التحول الذي تتخذ فيه مظهر أفعى منتصبة ومتصلبة، مقلدة شكلا وموضوعا عضو الذكورة في حالة الانتصاب، ونظرة واحدة إليه لتدفع الإنسان إلى الرزيلة والتهتك.
ومع ذلك الفيض التلقائي في الأسطورة البابلية، الذي يتحول إلى إنقسام بالإكراه والقتل، يمارسه الإله (مردوخ) الذكر الاسمي، على الأم الكبرى . تعترف هذه الأسطورة بدور الأم الكبرى، في إخراج هذا الكون من حيّز الهيولى إلى حيز الوجوج. إلا أنها تجعل منه دورا سلبيا، وذلك حين تغدو الأم الكبرى مادة، لفعل الإله الذكر لا مصدرا تلقائيا للشعاع. ومرحلة، يتجاوزها (مردوخ) ليبني مجمع آلهته الجديد على أشلاء جسدها. هذا الجسد الذي كان أصلا خميرة الخلق، الخلق بمحبة المرأة، لا الخلق بقسوة الرجل,
((إن قتل الأم في هذه الأسطورة، يعكس رغبة الرجل سيد الحضارة الجديدة، في الخروج من حضن الطبيعة، والتحكم فيها، وتوجيهها لمصلحته بعد تاريخ طويل من الاستسلام والعيش في كنفها.)) (9).

بعد خلق الكون في الأسطورة، يأتي خلق الإنسان الذي تنشأ حياته أيضا من الموت. ولأن ((الخلق بالميلاد في النظام الأمومي كان يعتمد مادته الأساسية دم الحيض، كان لا بد من إعادة صياغة الأدلوجة بما يتفق والشكل السيادي الجديد. ولأن مفهوم التكوين من الدم بات راسخا فقد لجأت الأسطورة الذكرية إلى صياغة جديدة تلاءم مع الظرف الجديد)) (10).
فالألهة الذكور عندما قرروا خلق البشر، قاموا بذبح إله صغير يدعى (كنجو)، وعجنوا التراب بدمائه الشيطانية، ومن هذا العجين تم خلق الإنسان الذي تأصلت فيه رغبة الشر والأذى، بفعل تلك الدماء.
وتخبرنا أسطورة بابلية أخرى بأن الأم الكبرى هي التي خلقت الإنسان، وليس الآلهة الذكور، وتقول: "بعد أن كلّت الآلهة من عناء العمل اليومي، أتت إلى الأم الكبرى طالبة منها خلق الإنسان ليحمل عنها عبء العمل، قائلة لها:
((أنت عون الآلهة (مامي) أيتها الحكيمة. أنت الرحم الأم، اخلقي الإنسان فيحمل العبء، ويأخذ عن الآلهة عناء العمل. فتحت (ننتو) فمها وقالت للآلهة الكبار: لن يكون لي أن أنجز ذلك وحدي، لكن بمعونة (إنكي) سوف يخلق الإنسان الذي سوف يخشى الآلهة، ويعبدها. فليعطني (إنكي) طينا أعجنه. فتح (إنكي) فمه، وقال: في الأول والسابع والخامس عشر من الشهر سأجهز مكانا طهورا، وسيذبح هناك أحد الآلهة، وبلحمه ودمائه ستعجن (ننتو) الطين وتصنع إلها وإنسانا معا، وسيتحدان في الطين أبدا))(11).
وقد تكون هذه الأسطورة البابلية، منتحلة عن أسطورة خلق سومرية، تقول: إن الأم الآلهة اخذت طينا من فوق مياه الأعماق وصنعت له أعضاء، ثم علّقت عليه بعد الانتهاء صورة الآلهة ليكون شبيها بها.
وترد فكرة خلق الإنسان من طين بأشكال مختلفة في أساطير شعوب مختلفة. ففي إفريقيا أسطورة تقول: ((إن (مبيري) الإله الخالق قد أخذ حفنة من الطين وصنعها على شكل (عِظَاية)(12) ثم وضعها في بركة مليئة بماء البحر مدة سبعة أيام، ولمّا أتى إليها في اليوم الثامن رفعها وإذا بها إنسان كامل))(13).
ومن التراث الهندي الأمريكي، نقرأ: ((أن طوفانا غمر العالم وقضى على جميع الناس، ما عدا امرأة واحدة، لكن هذه المرأة شعرت بالوحشة والوحدة، فأخذت تبكي وتشكو للآلهة أمرها. وبعد فترة أتاها رسول سماوي، وقال لها: هل تذكرين كيف شكلت الآلهة الإنسان الأول! فعرفت المرأة القصة من ذلك، وراحت تصنع دمى من الطين، لكنها شعرت بخيبة الأمل عندما لبثت هذه الدمى ساكنة لا حراك فيها، فقال لها الرسول السماوي: تفكري كيف أحيت الآلهة الإنسان الأول، فقامت ونفحت في أنف الدمى، فإذا هي بشر تتحرك))(14).
وتتعدد وتتلون قصص الخلق بتعدد الشعوب واختلافها، ففي قصة الخلق الهندية، نجد أن ((المبدع الإلهي (تواشترى) حينما فكر في ان يخلق المرأة، وجد أن مواد الخلق قد نفدت كلها في صياغة الرجل. ولم يبقى لديه من العناصر الصلبة بقية، فأخذ يصوغ المرأة من القصاصات والجذاذات التي تناثرت من عملية الخلق السابقة)) (15).
وتؤكد أسطورة الخلق الصينية، أن (بان كو) ظلّ يكدح ثمانية عشر ألف عام إلى أن كوّن الأرض. ثم شكّل الرياح من أنفاسه، والرعد من صوته، والأنهار من عروقه، والأرض من لحمه، والنبت والشجر من شعره، والمعادن من عظامه، والمطر من عَرقَه. أما الحشرات التي كانت تعلق بجسمه أثناء العمل فقد حولها إلى آدميين))(16).
وتزخر الحضارة الفرعونية بأساطير لا حصر لها، منها: ((أن السماء هي الإله (سيبو) والأرض هي الإلهة (نويت) ونتيجة نوم سيبو على نويت ولدت كل الأشياء))(17).

ومع مرور السنين تطورت هذه الأساطير وتضخمت، بفعل ما اتصل بها من قصص جديدة وتأويلات مختلفة، لتتمخض في محصلتها عن أسطورة خلق المرأة من ضلع الرجل، وعن تمكنها بالتواطؤ مع الحية والشيطان من إخراجه من الجنة.
وقصة الجنة والشجرة المحرمة والأفعى والمرأة الغاوية، موجودة في جميع الأساطير والقصص الشعبية في العالم كله. وقد أظهرت جميع هذه القصص أن هناك جنة، وفي الجنة أشجار، منها شجرة محرمة، وفيها أيضا أفعى تنفثت السم، وتسلب الجنس البشري ميزة الخلود، وجميع القصص تجعل المرأة دوما هي الأداة التي تتخذها الحية، أو يتخذها الشيطان وسيلة لإيقاع الإنسان في الشر الجميل، سواء كان اسم هذه المرأة حواء أو ليليت أو بندورا أو ويوسي كما ورد اسمها في قصص (شي جنج) الذي يقول: ((إن كل الأشياء كانت في بداية الأمر خاضعة للإنسان، لكن امرأة ألقت به في ذل الإستعباد، فشقاؤه لم يأت من السماء، بل جاءت به المرأة، وهي التي أضاعت الجنس البشري))(18).
ويذكر (روبرت برايرولفت) في كتابه(الإمهات)، ((أن اليونانيين اعتقدوا بأن عدد أضلاع الحية يعادل عدد أيام الشهر القمري. وفي ذلك تعبير رمزي عن صلة المرأة بالحية....)).
ويذكر أيضا عن أسطورة من الكونغو، تقول: ((عندما أحاقت كارثة الطوفان الكبير بالأرض، عمّ الذعر المخلوقات وأعادهم إلى أصولهم الأولى. فتحول الرجال إلى قرود وتحولت النساء إلى أفاع))(129).
ومن اللافت، أن الديانات الرافدية برأت ساحة المرأة من وزر إغواء الرجل، ومن التسبب في إخراجه من الجنة. واعتبرت الرجل الذي بقي بعد الطوفان هو المسؤول الوحيد عن هذا الخروج: ((فالطوفان أهلك الناس جميعهم عدا تجتوح الحائك، الذي أكل من الشجرة المحرمة فخسر الحياة الخالدة))(20).
ومع هذا الاتحاد الجسدي لآدم وحواء، ظهر في العالم مفهوم (خطيئة الجسد)، واستمر عبر الزمن مقيما في ضمير كل البشر على اختلاف عقائدهم ودياناتهم. ((فالمرأة وقد دفعتها الأفعى في الساقطة الأولى، لذا كان لا بد وأن تكون حواء هي المثال الأول للغواية والضلال))(21).


هوامش الباب الأول، الفصل الثاني
1- عندما كان الرب أنثى، ص49
2- عن مغامرة العقل الأولى، فراس سواح، ص24
3- مارلين ستون، ص16
4- التوراة والتراث السوري، مفيد عرنوق، ص49
5- لغز عشتار، ص53
6- لغز عشتار، ص53
7- بتصرف عن لغز عشتار،ص53
8- مارلين ستون، ص18
9- لغز عشتار
10- رب الزمان، سيد القمني، ص215
11- البابليون: الكسندر هايدل، نقلا عن لغز عشتار، ص203
12- ج. عَظَاء وعِظَاء، وهي دويبة ملساء تعرف عند العامة بالسقاية وهي أنواع كثيرة. (المنجد)
13- مغامرة العقل الأولى، ص51
14- نفسه.
15- قصة الحضارة: ج3، ص178.
16- المرجع السابق: ج4،ص14.
17- المرجع السابق: ج2، ص156.
18- المرجع السابق:ج2، ص369.
19- لغز عشتار، ص39.
20- قصة الحضارة: ج2، ص31.
21- الجنس في العالم القديم، ص23.


جمانه طه، (المرأة العربية في منظور الدين والواقع.. "دراسة مقارنة"- 1)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon