لم أكن قد قرأت عن فلم الهوية للمخرج غسان شميط أية إشارات حول مضمونه، لكني سمحت لمخيلتي الرائعة أن تشكل معانِ ومضامين حول ما قد تكون عليه هويتنا الإنسانية في هذا الخراب العام،
حيث يتغلغل الفقر والفساد والبطالة في مجتمعنا إلى الحد المرفوض إنسانياً.. لكني عندما وصلت إلى دار الأسد للثقافة والفنون ذهلت بذلك الكم الهائل من الشباب بشكل خاص وقد تزاحموا على فلم الهوية متحمسين متدافعين..! مئات الشباب بلا هوية للمستقبل أو للحاضر.. بلا هوية للمرحلة التي يعيشونها.. للهواء الذي يتنفسوه ، للأرض التي يتماوجون فوقها تائهين متناسين هوية أرواحهم المستهلكة على امتداد هذا الوطن .. ظننت أن مضمون الفلم سيكون عن ضياع هويتهم هم في عالم لا شكل له ولا طعم ولا لون ولا أحلام.. ظننت أننا شباب هذا الوطن على امتداده سيحظون للمرة الأولى بفلم خاص عن معاناتهم، وأحلامهم المرتبة في حقيبة سفر تنتظر فرصتها الأولى، المستحيلة، على أول طائرة ولو إلى الجحيم..!! إن استهجاني هذا لا يتعلق بفكرة الفلم التي لن يتسنى لي حق إبداء الرأي بها، فقط لأنها قضية بديهية لنا جميعاً، بل يتعلق بذلك الشعور الغريب لذلك التزاحم لأكثر من 1500 من الحضور الذين غابوا عن أفلام تفوق الأفلام السورية روعة سواء بالمضمون أو بالإخراج أو بالتقنيات..!! وهذا الاستهجان نفسه جعلني أتساءل، وأنا أتنقل بين العروض المختلفة والمتنوعة والغنية: هل حاصرتنا القضايا المحلية إلى درجة أننا نسينا القضية الأهم وهي "لإنسان"..!! الإنسان الذي حلق وتدفق في بحر من الموسيقا والجمال إلينا عبر الفلم الألماني" أربع دقائق"! أربع دقائق تضعنا أمام تاريخ البشرية المليء بالحروب والدماء، أمام تاريخ كان يمكن أن يكون أسمى وأقل عنفا لو كنا أكثر تطلعاً للحضارة والرقي، لو كنا أكثر إيمانا بالإنسان والجمال... والموسيقا هي سلاحنا الرائع في قتل اليأس والمضي قدما في حياة تحلق بنا فوق الخراب.. الخراب الذي يصنعه الآخرون ليسودوا..
ردينة حيدر، عضوة فريق عمل نساء سورية، (الهوية.. id!!)، rudy@nesasy.org
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon